Information
A propos Al-Sabil
Numéros en texte
intégral
De Carthage à BALSA. Municipium romain de Lusitanie
João Pedro Bernardes
L’espace méditerranéen au Moyen Age tardif à travers la céramique
Andreia Rodrigues
Eléments de représentations socio-spatiales et de traçabilité hydro-paysagère à Ghar El Melh : des enjeux de durabilité
Sahar Karray, Ángel Raúl Ruiz Pulpón et Hichem Rejeb
2023 | 15
قرى الحوض المائي لوادي الشعرة بجبل وسلات: الخصائص المجالية والخصوصيات المعمارية
جهاد الصويد
الفهرس
الملخّص
يمثل جبل وسلات الواقع شمال مدينة القيروان أحد أهم المرتفعات الجبلية على مستوى امتداده الجغرافي وعلى مستوى كثافة أوديته ومجاريه المائية وعلى مستوى تنوّع مواقعه الأثرية وأهمية قراه الجبلية وتعدّد معالمه التاريخية، وقد ساهمت المجاري المائية التي تنتظم على شاكلة أحواض مائية تخترق الجبل من كامل جهاته ساهمت في رسم مختلف أقسام الجبل وفي توزّع القرى والبلدات داخله.
ويبرز وادي الشعرة كأحد أهم المجاري المائية بالقسم الشمالي الغربي لجبل وسلات حيث يُقدّم حوضا مائيا هاما على مستوى المساحة وعلى مستوى عدد القرى الجبلية به، وهو حوض مائي سمح بتشكّل مجالات داخلية تشترك فيما بينها على مستوى تهيئة المجال وانتظام توزّعها وتشابه خصائها المعمارية.
الكلمات المفاتيح
جبل وسلات، القيروان، الأحواض المائية، القرى الجبلية، وادي الشعرة.
Résumé
Situé au Nord de la ville de Kairouan, Le Jebel Ousselat est l’un des plus importants massifs montagneux de la région. Il se caractérise par la densité de ses réseaux hydrographiques, la diversité et la richesse de son patrimoine archéologique et historique et l’importance de son occupation traduite par le nombre important de ses villages.
A Jebel Ousselat, le réseau hydrographique est un remarquable révélateur d’une certaine dimension de l’organisation de l’espace occupé. L’oued Chaara est le plus important cours d’eau de la partie nord-ouest de la montagne. Son bassin versant couvre une superficie assez étendue et compte un nombre important de bourgades et de villages. Ce trait naturel a permis la configuration d’espaces internes qui se partagent les mêmes caractéristiques spatiales et spécificités architecturales.
Mots clés
Jebel Ousselat, Kairouan, bassins versants, villages de montagne, Oued Chaara.
Abstract
Located north of the town of Kairouan, Jebel Ousselat is one of the most important mountain ranges in the region. It is characterized by the density of its hydrographic networks, the diversity and richness of its archaeological and historical heritage and the importance of its occupation reflected by the large number of its villages. In Jebel Ousselat, the hydrographic network is a remarkable indicator of a certain dimension of the organization of the occupied space. The Chaara wadi (currently dry) is the most important watercourse in the northwest part of the mountain. Its watershed, which has a large surface area, has several villages. This natural feature allowed the configuration of internal spaces which share the same spatial characteristics and architectural specificities.
Keywords
Jebel Ousselat, Kairouan, watersheds, mountain villages, Oued Chaara.
المرجع لذكر المقال
جهاد الصويد، « قرى الحوض المائي لوادي الشعرة بجبل وسلات: الخصائص المجالية والخصوصيات المعمارية »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 15، سنة 2023.
URL : https://al-sabil.tn/?p=7332
نص المقال
يبرز جبل وسلات كمُرتفع جبلي متوسّط الارتفاع وشاسع الامتداد ينتمي إلى سلسلة داخلية شرقي الظهرية التونسية تفصل بين سهل الوسلاتية وسهول القيروان1. ويقدّم الجبل على مستوى التضاريس كثافة مُلفتة للمجاري المائية الموروثة عن الأزمنة الجيولوجية منذ آلاف السنين وهي مجاري ساهمت في نحت الجبل وفي رسم أقسامه وأحواضه المائية. ويمثل وادي الشعرة أحد أهم الأودية بالقسم الشمالي الغربي لجبل وسلات2 سواء على مستوى حجم روافده التي تخترق الجبل من جزئه الشمالي الغربي أو على مستوى المساحة التي يغطيها وهو يقدّم حوضا مائيا مُتفرّدا تمتدّ به مواقع ومعالم تنتظم وفق تقسيم مجالي خاص وتمتدّ بها معالم أثرية ذات خصوصيات محلية، فماهي تجليات تفرّد هذا المجال؟
1. الانتظام المجالي لقرى الحوض المائي بوادي الشعرة: "الوادي" و"البلاد"
يُكوّن وادي الشعرة على المستوى الجغرافي حوضا مائيا له حدوده الواضحة ويقدّم مجالا طوبوغرافيا تتوزّع داخله مجالات ومناطق وقرى ومعالم مختلفة. ويتغذى واد الشعرة من ثلاث روافد أساسية تنبع من عمق الجبل الذي ينتمي إلى سلسلة جبلية داخلية ويبدو ككتلة صخرية من الطبقات الكلسية السميكة3 وهي روافد تتميّز بعمق مجاريها وبتشعّب وتنوّع أشكالها الطوبوغرافية التي تتالت فيها الذروات والأعراف الجبلية مثّلت مواضع لتشييد بلدات وقرى ووفّرت مساحات للغراسات والزراعة (الخريطة 1).
وتتوزّع هذه الأشكال الطوبوغرافية حول الروافد الثلاث لواد الشعرة مُكوّنة ثلاث مناطق جغرافية تمثّل في نفس الوقت ثلاث مناطق أثرية تُعرف المنطقة الواحدة منها لدى السكان "بالبلاد" وهو مصطلح شديد التواتر في داخل الجبل وخارجه4.
وتتالى الروافد الثلاثة لواد الشعرة والمناطق الجغرافية التي تنتظم حولها من الشمال إلى الجنوب كالتالي أولها "وادي الخَلوات" الذي يظمّ "بلاد الڤيطون" ثم نجد جنوبه "وادي ملڤى الوديان" الذي يتطابق مع بلاد حمامة يليهما "وادي بالهاني" والذي يشمل بلاد البطمة وتقدّم كل بلاد قرى ومعالم تختلف طبيعتها حسب موقعها من الجبل (الخريطة 2).
ويمثّل خط تقسيم المياه la ligne de partage des eaux الحد الفاصل بين كل بلاد وأخرى والعبارة المُعتمدة لدى السكان وفي وثائق الملكية بكامل الجهة هي "تبازيع الماء"5 حيث تُعتبر ذروات كاف القيطون حدّا فاصلا بين بلاد القيطون وبلاد حمامة وتمثّل ذروات "واد القرابج" حدا فاصلا بين بلاد حمامة والبطمة.
1.1. بلاد الڤيطون
بلاد الڤيطون هي المنطقة المعروفة حاليا بالڤيطون6 وهي تشمل مجموعة من التِّلال التي تتقدّم جبل وسلات من الجزء الشمالي الغربي وهي تِلال تمتدّ مباشرة أسفل "كاف الڤيطون" الذي يحتوي على أحد أعلى النقاط بجبل وسلات (812 م). وتمتدّ هذه البلدات أسفل "كاف الڤيطون" فوق ذروات يبلغ ارتفاعها 450 م تقريبا وهي تتوسّط تهيئة زراعية تقوم على استغلال المنحدرات المحيطة بها وتهيئتها بمساطب Terrasses (الصورة 1).
وتنتظم هذه التلال شرقي "واد الخلوات" أين تتوزّع بها خمس بلدات صغيرة هي على التوالي من الشمال إلى الجنوب "سيدي زَڤامْ" (رقم 1 في الصورة) و"بو ميّاسة" (رقم 2) وهما بلدتان شُيّدت فوق أُسُسيهما مباني حديثة ولم يعد يبرز بهما سوى بعض الجدران في طرفيهما. أما باقي البلدات والتي حافظت على امتدادها فهي "دار الزيت" (رقم 3) ثم "سيدي عمر البكوش" (رقم 4) التي وقع استغلال جزء منها كمقبرة مستحدثة ثم "دار الحيط" (رقم 5).
ولا تزال تبرز بهذه البلدات معالم سكنية يغلب على غُرفها الامتداد الطولي مع محدودية العرض الذي لا يتجاوز 2 م في أقصى الحالات، وقد أمكن الوقوف على خمسة أحواش بدار الحيط وثلاثة بسيدي البكوش وخمسة أيضا بدار الزيت. وتقدّم بلاد الڤيطون بحكم موقعها الطرفي من الجبل وقربها من المنخفضات السهلية واحد من الآبار القليلة التي تنتشر حول الجبل وهو المعروف ببئر الڤيطون كما تحتوي المنطقة على شواهد لتهيئة مائية عبر استغلال الشقوق الصخرية في الطبقة الكلسية ووضع ملاط عازل على غلافها الخارجي وتشييد سقف على شاكلة قبو في بعضها.
وتُقدّم منطقة الڤيطون في مستوى الطرف الشرقي لبلدة دار الزيت مسجدا انهار بالكامل وحافظ على أسس جدرانه الخارجية وعلى جدار قبلته وحنيته الناتئة في محوره بالإضافة إلى الأعمدة الحجرية التي كانت تقسّمه إلى ثلاث بلاطات متعامدة مع جدار القبلة وثلاثة أساكيب، كما تبرز بالڤيطون أيضا بقايا معصرة زيتون لا تزال بعض عناصرها المعمارية قائمة وهي تمتدّ في الطرف الشمالي لدار الزيت.
ولا يزال المسلك الأصلي المُفضي إلى هذه البلدات قائما إلى حد الآن يكون عرضه في حدود 4 م على أقصى تقدير تحفّ بطرفيه جدران معدل ارتفاعها في حدود المتر وتحفّ بها أيضا صفوف من الصبّار هي على الأرجح من بقايا التهيئة التي قام بها الوسالتية والتي ميّزت مشاهد قرى جبل وسلات قبل قرار الباي إخلاء الجبل، فقد تحدّث مصادر القرن 18 م مثلا عن قرى وسلات وبلداتها التي كانت تتوسط في الغالب أشجار الصبّار أو"شجر الهندي"8.
2.1. بلاد حمامة
مثّلت بلاد حمامة موضوع دراسة سابقة9 اهتممنا خلالها بضبط حدودها المجالية وتتبّع انتظام قراها ومعالمها حول وادي ملقى الوديان وهو ثاني روافد وادي الشعرة. وتمثّل بلاد حمامة الحوض المائي الفرعي الأوسط من كامل الحوض المائي لوادي الشعرة، وهو يقدّم أكبر المناطق على مستوى الامتداد الجغرافي وأكثر عدد من القرى (12 قرية10) ومن المعالم والمنشآت باختلاف أصنافها.
وتبرز بلاد حمامة على المستوى الجغرافي كمنطقة تتوسّط كل من بلاد القيطون وبلاد البطمة، وهي تشترك معهما في المدخل المُفضي إليها من الجهة الشمالية الغربية لجبل وسلات، كما أنها تمثّل نقطة الوصل لباقي المنطقتين بينها وبين باقي الجزء الشرقي من جبل وسلات وهو ما يجعل منها منطقة مركزية في كامل الجزء الغربي من جبل وسلات لخصوصية انفتاحها بين الجبل والسهل في نفس الوقت.
3.1. بلاد البُطمة
تُمثّل بلاد البُطمة آخر المناطق المُكوّنة للحوض المائي لواد الشعرة من الجهة الجنوبية، تمتد حدودها الشمالية مع بلاد حمامة على طول المرتفعات الفاصلة بينهما أما حدودها الجنوبية فتكون في مستوى منحدرات واد العرارة الذي يبرز كأحد أكثر المجاري المائية عمقا وانحدارا (صورة 2)، ويكون خط تقسيم المياه حدّه الشرقي الذي يتركّز في أعلى قممها ضريح لسيدي بوحديد. تتميّز بلاد البطمة بشدّة تضرّس منحدراتها وبعمق أوديتها الفرعية التي تخترقها مثل "وادي القرابج" وهو ما أثر على عدد التجمعات السكنية وامتدادها مقارنة ببلاد حمامة حيث يقتصر الأمر ببلاد البُطمة على أربعة قرى هي الشندوب ودار ملاح والسند والبطمة.
تمتدّ بلدة الشندوب في أقصى الطرف الجنوبي الغربي لبلاد البطمة وتمثّل حدودها الجنوبية والشرقية آخر نقاط لكامل مجال حوض وادي الشعرة ويمتدّ جنوبها مباشرة أحد أكثر الأودية عمقا وهو وادي العراعرة والذي يقدم بدوره حوضا مائيا آخر على غرار حوض وادي الشعرة. وتمتد بلدة الشندوب فوق ذروة جبلية منبسطة لها امداد بين الشمال الغربي والجنوب الشرقي ارتفاعها 720 م تحتوي على تسعة أحواش تتوزع وفق مجموعتين، وقد تمّت بمنحدراتها الشرقية والغربية تهيئة منشآت مائية في مستوى الانكسارات الصخرية أين أمكن رصد منشأتين مائيتين.
ويمتدّ جنوب قرية الشندوب11 مسلك مُهيئ يتجه جنوبا ليمر بضريح "سيدي بوحديد"12 الذي يمثّل آخر نقطة لبلاد البطنة من الجنوب يتجاوز ارتفاعها 700 م مُكوّنة مع باقي الذروات المُلاصقة لها خطّا لتقسيم المياه. ويقدّم هذا الضريح نموذجا للعمارة المحليّة الجبلية حيث يمتد بطرف واجهته الشرقية مدخل يفضي إلى رواق جنوبي سقفه قبو طولي انهار جزء هام منه يتقدّم من الجهة الجنوبية فضاء مربّع الشكل بجدرانه الشمالية والشرقية والغربية أقوس جدارية (قوسين من كل واجهة) في حين يحمل قوسي الواجهة الجنوبية عمود حجري. سقف الغرفة المربعة قبة مخروطية تستند على رقبة تعلو الفضاء المربع بواسطة صدفات ركنية متدرجة، بوسط الغرفة قبر لسيدي بوحديد تبدو آثار نبش حديثة في أغلب أركانه ويبرز به إلى تابوت خشبي وضعية صيانته سيّئة.
البلدة الثانية هي دار ملاّح وهي تحتل القسم الأوسط من بلاد البطنة في مستوى منحدر يبلغ ارتفاعه 550 م تمتدّ بها خمسة أحواش متباعدة فيما بينها ووضعية صيانتها سيّئة للغاية فقد كان للانحدار دور كبير في تداعي جدرانها وتدحرج حجارتها نحو الأسفل (صورة 3). ويوجد غربيها في مستو ذروة ثانية أسفلها بلدة السند وهي تختلّ موقعا مُشرفا ارتفاعها في حدود 530 م تمتد بها خمسة أحواش (صورة 4).
البلدة الرابعة هي بلدة البطمة وهي تحتل مركز البلاد وهي التي أعطت اسمها لكامل المنطقة، حيث يبرز بها ما لا يقل عن سبعة أحواش تمتدّ فوق ذروة ارتفاعها في حدود 520 م بطرفها الشرقي توجد مقبرة وحويطة لسيدي "بو مَناد" وبالطرف الغربي تمتدّ مجموعة هامة من معاصر الزيت حيث مكّننا العمل الميداني من الوقوف على ستّ معاصر للزيت وهو أعلى عدد للمعاصر في بلدة واحدة بكامل الحوض المائي لواد الشعرة.
ويوجد في أقصى الطرف الغربي وبالقرب من المسلك المفضي للبلدة ولكامل البلاد مسجد له مدخل شرقي وله امتداد طولي بين الشرق والغرب أقص طوله نجده في مستوى جدار القبلة 10,40 م ثم جداره الشرقي بحوالي 10,20 م أما الجدار الشمالي فهو لا يتجاوز 8,10 م. بمحور جدار القبلة حنية في الجدار غير ناتئة من الخارج ولا تزال أرضيته تحتفظ بجزء من طبقة من الحصى والجير كانت تغطّيها.
2.التهيئة المجالية : تقسيم مجالي محلي عريق
لقد كان للمعطيات الجغرافية دور أساسي في تشكّل طوبوغرافية الحوض المائي لوادي الشعرة وفي بروز حدوده المجالية بشكل واضح، وقد كان لنفس المعطيات مساهمة أساسية في نحت المجال وفي رسم طوبوغرافية خاصة قام السكّان بتهيئتها عبر التفاعل والتأقلم مع خصوصيتها فكان تدخّلهم بتهيئة المسالك والمسارب وبتقسم الأراضي وتهيئتها.
2. 1. المسارب والمسالك
يمكن للمتمعّن في الخرائط الطوبوغرافية التي يمتدّ عليها جبل وسلات أن يلاحظ وجود شبكة كثيفة من الطرقات التي تصل بين مختلف أطراف الجبل وبين قراه وبلداته، ويزداد فهم أهمية هذه الشبكة وخصوصيتها بالمعاينة الميدانية، فقد مكّنتنا أعمال المسح التي قمنا بها في منطقة الحوض المائي لوادي الشعرة من الوقوف على خصوصية هذه الشبكة وعلى طبيعتها وأصنافها وقد فصّلنا في أعمال سابقة عند دراسة بلاد حمامة هذه الشبكة وفرّقنا خلالها بين صنفين من الطرقات يشمل الصنف الأول "المسارب" ويشمل الصنف الثاني "المسالك"13، وقد لاحظنا أن هذا التقسيم يتواصل ليشمل أيضا بلاد الڤيطون وبلاد البُطمة فالطرقات مترابطة ومتشابكة ومُشتركة بين مختلف مناطق الحوض المائي لوادي الشعرة.
ويبرز مصطلح "المسرب" كأحد أقدم المصطلحات المُعتمدة في المصادر خلال الفترة الحديثة لتوصيف صنف من الطرقات التي يتنقل عبرها سكان الجبل عامة والتي تصل بين قرية وأخرى وبين منطقة وأخرى، فقد ذكر الصغير بن يوسف وصفا للجبل ذكر فيه "ليس بين القرية والقرية وصلة ... ترى مسربا كمسرب النمل"14.
وتمتدّ المسارب بالحوض المائي لوادي الشعرة انطلاقا من مدخل طبيعي لمجرى وادي الشعرة يُعرف "بخنقة وادي الشعرة" أين يوجد مسرب يُساير حافّة مجرى الوادي يتفرع عنه في مرحلة أولى من الجهة الشمالية مسرب يُؤدّي إلى بلاد الڤيطون ثم في مرحلة ثانية يتفرّع عنه في مستوى نقطة التقاء رافدي وادي الشعرة الجنوبيين نحو وجهتين، الوجهة الأولى نحو بلاد البطمة عبر حافّات "وادي الهاني" والوجهة الثانية نحو بلاد حمامة عبر حافّات "وادي ملڤى الوديان" (أنظر الخريطة 2).
وتمثّل هذه المسارب في الأصل مناطق تنقّل طبيعية غير أن بعض أجزائها تحتوي على تدخّلات بشرية بسيطة عن طريق ملء بعض الانكسارات بالحجارة أو عن طريق تشييد مدرجات في نقاط الانحدار. ولا نستبعد أن تكون هذه المسارب هي نفسها التي كانت مُعتمدة منذ فترات ما قبل التاريخ وتواصل استعمالها إلى يومنا هذا حيث تتوزّع أغلب الرسوم الصخرية الموجودة بهذا الجزء من وسلات في الأودية والمنحدرات أسفل هذه المسارب15.
أما ما اعتبرناه مسالك فإنها تشمل الطرقات التي تمتدّ بالأساس فوق الذروات الجبلية وهي تُغطي كل مناطق الحوض المائي لوادي الشعرة وتصل بينه، وهي تتميّز أساسا بوجود جدران تُحدّد مسارها يصل معدّل ارتفاع الجدار إلى حوالي متر واحد وأحيانا يصل ارتفاعها إلى القامة في بعض النقاط. وتمتدّ هذه المسالك على كامل خط ذروات كاف القيطون وتتواصل منه نحو باقي مناطق جبل وسلات وهي تُساير نفس خطّ تقسيم المياه وبالتالي فهي تُمثّل حدودا بين بلاد الڤيطون شمالا وبلاد حمامة جنوبا. ويمتد تقريبا بشكل موازي لهذا المسلك نحو الجنوب مسلك آخر يُساير أيضا خط الذروات ليفصل بين بلاد حمامة وبلاد البطنة جنوبا، وبين هذين المسلكين تتفرع باقي المسالك التي تصل بين الذروات الجبلية والبلدات والقرى لمختلف المناطق.
وترتبط هذه المسالك بطبيعة النظام الاقتصادي بجبل وسلات والقائم على النشاط الزراعي بحكم أن سكان الجبل كانوا مستقرّين ومشجّرين16 كما كانوا يمارسون نشاط تربية الماشية التي تُؤكّد المصادر وجودها وأهميتها في اقتصاد سكان الجبل17 وهنا يكمن الإشكال والحل في نفس الوقت. فالمجال المحيط بالقرى داخل الجبل وداخل هذا الحوض المائي مجال مهيئ بالكامل ومغروس في مُجمله ونشاط الرعي كان يتمّ خارج الجبل بشكل يومي وجماعي لأهل المنطقة أو القرية الواحدة وقد مثّلت هذه المسالك القادرة على حصر مسار المواشي ونقلها خارج الجبل من دون أي إضرار بالمناطق الزراعية وبالأشجار داخل الجبل حلا ناجعا للقطع مع أي أضرار قد تُحدثها المواشي للمحاصيل (صورة 14).
كما تمثّل هذه المسالك أشكال تهيئة لمسارات مضبوطة تضمن سلاسة التنقلات على الدواب18 بسلامة المحاصيل من الخيل والبغال التي كانت حاضرة بشكل ملحوظ في نقل البضائع لدى الوسالتية19 هي أيضا مسالك كانت ناجعة في التحرّكات بين أطراف الجبل وبين المسالك أسفل الجبل20.
2. 2. "العسّات": معالم التأمين الداخلي والمراقبة الخارجية
يكاد ينفرد جبل وسلات عامة والحوض المائي لواد الشعرة تحديدا بصنف من المعالم التي لا نجدها في المرتفعات الجبلية القريبة وهي المعالم المعروفة عند السكّان المُحيطين بالجبل بتسمية "العسّات" (جمع عسّة) وهي بمثابة "المراصد" المُخصّصة للمراقبة وتنقسم إلى ثلاثة أصناف: "عسّات" المراقبة الخارجية و"عسّات" المراقبة الداخلية والبرج21.
يتوزّع الصنف الأول من "العسّات" فوق أكثر الذروات الجبلية ارتفاعا بحوض واد الشعرة، وهي معالم يأخذ الواحد منها شكلا مستطيلا يصل طولها إلى 9 م وعرضها إلى بين 6 و8 م، وتتوزع أهم هذه المراصد على امتداد كامل ذروات كاف القيطون في نقاط يصل ارتفاعها إلى لأكثر من 800 م وهو ما يسمح برؤية شاملة وبمراقبة واسعة لكامل المجال أسفل الجبل في بلاد الڤيطون وداخله ببلاد حمامة وببلاد البطمة بالإضافة إلى امكانية مراقبتها مداخل الجبل من الجهة الغربية.
وتتوزع على امتداد كاف الڤيطون ثلاث مراصد تتباعد فيما بينها مسافة 500 م وهي مُلاصقة للمسلك الجبلي الذي يمتد على كامل كاف القيطون ممّا يسمح لها بمراقبة التنقلات والتحرّكات عبر هذا المسلك22 وتمتدّ مجموعة من "العسّات" في بلاد البطمة فوق أعلى نقاط الذروات وهي تمثّل حدودا للبلاد (الخريطة 3) كما توجد مجموعة أخرى تتوزع في المرتفعات المحيطة "بخنقة وادي الشعرة" (الصورة 15 و16).
ويشمل الصنف الثاني "العسّات" التي تتوزّع داخل المستغلات الزراعية أو في أطرافها وقرب المنشآت المائية، وهي تمتد في كلّ من بلاد الڤيطون وفي بلاد البطمة وتكون كثافتها أكبر في بلاد حمامة. وتأخذ "العسّة" الواحدة شكلا مستطيلا لا يتجاوز 5 م وعرضها يكون محدود لا يتجاوز 1,8 م وتتميز بوجود فتحات مراقبة يسمح برؤية شاملة للمستغلات الزراعية حسب ما عايناه في بعض "العسّات" التي لا تزال قائمة الجدران.
أما الصنف الثالث فيشمل "البرج" وهو معلم محصّن يُعرف بتسمية "برج الوصيف" يمتد في القسم الأوسط من الكامل المجال المدروس ويحتل نقطة مرتفعة تصل إلى 550 م تتركز حوله شبكة المسالك والمسارب، يأخذ شكلا يميل إلى الاستطالة أقصى طوله حوالي 20 م وعرضه حوالي 19 م وتمتدّ داخله مجموعة من الغرف ذات الامتداد الطولي. ولا نستبعد أن يكون هذا البرج هو واحد من الأبراج التي كانت تضمّ ممثّلي السلطة المركزية داخل كلّ خُمس من أخماس الجبل الذي كان منقسما إلى خمسة أخماس23 ومقرّ من مقرّات "قايد الخمس" وعسكر زواوة الذين كانوا تحت إمرته حسبما تذكر وثائق الأرشيف حلال القرن 18 م24.
وتمثّل مُجمل هذه "العسّات" معالم ارتبطت أساسا بمراقبة وتأمين سلامة المصدر الأساسي لحياة الوسالتية من زراعات وغراسات سواء من التجاوزات الداخلية لسكان المناطق والقرى فيما بينهم أو من تعديات الأعداء من الخارج.
3.2. التقسيم الزراعي: القدرة على التأقلم مع قلة الموارد
بيّنت الدراسات الجغرافية التي اهتمّت بجبل وسلات خلال خمسينيات القرن الماضي ضخامة المجهود المبذول لتهيئة المساطب les terrasses في المنحدرات الجبلية وانبهرت بحجم وامتداد هذه المساطب التي تكاد تشمل كل منحدرات الجبل25.
والمِسطبة على مستوى التعريف هي تهيئة لجدران في المُنحدرات والأودية بغاية توفير مساحات زراعية إضافية في مجال جبلي صخري بالأساس وبغاية حماية طبقة تربة قليلة السمك من الانجراف والاستفادة بأكبر نسبة ممكنة من مياه الأمطار. وتمتدّ هذه الجدران بحسب شكل المنحدر وحِدّته وبحسب الانكسارات التي تخترقه حيث يلتوي جدار المسطبة الواحدة المُتعامد مع المنحدر ويقلّ امتداده كلّما كانت المساحة التي يُؤطّرها محدودة (قد تشمل مساحة غراسة شجرة فحسب) ويمتدّ الجدار بشكل مستقيم ومُتعامد مع المنحدر وعلى مساحة طويلة كلما كان المنحدر لطيفا وقليل الانكسارات وهو ما يسمح بتوفير مسطبة مُمتدة وشاسعة.
وتقدّم مثل هذا التهيئة مشهدا زراعيا يجعل من المنحدرات الصخرية حادّة كانت أم لطيفة تبرز على شاكلة مدرّجات متتالية يقل عددها ويرتفع بحسب امتداد المنحدر، وقد اعتبرت بعض الدراسات أن المساطب بجبل وسلات تتشابه على مستوى التقنية العامة مع "السدود" بجبال الجنوب التونسي وجبل نفوسة26 وهي تتشابه أيضا مع تقنية "الدكاكن" في جبل برقو27.
وقد مكّننا العمل الميداني من الوقوف على هذه الاختلافات في شكل المساطب بالحوض المائي لواد الشعرة بين مختلف مناطقه. حيث تتميّز بلاد الڤيطون الممتدّة مجالاتها الزراعية في منحدرات كاف الڤيطون والتلال المُتقدّمة للجبل المشرفة على السهول الغربية للجبل، تتميّز مساطبها بامتدادها العرضي وبوضوح واستقامة جدرانها خاصة في جزئها الممتد نحو الغرب (الصور 5 و6) (المساطب على منحدر كاف القيطون ومنحدرات التلال الغربية). وقد وفّر هذا الاتساع إمكانيات زراعية هامة جعلت من النشاط الزراعي يُراوح بين الغراسات (أشجار الزيتون بالأساس) وزراعات الحبوب.
وتبرز في المقابل المساطب ببلاد حمامة أقل اتساعا وامتدادا لضيق الأحواض وتضرّس المنحدرات لكنها تقّم نماذج لصنفي المساطب الشاسعة والممتدة في مستوى المنحدرات من الجهة الجنوبية وتقدّم أيضا مساطب ضيقة وصغيرة في مستوى منحدرات الأودية العميقة مثل وادي القليعة (الصور 21).
أما بلاد البطمة فتبدو أكثر المناطق تضرّسا حيث تتالى فيها الأودية العميقة وتتضاعف حدّة انحدار منحدراتها خاصة في مستوى وادي القرابج أين تمتدّ المساطب على شاكلة جيوب صغيرة تتالى من أعلى المنحدرات إلى أسفلها مُسايرة الطبقات الكلسية الصلبة وأشكالها. وقد أثر حجم المساطب المحدود على طبيعة النشاط الزراعي ببلاد البطنة فهي مساطب تضمّ أشجار الزيتون التي تبدو أكثر غراسة لاتزال قائمة وتقلّ بها المساحات المخصصة للحبوب.
وتتجمّع هذه المساطب المُتتالية والمُتجاورة في المنحدرات بمختلف المناطق داخل مساحات مضبوطة تُحدّدها جدران متوازية مع المنحدر وتنطلق من أعلى المنحدرات إلى أسفلها وهي مساحات كانت مصادر الفترة الوسيطة تّسميها "بالمقاسم28"، فهي ملكيات فلاحية وتقسيمات محلية بالجبل يكون امتداد الملكية الواحدة من أعلى المنحدر إلى أسفله وتكون باقي المقاسم موازية لها وهي بذلك تُمثّل حلاّ مجاليا يمكّن كل المقاسم من الحصور على نفس كميات مياه سيلان مياه الأمطار عند انسيابها من أعالي المنحدرات ويبرز هذا التقسيم بشكل واضخ في بلاد الڤيطون، ويكون لشبكة المسارب والمسالك مساهمة كبيرة في الفصل بين هذه المقاسم وأيضا في الولوج إليها.
وتتوزع في أطراف هذه المقاسم وفي المنحدرات الصخرية وفي مجاري الأودية منشآت مائية كثيفة بعضها منقور في الصخور وبعضها مشّيد ومُهيّأ في الانكسارات الصخرية وبعضها الآخر طبيعي شكّلته مياه سيلان الأودية في الصخور الكلسية مثل "القلتة الباردة" في وسط واد ملقى الوديان، وكل هذه الأصناف الثلاثة أشكال نجدها متواترة في كل جبل وسلات29 وتكون قريبة من المسالك والمسارب.
وقد كان للجغرافيا مرّة أخرى دور في تحديد مواضع وأصناف هذه المنشآت بين بلاد وأخرى، فبلاد القيطون التي تقل فيها المنحدرات الصخرية الهامة تركّزت منشآتها المائية حول القرى في مستوى انكسارات صخرية يقع تهيئتها وإضافة أسقف مُشيدة لها وملاط عازل في داخلها. وفي المقابل مثّلت بلاد حمامة منطقة سيطرت عليها المنشآت المائية المنقورة في الصخور الكلسية وهي تمتد في المنحدرات الصخرية الصلبة، ونفس هذا الصنف يتواتر ببلاد البطمة لكنّ كثافته تكون أقلّ بكثير ممّا نجده في بلاد حمامة.
ولئن كانت هذه المنشآت المائية المعروفة بتسمية المواجل مُخصّصة بالأساس للشرب لا للزراعة فإن معالم أخرى أمكن رصدها بوسط الأودية وتحديدا في بلاد حمامة في وسط أحد روافد وادي ملقى الوديان تُحيل إلى هذه التهيئة المائية المرتبطة بالزراعة، حيث يوجد سُدّ حجري هو بمثابة الجلاميد الصخرية المنحوتة والمُثبّتة في أرضية الصخرية بوسط الوادي وهي النموذج الوحيد القائم إلى حدّ الآن والذي أمكن معاينته بكامل الجبل، ولا نستبعد وجود آثار لهذه التقنية في السدود في باقي الأودية بجبل وسلات.
3.الخصائص المعمارية بالجبل : موارد طبيعية وسواعد محلية
يُقدّم مجال الحوض المائي لواد الشعرة نموذجا لمجال جبلي استطاع سكّانه التأقلم مع الخصوصيات الجغرافية والمناخية التي تُميّزه، حيث كانت العمارة المُشيّدة به عمارة محلية بها نماذج لأصناف معمارية جبلية تكاد لا تتكرّر في مجالات جبلية بعيدة وبعضها يكاد يكون تقليدا في كل المرتفعات القريبة على مستوى تقنيات البناء ومواده وعلى مستوى الانتظام الداخلي.
3. 1. حوض وادي الشعرة كنموذج لدراسة جبل وسلات
لم تتناول الدراسات التاريخية والأثرية حول جبل وسلات إلى حدّ الآن قضية الانتظام المجالي الداخلي للقرى والمعالم بالجبل ولا تزال معارفنا حول التقسيمات المجالية وانتظامها داخله محدودة، وحيث أنّ دراسة كلّ جبل وسلات تحتاج إلى مجهودات كبيرة ومُشتركة من قبل الباحثين المهتمين بالتعمير بالمرتفعات الجبلية فإنّ الاهتمام بجزء أو قسم من هذا الجبل يمكن أن يكون منطلقا ونموذجا نستطيع من خلاله فهم باقي الجبل.
وتُقدّم قرى الحوض المائي لوادي الشعرة خصائص مجالية على مستوى الانتظام الداخلي لبعض المعالم تشترك فيها مع مجالات جبلية قريبة من جبل وسلات على غرار المعالم الدينية، حيث تتوزع بهذا الحوض المائي خمسة مساجد، مسجد واحد بدار الزيت (بلاد الڤيطون) وثلاثة مساجد ببلاد حمامة ومسجد ببلاد البُطمة.
وتشترك هذه المساجد في خاصية موضعها الطرفي من النسيج السكني وفي موقعها المُشرف والأكثر بروزا من باقي المعالم مع وجوده في الغالب بالقرب من المسلك المُؤدّي إلى القرية. ويبدو أن هذه الخاصية الطرفية للمساجد هي من بين الظواهر التي نجدها تتكرّر في المساجد بالقرى الجبلية بوسلات30 ولكن أيضا بالمرتفعات الجبلية القريبة منه مثل برقو والسرج وكسرى31.
كما أن المعالم الاقتصادية بهذا المجال لها خصائص مشتركة في مستوى موضعها فمعاصر الزيت المُنتشرة في القرى لها أيضا موضع طرفي من النسيج السكني بل هي في الغالب آخر المعالم وأكثرها طرفية في القرية، وهذه الظاهرة تتكرّر في بلاد الڤيطون بمعصرة دار الزيت وفي بلاد حمامة بالبلد والقليعة ونجدها أيضا في بلد البطمة التي تحتوي وحدها على ستّ معاصر كلّها طرفية. وعلى غرار المعالم الدينية والمساجد تحديدا فإنّ موضع المعاصر الطرفي هو أيضا ظاهرة مُشتركة في قرى وسلات وفي قرى المرتفعات الجبلية بالقسم الأوسط من الظهرية.
ويحتوي هذا المجال الجغرافي الجبلي على صنف آخر من المعالم الدينية تتمثّل في المعالم الولائية وهي في مُجملها أضرحة مازالت تُحظى بطقوس الاعتراف لدى سكان أسفل الجبل32 نجدها تتكرّر في كل بلاد بقطع النظر عن موقعها، فلكل بلاد ضريحها أو بالأحرى لكل بلاد حاميها.
ويصعب تحديد طبيعة العلاقات التي تربط أصحاب الأضرحة بأصحاب الأرض بكل بلاد إن كانت علاقات دموية (جدّ مؤسّس) أم هي اعتقاد بكرامات، نظرا لوضعية التشتيت التي طالت سكان الجبل منذ 1762 م فالروايات المرتبطة بأصحاب هذه الأضرحة وعلاقاتهم بالسكان تبقى قليلة ونادرة فقد ضاع رصيد الذاكرة المحلية وتشتّت مع شتات أهل وسلات.
ويتزامن وجود هذه الأضرحة مع وجود مقابر لكل بلاد، ففي بلاد القيطون تمتدّ المقبرة في سيدي علي البكوش وتمتدّ مقبرة قرى بلاد حمامة قرب ضريح سيدي غريب في حين تمتد مقبرة قرى بلاد البطمة قرب سيدي بوحديد. وقد بيّنت الدراسات في مجالات أخرى من الجبل أن هذه المقابر تكون خاصة بعدة قرى لا بقرية واحدة33، مما يفيد بأن ظاهرة المقابر الواحدة تكون للبلاد الواحدة هي ظاهرة خاصة بكامل جبل وسلات.
3. 2. العمارة الجبلية: حجارة جبلية وسواعد محلية
تبرز بمجال الحوض المائي لوادي الشعرة شواهد للتوطين منذ فترات ما قبل التاريخ من خلال الرسوم الجدارية على بعض المنحدرات الصخرية، كما تبرز به شواهد لمقاطع حجارة ومعاصر للزيتون منذ الفترة القديمة تمّت الاستفادة من شواهدها ومن بعض أدواتها في الفترات الوسيطة والحديثة.
وتبدو المنشآت المائية المنتشرة بالجبل حاليا بأشكالها المستطيلة والدائرية ذات أصول قديمة حيث مثّلت دائرية الشكل منها مقاطع لاستخراج "أحواض الطحن" plateau de brouillage في حين ان المستطيلة كانت مقاطع لاستخراج وصقل "المثقال" contrepoids وأيضا لنحت "سواري العصر المُتوأمة" les Jumellesالمنتشرة في كامل المجال. وقد مثّل وجود كتابة لاتينية بأحد هذه المواجل حجّة إضافية تدعم القول بأن المنشآت المائية المنقورة من إنجازات سواعد القاطنين بالمجال خلال الفترة القديمة34 .
وقد كانت الاستفادة من الإرث القديم أيضا في عمارة قرى بهذا المجال في مستوى إعادة استعمال الأرحية في معاصر الزيت بالبلدات، حيث تمثّل كل الأرحية الموجودة في مجال واد الشعرة عناصر معمارية للمعاصر القديمة من دون استثناء. كما مثّلت بعض الأدوات المخصصة للعصر عناصر تمت إعادة استعمالها في بناء الجدران (الصورة 7).
وتبرز بهذا المجال خاصية محلية لم نجد لها مثيلا في المرتفعات الجبلية القريبة وتتمثّل في تقنية تسقيف فريدة من نوعها إلى حدّ الآن لا نستبعد أنّها من التقنيات الأصيلة بالجبل منذ فترات قديمة. وتقوم هذه التقنية على استعمال الألواح الحجرية التي يتراوح طولها بين 1,50 و2 م وعرضها بين نصف المتر والمتر الواحد مع سمك يتراوح بين 10 صم و20 صم، اُستعملت في سقوف بعض المعالم السكنية القائمة وخاصة في مراصد الحراسة بشكل كثيف وفي "برج الوصيف"، وهي تقنية استفادت من ضعف عرض المنشآت الذي لا يتجاوز 2 م واستفادت من أكثر مواد البناء وفرة في جبل وسلات وهي الطبقات الصخرية الصلبة والسميكة التي تُكوّن وتُميّز كتلة جبل وسلات وهي تقنية راعت نُدرة مواد البناء الخشبية بالجبل (الصورة عدد 8).
أما على مستوى تقنيات بناء الجدران فإن سكان الجبل شيّدوا باعتماد حجارة محلية أحجامها تختلف من الصغيرة إلى الكبيرة وتتباين أشكالها ويُدمج فيها المبني أحيانا مع الكتل الصخرية الطبيعية، ويكون ترصيف الحجارة أحيانا على قاعدة صخرية وفي أحيان أخرى صفّ المداميك الأول للجدران يكون أكثر عُرضا من باقي الجدار ممّا يعطي صلابة للمعلم. وأهم ما يمكن ملاحظته في تنضيد صفوف الحجارة (مداميك) بالجدران هو استعمال شظايا حجرية صغيرة مُثبّتة بين كلّ حجرة وأخرى لضمان تباث وتراصف صفّ الحجارة الواحدة فبإزالة هذا الجزء الصغير يُصبح الجدار أكثر عُرضة للانهيار.
وتتميّز جدران المعالم بكل القرى بمجال واد الشعرة بوجود ملاط داخلي من التربة والحصى وشظايا الحجارة وذلك خلافا لما ساد الاعتقاد به حيث كانت الفكرة السائدة لدى الباحثين بأن الجدران بقرى جبل وسلات مُشيّدة عبر تنضيد الحجارة فحسب ومن دون اعتماد لا ملاط داخلي ولا خارجي35 وتُعرف هذه التقنية في كامل البلاد التونسية إلى اليوم بتقنية "الصيّاح".
وقد مكّنتنا المعاينة الميدانية بهذا الجزء من جبل وسلات من الوقوف على شواهد لاعتماد الملاط بكل القرى المُنتشرة بمجال واد الشعرة، بل إنّه وقعت معاينة شواهد لاستعمال ملاط خارجي للجدران لا يزال بارزا في بعض أجزاء من جدران المنشآت الدينية وكذلك السكنية والاختلاف الوحيد نجده في مستوى مُكوّنات هذا الجير فهو جير أكثر نقاء وذو بياض ناصع في المساجد (مسجد حمامة ومسجد البطمة) قد يكون في علاقة بوجود نسبة مرتفعة من الجبس به، أما الأكثر تداولا فهو الجير الذي يشوب لونه صفرة أو يغلب عليه اللون الرمادي لوجود نسبة هامة به من الرماد، وأحيانا تشمل التهيئة حتى قاعات المعالم فقد تمّ العثور على طبقة من الملاط الجيري تعلو قاع مسجد قرية البطمة.
ويحتوي المجال على نموذج من الأضرحة لا يزال قائما بشكل كامل وهو ضريح سيدي بوحديد الموجود في آخر نقطة من مجال بلاد البطمة، حيث لا تزال تعلوه قبة مخروطية الشكل شُيّدت بالحجارة الصغيرة بشكل مُتقن وهي تستند على رقبة صغيرة تمثّل أركانها نقاط انتقال بين الشكل المربّع لغرفة الضريح وبين رقبة القبة وهي تأخذ شكلا ربع كروي مدرّج. وتبرز الأقواس الجدارية بالفضاء المربع لغرفة الضريح كأقواس بسيطة لكنها مشيّدة بشكل متوازن رغم ما يشوب شكلها من انحناءات في بعض المواضع، وتقدّم جدرانه المُشيّدة بالحجارة المصقولة نموذجا جيدا للعمارة المحلية البسيطة خاصة في مستوى واجهتها الشرقية الرئيسية أين يمتد مدخل الضريح والذي لا يزال ساكفه العلوي قائما وهو يشبه على مستوى التقنية مدخل ساكف ضريح سيدي غريب ببلاد حمامة.
ويبرز بضريح "سيدي بو حديد" اعتماد الملاط الخارجي الجيري بشكل واضح في كامل المعلم بالإضافة إلى استعمال بعض الأجزاء من أعمدة مواقع أثرية قديمة، كما يحتوي هذا الضريح على شواهد من اعتماد الأخشاب ودمجها في الجدران لمزيد تدعيمها، وهذا النموذج من اعتماد هذه التقنية في مجالات أخرى قريبة لم نُسجلها إلا في هذا المعلم فحسب من كامل مجال حوض وادي الشعرة.
3. 2. العمارة الجبلية: حجارة جبلية وسواعد محلية
لقد كان لقرب جبل وسلات من مدينة القيروان الأثر البالغ في تحديد موضعه من شبكة الطرقات العامة فالجبل لم يكن جبل معزولا ونائيا بل مثّل مرتفعا جبليا قريبا من مسالك وطرقات تمرّ بالقيروان وتتفرّع منها نحو إفريقية وكامل بلاد المغرب.
وقد كانت بعض المسالك قريبة جدا من أطراف الجبل منذ الفترة الوسيطة المُبكرة، فطريق الجبال الذي تذكره المصادر بين القيروان والحضنة عبر الأربس كانت محطّته الأولى مدينة "جلولاء"36 التي تتطابق مع الموقع الأثري عين جلولة وهي موقع ملاصق للجبل من الجهة الجنوبية الشرقية. أما المحطة الثانية من هذا الطريق فهي "أجر"37 وهي قرية قريبة جدا من جبل وسلات من جهته الشمالية الشرقية.
أما الطريق الثاني فهو طريق القيروان - سبيبة والذي كان يمرّ من الجهة الغربية لجبل وسلات وقد مثّل في جزئه الأول طريقا كان مُستعملا خلال الفترة الحديثة للتنقّل من القيروان إلى الجبل عبر "فجّ سبيبة"38.
وقد كان لهذا القرب تأثير على الجبل وعلى انفتاحه على العواصم والمدن والقرى القريبة، وهو ما سمح بوجود نشاط وتبادل تجاري نجد صداه في اللقى الخزفية بالقرى الجبلية، وتمثّل هذه اللقى المعطى الأثري الوحيد إلى حدّ الآن القادر على تقديم مؤشّرات عامة لتأريخ التوطين بهذه القرى وفهم التطور العام لها.
وقد مكّننا العمل الميداني بالمجال المدروس من الوقوف على خزف مؤرّخ بالقرن 6 هـ / 12 م يعود للفترة الموحدية – الحفصية ويتواصل إلى الفترة الحديثة بكل من بلاد القيطون وبلاد حمامة39 وكذلك بلاد البطمة، ويبقى هذا التأريخ نسبي بحكم أن العينات من الخزف قد تمّ تجميعها من سطح الأرض في انتظار انجاز أسبار أثرية قادرة على تحديد تواريخ للتوطين بأكثر دقّة. لكن هل من إشارات تاريخية في المصادر التاريخية حول هذا المجال بجبل وسلات؟
ليست لدينا إشارات مصدرية صريحة حول الحوض المائي لوادي الشعرة ولا لمختلف الأقسام المُكوّنة له خلال الفترة الوسيطة، ولكن في المقابل فإنّ أقدم إشارة مصدرية ذكرت مجالات ومناطق جبل وسلات تتطابق زمنيا مع المعطيات الأثرية ومع التواريخ التي تقدّمها اللقى الخزفية بهذا الجزء من الجبل، حيث أفاد الإدريسي خلال القرن 6 هـ/ 12 م بأن جبل وسلات "... فيه من الحصون حصن الجوزات وحصن تيفاف وحصن القيطنة ودار إسماعيل ودار الدواب"40.
ويبدو أن مصطلح "الحصون" الذي أورده الإدريسي يُفيد مختلف التقسيمات المجالية بجبل وسلات، بمعنى أن الجبل كان ينقسم منذ تاريخ وصفه خلال القرن 6 هـ / 12 م إلى خمسة مجالات، وهو تقسيم ترابي وجغرافي (وقد يكون جبائي أيضا) على غرار نظام الحصون بالأندلس41، ولا نستبعد أن يكون هذا التقسيم الخماسي للجبل قد تواصل خلال الفترة الحديثة بتسميات مختلفة. فقد استعمل الصغير بن يوسف خلال القرن 18 م في وصف الجبل مصطلح "القبائل" وأورد قائلا عن الجبل وسكانه "وهم خمس قبائل أوساطهم (كذا) أولاد مانس والجبيل وأهل تيفاف وأهل بورحال وأكثرهم أولاد إسماعيل"42 وفي المقابل فإن وثائق الأرشيف كانت تستعمل عبارة "الخُمس" و"أخماس الجبل"43، و"الخمس" بهذا المعنى هو الوحدة المجالية المستعملة بالجبل خلال الفترة الحديثة للتفريق بين مختلف المناطق في الوثائق الرسمية وعند السكان المحيطين بالجبل وهو على الأرجح تقسيم وريث تقسيم مجالي عريق بالجبل44.
وتقدّم الفترة الحديثة صنفا آخر من المصادر هي الوثائق الأرشيفية التي تتضمّن إشارات أكثر دقة حول المجال الجبلي تمّ تدوينها في علاقة بالجباية فقدّمت تسميات للعائلات وللقرى الجبلية بوسلات بشكل عرضي، وقد كان لبعض الدراسات التاريخية السّبق في الاعتماد على هذا الصنف من الوثائق الأرشيفية لكتابة تاريخ هذه المجموعات السكانية القاطنة بالمرتفعات الجبلية لوسلات تمكّنت من خلالها من فعم الانتماءات العائلية للوسالتية45.
وقد مكّنتنا الوثائق الأرشيفية من الوقوف على تسميات المناطق الثلاثة المُكوّنة للحوض المائي لوادي الشعرة خلال القرن 18 م، حيث كانت "بلاد حمامة" أقدم المناطق المذكورة في الوثائق الأرشيفية التي أمكن الاطلاع عليها وتعود أولى الإشارات إليها في تاريخ سنة 1743 م وردت في إحدى "الخطايا" المُوظّفة على أحد سكانها بالعبارة التالية "قبل ولد مبارك بن سلامة من أولاد حمامة دية .... أخبر عنه القايد أحمد بن محمد قايد وسلات أواخر ربيع الثاني 1156 (جوان 1743) ..."46.
ونجد أن بعض الوثائق الأرشيفية تتحدّث في سنة 1762 عن المجموعات التي غادرت جبل وسلات فيتواتر في بعض القائمات الاسمية ذِكر السكّان القاطنين بالحوض المائي لوادي الشعرة والمناطق الثلاثة المُكوّنة لها بشكل مُتتالي وهو ما يدعم ملاحظاتنا الميدانية من انتماء هذه المناطق إلى نفس المجال وتحرّكاتهم ومواقفهم وحتى هروبهم كان في مجموعات تؤكّد وحدة انتمائهم الجغرافي، "فأولاد حمامة" غادروا مع جيرانهم من أهل القيطون ومع أهل البُطمة والشندوب خلال هروبهم من الجبل47.
وتُؤكّد مُجمل الإشارات الأرشيفية لتسميات مُختلف مناطق الحوض المائي لوادي الشعرة -بالإضافة إلى وحدة الانتماء الجغرافي- تُؤكّد وحدة الانتماء "القبلي" لساكني هذا الحوض بأقسامه الثلاثة. فلقب "الڤيطوني" (نسبة إلى بلاد الڤيطون) أكّدت دراسات تاريخية انتمائه إلى خُمس أولاد إسماعيل48 مما يعني أن "بلاد الڤيطون" و"بلاد حمامة" و"بلاد البُطمة" تُمثّل كلّها مجالا جغرافيا كانت تقطنه مجموعات من أولاد إسماعيل أكبر أخماس جبل وسلات خلال القرن 18 م.
الخاتمة
لقدّ مكّننا العمل الميداني من الوقوف على انتظام جبل وسلات على شاكلة أحواض مائية، ويمثّل الحوض المائي لوادي الشعرة أحد أبرز هذه الأحواض بالجبل وهو يتميّز بوجود تجانس على المستوى الجغرافي والمعماري وحتى البشري (القبلي) فكلّ سكّانه ينتمون على ما يبدو إلى "خُمس أولاد إسماعيل" وبالتالي فإنّ حوض وادي الشعرة يمثّل أحد الأجزاء المُكوّنة لهذا الخُمس المُستحوذ على أكبر مساحة بالجبل.
وقد تبيّن من خلال هذه الدراسة أن فهم جبل وسلات ودراسة انتظامه المجالي يجب أن يكون من زاوية الأحواض المائية وتتبّع أشكال التعمير بها وربطها بالتوطّن البشري ومنه يمكن تكوين صورة كاملة حول الجبل وحول أخماسه.
الهوامش
1 F. Frémont, 1968, p. 11
2 يمثل واد الشعرة أحد أهم روافد وادي مرق الليل.
3 J. Despois, 1959, p. 409. M. M. Turki, 1988, p. 31. S. Bergaoui et A. M. Gammar, 1992, p.200.
الوسلاتي عامر، 1994، ص 51.
4 ذكرDespois تسميات لم تعد موجودة حاليا هي "بلاد اللّوز" و"بلاد العرّاسة" و"بلاد النحالة" بالإضافة إلى "بلاد القيطون وبلاد حمامة"، ولم نجد في الخرائط الطوبوغرافية تسميات البلاد إلا في المنحدر الشرقي لجبل وسلات "بلاد النحالة"، وقد ذكر أيضا رياض المرابط تسمية "بلاد الجاهلية"، أنظر:
- المرابط رياض، 2009، ص147- 150.
- .J. Despois, 1959, p. 415.
- الخريطة الطبوغرافية 50000/1 حفوز رقم 62.
5 أنظر على سبيل المثال المصطلحات المستعملة خلال القرن 17 م في وصف حدود قرية بني عتاب بجبل السرج (سيدي حمادة): الصويد جهاد،2015، ص 82. الصويد،2021، ص 91.
6 كانت المنطقة تُعرف أيضا ببلاد القيطون حسب ما دوّنه Despois في النصف الأول من القرن العشرين من روايات سكان أسفل الجبل، أنظر: J. Despois, 1959, p. 415.
7 1: سيدي زڤام، 2: بو ميّاسة، 3: دار الزيت، 4: سيدي عمر البكوش، 5: دار الحيط، 6: دار بن ڤملة، 7: بلد فيض الخصومة، 8: الطرابلسين، 9: بلد الوطا، 10 خنيفيسة، 11: بلد الجاهلية، 12: كتف البلد،: الهنشير، 14: الڤليعة، 15: بلد ذراع البلّوطة، 16: بلد هنشير الضرو، 17: بلد المجيّرة، 18: البطمة، 19: السّند، 20: دار ملاّح، 21: الشندوب، 22: سيدي بوحديد.
8 الصغيّر بن يوسف، 1998، ج 1، ص 81 -105. الصويد، 2016، ص 104.
9 الصويد،2021.
10 تمّ خلال زيارات حديثة للمنطقة التفطّن إلى وجود قرية أخرى لم يقع احتسابها في أعمال سابقة فيصبح العدد المُحيّن للقرى هو اثنا عشرة قرية.
الصويد،2021، ص 93.
11 قمنا بإنجاز سبر أثري في بلدة الشندوب ستُنشر نتائجه قريبا في مقال مُستقل.
12 يمكن أن نلاحظ التقارب الصوتي بين اسم الضريح "بوحديد" وبين مصطلح الحد، فهل التسمية في علاقة بضبط حدود مجالية للمناطق بالجبل خاصة وأنّه يمثّل آخر نقطة من كامل هذا الحوض المائي لوادي الشعرة من الجهة الشرقية؟ مع الإشارة إلى أن الرواية الشفوية المُتداولة بأسفل الجبل تُفيد بأنّ شهرة صاحب الضريح كانت نسبة لقطعة من حولي أهدتها له إمرة من الجبل بعد أن بشّر بنزول الغيث النافع على إثر جفاف طال بجبل وسلات وتحقّق تنبّئه.
13 الصويد،2021، ص 100.
14 بن يوسف، ن. م.، ج 1، ص 105.
15 حول أهم الرسوم الجدارية بهذا الجزء من وسلات ومختلف الشواهد المؤرخة بفترات ما قبل التاريخ أنظر:
A. Gragueb, A. Harbi -Riahi, A. M’timet et J. Zoughlami, 1991. J. Ben Nasr, 2001- 2002. S. Yahia-Acheche, 2009.
16 المكني، دون تاريخ، ص 22.
17 بن يوسف، 1998، ج 1، ص 105.
18 تحدّث Despois عن تنقله بالخيل عبر هذه المسالك، كما لا يزال سكان أسفل الجبل يتنقلون نحو الجبل باعتماد نفس هذه الدواب، أنظر:
J. Despois, 1959, p. 415
19 يتحدّث الصغير بن يوسف عن الأحمرة والبغال والتي كانت تخصص للنقل وحمل البضائع، أنضر: بن يوسف، 1998، ج 1، ص 105، ج 4، ص 188.
20 لا نستبعد من خلال سياق إشارة لدى الصغير بن يوسف بأن يكون يونس بن إسماعيل حفيد علي باشا قد فرّ من جبل وسلات ومن مقرّ إقامته بدار الباي نحو الجزائر عبر هذه المسالك التي تمرّ بالحوض المائي لواد الشعرة، أنظر: بن يوسف، 1998، ج 4، ص 188 - 189.
21 لم نقف على هذا الصنف من المعالم في المرتفعات الواقعة في القسم الأوسط من الظهرية مثل برقو والسرج وكسرى والتي لا تبعد عن جبل وسلات كثيرا، أنظر للمقارنة: الصويد، 2011. الصويد، 2013. الصويد، 2015.
22 الصويد، 2021، ص 103.
23 بن يوسف، 1998، ج 1، ص 105. المكني، ص 32.
24 J. Despois, 1959, p. 412.
25 J. Despois, 1959, p. 412.
26 "الدكاكن" هي المصطلح المحلّي المُعتمد في جبل برقو لتوصيف كلمة المساطب، الصويد، 2011، ج 2، ص 260.
27 الأرشيف الوطني التونسي (مستقبلا أ. و. ت.)، الدفتر عدد 15. أ. و. ت.، الدفتر عدد 26. الصويد، 2021، ص 104.
28 ابن عظوم، 2006، ج 6، ص 134؛ الصويد، 2021، ص 106.
29 S. Bergaoui et A. M. Gammar, 1992, p. 203.
30 الصويد، 2016، ص 101.
31 الصويد، 2011، ج 2، ص 30.
32 تطرح نشأة هذه الأضرحة ملفّا مُهمّا في تاريخ المرتفعات الجبلية وهو ملف تسرّب ونفاذ التصوّف الإفريقي إلى جبل وسلات ومساهمة حركة التصوف في نشر المالكية عبر توطّن أولياء وصلحاء بالمرتفعات الجبلية منذ الفترة الحفصية حيث أشارت بعض الدراسات حول وسلات إلى "أن الجبل كان على علاقة ما بمذهب الخوارج" وأن الظاهرة الولائية ساهمت في نشر وتسرّب الفكر السني المالكي منذ الفترة الحفصية. وقد أصبح التصوّف زمن الحفصيين حسب دراسات أخرى "عنصرا أساسيا في توازن العلاقة بين السلطة والمجتمع" حيث دخلت السلطة "في تحالف موضوعي مع شيوخ الزوايا" وهو ما مكّنهم من بسط سيطرتهم المجالية ونشر المذهب المالكي والقطع مع المذهب الإباضي في مناطق نفوذه التاريخي مثل الجريد بمكوّنيه الأساسيين قسطيلية ونفزاوة التي كان لحركة التصوّف مساهمة حاسمة في هذا التحول المذهبي، أنظر: المرابط، 2009، ص 142-143 و 155. ابن الصبّاغ، 2012، ص 19. المسراتي القيرواني، 2009، ص 15. الغماري، 2021، ص15- 16. حسن 1999، ج 1، ص 120.
33 المرابط، 2009، ص 151.
34 الصويد، 2021، ص 105.
35 J. Despois, p. 415.
36 البكري، 1992، ج 2، ص 716. عرعار، 1999، ص 23. الفهري، 2000، ص 56.
37 يوجد الموقع الأثري "أجّر" بسيدي عمارة حاليا شمال الوسلاتية على بعد حوالي 5 كلم.
38 البكري، 1992، ج 2، ص 710. الباهي، 2013، ص 23-41، ص 33.
39 الصويد، 2021، ص 100.
40 الإدريسي، 2007، ص 88.
41 P. Cressier, 1984.
حسن، 2004، ص 31 .
42 الصغير بن يوسف، 1998، ج 1، ص 105.
43 أ. و. ت.، الدفتر عدد 16. المكني، ص 85 -86.
44هناك تسميات ذكرها الادريسي لأقسام الجبل تواصلت خلال الفترة الحديثة، "فحصن تيفاف" عند الإدريسي أصبح عند الصغير بن يوسف "أهل تيفاف" و"حصن إسماعيل" أصبح عنده "أولاد إسماعيل"، كما يمكن أن نلاحظ وجود هذا التقارب في الرسم بين عبارة "حصن القيطنة" المذكورة من قبل الإدريسي وبين بلاد القيطون، فهل كانت تسمية القيطون وريثة لتسمية القيطنة؟
45 يمثّل العمل الذي أنجزه الأستاذ عبد الواحد المكني أولى الدراسات التاريخية التي أعادت كتابة تاريخ سكان الجبل من الوسالتية بالاعتماد أساسا على الوثائق الأرشيفية بمختلف أصنافها.
46 الأرشيف الوطني التونسي، الدفتر عدد 34.
47 . و. ت.، الدفتر عدد 120، وقد خصّصنا في أطروحة الدكتوراه عنصرا للوسالتية الذين غادروا الجبل قبل قرار الإخلاء النهائي لجبل وسلات وآخر للوسالتية المُغادرين للجبل بعد قرار الإخلاء، أنظر: الصويد، 2011، ج 2، ص 166 – 172.
48 المكني، ص 85.
المصادر والمراجع
ابن الصبّاغ محمد بن أبي القاسم الحميري، 2012، [يرجّح تأليفه]، مناقب أبي علي سالم التباسي تلميذ أبي الحسن الشاذلي، تحقيق أحمد الباهي، سوسة، دار كونتراست للنشر، سوسة.
ابن عظوم أبو الفضل أبو القاسم بن محمد مرزوق بن عبد الجليل بن محمد المرادي، 2006، كتاب الأجوبة، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، بيت الحكمة، تونس.
الإدريسي أبو عبد الله محمد بن محمد الحمودي، 2007، أنس المهج وروض الفرج، حقق الوافي نوحي قسم شمال إفريقيا وبلاد السودان، الرباط، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
الأرشيف الوطني التونسي، 1148 – 1151 هـ، الدفتر عدد 15، مقابيض ومصاريف.
الأرشيف الوطني التونسي، الدفتر عدد 26.
الأرشيف الوطني التونسي، 1175 – 1181 هـ، الدفتر عدد 120، مداخيل الدولة من الدوايا والخطايا والأعشار واللزم.
الأرشيف الوطني التونسي، 1155 – 1156 هـ، الدفتر عدد 34، مداخيل الدولة من الدوايا والخطايا.
الباهي أحمد، 2013، "فج سبيبة: أحد المواضع على طريق القيروان-سبيبة في العصر الوسيط المتقدم"، في سمير القيزاني نشر، العمران والعمارة في المتوسط خلال العهدين القديم والوسيط في ضوء المصادر الأثرية والأدبية، فعاليات الملتقى الدولي الثاني، 24-25-26 نوفمبر 2011، تونس، المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، ص 23-41.
البكري أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز، 1992، المسالك والممالك، تحقيق أدريان فان ليوفن وأندري فيري، تونس، بيت الحكمة - الدار العربية للكتاب.
حسن محمد، 1999، المدينة والبادية بإفريقية في العهد الحفصي، تونس.
حسن محمد، 2004، الجغرافية التاريخية لإفريقية من القرن الأول إلى القرن التاسع VII – XV م، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت.
الخريطة الطبوغرافية 50000/1 حفوز رقم 62.
الصغيّر بن يوسف محمد بن محمد الكورغلي الباجي الحنفي، 1998، المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي، تحقيق أحمد الطويلي، تونس، المطبعة العصرية.
الصويد جهاد، 2011، التعمير والمعمار بجبل برقو دراسة إتنوأثرية، شهادة دكتوراه في علوم التراث، تحت إشراف الأستاذة منيرة الرمادي – شابوطو، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس.
الصويد جهاد، 2013، "دشرة بو عبد الله (حمادة كسرى): الخصائص الأثرية وإشكالية التأريخ"، القيروان وجهتها، دراسات جديدة في الآثار والتراث، أعمال الندوة العلمية الدولية الثالثة لقسم علم الآثار (القيروان 1 – 4 أفريل 2009)، نصوص جمّعها وأعدّها للنشر النوري بوخشيم وجعفر بن نصر وأحمد الباهي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان -مركز النشر الجامعي، تونس، ص 135 – 143.
الصويد جهاد، 2015، "المشهد التعميري بجبل السرج بين معطيات المصادر والشواهد الأثرية"، الجبل والسهل في حوض المتوسط، أعمال الندوة العلمية الدولية الرابعة (القيروان 5، 6 و7 ديسمبر 2011)، نصوص جمّعها وأعدها للنشر جعفر بن نصر والنوري بوخشيم، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، تونس، ص 77 – 85.
الصويد جهاد، 2016، "قرية العرمة بجبل وسلات: دراسة أثرية وتاريخية"، الأرياف والآثار الريفية ببلاد المغرب والمتوسط، أعمال الندوة العلمية الدولية السادسة (القيروان: 14، 15و 16 أفريل 2016)، نصوص جمعها وأعدها للنشر جعفر بن نصر ومراد عرعار والنوري بوخشيم، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، تونس، ص 63 ـ 104.
الصويد جهاد، 2021، "بلاد حمامة (جبل وسلات) الشواهد الأثرية والخصائص المجالية"، البيزاقيوم، البيزاقينة، المزاق: اشتغال الأرض، التعمير وأنماط العيش، فعاليات الندوة العلمية الدولية السادسة لمخبر البحث "اشتغال الأرض والتعمير وأنماط العيش في بلاد المغرب في العصور القديمة والوسيطة"، سوسة 13 ـ 14 ـ 15 جوان 2019، أعدها للنشر عبد اللطيف المرابط، سوسة، ص 89- 110.
عرعار مراد، 1999، الأربس وناحيتها إلى حدود القرن 6 هـ / 12 م، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في التاريخ الوسيط، إشراف الأستاذ محمد حسن، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس.
الغماري علي بن ميمون [منسوب إليه]، 2021، مناقب أحمد الغوث التبّاسي، ويليها السلسلة التبّاسية، لمجهول حرّرها سنة 1333 هـ / 1914 م، تحقيق أحمد الباهي، تونس، مجمع الأطرش للتوزيع.
الفهري نافع، 2000، شبكة الطرقات بإفريقية خلال القرون الخمس الأولى للهجرة، إشراف الأستاذة منيرة شابوطو، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس.
المرابط رياض، 2009، "الانتماء المذهبي لجبل وسلات بين معطيات النصوص والمعطيات الأثرية"، القيروان وجهتها، اكتشافات جديدة، مقاربات جديدة، أعمال الندوة العلمية الدولية الثانية لقسم علم الآثار (القيروان 6 - 8 مارس 2006)، نصوص جمعها أحمد الباهي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، مسكيلياني للنشر، تونس، ص 137-156.
المسراتي القيرواني جمال الدين بن محمد، 2009، مناقب أبي القاسم المسراتي المعروف بصاحب الدربالة، حققه وقدم له ووضع فهارسه أحمد الباهي، دار كونتراست للنشر، سوسة.
المكني عبد الواحد، د. ت.، شتات أهل وسلات من 1762 حتى بداية القرن العشرين، دار سحر للنشر، تونس.
الوسلاتي عامر، 1994، المشاهد الطبيعية في تونس، تونس.
الكاتب
جهاد الصويد
مكلف بالبحوث الأثرية والتاريخية، المعهد الوطني للتراث.