Al Sabîl

Index

Table des matiéres
Résumé
Télechargement
Texte Integral
Notes
Bibliographie
Auteur

Information

02 | 2016

دار الباي بمدينة القيروان بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين

منى كمّون

الملخص

 نهتم في هذه الدراسة بدار الباي بمدينة القيروان تاريخيا ومعماريا بين 1860 و1933م على ضوء ما ورد في بعض المصادر ووثائق الأرشيف. والتي تكشف عن وجود دار للباي بحومة الباي من حومة الأشراف. وتقرّ هذه الوثائق بتحول ملكية دار الباي إلى نقيب الأشراف حمدة العواني عن طريق الهبة. واستعنا بالبحث الأثري الذي مكننا من تحديد موضعها على وجه الدقة، ودراستها معماريا. فوجدنا معلم يعبر من خلال هندسته عن قدرة صناع البناء بمدينة القيروان على بناء مسكن مندمج في بيئته الطبيعية. ويتجلى ذلك في تعدد فضاءات الخزن من هري ودهليز وكمّي. كما تعبر العناصر والمكونات الفنية عن تيارات فنية ذات أصول أندلسية وعثمانية و أخرى إيطالية.

Dans cette étude, nous nous intéressons au Dar El Bey dans la ville de Kairouan, sur le plan historique et architectural, entre 1860 et 1933 après JC, à la lumière de ce qui a été rapporté dans certaines sources et documents d'archives. Ce qui révèle l'existence d'une maison pour le Bey à Houmt El Bey, Houmt Achraf. Ces documents reconnaissent le transfert de propriété de Dar Al-Bey au chef de l'Association d'Achraf, Hamda Al-Awani, par le biais d'un don. Nous avons eu recours à des recherches archéologiques, qui ont permis de déterminer son emplacement exact et de l'étudier architecturalement. Nous avons trouvé un repère qui exprime, à travers son architecture, la capacité des bâtisseurs de la ville de Kairouan à construire une habitation intégrée à son environnement naturel. Cela se voit dans la multiplicité des espaces de rangement, dont un couloir, un vestibule et une grande surface. Les éléments et composants artistiques expriment également des courants artistiques d’origine andalouse, ottomane et italienne.


In this study, we are interested in Dar El Bey in the city of Kairouan, historically and architecturally, between 1860 and 1933 AD, in light of what was stated in some sources and archival documents. Which reveals the existence of a house for the Bey in Houmt El Bey, Houmt Ashraf. These documents acknowledge the transfer of ownership of Dar Al-Bey to the head of the Ashraf Association, Hamda Al-Awani, through a gift. We used archaeological research, which enabled us to determine its exact location and study it architecturally. We found a landmark that expresses, through its architecture, the ability of builders in the city of Kairouan to build a dwelling integrated into its natural environment. This is evident in the multiplicity of storage spaces, including a corridor, a vestibule, and a large area. The artistic elements and components also express artistic currents of Andalusian, Ottoman, and Italian origins.

الكلمات المفاتيح

القيروان، دار الباي، حومة الشرفة، حسين بن علي، عامر باي، الموقع، العمارة السكنية. 

المرجع لذكر المقال

منى كمّون، دار الباي بمدينة القيروان بين القرن الثامن عشر والقرن العشرين : السبيل: مجلة التاريخ والآثار والعمارة المغاربية[نسخة الكترونية] عدد 2، سنة 2016 :الرابط
http://www.al-sabil.tn/?p=2495

تحميل

Cliquez pour télecharger l’article

مقال

 تعتبر مدينة القيروان من بين أهمّ المدن ببلاد المغرب وأحسنها منازلا وأسواقا ومثلت مركز إشعاع حضاري، حيث تميّزت بثرائها المعماري. واتسمت بخصوصيات تخطيطية وإنشائية وفنية. وظلّت محافظة عليها طيلة العصرين الوسيط والحديث. ومثلت مصدر إلهام وتأثير في كل العمائر المجاورة، شرقا وغربا، على غرار جامعها الكبير وزواياها ومدارسها وفسقياتها وغيرها من المعالم المدنية ومن ضمنها المعالم السكنية.

ونظرا لأهميّة المدينة الاستراتيجية وبعدها الرمزي، أولاها حكام البلاد في مختلف الحقبات عناية خاصّة. ونذكر من بينهم حسين بن علي(1705-1740م) الذي قام في بداية حكمه بتعمير ما خرب منها زمن مراد الثالث (1696-1702). فتوجه إلى ترميم المساجد وتجهيزها بكل المستلزمات الضرورية لإقامة الشعائر الدينية من زيت وحصر وأدوات. وهو ما أعاد إليها انتعاشها واستقطابها للسكان الذين وفدوا إليها من جديد من مختلف الجهات والأقطار "وعمّرت المدينة أحسن عمارة1".

وقد فرّ حسين بن علي إلى مدينة القيروان سنة 1735م لما اشتد الصراع بينه وبين ابن أخيه علي باشا. واستنجد بأهلها الموالين له. فسهّلوا عملية استقرار الباي وأبنائه وأنصارهم داخل المدينة. وأقام الباي بالمدينة إلى تاريخ قتله على يدي يونس بن علي باشا سنة 1740م2. ولم يكن التجاء حسين بن علي إلى القيروان من فراغ أو نتيجة الظرفية فقط، وإنّما هو حصيلة علاقة متجذرة بين الباي والمدينة وأهلها وأساسا أعيانها. ومن دلالاتها سياسة التعمير التي توخاها تجاهها واتخاذه مقرا سكنيا بها يرتاده عند خروجه بمحلة الشتاء. كما نرجح أنه استقر خلال فترة صراعه بداره الكائنة بالمدينة والتي عرفت باسم "دار الباي".

نلاحظ بالعودة إلى المصادر المختلفة، إشارات متعددة عن هذه الدار. بيد أن الوثائق الأرشيفية والذاكرة الشّعبيّة، إلى يومنا هذا، تومئ إلى وجود دارين تحملان اسم دار الباي بالقيروان.  توجد الأولى بحومة السّادة الأشراف. وتوجد الثّانية بحومة الجامع.  وقد جنحنا في هذا العمل إلى دراسة دار الباي بحومة السادة الأشراف كأحد نماذج الدور القيروانية التي تعود إلى القرن الثامن عشر. وتعرف هذه الدار بدريبة العواني. وتنسب إلى عائلة العواني الحسيني من أشراف القيروان والذين ينتسبون لآل البيت3. ولا تزال تحتفظ بالكثير من مكوّناتها ووحداتها المعمارية رغم ما تعرّضت له من عمليات ترميم وإصلاح عبر تاريخها. ونهدف من خلال ذلك إلى تقصّي مختلف مميّزاتها المعمارية والزخرفية. وتبيّن مختلف التأثيرات الأندلسية والعثمانية والأوروبية. ورصد أهم التحولات والتغييرات التي عرفتها هذه الدار. 

ويدعونا ذلك إلى النّظر في زوايا متعدّدة. ويعد إشكال موضعها من أهمها. كما تطرح مسألة دور الباي حسين بن علي ومن خلفه على عرش الإيالة في الدفع العمراني والمعماري لهذه المدينة من خلال النموذج المدروس. واعتمدنا في ذلك على وثائق أرشيفية مختلفة، بالإضافة إلى بعض النصوص المصدرية ونتائج الدراسة الميدانية. وينقسم العمل إلى محورين أساسيين. يتعلق الأول بقراءة المادة المصدريّة والأرشيفيّة والنظر في ما تطرحه من لبس حول موضع دار الباي. ويتمثل المحور الثاني في دراسة الخصائص الهندسية التخطيطية والزخرفيّة والبحث عن نقاط التقائها واختلافها مع مثيلاتها في مدينة تونس.

إشكاليّة التّسمية والموقع: دار الباي بحومة الجامع وبحومة الشّرفاء

لقد أقرّت النصوص باستقرار حسين بن علي وأبنائه وأقاربه بمدينة القيروان بداية من سنة 1735م بعد فراره من ابن أخيه علي باشا4. وهو نص صريح وواضح حول المسألة. كما أنّ دار الباي كانت موجودة فعلا في القيروان حتى قبل انقلاب علي باشا. وكان يستقر بها الباي عند خروجه بالمحلة. فقد ورد في مصنف الصغيّر بن يوسف "ولمّا جاء الشّتاء وحضر وقت خروج المحلّة إلى بلاد الجريد وسافر بها ابن أخيه علي باشا كعادته إلى أن وصل إلى توزر وأخذت القياد في خلاص المال والعوايد وخرج بعده عمّه بمحلّته كما قدّمنا إلى أن وصل إلى القيروان ودخل داره وبإزاء القيروان نزلت محلّته، وجلس للأحكام والفصل بين الأنام...فيبعث السيّارة إلى عمّه ويشاوره على رحوله فيأمره بالرّحيل ويخرج الباي حسين من دار القيروان ويدخل المحلّة5". ويتضح أنّ حسين بن علي باي كان يقيم بالقيروان وقت خروج محلّة الشّتاء نحو توزر، ويقضي فيها بالأحكام. ونلاحظ في نصّ آخر من المشرع أنه اتّخذه مجلسا مع الشّيخ داود النّابلي والشّيخ سيدي عاشور عيّاط "ووصلت الكرّيطة إلى دار الباي حسين بالقيروان6". وقوله "ولمّا طال المجلس خرج الشيخ سيدي عاشور من البيت، قال له الباي: أين تريد يا سيّدي. قال له الشّيخ عاشور: أين يريد الله. وذهب من عنده وخرج من دار الباي ودخل القيروان7".

نجد أثر دار الباي في وثائق الأرشيف في حسابات بيت خزندار حيث تشير دفاتر المحاسبة المؤرّخة فيما بين سنة 1123هـ/ 1712م8 و1146هـ/1733-1734م إلى مصاريف دار سيدنا بالقيروان. وتشير الدفاتر إلى ما أنفقه الوكيل محمد دعدوش من مصاريف للبناء والترميم "وخرج على يدي في حقّ دار سيدنا بالقيروان في حق جير وياجور وأجر معلمين" ½192 ريال و½11 ناصري كما اشترى دار بـ 130 ريال ليزيد في مخزن مراكيب سيدنا بالقيروان. وجعل لهذه الدار مماليك لخدمتها من بينهم "رجب المملوك"9. وسبق بناء هذه الدار الفتنة. ويبقى الاشكال قائما حول موضعها فهل هي الدّار الموجودة إلى اليوم بحومة الجامع على مقربة من القصبة والتي تشير إليها أمثلة المدينة المنجزة خلال الفترة الاستعمارية؟10 ولماذا تغافلت النصوص المكتوبة وخاصة نصّ المشرع الملكيّ عن ذكر اسم الحومة وعن تحديد الموقع؟

كانت دار الباي الموجودة بحومة الجامع تقوم مقام مؤسسة الحكم والسجن. وكانت تعرف سنة 1270هـ/1853م بدار عبان قبل أن يهدمها عمر بودن القروي سنة 1278هـ/1861م11. ونتبيّن من خلال الوثائق الأرشيفيّة أنّ دار الباي الأولى القديمة ودار الباي المعروفة بدار عامر باي عرفتا فترات متواترة من التّهديم، والتّرميمات والإضافات. ويحدث وجود دارين بنفس التّسمية داخل المدينة المسوّرة بالقيروان لبسا كبيرا. خاصة وأن الوثائق الأرشيفية والمصدرية لا تتصّف بالدقة المطلوبة، وغالبا ما تذكر الدّار مجرّدة من تحديد موقعها. فقد أشار الرحالة لويس في وصفه للمدينة سنة 1887 أن دار الباي الأولى تقع على مقربة من الجامع الأعظم. وكان يسكنها أمير لواء عسكر مدينة القيروان. ويضيف أنها تتكوّن من طابق واحد وتوجد الثانية بالقرب من الزاوية الغريانية وكانت تسمّى دار الباي أو دار القايد وتعرف إلى اليوم بدار القايد المرابط. على مقربة من باب الجلادين12. وتوجد الدار
الثانية بالقرب من الزاوية الغريانية وكانت تسمّى دار الباي أو دار القايد13 وتعرف إلى اليوم بدار القايد المرابط. 

صورة 1. موقع دور البايات بمدينة القيروان (Louis Piesse, 1893, p.361.)

 ورغم أهميّة وصف لويس والخريطة المصاحبة له إلا أنه وقع في عدد من الأخطاء في تحديد موضع بعض معالم المدينة فمثلا باب الجديد سمّي بباب الخوخة وزاوية العواني بسيدي الباي14. ويعود هذا التضارب والتناقض والأخطاء إلى أنّه زار المدينة لمدة يوم واحد. ويبدو أنه لم يتسن له خلال هذه الزيارة القصيرة من رسم صورة كاملة ودقيقة عن النسيج العمراني للمدينة. ويدفعنا ذلك لعدم الوثوق بنصه. ونستنجد في هذا الصدد بوثيقة أرشيفية مؤرخة في سنة 1293هـ/1876م. وتفند ما ذكر في أنّ دار الباي بحومة الجامع ذات طابق واحد ونصها "الحمد لله بعد أن ورد كتاب من الصدر الهمام المولى الوزير الأكبر السيد خير الدين مخاطبا به الهمام الأعز أمير أمراء عساكر القيروان والمكلف بها السيد محمد المرابط(...)15 صدر الإذن العليّ بأن يحضر المخاطب(...) بدار الباي محلا يحتوي عن زوج بيوت لاجتماع أهل المجلس الشرعي في اليوم المعين لاجتماعه ولجلوس الشيخ القاضي به في بقية أيام الأسبوع(...) فصرف أحمد بن قاسم على الدار المذكورة في بناء ترافيع بها وتجصيص الدار وسطوحها وسطوح علويها وجهر مواجنها(...) فكان جملة ما صرف على ذلك كله ألف ريال اثنان وتسعمائة ريال وستة وثمانون ريالا وربع الريال وناصريان اثنان ونصف الناصري فضة"16. ونتبيّن من خلالها أنّ دار الباي الموجودة بحومة الجامع كانت تشتمل على بعض البيوت وماجن وعلوي. وورد بالوثيقة أن الدار تشتمل على طابق علوي سنة 1876م. كما تحتوي وثيقة أرشيفية ثانية تعود إلى سنة 1907م على مخطط دار الباي ذات الطابقين17. كما قمنا بتتبّع موقع دار الباي الثّانية بحومة الشّرفاء وبيان التطوّرات الحادثة فيها، وتحوّل ملكيّتها ووظيفتها حتّى القرن العشرين من خلال عدد من الوثائق الأرشيفيّة الّتي بدت واضحة في ذكر موقع المعلم مبينة عن تغيّرات طالته.

(أ.و.ت، سلسلة E، ملف 10، بتاريخ 1907، وثيقة عدد 12.)صورة 2. مخطط دار الباي بحومة الجامع.

 ونخلص بذلك إلى أن دار الباي الأصلية تقع في المكان الذي يعرف اليوم بحومة الباي أو حومة الشّرفاء. وتضمّ هذه الحومة زاوية العوانية التي كان لأسلافها شأن لدى الدولة الحسينية18. فقد سعى أمراؤها إلى التقرب من هذه العائلة راجين شفاعة جدهم ومتبركين بأسلافهم الطيبين. ونذكر من بينهم "علي باي أمير تونس الذي كان كثير الزيارة لقبر السيد علي العواني أيام إقامته بالقيروان خصوصا أيام حربه. فكان لا يخرج إليها حتى يقدم زيارته فلم يصبه مكروه19". وقد قام هذا الباي بتحبيس جميع الهنشير الذي على ملكه المعروف بهنشير البنقات أحد هناشر مدينة القيروان على الزاوية وقبتها والدويرة وما يحتاجونه من رمّ وإصلاح وبناء20.  كما أسّس المدرسة العوانية الملاصقة للزّاوية21.

واستقرّ بها عامر باي وهو أخ غير شقيق لحسين بن عليّ أثناء استقرار حكم الباي حسين في القيروان مدّة الفتنة الباشيّة (1735-1740)"وأما عامر باي بقي مع أخيه في القيروان إلى يوم أخذ القيروان"22.  وقد كان عامر باي خلال فترة حكم أخيه قايدا للقيروان واتخذها دار إقامة حيث صاهر أهلها وتزوّج من ابنة عبد الرحمان بن بلقاسم بن خلف المسراتي وأبناؤه منها أحمد وحليمة23. وفي إطار نفس التمشي زوّج حسين بن علي ابنه علي باي عام 1736م من ابنة أشهر أولياء القيروان24. ويبدو أن عامر باي فضل الاستقرار بجوار أبناء الزاوية العوانية لعدم ثقته في أبناء الزاوية الغريانية الذين رغم مشاركتهم في استقبال الباي وأبنائه إلا أنهم تآمروا عليهم وحاولوا المكر بتمكين يونس وجنوده من الدخول ليلا إلى المدينة وأكد صاحب المشرع هذه الحادثة "وخلطوا مع يونس لما نزل القيروان وبعث
إليهم كيف يأخذ القيروان، بعثوا إليه وقالوا: ارحل من تلك الدار التي أنت بها وانزل قبلة البلد ونحن ندخلوك القيروان في الليل"25. وتطرح في هذا السياق قضية استمرارية دار الباي إثر قتل عامر باي سنة 1740م26 ومآلها في  خضم تلك الأحداث العصيبة التي عرفتها القيروان إبّان الفتنة بعد تولي علي باشا الحكم.

أشارت وثيقة تتعلّق بوقف مسجد المعلقة إلى حومة "دار السيد الباي" في سنة 1171هـ/1757م27. وشيّد على مقربة منها زندالة تقوم بمقام المسجونين على اختلاف طبقاتهم28. وتحد هذه الزندالة من الجهة الخلفية دار تعرف "بمطبخة دار السيد الباي"29 و"مطبخة السيد الباي"30 و"زقاق مطبخة السيد الباي". وتضيف وثيقة مؤرخة في سنة 1277هـ/1860م إلى أنه كانت توجد بحومة الأشراف سالفا دار السيد الباي وصراية قبل هدمهما ونقل حجرهما لبناء القشلة31. كما حددت الوثيقة الموقع الذي كانت تحتله دار الباي التي يبدو أن عامر باي قد شيّدها مدة استقراره بالقيروان. واختطها بحومة الأشراف على مقربة من السجن ومن دار الخزندار. واستقرّ بها لاحقا في القرن التاسع عشر رشيد أمير الألاي32 وهو ما يؤكد أنها من أملاك البايليك. واستنادا لذلك نرجح أن دار الباي بحومة الأشراف قد طالها بعض الخراب بعد قتل عامر باي سنة 1153هـ/1740م على يد علي باشا وعبث يونس بالقيروان "فأمر من حضر بهدم سور القيروان وأسكنها البوم والغربان وفزعت أهل جبل وسلات إلى مدينة القيروان بالحفير والهدم من الحيطان والقصير والعجب من مدينة القيروان كان على يد الأمير حسين إحياؤها وكان على يديه خلاؤها وخرابها"33.

وبعد عودة أبناء حسين بن علي إلى السلطة سنة 1756 أمر محمد الرشيد باي (1756-1759) بإعادة تعمير المدينة فأقاموا سورها وأحاطوه بأرباض وعمروا الجهة الشرقية. وقد واصل شقيقه علي باي (1759-1782م) " للناس في بناء الدور في البراح الذي استقر بين أساس السور القديم وبين القطعة الشرقية التي بناها أخوه فعمرت هناك نحو ثلاثمائة دار"34. ونخلص بالتالي إلى تواصل استغلال دار الباي التي توجد بالجهة الشرقية من المدينة وتحديدا في حومة الجامع والتي ربما رممت زمن علي باي في إطار إصلاحه لعدة دور في تلك الجهة.

أما فيما يخص دار الباي بحومة الأشراف فيبدو وانطلاقا من وثائق الأرشيف المؤرخة في عام 1277هـ/1860م أن المخزن رغب في تشييد "دار الاجتماع" بموضعها المتسع والعظيم والقريب من الزندالة ولكنّ ارتفاع تكلفة إقامتها دفعهم لاستغلال "دار الأجلّ سي رشيد أمير الألاي المجاورة لها لاجتماع مجلس الحكم"35. وتقرّ الوثيقة بأن دار الباي هدمت ونقل حجرها لبناء القشلة.  وقد بنيت القشلة زمن أحمد باي (1252هـ/1837م-1271هـ/1855م). ويتضح من ذلك أن دار الباي بحومة الأشراف قد هدمت قبل سنة 1252هـ/1837م. ونستنتج من ذلك أن دار عامر باي قد هدمت خلال الفترة الممتدة بين 1837و1860.

ويورد القاضي محمد العلاني في دفتره بتاريخ 1297هـ/1879م إشارة حول "شراء سي حمدة العواني لثلاث قطع من عمر بكار وورثة أخيه سي أحمد وهي الثانية والثالثة والرابعة من أربع قطع
الكائنة بدار السيد الباي من مدينة القيروان بخمسمائة ريال فضة وخمسين ريال فضة". مما يجعلنا نقر بإعادة بناء دار للباي بنفس الموضع. ثمّ منحت لحمدة العواني نقيب الأشراف ومنح جانبا منها أيضا إلى المدعو أحمد بكار. وتمّت هذه المنحة خلال حكم محمد الصادق باشا باي (1859-1882م). فقد تولّى حمدة العواني نقابة الأشراف في زمانه. ويصبح من المؤكد أن الدار التي توجد بحومة الباي وتنسب إلى عائلة العواني هي الدار التي كانت تعرف بـ "دارالسيد الباي" وهم من أعادوا بنائها36

كما حفظ لنا أرشيف اللجنة الجهوية لتصفية الأوقاف بولاية القيروان وثيقة حبس مؤرخة في سنة 1312هـ/1895م إشارة إلى أن المدعو حمدة ابن الشيخ الحاج عبد الملك ابن الشيخ محمد العواني "حبس جميع الدار الكائنة بحومة الباي بالقيروان يحدها قبلة حيث المفتح وجوفا وشرقا دار لورثة المحبس المذكور وغربا مخزن للمحبس المذكور...حبس وأوقف وأبد جميع الدار المحدودة المذكورة بما اشتملت عليه من الحدود...على نفسه مدّة حياته وبقائه بدار الدنيا وبعد وفاته تكون حبسا ووقفا على زوجه فطومة بنت علي الرنان القيرواني وبناته منها عائشة وخديجة وزينب وحليمة وفاطمة"37. ونستشفّ ممّا سبق أن كامل دار الباي أصبحت على ملك حمدة العواني. وغير أنه تمّ في سنة 1958م حل الحبس وإقرار صفة الملكية للورثة وهم: حسين بن محمد النجار زوج فطومة بنت حمدة العواني ومحمد بن إبراهيم النجار زوج زينب وشلبية بنت الجيلاني العواني وأختها خديجة. كما أقرّت مصادرنا بوجود دارين للباي بمدينة القيروان في حين لم تحافظ الذاكرة الشعبية القيروانية على تسمية حومة الباي أو حومة دار الباي رغم انتساب الدار إلى العواينية إلا بحومة الأشراف وهو ما يمكن تفسيره بتحوّل وظيفة دار الباي بحومة الجامع إلى مقر لاجتماع المجلس الشرعي وأيضا إلى تواصل استعمال السجن الذي بقي من مكوّناتها. كما لاحظنا من خلال وثائق الأرشيف أن دار الباي عرفت في تاريخها تحولا في الملكية مما جعل تسميتها تختلف من فترة إلى أخرى كما عرفت تحويرات معمارية. 

الخصائص المعمارية لدار الباي

يتميّز مخطط دار الباي بشكله المستطيل الذي يتوسطه صحن مركزي تحيط به الغرف من الجهات الأربع. ويشتمل أيضا على دريبة ودار شرقية ودار جوفية وعلويين وزريبة.

مخطط 1. دار الباي: مخطط الطابق الأرضي (إنجاز منى كمون).

نلج إلى الدريبة عبر مدخل معقود ذي باب خشبي38 بدفتين محلّى بمسامير. يتوسط الدفة التي على يسار الداخل خوخة39. يؤدّي الباب إلى دريبة مستطيلة الشّكل، تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يعلوه قبو طولي تتخلله أربعة عقود نصف دائريّة. ويوجد في الجهة الشّرقيّة بيت الدريبة يتقدمّها دكتان من الخشب. أمّا القسم الثاني من الدريبة فهو مكشوف تتكوّن أضلاعه من زريبة تتقدمها دكة من الحجارة. أدمجت أعلاها أربع حلقات من الحديد المطروق كانت مخصصة لوضع دواب الضّيوف. ويفتح بالواجهة الشرقية مدخل غرفة الحارس وباب العلويّ الخارجيّ. ويتوسّط الجدار الجوفي مدخل معقود يؤدّي إلى الطّابق الأرضيّ والعلويّ. ويوجد مدخل بيت بالضلع الشرقي، وبرطال بالجهة القبلية سقفه خشبي مسطح يستند على عمود من الرخام بارتفاع 3.22م يعلوه تاج من الطراز الدوري. 

صورة 3. الدريبة (صورة الكاتبة).

ويفضي باب خشبي محلّى بمسامير وتحيط به أطر مستطيلة من الكذّال إلى دار تتكوّن من سقيفة وصحن ومجالس ودويرية.

صورة 4. مدخل الدار الشرقية. (صورة الكاتبة).

تؤدي السقيفة ذات المدخل المنعرج عبر ثلاث سقائف متتالية إلى صحن مربع الشكل تقريبا ومكشوف. يحتوي على ماجل مكسو بلوحات رخامية بالواجهة القبلية ومطمور ودهليز بالضلع الغربي. وقد كسيت جدرانه بمربعات من الخزف يحيط بها ما يسمّى بـ"الكحلاية" أو القضيب40. وفرشت أرضيته بمربعات من الرخام. ويتوسّط البيت مدخل مستطيل، تحف به نافذتين من الحديد المطروق والمزخرف بأشكال تعرف بـ"الزلابية"41. وتعلوه شمسيّة من الخشب المخرّم. ويؤدي هذا المدخل إلى بيت مستطيلة تتخذ شكل حرف Tاللاتيني لذلك يصطلح على تسميتها محليّا بالمجلس42 أو"ببيت رأس الدار". ويعلوها سقفها ذي جوائز خشبية بارزة محلاّة بزخارف نباتية. يتوسّطها قبو أو مجلس سقفه خشبي متدرج من أسفل إلى أعلى تتوسطه فروع نباتية متشابكة. تنشأ منها أوراق نخيلية ثلاثية الفصوص. تحفّ بها مقصورتان.

الدويرية أو النوّالة

يطلق مصطلح الدويرة أو "النوّالة" على الفضاء الذي يضمّ المطبخ والبئر والمرحاض والمخازن والمطهرة. وتضمّ ممرّا سقفه خشبي ذو عوارض بارزة طُلِيَ باللّون الأخضر. أدمج بجداره الشّرقي طاقة ودرج الهري. ويطلّ بالواجهة القبليّة مطبخ، سقفه أقبية متقاطعة يفصل بينهما عقدان متجاوزان. ترتكز مساقط العقود على أعمدة تعلوها تيجان من الطراز التركي. ويتخلّل الجدار القبلي مدخنة. ويوجد بالواجهة الشرقية كمّي43 ودهليز.  وينتصب بالضلع الجوفي فوهة البئر. 

صورة 5 . الدويرية. (صورة الكاتبة).

الدار الجوفية


يتقدم مدخلها برطال44، واجهته عقد متجاوز. ترتكز مساقط العقود على وسائد حجرية ثمّ على أعمدة تعلوها تيجان مغربية-أندلسية. وقد ظهر هذا الصنف من التيجان بالبلاد التونسية خلال القرن الرابع عشر45. ثمّ تواصل استعماله خلال العهد العثماني. ويتوسط الجدار الجوفي مدخل معقود به باب خشبي ذو دفتين، بكل دفة مدقّ. زخرف بمسامير متناوبة صغيرة وكبيرة تتّخذ أشكالا مختلفة منها شكل القبة ومنها المتصالبة وبالدفّة الّتي على يمين الدّاخل خوخة. وتعتبر تحلية الأبواب بزخارف مسمارية من التأثيرات الأندلسية التي انتشرت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر46.

صورة 6. سقائف الدار الجوفية. (صورة الكاتبة).

السقيفة

يتمّ الولوج إلى الدار عن طريق سقيفة أولى مستطيلة47، سقفها متقاطع وواجهة جدرانها عقود نصف دائرية وتكتنف جدارها الغربي دكّة خشبية في أسفلها تجويفات على شكل محاريب صغيرة تسمح للجالس بوضع حذائه. وأدمج بالضلع الغربي باب خشبي يؤدي إلى الطابق العلوي عبر درجة من الرخام. يتوسّط الواجهة الجوفية مدخل مستطيل بابه خشبي ذو دفتين. حلّي بزخارف مسمارية متنوعة، "مرش" و"خلال" وصلبان ودائرة. تعلوه طاقة معقودة يفصل بينهما رتاج خشبي. يحيط به إطار يليه إفريز مقعرّ 6 صم. تتوزّع على جانب منه ست وردات ذات أربع فلقات. يوجد أسفل الإفريز شريط زخرفي عبارة عن زخرف متموّج على شكل حيّة يليه إفريز بارز، حلّي في أسفله بشريطين من الزخارف النباتية يتوسط كل منهما زهرة ذات ثمان بتلات. ويفضي هذا المدخل إلى سقيفة ثانية مربّعة الشّكل48، سقفها قبو متقاطع. واجهة الجدار الجوفي عقد نصف دائري. تنتصب في أسفله دكة خشبية. أمّا واجهة الجدار الشّرقي فيتوسّطها باب خشبي معاد، يؤدّي إلى ممرّ، سقفه قبو متقاطع يفصل بينه عقد نصف دائري يستند من جهة الغرب على عمود يعلوه رتاج كورنتي. كسيت جدرانها بمربّعات من الخزف المسمّى "قشرة الحوت". ويزين واجهة الجدران القبلية والشرقية عقود نصف دائرية في أسفلها مداخل بيت السقيفة المنفتحة على الممر. يتوسط الضلع الجوفي باب بالقمجة49 يوصل مباشرة إلى الصحن.

الصحن


يتخذ الصحن شكلا مربعا (12.27م × 12.27م). يطلّ عليه شرقا دهليز وغرفة ومطبخ و"هري". ويمتد بالواجهة الجوفية المجلس وعقود متوأمة وعقود حدوية بأسفلها فوهتا الماجل والبئر. يفتح بالواجهة القبلية مدخَلاَ الممر والمجلس. ويفتح بضلعه الغربي المجلس والدويرية. فرشت أرضيته بمربعات من الرخام الرمادي اللون (45 صم × 45 صم). وقد انتشرت تغطية أفنية الدور وغيرها من المعالم بالرخام خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اقتداءا بالدور التونسية التي زينت جلّ أرضيات دورها بالرخام الإيطالي. وقد أشار أبوراس المعسكري الذي زار المدينة قبل سنة 1238هـ/1823م إلى كثرة استعمال الرخام بمدينة القيروان: "وأعجب منه كثرة رخام القيروان"50. كما نجد بدفاتر الأرشيف تفاصيل شراء وكيل الزاوية الصحابية سنة 1204هـ/1789م لكميات من الرخام الجنوي لمصالح الزاوية51.

صورة 7. الصحن (صورة الكاتبة).

52المجالس

تحفّ بالصحن من جهاته الأربع أربع مجالس 53. نلج إلى المجلس الغربي عبر باب خشبي ذي دفّتين حلّي بحشوات كبيرة. نحتت داخلها زخارف نباتية تتمثل في زهرة ذات ست فلقات. يحيط به إطار من الرخام (25 صم) وتعلوه شمسية من الجصّ المخرّم رسم داخلها ست نجوم يظهر من خلفها بلور ملوّن. وتحفّ بالباب نافذتان من الحديد المطروق. يفضي المدخل إلى بيت بالقبو والمقاصر تتألف من قسم أمامي ومجلس أوسط تحفّ به مقصورتان.

 يتخذ القسم الأمامي شكلا مستطيلا. يعلوه سقف خشبي ذي روافد بارزة ملون بألوان متعددة منها الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر. حلّي بزخارف نباتية على شكل أوراق وأزهار محوّرة. كسيت جدرانه بمربعات من الخزف بارتفاع (2.78 م) يعلوها أفاريز خشبية (30 صم). رسم داخلها فروع وأزهار متشابكة ومتصلة تخرج من إناء. يحف به من الجهتين الجوفية والقبلية فرش حجام 54. أما المجلس فسقفه مصندق. طلي بألوان مختلفة أزرق وأصفر وبني وأخضر. زخرف بعناصر نباتية مختلفة أبرزها الطبق الزهري المحلّى بأوراق تحيط به أوان تخرج منها فروع نّباتيّة متعرّجة ومتّصلة وأزهار ذات خمس بتلات. كسيت جدرانه بمربعات من الخزف وبمرافع خشبيّة وأفاريز حلّيت بزهريّات. يحيط بالمجلس مقصورتان، أسقفها أقبية طوليّة. يمتدّ على جدرانها طاقات ودكانات.

صورة 8. المجلس الغربي (صورة الكاتبة).

الدويرية

تمتد الدويرية على مساحة مستطيلة (6.02 م × 5.29 م)، بابها خشبي ذو مصراعين. يعلوها أقبية متقاطعة تفصل بينها عقود متجاوزة. ترتكز هذه العقود على عمودين مدمجين في الجدار يعلوهما تيجان عثمانية وأندلسية. وتضمّ الدويرية دهليزا بالواجهة الجوفية، سقفه قبو طولي. فرشت أرضيته بمربعات من جليز شوّاط (10صم × 10صم). وتشتمل دار العواني على أربعة دهاليز. يعتبر الدهليز من العناصر الأساسية بالمسكن القيرواني إذ قلّما يخلو بيت منه بسبب ارتفاع درجة الحرارة صيفا. وتتم إنارته وتهويته عن طريق مجموعة من الشبابيك المطلّة على الصحن ونادرا ما تفوق اثنين، مسقفه بأقبية طولية. وكان أهل القيروان يلجئون للدهليز للتخلص من الحر والتنعم بالهواء البارد. كما يتخذ مخزنا للمواد الغذائية من زيت وقمح وغيره.  ويوجد بالضلع الغربي كمّي مربع، سقفه قبو طولي. ويوجد بالجدار القبلي مرحاض، بابه خشبي محلّى بزخارف مسمارية.

الطابق العلوي

يشتمل هذا الطابق على رقبة تحيط بها أربع غرف 55 ومطبخ 56وهري.  تتخذ الرقبة 57 شكلا مستطيلا (7.28م × 5.86م)، يبلغ ارتفاع جدرانها حوالي 7م. بلطت أرضيتها بالرخام وكسيت جدرانها على ارتفاع 1م بمربعات من الخزف. ويفيد لفظ الهري 58 مخازن الحبوب. ومن مميّزات المخازن بالدور القيروانية عامة وبدار الباي خاصّة أنها تحتل الطابق العلوي. وتتكوّن من فضاءات ذات أسقف من أعواد العرعار المرجوم الذي يرتكز على دعامات مستطيلة تربط بينها عوارض خشبية. وفرشت أرضيتها بمربعات من جليز شوّاط (13صم×13صم). ويتم تهويتها عبر نوافذ وكوى تطلّ على الصحن. ويخصص الهري لحفظ المونة من قمح وشعير وغيره من المواد الغذائية إلى جانب حفظ الأواني النحاسية والفخارية.

مخطط 2. دار الباي: مخطط الطابق العلوي.

وتميّزت دار الباي بزخرفة الأبواب والأسقف بنماذج هندسية ونباتية وحيوانية متنوعة. نلمس من خلالها تأثر الزخرفة القيروانية بتيارات مختلفة وافدة إليها أندلسية وعثمانية وإيطالية. وتبرز التأثيرات الأندلسية في تحلية الأبواب بالمسامير والتي اتخذت أشكالا مختلفة نجوم وأهلّة ومحاريب وصلبان. كما تظهر أيضا في النوافذ المتكونة من الشكل المعروف بـ"الزلابية" ونذكر أيضا الشمسيّات المصنوعة من الجصّ والنوافذ المتوأمة. ونلمس التأثيرات العثمانية في العقود الصماء المنخفضة التي كست جدران السقائف، وفي جانب من الزخارف النباتية المتمثلة في الباقات التي تنبثق من مزهريات وأيضا في الزخارف الهندسية التي تتجلّى في حضور عنصر المفروكة 59 وهي زخرفة على شكل حرف T يتقابل مع مثيله في شكل معكوس وينتج عن التقابل شكل معين في الوسط وشكل رباعي على شكل لوزة في الأركان.

وتتشابه عمارة هذه الدار إلى حد كبير مع بعض دور البايات في مدينة تونس 60. فهي تعبر عن نمط معماري تقليدي نلمس فيه التأثر بالشكل المعماري لدور البايات بتونس من حيث وجود الدار بجوار الزندالة وأيضا قربها من دار أمير الألاي رشيد. كما أنها تشتمل على جلّ الوحدات المعمارية التي نجدها بدور البايات 61 من ساباط يربط بين الزندالة والدار ودريبة وبيت الدريبة والسقائف وعلوي الضياف والمخازن والزريبة والدويرية والحمام والحديقة 62. وتختلف معها من الناحية الهيكلية من حيث غياب دار الخدم. كما سجلنا تواضع الزخرفة التي لا تضاهي دور البايات بتونس التي تتميّز بكثرة الزخارف والنقش على الرخام الإيطالي الذي يؤطّر الأبواب والنوافذ. ويشتد الاختلاف على مستوى تحلية الأفنية بالزخارف الجصية "نقش حديدة".

خاتمة

لقد مثّل موضع دار الباي إشكالا كبيرا في ظل تواجد دارين تحملان نفس الاسم. وقد توصلنا بفضل الاعتماد على الوثائق الأرشيفية المختلفة والعمل الميداني الكثيف إلى تحديد موقع دار الباي الأصلية والتي تعرف حاليا بدريبة العواني بعد أن منحها الباي لنقيب الأشراف حمدة العواني قبل سنة 1879. وأثبتت دار الباي العلاقة المتينة بين العائلة الحسينية وبعض أعيان القيروان، فالبايات الحسينين منذ توليهم الحكم سعوا الى التقرب إلى أهل القيروان وخاصّة أعيان المدينة وكان ذلك بالمصاهرة أو بمنحهم بعض أملاك الباي.

وتنفرد دار الباي ببعض الخصوصيات التي تميّزها عن غيرها من دور المدينة العتيقة من حيث الشكل الهندسي وتوزع عناصرها التي تكوّن ما يشبه المركب المعماري. إضافة إلى اندماجها هندسيا في بيئة القيروان، فتعددت مخازنها من دهليز وهري وكمّي. أما زخرفيا فقد احتفظت دار الباي بالعديد من العناصر الفنية الحجرية والخشبية تحمل زخارف نباتية أو هندسية تعود للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

هوامش

1 حسين خوجة، 1975، ص. 116-117.
ابن أبي الضياف، 2004، ج. 2، ص. 99، 101 و175.
2 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 2، ص.177.
3 إبراهيم السعداوي، 2011، ص. 231.
4 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 2، ص. 79.
5 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 1، ص. 44.
6 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 1، ص. 307.
7 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 1، ص. 307.
8 أ.و.ت، دفتر عــدد 3، ص. 193.
إبراهيم السعداوي، 2010، ص. 295.
9 أ.و.ت، دفترعـــدد 8، ص. 94-96.
10 Louis Piesse, 1893, p.361.انظر خريطة تحديد الموقع التي نشرها
دلني على هذا الكتاب مشكورا الأستاذ فوزي المستغانمي.
11 صندوق 186، ملف 17، وثيقة عـــدد 58.H أ.و.ت سلسلة
12 Louis Piesse, 1893, p. 362.
«les plus remarquables sont celles d’Ali Ben-Aissa…elle est située non loin de la grande mosquée du gouverneur à un rez-de-chaussée, connue sous le nom de Dar-el-bey. Cette dernière est située dans la grande rue près de BabDjelladin, elle sert de résidence à l’officier commandant supérieur de la ville de kairouan ».
13 Louis Piesse, 1893, p. 364.
« Zaouia de Sidi Abid el ghariani près de Dar-el-bey ou maison du gouverneur, est un beau type de l’architecture arabe. Elle est occupée aujourd’hui par le commandant de place».
14 Louis Piesse, 1893, p. 361.انظر خريطة تحديد الموقع التي نشرها
15 جمل محذوفة ليس لها علاقة بموضوع البحث.(...)
16 أ.و.ت، دفتر محمد العلاني، عـــدد 616، ص. 76-77.
17 ملف 10، وثيقة عـــدد 12.E أ.و.ت سلسلة
18 الكناني، 2005، ج. 5، ص. 104.
19 حمودة بن عبد العزيز، 1970، ص. 290.
20 أ.و.ت، سلسلة د، كرطون 82، ملف 23، وثيقة عـدد 82.
21 رياض المرابط، 2009، ص. 309.
22 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 2، ص. 79.
23 أ.و.ت، دفتر إبراهيم بوديدح، بتاريخ 1149هـ/1737م.
24 إبراهيم السعداوي، 2010، ص. 298
25 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 2، ص. 103.
26 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 2، ص. 79.
27 أ.و.ت، الحافظة 446، ملف 16، رسوم وقف مسجد المعلقة، بتاريخ 1171هـ/1757م.
28 كرطون 17، بتاريخ 1843-1863م، وثيقة عــدد 58..E أ.و.ت سلسلة
29 أرشيف تصفية الأحباس بولاية القيروان (تكتب لاحقا أ.و.ق)، قرار تصفية وقف خديجة بنت عمار عبيد، بتاريخ 1243هـ/1827م.
30 أ.و.ت، دفتر إبراهيم العلاني، عــدد 1، بتاريخ 1875-1877م، ص. 110.
31 كرطون 17، بتاريخ 1843-1863م، وثيقة عــدد 58..E أ.و.ت سلسلة
32 كرطون 17، بتاريخ 1843-1863م، وثيقة عــدد 58..E أ.و.ت سلسلة
33 الصغير بن يوسف، 2009، ج. 2، ص. 180.
34 حمودة بن عبد العزيز، 1970، ص. 325 -326.
35 كرطون 17، بتاريخ 1843-1863م، وثيقة عــدد 58..E أ.و.ت سلسلة
36 نرجّح هذا الاستنتاج لأنّ المعلم حافظ على زخرفته الأصليّة وهو ما يتضّح من خلال الدّراسة الميدانيّة.
37 أ.و.ق، قرار تصفية وقف الحاج حمدة العواني، بتاريخ 1312هـ/1895م
38 أبعاده (2.77م × 2.13م).
39 الخوخة أو كما تسمّى في بعض المناطق "قمجة"هي فتحة صغيرة على هيئة باب صغير في الباب الكبير. انظر: محمد رزق،2000، ص.101. انظر أيضا
Jacque Revault, 1980, p. 115-116.
40 شريط أسود اللون.
41 بعد لف قمته ونهايته. ويعتبر هذا الشكل من التأثيرات الأندلسية.انظر Sزخرفة نباتية تجريدية تأخذ هيئة حرف
George Marçais,1974, p. 68. و Jacque Revault, 1980, p. 62
42 Jacque Revault, 1980, p. 62
« Plan en T de la salle de réception…était connue sous le nom de Bit al-majlis vocable dans l’usage a été conservé à kairouan ».
43 هو فضاء يفتح على الدويرية في الديار الفخمة، يخصص لحفظ المونة اليومية وأواني العولة النحاسية. ويكون هذا الفضاء مستطيلا أو مربعا وسقفه قبو متقاطع أو قبو طولي. انظر منى كمون، 2015، ص.
44 George Marçais, 1952, p. 306.
« Partal est une salle…qu’un portique s’ouvrant en façade par cing arcs »
45 Henri Terrasse, 1933, p.180.
46 محمّد الباجي بن مامي، 1999، ص. 4.
47 أبعادها (4.21م × 3.74م).
48 أبعادها (3.20م × 3.07م).
49 تمّ تعريفها سابقا.
50 أبو راس الناصري الجزائري المعسكري، 2012، ص. 119.
51 أ.و.ت، دفتر 1776، حسابات الوكلاء في عهد حمودة باشا، بتاريخ 1204-1205هـ/1789-1790م، ص. 173
52 المجلس مصطلح محلي يطلق على بيت بالقبو والمقاصر.
53 سنصف المجالس التي سمح لنا بدخولها.
54 يطلق عليه أيضا في بعض مصادر القرن 10هـ/16م مصطلح طارمة وهو عبارة على درابزين خشبي يحيط بالسدة ويرتكز عادة على أعمدة خشبية مخروطة. انظر ما ذكره ابن عظوم في فتواه في قضية فضيلة بنت بن سلامة مع ربيبتها "سلم لزوجته فلانة بنت فلان الفلاني التابوت العود القوايمي والطارمة القرقطون...والطارمة والقرقطون هي الكائنة بالمجلس القبلي من دارسكناه". ابن عظوم ، 2004، ج.1، ص. 262-263
55 متشابهة وبسيطة مقارنة بغرف الطابق الأرضي، أسقفها خشبية ذات روافد. فرشت أرضيتها بمربعات من الخزف الحديث.
56 معاد البناء ما عدا السقف فهو من أعواد العرعار المرجوم.
57 سميّت رقبة لارتفاع جدرانها التي تبلغ حوالي 7م ويتوزع أعلاها نوافذ.
58 بمعنى المخزن أو المطمورة. انظر عبد الحميد الفهري، 2002، ص. 66. Horriaهو تعريب للمصطلح القديم
59 عبد الوهاب السنباطي ، نسرين الحديدي، د.ت، ص. 60.
60 Jacque Revault ,1980, p. 249.
61 Jacque Revault ,1980, p. 247.
62 منتصبين في الجهة الغربية من الدار ولكن لم نتمكن من دخولهما.
63 لم نجد إشارة إلى آل البكري بمدينة القيروان بكتب التراجم باستثناء إشارة واحدة أوردها ابن ناجي حول الفقيه والعالم أبي عبد العزيز بن محمد البكري المقري. انظر ابن ناجي، 2005، ج. 3، ص. 189.
64 وجد إلى اليوم بنفس الموضع دار تعرف بدار السبوعي
65 يوجد بحومة الشرفة بنهج الشاذلي عطاء الله.
66 كلمة غير واضحة
67 كلمة ممحوة.
68 كلمة غير واضحة
69 كلمة ممحوة.
70 غالبا لا ترسم الهمزة في آخر الكلمة مثل أعضاء تكتب أعضا، بناء تكتب بنا
71 من العائلات القيروانية التي مازال عقبها إلى اليوم
72 هو محمد بن الحاج ألاي أمين وكاهية القيروان وتولى عمل المدينة سنة 1276/1859. انظر عمار العشي، 1985، ص. 48.
73 مصطلح يطلق على السجن.
74 ثكنة عسكرية أسسها أحمد باي (1837-1855) لذلك أطلق عليها في بعض الوثائق "القشلة الأحمدية". انظر عمار العشي، 1985، ص. 104
75 وردت هكذا ملاسق والإصلاح من عندنا
76 هو أمير الأمراء رشيد آغة تولى الإشراف على مدينة القيروان وعملها منذ سبتمبر 1863 م إلى أواخر 1864م. وهو أحد المماليك الذين نشأوا في قصور البايات الحسينيين دخل إلى الجندرية في عهد الإصلاحات العسكرية في تونس خلال القرن 19 وعرف بقيادة عسكر الساحل وتحصل منها على رتبته أمير لواء سنة 1847 ثمّ رتبته أمير أمراء سنة 1854. انظر ابن أبي الضياف، 2001، ج. 5، ص. 115. الشيباني بن بلغيث، 2009، ص. 11.
77 هو المشير الباشا أبو عبد الله محمد باي، ولد سنة 1226هـ/1811م وتولى الحكم سنة 1271هـ/1855م. من إنجازاته تنقيص عدد الشهود المنتصبين بالحاضرة وعملها وتنقيص المؤذنين بالجامع الأعظم وأيضا سن قانون عهد الأمان سنة 42هـ/1857م. انظر ابن أبي الضياف،2001، ج. 4، ص. 185-200.
78 نسبة إلى عائلة المرابط التي تنتسب إلى سيدي عبيد الغرياني مؤسس الزاوية الغريانية بالقيروان. انظر
Jacque Revault ,1980, p. 223.
79 تقع حومة المر على مقربة من باب تونس. ومن أهم أحياءها ما يعرف بزنقة المذبوح والسبع اللفات ونهج القرانطة ومن أهم معالمها زاوية أبو عبد الله بن أبي زيد القيرواني.
80 أسسه الباشا أبو عبد الله محمد سنة 1107هـ/1696م. ولهذا السوق بابان، قبلي المفتح تجاه سقاية بئر أوطة وجوفي المفتح بسوق الشكازين وبه سبعة وعشرون حانوتا. انظر أحمد السعداوي، 2011، ص. 393.
81 من) الأسواق الأربعة التي أسسها الباشا أبو عبد الله محمد سنة 1107هـ/1696م. غربي سوق الربع وهو المعد لبيع العطارة وبه خمسة وعشرون حانوتا وله أربعة أبواب، أحدها قبلي المفتح تجاه سقاية بئر أوطة، والأخرى جوفي المفتح بسوق الشكازين وبابان اثنان غربيا المفتح بالسوق الفاصل بينهما بين مسجد المعلق. انظر أحمد السعداوي، 2011، ص. 393.
82 هو الحاج حمدة العواني نقيب السادة الأشراف سنة 1298هـ/1880م. انظر أ.و.ت. دفتر محمد العلاني، عــدد 616، بتاريخ 1284هـ/1867م.

المصادر والمراجع

ابن عبد العزيز حمودة، 1970، الكتاب الباشي، تحقيق محمد ماضور، الدار التونسية للنشر، تونس.

ابن عظوم المرادي، 2004، كتاب الأجوبة، 11 جزء، تحقيق وتقديم محمد الحبيب الهيلة، بيت الحكمة، قرطاج، تونس.

ابن أبي الضياف أحمد، 2001، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، 7 أجزاء، تونس.

ابن بلغيث الشيباني، 2009، رسائل الجنرال رشيد عمار إلى الدولة التونسية خلال حرب القرم (1854-1856)، مكتبة علاء الدّين، صفاقس.

ابن مامي محمّد الباجي، 1999، "قصر البارون درلنجي "النّجمة الزّهراء" "البلفيدير" دراسة فنيّة ومعماريّة"، في إفريقيّة، عدد 17، تونس، ، ص.1-53.

ابن ناجي أبو الفضل، 2005، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، 5 أجزاء، حقّق الدكتور عبد المجيد الخيالي، دار الكتب العلمية، بيروت.

أبو راس الناصري الجزائري المعسكري، 2012، نبأ الإيوان بجمع الدّيوان في ذكر صلحاء مدينة القيروان، تحقيق محمد الحبيب العلاني وسهيل الحبيّب، قدّم له بالفرنسية محمد عليّ الحبيّب، منشورات مركز الدراسات الإسلامية، القيروان.

خوجة حسين، 1975، ذيل بشائر الإيمان بفتوحات آل عثمان، تحقيق وتقديم الطاهر المعموري، الدار العربيّة للكتاب، تونس.

الصغير بن يوسف، 2009، المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي، 4 أجزاء، تقديم وتحقيق الدكتور أحمد الطويلي، المطبعة العصرية، تونس.

الكناني أبو عبد الله، 2005، تكميل الصلحاء والأعيان لمعالم الإيمان في أولياء القيروان، 5 أجزاء، تحقيق عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان.

السعداوي أحمد، 2011، تونس في القرن السابع عشر، وثائق الأوقاف في عهد الدايات والبايات المراديين، تونس.

السعداوي إبراهيم، 2009/2010، "القيروان قاعدة الصف الحسيني من خريف عام 1735م إلى نهاية سنة 1736م"، مجلة التنوير، عـدد 12، المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، تونس، ص.291-345.

السنباطي عبد الوهاب، الحديدي نسرين، د.ت، حفر وتشكيل الأخشاب، جامعة القاهرة، كلية الآثار.

العشي عمار، 1985، الهياكل الإدارية والعسكرية والحياة الإجتماعية بمدينة القيروان في عهد محمد الصادق باي (1859-1882شهادة الكفاءة في البحث، كلية الآداب بتونس.

الفهري عبد الحميد، 2002، "قراءة في مقال الطبيعة والمعمار والتنظيم الحضري لهرقلة الجنة المستردة للباحثة جوديك فيليكس فور"، مركز سرسينا للبحوث في الجزر المتوسطية، ص.61-75.

المرابط رياض، 2009، "مدرسة الزاوية العوانية"، موسوعة القيروان، الدار العربية للكتاب، تونس، ص.308-310.


Marçais Georges, 1952, L’architecture musulmane d’occident, Paris.

Marçais Georges, 1974, « Les origines de la maison nord-africaine », in C.A.T., n°7, p. 43-48.

Piesse Louis, 1893, Algérie et Tunisie, Hachette et Cie, Paris. 

Revault Jacques, 1980, Palais et demeures de Tunis (XVIe et XVIIe), CNRS, Paris.

Terrasse Henri, 1933, « Les influences Ifriqiyennes sur l’art de l’Espagne musulmane aux Xe et XIe siècles », in R.T., Tunis, 1933, p. 251-261.

Annexe

ملحق عدد 1. صورة لوثيقة حول حومة دار السيد الباي بتاريخ 1171هـ/1758م. أ.و.ت، الحافظة 446، ملف 16، رسوم وقف مسجد المعلقة، بتاريخ 1171هـ/1758م، وثيقة عدد1.

نص الوثيقة

الحمد لله بعد أن استقر على ملك المكرم الأجل الحضي الرّضي المبجل القارئ المجدد الزكي الأكمل الفقيه المتدين الإمام أبي عبد الله محمد ابن المنعم المرحوم برحمة الحي القيوم أبي العباس أحمد الثقافلي البكري 63، جميع الدار القبلية المفتح الكائنة بحومة دار السيد الباي داخل مدينة القيروان المحوطة، يحدها قبلة شارع متصل غربيه ثمّ ينعطف فجوفا بالباب الجديد أحد أبواب المدينة المذكورة وشرقيه بدار السيد الباي المذكورة  وغربا دار مخلفة عن المرحوم عبد الله السبوعي العراقي 64 وشهرتها بمالكها الفقيه محمد الثقافلي المذكور، أغنت عن تقصي تحديدهم حدودها وحقوقها وعامّة منافعها الاستقرار التامّ بالشراء الصحيح والثمن المندفع المعلوم القدر المبرأ من  ثمنه حسبما ذلك مبين في غير هذا بالشهادة العادلة، وقف عليه  شهيداه أشهد الآن الفقيه محمد الثقافلي المذكور أنه حبس جميع الدار المذكورة بما لها من الحقوق والحدود وعامّة المنافع على من يقرأ في كل يوم حزبا واحدا من القرآن العظيم قبل صلاة العصر على الكرسي بجامع المعلق 65 الكائن بسوق الخضر داخل المدينة المذكورة ويهدي ثواب ذلك للمحبس المذكور،وجعل له أجرا على ذلك ناصريا واحدا في كل يوم من كراء الدار المذكورة إن كانت قائمة على أصولها لا يحتاج شيء منها إلى إصلاح وإلا قدم إصلاحها وما بقي بعده يأخذ منه الناصري المذكور فإن لم يعد الباقي بعد الإصلاح بالناصري فليس له غيره وجعل النظر في الحبس المذكور للمكرم الأجل القارئ الحضي المبجل أبي الحسن علي ابن المنعم المرحوم القارئ محمد الزرقا العوفي موصى في ذلك (...) 66 الله العظيم إنه منه بالمرصاد لا تخفاه خافية، حبّس الفقيه محمد الثقافلي المذكور جميع الدار المذكورة على من ذكر كيف ذكر تحبيسا مؤبدا ووقفها وقفا حراما سرمدا لا تباع ولا توهب ولا تورث وما اختلف الملوان وتعاقب الجديدان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم، وأذن الفقيه محمد الثقافلي المحبس المذكور المكرم عليا الزرقا المذكور في قبول الحبس المذكور على وصف المسطور منه لمن ذكر وحوزه عنه الإذن التامّ، فحضر وقبل عنه ذلك قبولا تامّا وحاز جميع الدار المذكورة بحقوقها وعامّة منافعها للجانب المذكور وحوزا تامّا بمعاينة شهيديه حال كونها فارغة من شواهد المحبس المذكور وعقود أكريته شهد على إشهادهما بذلك وهما بحال الجواز والمعرفة بهما تامّة بتاريخ أواخر ذي الحجة الحرام عــــ1171ـــام من وقف على رسم ملكيته المحبس بجميع الدار المذكورة (...) 67 المذكور كيف ذكر وعلم استمرار ملكيته لها وأن الحائز المتصرف فيها وأن تخرج في علمه عن ذلك بوجه ومن غير مغير عليه ولا منازع في شيء منها إلى أن عقد بها (...) 68 التحبيس المذكور على الوصف المسطور في تاريخه المزبور وجعل المحبس المذكور ونظر في الحبس المذكور المعروف بالقارئ الزرقا الناظر المذكور لأملاك المسجد المذكور وجماعة المسلمين شهد عليه بذلك في الحالة والتاريخ المذكور (...) 69 وشهد فقير ربه. 

ملحق عدد 2.  صورة لوثيقة حول دار الباي بمدينة القيروان بتاريخ 1277هـ/1860م. أ.و.ت، سلسلة E، كرطون17، بتاريخ 1843-1863م، وثيقة عــدد 58.

نص الوثيقة

الحمد لله صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أسعد الله أوقات الأعز الهمام وبدر المجد الذي لا يفارقه التمام العمدة الثقة الحجة الأقرب الأنجب الأحزم القمر المنير والكوكب الشهير أبي العباس سيدي أحمد الكبير أمير لواء آغة القيروان صانه الله وبلغه من خير الدارين مناه، أما بعد السلام التامّ العامّ الأبق بتلك المقام يليه خير قوم لنا الأعز جوابكم يتضمن أمر سيدنا نصره الله أننا ننظر محلا بالقيروان مناسبا لنصب الأحكام العرفية والجنايات واجتماع الرئيس والأعضاء 70 وكذلك نختاروا محلا يصلح لسجن من يستوجب السجن على اختلاف طبقات المسجونين من أهل الجنايات فنظرنا في ذلك فوجدنا دار البايليك المشهورة بدار عبان 71 وبها الحبس الآن والعشر وهي تقوم بالمقام الحكم والسجن ومجاورة لها دار مشهورة بدار محمد كاهية 72 والآن على ملك رجل قروي اشتراها بخمسة آلاف ريال وصرف عليها مثل ذلك تقوم بالمقامين كذلك والمحل بحومة الجامع الأعظم وكذلك وجدنا محلا آخر بوسط المدينة بحومة السيد الباي وكان به دار السيد الباي سالفا وتحت صرايتها زندالة 73 متسعة الفضاء محكمة البناء وهدمت الدار والصراية ونقل حجرهما وحطامها لبناء القشلة 74 هنا وبقية الزندالة المذكورة صحيحة مثلما وصفنا إلى الآن تقوم بمقام المسجونين على طبقاتهم ولم تختص إلا في صلاح بين وكان سبب إبقائها لم يقدروا على هدمها لشدة بنائها ونظرنا في محل الدار المذكورة الملاصق 75 للزندالة المذكورة فوجدنا متسعا ومناسبا لبناء دارا لاجتماع الرئيس والأعضاء مثل ما عرفتنا فأحضرنا أمين الرم والبناء واستشرناه في ذلك فقال إنه محل عظيم لاتساعه ومناسبته من قرب الزندالة المذكورة إلا أنه يلزمه نحو الأربعين ألفا في إقامته وكذلك لجوارها دار تسمّى بدار خزندار والآن على ملك الأجل سي رشيد أمير الألاي 76 تامة الموجب تصلح لاجتماع مجلس الحكم وزيادة كان اشتراها له السيد المنعم المرحوم برحمة الحي القيوم سيدنا المشير محمد باشا باي 77 برد الله ضريحه وأسكنه من الجنان فسيحه بثلاثة آلاف حسبما بلغنا ذلك وصرف عليها نحو الخمسة آلاف وكذلك دار المرحوم سي حسن المرابط 78 بحومة المر 79 80قرب الربع والعطارين 81 تقوم بالمقامين تامة الموجب وكذلك القشلة تقوم بالمقامين وزيادة وكذلك دار لرجل سفاقسي تصلح لاجتماع مجلس الحكم فقط قريبة من الزندالة الموصوفة المذكورة كانت تكلفت عليه بنحو الستة آلاف ثمّ أنه تركها ورحل لبلده إلى الآن ثمّ بعد ذلك تأملنا وأمعنا النظر في الأماكن المذكورة كلها وموافقة كل منها ومناسبتها نحن ومن له المعرفة فوجدنا حسبما ظهر لنا أن المحل الأخير والزندالة المذكورة هما اللذان يقومان كل بمقامه وهذا ما عندنا عرفناكم به ولكم النظر السديد والرأي الأصلح الرشيد ودمتم في أمن الله وحفظه والسلام من خديمكم وغرس إحسانكم المقبل أيديكم الكرام على الدوام الحاج عمر بودن خليفتة بالقيروان لطف الله سيدي في 19 شعبان ســ1277ــنـة.

ملحق عدد 3.  صورة لوثيقة منح دار الباي لحمدة العواني82، بتاريخ 1351هـ/1933م. أ.و.ت، سلسلة E، كرطون591، بتاريخ  1904-1933م، وثيقة عــدد 40.

الكاتب

منى كمّون

منى كمون - جامعة القيروان

Retour en haut