Information
A propos Al-Sabil
Numéros en texte
intégral
Numéro 14
Deux stèles funéraires kairouanaises au Toronto-Agha Khan muséum
Lotfi Abdeljaouad
Le pisé : retour d’expérience à propos d’une technique de construction ancestrale
Imène Slama et Racha Ben Abdejelil
2022 | 14
ديوان جند الإنكشارية ومقام الحاجي بكتاش ولي بإيالة تونس: الولاء ورمزية الانتماء العثماني
مؤيد المناري
الفهرس
الملخّص
هذا المقال، هو دراسةٌ لمجموعة من النصوص التاريخيّة المتعلقة بالجهاز العسكري العثماني وبديوان جند الإنكشارية الذي أسّسه سنان باشا بولاية تونس بعد إلحاقها رسميّا لإدارة الدولة العثمانيّة. يعرضُ هذا العمل بشيء من الدقّة تلك التراتبيّة العسكريّة "المعقّدة" لجماعات ديوان الجند، وذلك بتحديد وضبط أسماء رُتب ووظائف جماعات العسكر وكبارِ ضباط الإنكشارية الذين بلغ عددهم أربعة ألاف عسكري. وكشفت هذه الدراسة عن أسماء بعض موظفي الديوان ومساعديهم من الفِرَقِ والمجموعات الذين ذُكرت أسماؤهم بمصطلحات غير مفهومة بين أسطر نصوصنا التاريخيّة، وذلك لتعريبها من قبل المخبرين عن اللغة التركيّة دون تقديم تعريف لها. ويقدم هذا المقال قراءة جديدة حول تناظر ما حملته كتب الأخبار التونسيّة وما انطوت عليه المصادر والمعطيات الأرشيفيّة التركيّة الرسميّة وتمايزها بخصوص طبيعة التنظيم العسكري والسياسي الذي تم اعتماده بعد تمركز الأتراك بتونس. فديوان الجند الذي أُنشئ بولاية تونس إثر الفتح العثماني هو نسخة مصغّرة من "الآغه كابسي" لدى الأتراك. كما أن نظام "الوجق الإنكشاري" العثماني، تم اعتماد مثيله من طرف سنان باشا وسمّاه دارا من "ديار الينجريّة". وقدّم المقال تحليلا جديدا لما اصطلح على تسميته بـ "ثورة البلكباشيّة" سنة 1591 م، مبيّنا في ذلك موقع الداي - كبير فرقة المشاة منذ 1574– منها، وحاسما الجدل في حقيقة الدور الذي عاد له بعد التخلّص من سطوة جماعة البلكباشيّة والأوده باشيّة وكبار أغاوات العسكر المستبدين الطغاة.
وأخيرا يطرح هذا المقال موضوعا جديدا يكْمنُ في الربط بين الجانب العسكري والروحي الصوفي، وهي علاقة الجند الإنكشاري بالتصوّف التركي البكتاشي المتمثّل في حضور مقام "الحاجي بكتاش ولي" في رحاب الديوان المنصور بالإيالة التونسيّة. ويبحث المقال في عنصره الأخير عن ظروف انتقال هذا التصوّف البكتاشي للإيالة، والذي تبيّن أنه وصل لتونس عن طريق جماعات الجند المتطوعين وشراكسة إيالة مصر الذين كانوا من مريدي تكة "قايقوسوز" البكتاشية بالقاهرة، والذين دعاهم السردار سنان باشا للمشاركة في معركة حلق الوادي ضدّ الإسبان، ليسكنوا بعد الانتصار إيالة تونس كأصحاب تيمار واقطاعات فلاحيّة بوصفهم فرسان سباهية في الجيش الإنكشاري العثماني.
الكلمات المفاتيح
مقام حاجي بكتاش ولي، البكتاشية، "الآغه كابسي"، الديوان المنصور، الجند الإنكشاري، آغة الإنكشارية، البلوكباشي، الأوده باشي، الداي، الدولاتلي، سنان باشا، متطوعة مصر.
Résumé
Cet article présente une nouvelle lecture abordant la question de la similitude du « Ocak » ottoman, « Vağak » en arabe avec celui établit par Sinan à Tunis et appelé « Dar al- yenšeriyye ». Nous avons pu démontrer l’existence d’une ressemblance entre l’institution administrative turque appelée « Ağa kapısı », porte des Aġa-s, adoptée par les Turcs à Istanbul avec celle de l’institution du Divân qui a été instaurée par Sinan dans la nouvelle Régence de Tunis. Ce corps militaro-administratif de quatre mille janissaires se compose d’une classe dirigeante appelée en turc « Cemaat », en arabe « Gemmant », une sorte de communauté de grands chefs turcs « Ağa-s » regroupée dans l’institut du Divân. Nous trouvons au sommet de la hiérarchie qui caractérise cette assemblée leur chef appelé en arabe « Ağat-al-yenšeriyye », puis en deuxième position vint le groupe des « Blukbaši-s », ensuite ceux des « Odabaši-s » et enfin, au plus bas de la hiérarchie, on trouve les petits soldats sous le nom de « Yoldaš ».
D’un autre côté, l'article aborde le lien entre l'armée ottomane et la confrérie soufi des Bektâši. Le texte d’une inscription ottomane « osmanlı », gravée sur le linteau d’une chambre située au fond du Divân, nous confirme l’existence d’un mausolée du grand Šeiḫ Ḥaği Bektaš Velī, le chef d’un ordre soufi « tarikat » pratiqué en Anatolie depuis le XVe siècle, celui qui a donné son nom à la Bektâšiyya. Cette confrérie, à laquelle sont affiliés les janissaires turcs, a été implantée à Tunis par l’intermédiaire de soldats venant du Caire, et qui ont participés à la conquête à côté de Sinan. Les disciples du mouvement Bektâši «Gaygusuz » au Caire étaient donc derrière l’instauration de cette « tarikat » à Tunis. Après avoir été appelés par Sinan Paša pour participer à la bataille contre les Espagnols, ces soldats ont choisi de s’installer dans le pays et de s’approprier des Timar dans la nouvelle régence conquise.
Mots clés
Mausolée de Ḥaği Bektaš Velī, le Bektachisme, La porte des Aġa-s “Ağa Kapısı”, le Divân de Tunis, les janissaires turcs, le Aġa des janissaires, le Bulukbaši, l’Odabaši, le Dey, le Devletli, Sinan Paša, Soldats volontaire d’Egypte.
Abstract
This article offers a new reading on the similarity of the Ottoman “Ocak”, Vağak in Arabic, with that established by Sinan in Tunis and called “Dar al- yenšeriyye”. It has also been revealed that the Turkish administrative institution called “Ağa Kapısı” adopted by the Turks in Istanbul is similar to the Divan institution that Sinan established in the new Regency of Tunis. This military-administrative body of four thousand janissaries consists of a ruling class called in Turkish “Cemaat”, a kind of several communities of great Turkish chiefs “Ağa-s” grouped together in the Divan Institute. These communities are subdivided into a hierarchy of groups, and they carried out both military and administrative tasks. At the top of this hierarchy is the head of the Janissaries called “Ağat-al-yenšeriyye”, then in second place is the group of “Blukbaši-s”, then those of “Odabaši-s” and finally, below, there are the small soldiers under the name “Yoldaš-s”.
Finally, the article discusses the moral link between the Ottoman army and the Sufi spirit of Bektâši mysticism. The text of an Ottoman inscription “osmanlı” engraved on the lintel of a room at the bottom of the Divan has just informed us about the existence of a mausoleum of Grand Šeiḫ Ḥaği Bektaš Velī, the leader of a Sufi order “tarikat” practiced in Anatolia since the fifteenth century, and the name from which the practice comes. The brotherhood, faithful to Turkish Janissaries, was established in Tunis through the Janissaries of Cairo, who participated in the battle of conquest next to Sinan. It was the Ottoman soldiers, disciples of the Bektâši “Gaygusuz” movement in Cairo, who were behind the establishment of this “tarikat” in the Divan of Tunis. After being called by Sinan Paša to participate in the battle against the Spanish, and without return, these soldiers chose to settle as owners of sectors of the Timar in the new conquered regency.
Keywords
Mausoleum of Ḥaği Bektaš Velī, Bektaşi, the high door of Aġa-s “Ağa Kapısı”, the Divân of Tunis, Turkish janissary, the Aġa of janissary, the Bulukbaši, the Odabaši, the Dey, the Devletli, Sinan Paša, the volunteer soldier from Egypt.
المرجع لذكر المقال
مؤيد المناري، « ديوان جند الإنكشارية ومقام الحاجي بكتاش ولي بإيالة تونس: الولاء ورمزية الانتماء العثماني »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 14، سنة 2022.
URL : http://www.al-sabil.tn/?p=10136
نص المقال
ما تزال الكتابة في تاريخ السنوات الأولى من تركيز المؤسسات الإداريّة والعسكريّة العثمانيّة بإيالة تونس تحتاج لمزيد من التوضيح، ولقراءة متأنية تعتمد على منهج المقارنة لحصر مفاهيم بعض المصطلحات التي بقيت ضبابيّة ومجمّدة في نصوص مصادرنا التاريخية المتعلقة بالقطر التونسي. ومن هذا المنطلق يجمعني وإياكم في هذا المقال حديثٌ هامٌ في تقديري حول أمرين أساسيين، الأول يتمثل في الحديث عن الإدارة العسكريّة العثمانيّة بإستانبول التي تعرف باسم "الآغه كابسي"، ومدى تشابه هيكلها وتراتبيّة إدارتها مع هيكل مؤسسة الديوان بإيالة تونس. والأمر الثاني يتمثل في الحديث عن مسألة التصوف البكتاشي للجند الانكشاري التونسي وعلاقته بالشخصيّة التاريخيّة الهامة التي كان لها أثرٌ كبير في مؤسسة الديوان ألا وهي شخصية "الحاجي بكتاش ولي" (Ḥağī Bektâš Velî)، هذا الشيخ الذي انتقل من عالم التصوّف إلى عالم الزعامة ليصبح بمرور الزمن أبا روحيّا لطائفة الانكشارية ومحلّ تقدير سلاطين الدولة ووزرائها وكبار بكلربايات صناجقها، ولتتجذّر صورته في المخيال الشعبي للعثمانيين الأتراك وللجند الإنكشاري أينما حلّ. ولم يغب الحضور الرمزي لهذه الشخصيّة في نفوس طائفة الجند الانكشاري الذي نزل سنة 1574م بحلق الوادي، إذ كان يتكون من مجموعة من "المحبّين" الذين انحدروا من التربية البكتاشيّة واندمجوا في الجيش العثماني، ويُعرفون بتسمية "صناديد ورجال بِكْتَاشِيانْ". ولقد احتفظت لنا النقائش المعمارية العصمنليّة بمدينة تونس باسم هذا الولي مكتوبا على نقيشة مثبّتة بمقر دار الشريعة أو ما يعرف بالديوان1، لذا ارتأينا الوقوف عند هذه الشخصيّة الهامة ذات الرمزيّة التاريخيّة الكبيرة والزعامة الروحيّة العالية، وإبراز أهميتها في الهيكل العسكري العثماني بكل من إستانبول وتونس. ففي ما يكمن التطابق بين الهيكل العسكري للديوان العثماني بإستانبول وبين التراتبية الإدراية لهيكل الديوان الجند العثماني بإيالة تونس؟ ومن هو الحاجي بكتاش ولي؟ ومتى كان أول حضور لهذه الطريقة بتونس؟ ماهي علاقته بالمؤسسة العسكرية العثمانية؟ ولماذا دفن بالديوان؟ وكيف وصل التصوف البكتاشي إلى تونس؟ سنحاول الإجابة عن مجمل هذه الأسئلة وذلك لفهم ظروف وملابسات نشأة هذه الطريقة، ذائعة الصّيت في المشرق والمغرب.
1. من مؤسسة "الآغه كابسي" بإستانبول إلى ديوان الجند بإيالة تونس
1.1. "الآغه كابسي" أو مؤسسة الأغاوية بإستانبول
يعود النظر في شؤون إدارة العسكر وتنظيم هيكله بمركز الخلافة العثمانيّة إلى مؤسسة الآغويّة التي تعرف بالتركيّة "الآغه كابسي" (Aga kapısı)، وهو مكان إدارة الديوان بإستانبول تحت قيادة الآغا وموظفي كبار آغوات الإنكشارية وهم الأعلى مرتبة من فيالق الجنود الإنكشارية. ويترأس أعلى هرم هذه المؤسسة آغة الإنكشارية، ويُعيّن من قبل السلطان بفرمان عال، ويكلّف بتأمين ثلاثة وظائف سياسيّة وعسكريّة وإداريّة وهي أولا السّعي لتحقيق طاعة الإنكشاريين وولائهم للسلطان العثماني والباشا، ثانيا ترأس الحملات العسكرية والسّفر بالجيش، وثالثا يكون الآغا مسؤولا عن حفظ الأمن والانضباط سواء في مركز الخلافة أو في إحدى الصناجق التابعة للدولة. ويكون تعيين آغة الإنكشارية إما عبر انتخابه من بين كبار آغوات الديوان أو بتعيينه مباشرة من الوزارء أو الباشاوات أو الميرميران القدماء المرسمين في مناصبهم. وعندما يترقى آغة الإنكشارية يصبح في مرتبة الميرميران أو قبطان باشا أو يتقلد عنوان "صنجق باي" أي والي صنجق، ومنهم من أصبح قبطان باشا في البحرية العثمانية. كما صادف أن وصل آغة الانكشارية لمرتبة الصدر الأعظم وذلك عندما عُزِلَ السلطان محمد الرابع (1687) لصغر سنّه (7 سنوات) من طرف الوزير صوفو محمد باشا وسُلِّم مهر الصدارة العظمى لآغة الانكشارية آنذاك قاره مراد آغه. ولآغة الانكشارية عَلَمٌ من القماش الأبيض ويحمل في يديه طوغان (مفرد طوغ Tuğ) يستعرضها عند الخروج للسفر. ونادرا ما يزور آغة الانكشارية قشلة الجنود، إذ يجتمع مرّة واحدة في الأسبوع مع كبار الأغوات المعروفين باسم "كاتار آغلرى" (Katar ağaları) بديوان الآغه للنظر في شؤون وجق الانكشاريّة. ويكون آغة الانكشارية عضوا من أعضاء الديوان الهمايوني وصاحب كلمة نافذة إذا كان يحمل عنوان "الآغه - الباشا" أي من بين الآغوات الذين تم تعيينهم من خارج وجق الانكشارية، من رتبة باشا أو وزير أو ميرميران، فيكون صاحب كلمة ونفوذ في الديوان الهمايوني ويُدْلِي بدلوه ويشارك في أخذ القرارات السلطانيّة. أما إذا كان برتبة آغة الانكشارية فقط فليست له كلمة نافذة، ويتم استدعاؤه لاجتماع ديوان الوزراء فقط للاستماع للحوارات والنقاشات التي تدور بالديوان الهمايوني، وهو مطالب بالإجابة إذا سُئل من قبل الصدر الأعظم 2.
وتتكون مؤسسة "الآغه كابسى" من تراتبية إدارية منظمة فبعد آغه الانكشارية نجد فرقة كبار الضبّاط المساعدين ويسمّون بالتركية "الكاتار آغلرى" ويأتون في المرتبة الثانية في هرم التراتبية بعد آغة الانكشارية وعددهم 9 آغوات : السكبان باشي آغه، والغول كتهدا آغه، والزغرجي باشي آغه، وصمصونجو باشي آغه، وطورناجي باشي آغه والخاصكي آغلر والباش شاوش آغه والمحضر آغه والكتهدا يري آغه. ويلي الضبّاط المساعدين فرقة تحتل المرتبة الثالثة وهي فرقة فوق الضباط الأورطلر، واشتهر آغواتها بقولة " أنا من خلقت الجبال الصغيرة"، وهي تتكون من 5 آغوات : الباش يايا باشي آغه والبلوك باشي آغه والصولاك باشي آغه وإمام الوجق آغه، وكاتب لانكشارية آغه. وأخيرا نجد فرقة ضباط الأغوات المشهورين باسم التجربجي آغلرى (çorbacı ağaları) وتتكون هذه الفرقة من 10 أغوات وهم على التوالي: التجربجي، والأوده باشي، ووكيل الخرج، والبيركدار، والإمام، والباش اسكي، والأسطا والباش كاره كولكجو والكره كولكجولر وطائفة العجم أوغلرى3. ويتكون "الآغه كابسي" من مكان يجتمع فيه كبار آغوات العسكر يعرف بالديوان ومن مسجد تقام فيه الصلاة ويكون في عهدة إمام مؤسسة الآغاوية ومن حمام للاستحمام يعرف بحمام الآغه كابسي ويحتوي على عدد من الدلاكة الذين يتم استقدامهم من الجنود "العجم أوغلرى" وهم الذين تم الحاقهم مؤخرا بوجق الإنكشارية.
إذا هؤلاء هم الضباط السامون الذين يتواجدون في أعلى هرم إدارة مؤسسة الآغوية، التي تشرف على تنظيم العسكر العثماني. أما عن العسكر العثماني فهو يتكوّن من فرقتين كبيرتين الأولى تعرف باسم "اليرلي كولو عسكر" (Yeri kulu) والثانية تعرف باسم "الكابي كولو عسكر" (Kapı kulu) أي عسكر الممالك السلطانيّة. تتكون الفرقة الأولى من كبار السباهيين أصحاب التيمار والزعامات، وهم الذين يخرجون للانتشار في الإيالات (عسكر إيالتي الروملي والأناضول والإيالات الأخرى)، وكلهم فرسان يجمعون ضريبة المحصول المتمثلة في العشر من محصول الأراضي الاقطاعيّة. أما الفرقة الثّانية فهي فرقة عسكر "الكابي كولو" وهو المسمى أيضا بعسكر الممالك السلطانية والذي ينقسم بدوره إلى ثلاثة أقسام: وجق عسكر البحر، ووجق الفرسان السّباهية، ووجق المشاة (Yaya ocağı). وينقسم وجق المشاة بدوره إلى 6 أوجاق عسكرية : الأول وجق السقائين العارفين بأماكن الآبار وعيون المياه، ووجق المختصين في صناعة الألغام، ووجق عربات المدافع، ووجق المختصين في الرمي بالمدفعية، ووجق الجبجلر المختصين في تنظيف وإصلاح الأسلحة، وأخيرا وجق الإنكشارية. أما عن هذا الوجق السّادس الذي يجمع الجنود الانكشارية الذين يتم تجميعهم منذ سن مبكرة عن طريق نظام الدفشرما وتتم تربيتهم في القشلات العسكرية، فهو يتكوّن من 196 طابورا ويعرف الطابور في اللغة العصمنلية أيضا بمصطلح "أورطه" (Orta)، ولكل طابور رئيس يسمّى جوربجي (çorbacı)، وتتوزع الطوابير كالآتي: "الجماعاتلي لر" أي الجماعات بـ 101 طابورا، والبلوكلر بـ 61 طابورا، وأخير السكبانلر بـ 34 طابورا، فيكون المجموع 196 طابورا. وكل طابور من هذه الطوابير الثلاثة ينقسم إلى طوابير أخرى أقل منه، فمثلا ينقسم طابور الجماعاتلي لر" إلى أربعة طوابير وتنقسم البلوكلر إلى طابورين في حين أن طابور السكبان وهي الفرقة المختصة في تربية كلاب الصيد فهي لا تتجزأ4.
1.2. الديوان أو دار الديوان بإيالة تونس
يشير ابن أبي دينار إلى أن السلطة العثمانية قامت منذ البداية بتركيز ديوانٍ يسهر على تنظيم شؤون فيالق الجند الإنكشاري، ويفصّل لنا القول في الهيكل الإداري لهذا الديوان ويقدم لنا أسماء الخطط العليا وتراتبية الضباط وكبار الآغوات صلب الديوان، بطريقة لا تدع أي مجال للشّك في أن هذا الديوان هو صورة مصغّرة من "الآغه كابسي"، الديوان العثماني بمركز الخلافة إستانبول. لكن الطريقة السردية التي يقدم بها ابن أبي دينار المعطيات المتعلقة بالديوان تنقسم إلى فترتين زمنيتين يفصل بينهما حدث انقلاب صغار الضباط على الأوده باشية والبلوكباشية، سنة 1591، والذي جدّ في صلب الإدارة العليا لديوان الجند.
وتأكيدا لكلام ابن أبي دينار فقد وضع سنان باشا ديوان إيالة تونس على نفس شاكلة ديوان الجزائر. فبالرجوع لتراتبية ضباط العسكر العثماني بالديوان الجزائري نجد نفس الأوليغارشية العسكرية المتكونة من بكلرباي أو باشا ينتخب لمدة 3 سنوات، وآغة إنكشارية يترأس الديوان، ومساعده الكاهية ثم أطه باشية ثم بلوكباشي وأوده باشي ووكيل الخرج المسؤول على النشاط البحري وأعمال الترسانة والسلاح ثم شاوش، وفي آخر السلم يأتي اليولداش أو الإنكشاري. كما تذكر المصادر التاريخية عدد الإنكشارية التي استجلبت لحراسة وصيانة قلاع الجزائر وعددها 6000 إنكشاري من كبار الضباط الأتراك سنة 1517 م، عدد لا يبعد كثيرا عن الجنود التي ركزها سنان باشا بتونس وعددها 4000 عسكري من كبار الضباط 5. أما عن إيالة مصر فالأمر يختلف قليلا عن أوجاق الغرب في مسألة تنظيم الديوان وتقسيم وجق الإنكشارية. ففي مصر قسّم العسكر إلى خمسة فيالق: فيلق جماعة القونللو (المتطوعين)، وفرقة جماعة التوفنكجيان (حاملي البنادق)، وفرقة جماعة الشراكسة (ما بقي من جيش الشركس المملوكي)، وفرقة جماعة أمراء الشراكسة، وأخيرا فرقة الإنكشارية محافظي القلاع6. كما ترك السلطان يافوز سليم بمصر سباهية عددهم 3000 من سباهية الروملي والأناضول فرسانا ومشاة ورتبّ ديوانا للجند بقلعة الجبل وجعل الرئاسة فيه لآغة الإنكشارية وتحته مساعده الكتهدا ولكل جماعة من هذه الجماعات نجد بلوك باشي وأوده باشي وشواش7.
1.3. تراتبية كبار ضباط الديوان بإيالة تونس قبل سنة 1591: (آغة الانكشارية، الإيد باشية، وكيل الخرج، البلوك باشي والأوده باشي، واليولداش أو الانكشاري)
كان آغة الإنكشارية (Yeniçeri ağası) أو آغة الديوان أو آغة الكرسي في أعلى هرم ديوان الجند، ويتم تنصيبه بأمر من الباب العالي مباشرة ففي وثيقة مؤرخة بشهر أوت من سنة 1579 تم إعلام الجنود الإنكشارية المرابطين بولاية تونس بتعيين حسين زغرجي8، أحد الفرسان الإنكشارية المنتسبين لحاشية السلطان في منصب الآغة بديوان جند تونس9. ويبدو أن هذا التعيين حصل لتدارك ممارسات مخالفة للقانون نتجت عن طائفة من متمردي الجند الإنكشاري فقد ألحّ السلطان في أمره المرسل أنه على الإنكشاريين عدم مخالفة أوامر الآغة حسين وعدم التمرد وفسح المجال لممارسة أعمال الشقاوة وأن يكون الجند الإنكشاري لحمة واحدة ويعمل على القبض على المتمردين وتسليمهم إلى الآغه لمعاقبتهم10. وحسب كتاب المؤنس فإن أول آغة ترأس ألفي جندي إنكشاري قدموا صحبة سنان باشا وقاموا بمحاصرة مدينة تونس يدعى حبيب باي11. وكان عليّ آغة يقود ألف إنكشاري أرسلهم سنان باشا للكلج علي باشا كتعزيز لأخذ قلعة حلق الوادي 12.
ويفيدنا ابن أبي دينار أن الآغا يترأس الديوان لمدّة ستة أشهر: "وعادة الآغة ستة أشهر لا يخرج من بيته إلا إلى الديوان أو في يوم معلوم"13. وكان الآغا يتلقى الأوامر السلطانيّة مباشرة من عند آغة الإنكشارية بإستانبول: "وكان الآغه في مبتدء أمرهم تأتيه الأوامر السلطانية من الباب العالي من عند الآغه الذي هناك"14. ويقصد ابن أبي دينار بقوله "الآغه الذي هناك" آغه الإنكشارية الذي يترأس الديوان المعروف عندهم باسم "الآغه كابسي". وبالرجوع إلى الوثائق العثمانيّة تبيّن أن هذا الأمر صحيح فآغة الانكشاريّة بإستانبول يراسل آغة إنكشارية ولاية تونس عبر أوامر تسلم في عهدة مساعد رايس بحر يسافر على متن إحدى السفن المتجهة لأوجاق الغرب. ففي سنة 1579 أرسل الديوان العثماني أمرا لبكلرباي تونس وأغوات الإنكشارية، وفي سنة 1584 م، أرسل أمرا آخر إلى بكلرباي تونس وقاضي تونس وآغة الإنكشارية، وبتاريخ شهر أكتوبر من سنة 1587 حذّر الباب العالي آغة إنكشارية ديوان تونس والبلوكباشية والأوده باشية ووكلاء الخرج وجنود الإنكشارية بعدم التّدخل والانحياز وأخذ موقف الحياد تجاه المشكل الحاصل بين بكلرباي تونس حسن باشا وبكلرباي طرابلس محمد باشا مؤكدا أنّ القضاء الشرعيّ هو المكلف الوحيد بحل هذه الخلافات15. ويبدو أن هذه الأوامر هي متعلقة بالنزاع بين إيالة طرابلس الغرب والولاية التونسية الجديدة حول إقرار تبعيّة أوطان سوسة والمنستير والقيروان وقفصة وتوزر ونفطة كمناطق تابعة لإيالة طرابلس الغرب والتّنصيص على عدم التّدخل فيها16.
وحسب صاحب كتاب المؤنس فإن آغة الإنكشارية يرتدي عمامة خاصة به ولهذه العمامة التي تميّزه عن باقي الأغوات رجل مكلف بإصلاحها. ولآغة الإنكشارية بتونس أيضا حرس خاص من الفرسان يرافقونه في المواكب الرسمية، يعرفون باسم "الإيه باشية" أو "ايد باشية" (At başı) أي الفرسان المرافقون وأطلق عليهم ابن أبي دينار اسم "الحجة الكبرى" وهي عبارة توصيفية لمشهد الموكب الذي يتنقل فيه الآغة، وذكرهم الصغير بن يوسف في كتاب التكميل الشافي للغليل باسم "إيه باشية" بقوله: "ثم تحت الآغة عشرة رجال يقال لهم "الإيباشية" يجعلون على رؤوسهم كالعروج من الريش أبيض ولهم فرجات كبار يلبسونها وهي من الملف وتحت هؤلاء العشرة بلكباشية17" . ويضيف ابن أبي دينار أن هؤلاء الحرس الفرسان "لهم علامة على رؤوسهم يقال لها اسكفه مزركشة بالقصب يلبسونها ساعة من نهار في مواكبهم وهم رُكْبَانٌ أمام آغتهم"18. والاسكفه هي عمامة تركيّة (Üsküf) انتشر استعمالها في زمن مراد الأول (1359 - 1389)، تصنع من جلد الماعز وتزيّن بأجود أنواع القصب. وكان الآغة يخرج مع موكب الباي في المحلة بوصفه آغة الإنكشارية. وكان الآغة يجلس بصدر الديوان، وله مترجم من اللغة التركية للغة العربية وله كتبة أيضا. وكان "الترجمان" كما أوردها ابن أبي دينار باللسان التركي، يجلس بجانب الآغة الناطق باللغة التركيّة19، ويقف كبير الشواش بين يديه ينتظر الأوامر.
وأما البلوكباشي أو البلكباشية (Bölükbaşı) فيأتون مباشرة تحت آغه الديوان والإيد باشية، ويذكر ابن أبي دينار أن "أحدهم بلوك باشي والبلوك اسم للجماعة والباش للرأس ومعناه رأس الجماعة وهو أعلى من لفظ أوده وأعلى رتبة منه"20. وهي رتبة موجودة في "الآغه كابسي" بمركز الخلافة وتأتي فوق رتبة "الأورطلر" أي الجماعة الذين يتوسطون آغه الإنكشارية والجند، وهو قائد البلوك الواحد من العسكر وفي رتبة آغة. ونفس الشيء في ديوان الجند بإيالة تونس يكون البلوكباشي تحت آغة الديوان وفوق الأوده باشي الذي يُعتبر من فئة الضباط المتوسطين أيضا وهم يفوقون الداي والجنود الإنكشارية بمرتبة. ويفيدنا ابن أبي الدينار أن عمامة البلوك باشي هي أكبر من الطراطير التي يلبسونها الأوده باشية. كما كان البلوكباشي يخرج مع الباي للمحلة. ويفيدنا الصغير بن يوسف بمعلومات جد هامة حول البلكباشي فيقول: "يلبسون الرزة وهي عمامة محكمة الشد ما يلبسها إلا كبير أو حاكم في القوم"21. ويضيف صاحب كتاب التكميل الشافي للغليل أن "أصل البلكباشية أربعون ثم تزايدوا إلى أن وصلوا مائة"22. وحسب نفس الكاتب فإن البلوكباشية من كبار الجماعة تزوجوا من بنات أهل تونس ناسبوهم وأنجبوا منهم أولادا يعرفون بأبناء البولكباشية ولهم خدام يعرفون باسم العزارة ومفرده عزري وهم من أبناء العرب يسوسون خيل البلكباشية23.
أمّا الأوده باشي (Odabaşı) فهو من جماعة الآغوات أيضا ومن يترأسهم يعرف بالأوده باشي آغة، وهو لدى الأتراك ضابط إداري بالديوان مهمته تنظيم مراسم التحيّة و"بروتوكول" التسليم عند اجتماع جماعة ضباط الديوان مع آغة الإنكشارية وتنظيم بلوكات العسكر في الدفاتر والواحد منهم يسمى أوده باشي وهو وكيل الأورطلر وخزندار وأمين صندوق المال.
وترك لنا الصغير بن يوسف نصا مطولا يصف فيه "الأوده باشي" أو "الأوضباشي بديوان جند تونس فيقول : "يلبس القفطان أفخر لباس الأتراك... وهذا القفطان من الملف كل على قدره ولا يكون إلا من الملف وهو لباس له جناحان ممدودان إلى أن ينتهي إلى الكف وهو مدوّر بالذراع كله يقال له الكُمّ وله عقد من نحاس من جهة ومن الجهة الأخرى عبّون من حرير فإذا أراد أن يغطي ذراعه إلى الكف أدخل تلك العقد النحاس في العبون فيستمل على ذراعيه وهذا القفطان مفتوح الصدر والبطن والأفخاذ والركبة إلى أن ينتهي إلى كعبتي الرِّجلِ ويتحزمون عليه في أوساطهم...فإذا تقدم أحد من الأوضباشية لبس القفطان، ويتميّز بالطرطورة يجعلها على رأسه وهي كحقن الزيت من شريطة كتّان يَلْوُونَهُ في غلظ الصبع يدور بذلك الحبل على شاشية من الملف قدر رأسه ثم يتصاعد ذلك الدور إلى أن ينتهي إلى قلة رأسه، ثم يصعد بذلك إلى قدر الشبر رقيقا، وله من فوقه جناحان قصيران قدر أنملتين فإذا لبسه الأوده باشي تصير أذناه عرايا وكذلك عنقه وجبهته، وحاصله ما يتغطى إلا نصف رأسه الفوقاني ويلبس الشقشير (Çakşır) ويقال له المستا (Mest) أيضا كالتماق المعلوم إلا أن هذا من عند الكعبة ملف أحمر ولاصق في ريحيّة صفراء يدخل بها رجله في البشمق وهذا البشمق من لباس الترك جاءوا به من بلادهم وحاصله أن هذا أوده باشي "24.
والأوده باشي بديوان جند تونس هو قائد العشرين رجلا من العسكر، يخرج معهم في المحلة وينفرد كل أوضباشي ورجاله بخباء من الكتان يجتمعون فيه أثناء السفر25. ويذكر الصغير بن يوسف أن عدد الأوضباشية على أيام سنان باشا 150 أوضباشيا ولما ازداد العسكر وكثر ارتفع عددهم إلى 200 أوضباشي على عهده"26.
ولجماعة الأوضباشية جماعة أخرى تحتهم تعرف باسم "الصولاك" (Solak) "وعددهم ثمانية رجال لباسهم من الملف الأبيض فوق رؤوسهم ولهم فوق جبهتهم كالقرمود الطويل من نحاس مذهب فيه ريش لاصق منشور على أكتافهم قدر ذراعين، يخرجون من الديوان ويجلسون في دار الباشا فهم أكبر الأوضباشية في انتظار الترقي إلى منصب البلوكباشي"27.
والأوده باشية ينتمون إلى الضباط السامين للديوان. ويذكر ابن أبي دينار أن عددهم أربعة28 و"لهم لباس يتميزون به عمن سواهم ولهم أقبية بأكمام طويلة واسعة من عند المرافق وفم الكُمِّ ضيّقٌ ويُضَمُّ عند الكوعين بصناعة محكمة وعلى رؤوسهم طراطير من الجوخ29 بصناعة مكلفة يمتاز بها"30. وكانوا يخروجون للمحلة صبحة الباي. وإذا ارتقى الأوده باشي في المناصب يصبح بلوك باشيا وإذا ارتقى البلوك باشي في المنصب يصبح آغة للديوان.
ويحتوي الديوان على شواش في صيغة الجمع المعرّبة، لأن المفرد شاوش (Çavuş) والجمع شاوشلر (Çavuşlar)، ورئيسهم هو الباش شاوش آغه، (Başçavuş ağa) التي انتسبت له عائلة البشّاوش التونسية اليوم. ويفيدنا ابن أبي دينار أن عدد الشواش ستة، يحضرون لدى آغة الإنكشارية ومهمتهم السهر على تسيير الشؤون الادارية والسياسية والاعتناء باستقبال الجماعة. ويبدو أن عددهم زاد من ستة إلى سبعة في السنوات اللاحقة فقد ذكر الصغير بن يوسف إن "عدد الشواش سبعة ولا يكونون إلا من الترك الأعاجم"31. وقال ابن يوسف أيضا إن " للترك شواش وهم الذين ينبهون على العسكر في السفر وغيره وقيافة الشاوش له طرطورة على رأسه مثل طرطورة الأوضباشي إلا أنها ليس لها جناحان من فوق ويكشف رأسه ويستر رجليه وله كعكة كحلة طويلة في قدر الجعبة الغليظة ويجعلها على كتفه"32. كما كان الشاوش مكلّفًا بالإتيان بالأجر الشهري لآغة الانكشاريّة إلى حدّ باب داره بعد تقاعده33.
وأخيرا في أسفل الهرم يأتي اليولداش أو العساكر الينشرية وهم جنود العسكر الأتراك الذين يعرفون أيضا بتسمية "العجمي أوغلرى" والذين يسكنون القشلات أو الفنادق الحفصيّة القديمة. ولا يجب احتساب هؤلاء الجنود من الأربعة آلاف جندي الذين قدموا مع سنان باشا فأولئك هم الضباط الساميون من كبار العسكر وإداريي الديوان، أما اليولداش فعددهم كبير ولا نعرف منهم غير أسماء ألف واثنين وثمانين (1082) جنديا من طائفة الأكراد وجنود الأناضول والجنود القادمين من الإيالات المجاورة خاصة جماعة القونولو وشراكسة إيالة مصر. وينقل لنا الصغير بن يوسف نصا جميلا حول لباس اليولداش صغار الضباط فيقول: " أما عسكرهم فلباسهم السراويل والفرملة من سرته إلى عنقه وصدره مفتوحا ظاهرا جلده، وكذلك من لباسهم الغليلة فوق الفرملة ولها كُمّانِ يصلان إلى المرفق وصدره أيضا مفتوح، ويتحزمون بالشملة في أوساطهم أو الكامار (Kemer) وهو معلوم ولابد لليولضاش منهم من زوج خدامي أو فرد يجعله تحت الحزام في وسطه ورأس الخدامي ظاهر، يلتفون ببرنوس كثيره أكحل ولابد من تحجيم لحاهم ولو كان طعن في السن والهرم فهذه القيافة (Kıyafet) واللباس يقال لصاحبه يولضاش" 34 .
وكان الديوان يستوعب مهمة النظر في الدعاوى وقضايا الفقراء لذا أطلقت عليه تسمية المجلس الشرعي في الآن نفسه. وحسب وثيقة عثمانية قديمة بتاريخ سنة 1584 م، فمن عادات الديوان القديمة أنه عند النظر في هذه القضايا يستوجب حضور المفتي والقاضي والعلماء والصلحاء كافة في ديوان تونس المحروسة 35. أما ابن أبي الدينار فيذكر أن الآغة يأمر باستقبال أصحاب الشكاوى والمظالم فيتلقاهم الترجمان أولا ليكتب الشكاوى ويترجهما قبل عرضها على الآغه بحضور أربعة من أوده باشي العارفين بالأمور القانونية، مهمتهم النظر في طبيعة الدعوى فإن كانت تتعلق بالشرع فيرسلونها إلى الفقهاء وإن كانت مسألة معقدة تؤجل إلى وقت لاحق لينظر فيها الداي بالقصبة. وبعد الانتهاء من سماع الدعاوى وبتّ الحكم فيها، يرجع الآغة إلى منزله ويجتمع أكابر الديوان من خوجات وشواش حول الطعام، وبعدها يتوجهون إلى حاكم الوقت الداي بالقصبة لإخباره بجميع ما حكموا به36.
وكان الديوان مقر اجتماع طائفة كبار العسكر، حيث يذكر صاحب كتاب المؤنس أن "لهم مكان يحضرون فيه كل يوم ساعة من نهار فيحضر الآغة وهذه الجماعة المذكورة [البلكباشي والأوده باشي] في ذلك المكان ويسمونه دار الديوان ولهم شواش ستة..."37. ولم تكن جماعة كبار ضباط العسكر بالديوان منعزلة عن الباشا الذي يجلس بدار الخلافة وعن الداي الذي يجلس بالقصبة، بل كانت تجمعهم علاقة وطيدة خاصة عند خروج المحلة، فقد ذكر ابن أبي دينار أن شواش الديوان يخرجون وينادون العسكر بالأسواق معلنين زمن الخروج للمحلة ليقفوا من الغد بعد ارتدائهم آلة الحرب أمام باب القصبة. ثم يخرج الآغة والأوده باشية من الديوان متجهين لدار الخلافة أين يوجد الباشا الذي سيُلْبِسُ الخلعة للباي المكلَّف بقيادة المحلة. وكل هذا يكون في جوّ من المراسم ترفع فيه "البيارق" أي الأعلام ويخرج فيه كاهية الباشا والشطار38 والرجال الأكابر وتدق فيه النوبة العثمانية بالطبول والزنجهارات، ويكون الطريق من دار الخلافة إلى القصبة. وعند وصولهم لباب القصبة غالبا ما يتقدم الداي ركب المحلة حتى أبواب المدينة ويقفل راجعا ليواصل آغة الديوان والأوده باشية والعسكر السير برفقة الباي39.
ولقد ظهرت هذه المراسيم العسكرية العثمانية بمدينة تونس وغيرها من الإيالات العربية الإسلامية ولم تظهر بإيالات شرق أوروبا رغم سيطرة العساكر العثمانية عليها، وقد لاحظ ذلك ابن أبي دينار عندما قال: " وهذا الناموس لم يكن مثله في البلاد الغربية التي تحت أيدي العساكر العثمانية"40. وأطلق عليها الصغير بن يوسف مصطلح "دندنة" بقوله: "وأصل هذه الدندنة أن سنان لما ملك تونس خلف فيها أربعة آلاف من العسكر..."41.
ولقد أجمعت المصادر التاريخيّة على أن هذه الجماعات وطوائف العسكر يتم ترقيتها في تراتبيّة إدارية بواسطة الترقي أو "الطراقي" (Terrakî) باللسان التركي، فمن اليولداش الجندي الصغير الذي يقبض أقل راتب يترقى في الدار التي فيها جماعته إلى أن يصير من جماعة "باش يولداشية" ثم يصير من جماعة "أوده باشية" ثم يصير من جماعة "بلوكباشية" ثم يصير من رجال "إيه باشية" ثم يصير من جماعة "كاهية آغة الكرسي" ومنها إلى أعلى مرتبة في الديوان وهي "آغة العسكر" ليمكث فيها مدة ستة أشهر ثم يعزل بمرتب 24 ناصري في كل يوم. وتسمى المصادر الإخبارية هذا التمشي بمصطلح "الطريق" فيقول الصغير بن يوسف مثلا "فإذا ارتقى بمرتبه دخل في طريق البلوكباشيّة".
1.4. الداي قبل 1591 م: عسكريٌّ يمارس وظيفتين عسكريّة وإداريّة بالديوان
يُعتبر كتاب المؤنس في أخبار إفريقيّة وتونس
من بين أهم المصادر التاريخيّة التي نقلت لنا أخبارا هامة عن اللحظات الأولى لقدوم العثمانيين لولاية تونس. ورغم تأخرها زمنيا عن أحداث الفتح وطبيعة نسقها السردي وطابعها الروائي- فقد أورد الكاتب ما علق بالذاكرة الجماعيّة لدى معاصريه، ودوّن ما عاينه من أحداث في بداية فترة حكم الدايات. وإن استسقى ابن أبي دينار معلوماته من روايات شفويّة منقولة عن طريق حفظ الخبر فإن تلك الروايات لا تبعد زمنيّا عن سنوات السيطرة الأولى ويمكن لها أن تَعْلَقَ بالذاكرة الجماعيّة على مدى حياة جيلين أو ثلاثة أجيال، لذا ليس باستطاعتنا أن نجرّدها من أدنى مصداقيّة. كما يذكر صاحب كتاب المؤنس أنه اطلع مباشرة على أحكام ورسائل كانت مبعوثة إلى حكام الإيالة وقرأ تفاصيل في رسالة موجهة من شاهد عيان إلى أحد أصحاب الرتب في الدولة العثمانية، وتصفح كتبا مكتوبة في المشرق42.
ولا تقل النصوص التي أوردها الترجمان وكاتب الانشاء بالحضرة التونسية حسين خوجة في الكتاب الذي ترجمهُ من اللغة التركيّة إلى لغة الضاد وسماه بشائر أهل الإيمان في فتوحات آل عثمان، لا تقل أهميّة عن النص الذي أورده ابن أبي دينار حول استيلاء سنان باشا على تونس وتركيز الإدارة العسكرية العثمانية بها. ويبدو أن هذا الكتاب هو مرآة الأدوار ومرقاة الأخبار للمؤلف مصلح الدين اللاري. واعتمد حسين خوجة - العارف باللغة التركية- في ترجمة الكتاب على مصادر تركية مثل كتاب جهانامة لمؤلفه محمد حسين النشري المخلصي البورصلي. واعتمد لتتمته القسم الثاني من الكتاب - ابتداء من فترة حكم سليم الثاني- على مصادر أخرى مثل كتاب الإعلام بأعلام بيت الحرام للنهرواني، وتاريخ نصرة الإيمان في دولة آل عثمان للشيخ محمد البكري المصري وعلى كتاب "صورِ همايون" لمؤلفه حافظ محمد أفندي ألفه سنة 1720، وعلى تقييدات ووثائق رسميّة تجعل من الكتاب وذيله مصدرا ذا مصداقيّة كبيرة فيما يتعلق بالمعلومات التي يعرضها حول التنظيم الإداري والعسكري للإيالة التونسية.
ولقد ترك لنا ابن أبي الدينار في مصنفه جملة من المعطيات حول بداية تركيز مؤسسات الإدارة وتنظيم العسكر العثماني في الإيالة التونسيّة الجديدة. فيقول "لما تمكّن حكمهم ودانت لهم البلاد اتخذوا اصطلاحا وأحدثوا أمورا غير ما كانت عليه أولا"43. ويضيف بأن سنان باشا "ترك في تونس من العسكر العثماني دارا من ديار الينشرية وهي الواحدة بعد المائة على ما هو متعارف بينهم والجاري على القوانين العثمانية ومن سلك طريقتهم..."44. وفي هذه الإشارة هو لا يتحدث عن العسكر العثماني برمته بل يذكر إحدى فرقه وهي وجق الإنكشارية الذي يتبع في النظام التركي للعسكر جيش الفرقة السادسة من المشاة، المتكونة أعلاه كما أشرنا من 101 طابورا. ونلاحظ أن ابن أبي دينار استعمل مصطلح "الدار" وهي الترجمة الصحيحة لكلمة "وجق" باللغة التركية، فعبارة "أوجاق الغرب" تعني ديار الغرب ويقصد بها طرابلس الغرب والجزائر وتونس. ويذكر ابن أبي الدينار أن كبير جند المشاة من وجق الإنكشارية هو "الداي" بقوله: "ولما جاءت الدولة التركية ظهر ما كان يحذره لأنهم مشاة على الأقدام وكبيرهم الذي يقال له الداي كذلك فهو بمنزله السلطان على الحقيقة لأنه المتصرف بحكمه في الأقاليم"45. ويمكن قراءة هذه الإشارة مع ما أورده ابن أبي الضياف فيما يخص الداي بقوله: "وأبقى دارا من الينجرية عددها أربعة ألف مقاتل، أكثرهم اختار المقام بالحاضرة التي أنقذوها بأرواحهم... وجعل على كل مائة منهم أميرا يسمى الداي لقب مشعر بالتعظيم في لغتهم"46.
ولا تختلف المعطيات التي أوردها المؤرخ حسين خوجة والمتعلقة بالجهازي العسكري الذي خلفه سنان باشا، عمّا جاء في نص ابن أبي دينار. فقد ذكر في كتابه ذيل بشائل أهل الإيمان أن سنان باشا خلّف "قبل عودته إلى جانب السلطنة العليّة في مدينة تونس لمحافظتها أربعة آلاف عسكري وهي دار معينة من ديار عسكر الينجرية بآغاتهم ومقدمي عسكرهم وانتخب منهم أربعين رجلا من صناديد الرجال الغزاة المجاهدين يسمى كل منهم باسم داي كناية عن أصحاب الشجاعة والخصال وقدّم كل رجل من الأربعين على مائة من الأربعة آلاف عسكري لوقت الحاجة ومدافعة الأعداء"47وفي هذه الشهادة التي ينقلها مؤلف كتاب الحلل السندسية بعد أن ذاع صيت كتاب البشائر48 يُعيد حسين خوجة ذكر معلومة أن الداي هو الذي يترأس المئة إنكشاري، لكنه يقدم لنا معطى جديدا وهو عدد الدايات الذي يبلغ أربعين دايا، كل واحد منهم يقود مئة إنكشاري بحيث يكون عدد الإنكشارية 4000 آلاف جندي ينقسمون على 40 طابورا أو 40 أورطه. كما يصف حسين خوجه الداي على أنه من أصحاب "الشجاعة والخصال" وهذا يتطابق مع المصطلح التركي كاباداي (Kabadayı) الذي يطلق على قدماء المحاربين الأقوياء المترأسين لفيالق الجيش العثماني.
إذا نلاحظ اجماع كل من ابن أبي دينار وحسين خوجة على أن الداي هو كبير المشاة الإنكشاريين ورئيسهم، وهو الذي يترأس طابور المائة إنكشاري. وهذا يحيلنا على نفس الرتبة العسكرية التركية المعروفة باسم "دايات الإنكشارية" ( yeniçeriler dayıları) أي رؤساء الأورطلر. وهنا نلاحظ أن رتبة الداي أو الدايات، كانت ضمن التراتبية العسكرية للجند الإنكشاري منذ سنة 1574 م، ولم تظهر بعد سنة 1591 كما ساد الاعتقاد، بل كان الدايات يمثلون الفئة العسكرية التي انقلبت على البلوكباشية، أي على كبار ضباط الإدارة العليا الممثلين لأوليغارشية الديوان. ويذكر ابن أبي دينار أنه عند التحضير لخروج المحلة يكون أمر الداي نافذا ويكون هو المتصرف في جمع المحلة بعد وصولها للقصبة حيث يقف الداي منتظرا ركب الآغه والباي لتشييعهم إلى أخبية المحلة خارج المدينة، كما كان الداي يُعَيِّنُ نائبا مكانه يخرج مع الباي في المحلة49 ويرجع إلى مقر القصبة.
لكن كان للداي أيضا وظيفة إدارية صلب ديوان الجند ذكرها الصغير بن يوسف في كتاب التكميل الشافي للغليل عند حديثه عن الجهاز العسكري الذي تركه سنان باشا قبل مغادرة نحو استانبول بقوله : " اعلم يرحمنا الله وإياك، أن سنان باشا وزير السلطان سليم، لما ملك تونس وخلّف فيها من العسكر وهي دار من ديار مدينة اصطنبول التي فيها العساكر الينشرية وهم أربعة آلاف قدّم عليهم الآغة المذكور، وجعل ديوانهم أربعين رجلا أصحاب شجاعة وعقل وتدبير وحكم العسكر في أيديهم يجلسون في الديوان المقدم الذكر لأجل من ظلم ومن ظلم فينفذون أحكامهم في الجميع كل يوم"50. يُفهم من هذه الإشارة التي أفادنا بها الصغير بن يوسف أنه إلى جانب المهمة العسكرية التي أوكلت للداي وهي قيادة المائة إنكشاري، يقوم الداي بالنظر في بعض القضايا التي استعصت على قضاة وخوجات الديوان ويصدر الحكم النهائي "لأجل من ظَلم ومن ظُلم"51. ويبدو أن هذه القضايا هي تلك التي وصفها ابن أبي دينار بالمسائل المعضلة بقوله: "إن كانت من الأمور الشرعيّة ردوها إلى الشرع وإن كانت قانونية فعلوا بآرائهم أو ما جرت له العادة بينهم وإن كانت مسألة معضلة أخروها إلى مشورة حاكم الوقت"52. والمقصود بحاكم الوقت هنا هو الداي.
ويذكر الصغير بن يوسف في كتاب التكميل الشافي للغليل إشارة مهمة تقدّم لنا تركيبة الأربعة آلاف من كبار العسكر الذين قدموا مع سنان بطريقة مغايرة لم يذكر فيها اسم الداي بالمرة. فقد قال أن "جميع العسكر مائتي دار والدار علامة على العشرين رجلا ومقدمهم الأوضباشي فإذا أرادوا السفر أعطى الحاكم الكبير (الداي) خباء من كتان فتدخل فيه تلك الجماعة ورئيسهم، ومن فوقه رايس آخر أكبر من الأوضباشي يقال له بلكباشي..."53. عند مقابلة هذه الإشارة- التي أراد الصغير بن يوسف أن يوضّح من خلالها وظيفة الأوضباشي – بالنصوص التي أوردها كل من ابن أبي دينار وحسين خوجة والمتعلقة بالعسكر الإنكشاري الذي تركه سنان باشا قبل رجوعه فإننا نلاحظ أن الاخباريين يتحدثون عن نفس الهيكل لكن كلّ بطريقته المختلفة. والسؤال المطروح هنا هل يمكن أن يكون الداي الذي ذكر ابن أبي دينار أنه قائد 100 انكشاري هو نفسه قائد 5 من الأوضباشية ؟ قد يكون ذلك صحيحا لأنه إذا حسبنا أربعين دايا على المائة فإننا نجد المجموع أربعة آلاف جندي، وإن اعتبرنا أن العسكر يتكوّن من مائتي دار وكل دار تتكوّن من عشرين رجلا فإن المجموع ينتهي أيضا إلى أربعة آلاف عسكري. وبما أن الهيكل الإداري لكبار ضباط الديوان يعتمد نظام الترقي فإن أصحاب المصادر التاريخيّة تارة يحدثوننا على التراتبية من منظور تربة الداي المتحكم في المائة الذي شغل في السابق رتبة أقل منها (ابن أبي دينار، حسين خوجة)، وتارة أخرى من منظور الأوضباشي المتحكم في العشرين رجلا الممثلين للمائتي دار والذي سيُصبح فيما بعد بلوكباشيا ثم إيه باشيا ثم آغة الكرسي أو دايا (الصغير بن يوسف).
أما فيما يخص أحوال الرعيّة فقد قام الأتراك بتركيز مقر للباشا العثماني بالإيالة، وهذا الباشا يرجع له النظر في تسيير الإيالة ليتصرف في "أحكام البلد" على حد قول صاحب كتاب المؤنس. ومقرُّ الباشا هي دار الخلافة أو دار الباشا: "وسكنوها وجعلوا دار الخلافة بها وهي المعبر عنها بدار الباشا ...والمتصرف في أحكام البلد باشا الوقت ونظر العسكر إلى آغتهم"54. وحسب الصغير بن يوسف فإن دار الخلافة هي إحدى الدور الفاخرة التي كانت على ملك السلاطين أو كبار أعيان الدولة الحفصية: "وولاه السلطان سليم باشا بتونس وحين وصل أخذوا له دارا من دور الحفاصة وسكن فيها وتولى حكم البلاد وهو الناظر الكبير على الأمراء والقياد وأصحاب المجابا فيدفعونها للباشة والباشا يعطيها في رواتب العساكر، وأمور أهل البلد كلها بيده"55. ويذكر لنا ابن أبي الضياف أن أول باشا عُيّن على ولاية تونس هو حيدر باشا الذي كان قبل سنة 1574 مستقرا في سنجق القيروان أول سنجق عثماني بالإيالة بقوله: "وجعل نظر العسكر إلى الآغه بالديوان والتصرف في فصل القضايا إلى القاضي، ووراء الجميع نظر الباشا وهو صاحب القيروان حيدر باشا"56.
- الداي أو "الكاباداي" عند الأتراك
يُكتب لفظ داي بالعصمنلية بياء زائدة ودون تعريف بالألف واللام "دايي" وبتعريبه سقطت الياء الزائدة وأضيف لها التعريف بالألف واللام ليصبح الداي. ولقد تواصل استعمال تسمية دايي من قبل العثمانيين إلى حدود القرن التاسع عشر، فقد أطلقوا على حراس وضباط مدينة اسطنبول اسم دايي. وبعيدا عن تسمية الخال بـ"دايي"، فإن لمصطلح دايي مفهوما عسكريّا؛ فـ"الدايي" (Dayı) أو "كاباداي" (Kabadayı) عندهم، هو اسم صفة يمكن ترجمته للعربيّة بـصفة "الشجاع" أو "الباسل المقدام" وهي صفة ضاربة في القدم كانت متداولة لدى قبائل الإمارات العثمانيّة في الأناضول كلقب تشريفي للشجعان من العساكر. وبالانفتاح على البحر والتوسع انتقلت هذه الصفة لتميّز الشجعان من القراصنة المجاهدين في سبيل الله لحساب الدولة العثمانية الإسلامية والذين أثبتوا مهاراتهم القتاليّة وخصالهم الحربيّة في المعارك البحريّة ضدّ القراصنة الكاثوليك، والذين أكتسبوا أيضا معرفة كبيرة بالثغور البحريّة والإبحار وبالتقنيات الحربيّة لأساطيل الإسبان والأنجليز والفلمنك57. وبما أن البحر كان الحلقة الواصلة بين السلطنة العثمانية وإيالات أوجاق الغرب فإن الـ "دايي " أو الداي هو من انفرد تدريجيا بالصعود لسدّة الحكم بعدما فشل البكلربايات أو الباشاوات في الاندماج وعاشوا صعوبات الانتقال بنظام الحكم من المملكة الحفصية إلى النموذج الإداري العثماني. فالداي كان الحلقة الوسطى بين حكم الباشاوات والبايات وهي الحلقة التي ستنحدر تدريجيّا لحساب الباي الذي سيتمكن من خلق التوائم والتلائم بين المنظومة العثمانيّة التركيّة "الأجنبية" والمنظومة المحليّة لتعود البلاد لنظام حكم العائلات الملكيّة المحليّة ويتأسس حكم العائلتين المراديّة والحسينيّة.
1.5. سطوة طائفتي البولوكباشية والأوده باشية وانقلاب دايات الانكشارية سنة 1591 صلب الديوان
1.5.1. أسباب الانقلاب في نظر الإخباريين
هل يجدر بنا أن نطلق على هذا الانقلاب العسكري الذي كان في صالح الدايات اسم "ثورة البلوكباشية" ؟ يبدو أن ارتباط اسم البلوكباشيّة في الدراسات التاريخيّة بهذا الانقلاب الذي جدّ في صلب مؤسسة الديوان يعود إلى المصطلح الوحيد الذي أورده ابن أبي دينار في سياق كلامه السردي حول هذه الحادثة "جماعة البلوكباشية". ولكي لا نحمّل صاحب كتاب المؤنس ما لا يتحمله - فقد ذكر المؤلف كل التفاصيل إما بطريقة مباشرة أو بطريقة عرضيّة - يمكن القول أن ابن أبي دينار بدأ نصّه بإبراز الجانب المتضرر في هذه الحادثة وهم "جماعة البلوكباشية" وبيّن سبب الضرر الذي لحق بهم لجورهم وظلمهم ومعاملتهم السيئة للجند الانكشاري "وجلعوا اصطلاحا على عادة أهل الجزائر التحكم في الديوان والعسكر جماعة البلوكباشية ولكن ساروا في أحكامهم بعنفة على من دونهم في العسكر ووقع الجور حتى ان الواحد من البلوكباشية إذا كان عنده صبيان وهم المعبر عنهم بالعزرية تكون له حرمة وافرة وربما مد يده في اليولداش58 وما عسى من دونه"59. ولا شك أيضا أن هذه الحادثة كانت نتيجة الأزمة المالية التي نتج عنها عجز الخزينة عن دفع مرتبات الجند والتي ارتبطت برمزيّة الصلاح المتمثلة في حادثة رؤوس الأكباش التي اشتراها الشيخ القشاش بعد أن طلب منه ديوان الجند "مالا ليستعينوا به على مرتباتهم"60. ويمكن لنا أن نستشعر هذه الأزمة في المراسلات التي وجهها بكلربكي ولاية تونس إلى الباب العالي سنة 987 هـ / 1579 م، فقد أبلغ فيها عجزه على تسديد مرتبات أفراد الجند والتراجع الملحوظ في حفظ وحراسة البلاد نتيجة التوزيع الغير قانوني والاعتباطي لقرى الميري والأراضي الخاصة بالإيالة في شكل تيمارات وزعامات من قبل كبار ضباط الإنكشارية61.
لقد كانت صولة الطائفة العسكريّة من كبار ضباط الديوان والعسكر العثماني السبب الرئيسي في حصول انقلاب 1591 م، فعلاوة على سوء معاملتهم للجنود الأقل رتبة منهم، تذكر المصادر العثمانية أنهم فرضوا زيادات في مرتباتهم عند تغيير كلّ بكلرباي يُعيَّن على رأس الإيالة، هذه الزيادات والترقيات كانت تمنح لهم رغم عجز خزينة الدولة على تسديدها، ما أثار غضب الأهالي وفقراء الإيالة الذين تقدموا لأكثر من مرة - وآخرها سنة 1588 - بعريضة للباب العالي يتذمرون فيها من الترقيات والزيادات التي تمنح لطائفة العسكر ويستنكرون فيها الظلم والتعدي الممارس على الرعايا من قبل الولاة والقواد لتغطية هذه النفقات الزائدة والتي دفعت بعض الرعايا لترك ديارهم وهجر الولاية62. وكثرت التشكيات المرفوعة إلى الباب العالي من تسلط آغة الإنكشارية بإيالة تونس، فقد اشتكى إلياس بكلرباي طرابلس الغرب سنة 1584 م، من تصرف آغة إنكشارية العسكر التونسي في المقاطعات التابعة إداريا لمجال إيالته، طالبا منعه ومنع المائة وخمسين جنديا من جنوده من جمع محصول هذه المناطق ومناشدا الباب العالي بإصدار حكم شريف يرجع به التصرف في هذه المناطق تحت إمرة قوّاد بكلرباي طرابلس الغرب63. كما تقدم القائد صفر للباب العالي بشكاوى ضد آغة إنكشارية جند تونس بدعوى افتكاك الآغة لمنزله وامتلاكها جبرا وامتناعه من اخلائها والخروج منها64.
تذكر إحدى وثائق المهمة دفتري المؤرخة بسنة 1579 م، أن طائفة أفراد العسكر بإيالة تونس استحدثوا أوضاعا مغايرة للقانون وبدعا مخالفة كعدم تسليمهم موارد بيت المال لخزينة الميري واقتسام الأموال بينهم، وتشغيلهم للأطفال الصغار غير القادرين على الخدمة العسكرية وتخصيص مرتبات لهم وجعلوا من بينهم حرسا خاصا يعرف بالـ"صولاق"65. وتناهى لأسماع السلطنة العلية أن هذه الطائفة من العسكر أخذوا الخدم وجعلوهم في رتبة رؤساء البلوك باشي، ونصبوا من يريدون آغة بمرتب أربعين آقجة، ودون أن يمر وقت طويل يستبدلونه بآغه غيره، كما استمعوا للمشتكين من الأهالي بأنفسهم عوض القاضي وردوا عليهم حسب أهوائهم مخالفين أحكام الشرع. وتدخلوا لتعيين آغة الإنكشارية ورفعوا من مرتب فرسان البلوك باشية من 5 أقجة إلى 15 وبلوك المشاة من 3 أقجة إلى 20 آقجة، واكتسبوا القوة والاعتبار وأصبحوا لا يستمعون لكلمة البكلربكي وظلموا الرعايا. وتذكر نفس الوثيقة أنه لحل هذه الأزمة المتمثلة في سطوة كبار ضباط ديوان جند الإنكشارية أصدر الديوان الهمايوني أمرا يقتضي باستبدال آغة الديوان بآغة جديد يدعى حسين آغه تم اختياره من بين أعيان السلطنة العلية66. وفي وثيقة أخرى من وثائق المهمة دفتري والمرسلة إلى بكلربكي تونس وآغة الانكشارية سنة 1587 م، تم ابلاغ السلطنة العليّة بمجموعة كبيرة من المفسدين من طائفة البلوكباشية والأوده باشية الذين قاموا بإثارة الاضطرابات وتحريض الأشقياء للتدخل في الشؤون الخاصة بالبكلرباي والقضاة ووكلاء الخرج، وتسببوا في هدر مال الميري ولا يكفلوا حق الفقراء ويثيروا الفساد والظلم، ما جعل الباب العالي يعجل بإرسال مكتوب لبكلرباي تونس يطلب منه التنبيه على جماعة البلكباشية والأوده باشية بعدم التدخل في الشؤون الخاصة بالولاة والقضاء ووكلاء الخرج صلب الديوان وعدم التعدي على صغار الجند والفقراء من الأهالي67. كما قام الباب العالي بتحذير بكلرباي تونس بحكم أرسل سنة 1588 م، يعلمه بوجود فئة من أصحاب التيمار والزعمات الغير مؤهلين للقتال في طائفة الجند والذين ليست لديهم القدرة على استخدام السيف وركوب الخيل. وقد أمر الباب العالي بعدم منحهم التيمار والمرتبات "العلوفة" واستبدالهم بمن يتمكنون من القتال ومن لهم دراية بشؤون الحرب68.
إذا وقوفا على هذه المعطيات التي تذكرها المراسلات بين كل من الباب العالي وبكلرباي تونس، نستنتج أن قبل سنة 1591 بقليل تغوّلت فئة البلوكباشية والأوده باشية وتجاوزوا حدودهم الادارية التي أوكلت إليهم وأصبحوا عامل خطر على شخص البكلرباي الذي ضعف مقامه وعلى القضاة وعلى وكلاء الخرج وعلى صغار الجند الإنكشاري برمته. وهكذا يمكن لنا أن نفهم الظرفية التي شجعت الجند الإنكشاري بقيادة داياتهم رؤساء المائة وواحد طابورا للتخطيط للتخلّص من البلكباشية والأوده باشية في يوم جُمعة من سنة 1591 م. وفي نفس السياق يجب التذكير أيضا بعصيان سنة 1589 بمركز الخلافة بإستانبول الذي قام جراء نزول قيمة العملة العثمانية "الأقجة" إلى أدنى مستوياتها. وتعرف هذه الحادثة بـ"واقعة البكلربكلري" (Beylerbeyi vakası) ذلك العصيان الذي ثار فيه كبار عساكر الانكشارية وحاصروا فيه قصر السلطان مراد الثالث (1574 – 1595)، وأظهروا تجاوزات وصلت إلى حد إحراق كامل المدينة69. وهذه الحادثة أثرت تأثيرا مباشرا على تصرّف كبار العسكر بإيالة تونس الذين بالغوا في اظهار التهوّر والجور والظلم والتعدي وسريان النفوذ في صفوف الرعيّة.
يواصل ابن أبي دينار سرده للحادثة دون تحديده لاسم الفئة التي قامت على ضباط البلوكباشية واقتصر على ذكر عبارة "نفوس العسكر" فيقول: "فسميت نفوس العسكر وأضمروا لهم الشر وتعاقدوا بينهم على الفتك بهم في يوم معلوم وهو يوم الجمعة، وكان وكيل الخرج في الديوان واحد منهم اسمه طبال رجب وله عقب إلى اليوم فساعدهم على ما أرادوه ووعدهم أنه لا يحضر ذلك اليوم ليكون البيت الذي فيه سلاح مغلقا بحيث لا يجدون سلاحا يذبون به عن أنفسهم. فلما كان اليوم الذي تواعدوا فيه واجتمع أهل الديوان دخل عليهم العسكر على حين غفلة ووضعوا السيف فيمن وجدوه هناك ولم يمنع إلا من لم يحضر ذلك اليوم وتتبعوهم في منازلهم وقتلوا منهم من ظفروا به ولم ينج إلا من فر بنفسه وكانت هذه الواقعة آخر ذي الحجة سنة تسع وتسعين وتسعمائة"70.
لم يذكر الكاتب إلا اسما واحدا وهو اسم رجب طُبال الذي كان يشغل رتبة وكيل الخرج بإدارة ديوان الجند بالإيالة. وإلى جانب مهمة النظر في شؤون الترسانة الحربية البحرية، كان وكيل الخرج مسؤولا على بيت العدّة أو السلاح بالديوان، وقد تعمد التغيب يوم الحادثة تواطئا مع العسكر. ويجب أن نذكر هنا أن وكيل الخرج في "الآغه كابسي" بإستانبول هي رتبة عسكريّة تشمل أحد ضباط الديوان الذي ينتمي إلى المجموعة الثالثة من قوّاد البلوكلر والمشهورة بصفة "الأغاوات التشربجية ذوي الشوارب القوية التي لا يقطعها السيف"71. ولكي نفهم انحياز وكيل الخرج طبال رجب لجند الإنكشارية علينا أن نذكر بما سبق وأشرنا إليه في الوثيقة التي أرسلت من الباب العالي والتي أمر فيها السلطان بكلرباي تونس بالتنبيه على الإنكشارية ومنعهم التدخل في شؤون القضاة ووكلاء الخرج بالديوان. وهنا يظهر جليا انتقام وكيل الخرج رجب طبال الذي كان متضررا من جماعة البلوكباشية والأوده باشية وفسحه المجال لقتلهم بالتغيب عن الديوان وغلق مخرن السلاح.
ويكمل ابن أبي دينار استرسال الأحداث لكن هذه المرة بذكر اسم الفئة التي قامت بقتل البلوكباشية وهم الدايات فيقول: "ولما فعلوا فعلتهم تحزبوا أحزابا وصار كل حزب منهم له رئيس فاجتمعت عدة رؤساء وصار كل رئيس يدعي باسم الداي وهذه اللفظة معناها خال باللسان العربي وهي عندهم تكبرة بمن ينادي بها وصارت جماعتهم تقرب من ثلاثمائة رجل وإذا حل بهم أمر تجمعوا في القصبة وتشاوروا بينهم إلى أن اتفقوا على رأي واحد ولكن لا يتم لهم أمر من كثرة داياتهم. وكان أكبرهم إذاك ابراهيم داي اشتهر بينهم بشجاعته وكثرة جماعته...".
نلاحظ في هذا المقتطف الأخير أن الداي الذي كان يترأس طابور 101 من جند الإنكشارية تمت تزكيته وأخذ الحظوة ليحل مكانة سياسية وإدراية في صلب الديوان، فقد كان منذ البداية صاحب حضور معنوي قوي يغلب عليه الطابع العسكري. ويفهم من هذا المقتطف أن للداي المستقر بالقصبة والذي وصفه ابن أبي دينار أنه بمنزلة السلطان في الحقيقة يدا خفيّة في الاطاحة بضباط البلوكباشية وأنه هو الذي كان يحرك عسكر الإنكشارية من وراء الستار. فقد أحس هؤلاء بالظلم والإهانة من تصرفات كبار ضباط الديوان في ظرفية زمنية تميّزت بأزمة ماليّة حادة وبداية صراع بين كبار قادة العسكر وبالتحديد بين داي القصبة وآغة الإنكشارية وجماعة البلوكباشية بالديوان. وأما عن حسين خوجه فقد أشار في حديثه على أن الدايات كانوا على اتفاق مع الإنكشاريين وأنه بعد تصفية كبار ضباط الديوان انتخبوا دايا من الأربعين بقوله: "وعقدوا ديوانا باتفاق من عسكرها أن يقدموا من ينظر في أمرهم واحدا من الدايات الأربعين المتقدم ذكرهم ولا يتصرف أهل الديوان في عسكري يولداش إلا بمشورة المقدم"72. ولم يحد الصغير بن يوسف عن بقية المصادر عند ابداء رأيه حول سبب ثورة البلكباشية، فقد أرجع السبب الرئيسي لتغوّل البلكباشية وكثرة الشكاوى في شأن تصرفاتهم العنيفة تجاه اليولداشية : "وحيث ثبت عرق بلكباشية في مدينة تونس، تزوجوا من بنات أهل تونس وناسبوهم واستحرموا بأنسابهم وصار كل من ناسب بلكباشي صارت له ولولده شوكة وحرمة، والظلم تحت جناح الباعوضة فكثر ظلم أولاد الأنساب لغيرهم وكثرت الشكاوى في الديوان ويتعصبون لبعضهم بعضا ويزحزحون المظلوم من غير أخذ حق في نسيب بلكباشي...ولما طال الحال شبّت أبناء البلكباشية في الحرم والدلال وظلموا الناس وكذلك صبيانهم المسمون بالعزارة، وتخطى ظلم الأولاد والعزارة إلى أن مدّوا أيديهم في العسكر"73.
1.5.2. الداي بعد سنة 1591 م: دولاتلي الديوان
وبعد سنة 1591 لم تبق هذه التراتبية قائمة وحتى الأوامر التي كانت تؤخذ من آغة إستانبول أبطل الأخذ بها، وفي هذا الصدد يذكر ابن أبي دينار الآتي: "ثم انخرمت هذه القاعدة فصار يلي هذه الرتبة أكبرهم ولم يحتاجوا إلى أمر سلطاني"74. وعوض الآغة أصبح هناك "الدولاتلي" هو من يتحكم في قرارات الديوان "إلى أن كان من أمرهم ما تقدم عند ذكر مقتل البلوك باشية وتولية الحاكم الدولاتلي فصار غالب النظر في الأحكام له إلا ما قلّ"75. وحسب الصغير بن يوسف فإنه على إثر هذا التظلم والسطوة "تحزّب العسكر أحزابا وكل حزب له رئيس سموه داي ومعنى الداي خالي كأنها عندهم تربيجة برئيسهم... واتفقوا على أن يولّوا رجلا واحدا تركي عجمي ليس له زوجة ولا ولد يسكن في القصبة"76. وهذا الرجل هو الدولاتلي، والدولاتلي هي كلمة من أصل تركي وهي رتبة عسكرية تعطي لسردار العسكر أي كبير الإنكشارية، وهذه الرتبة العسكريّة تتوافق مع رتبة الداي الذي كان مسؤولا على المائة إنكشاري. فهل أن الدولاتلي هو نفسه الداي؟
يُعلمنا الصغير بن يوسف في كتاب التكميل الشافي للغليل ولأول مرة أن الداي هو نفسه الدولاتلي ويقول أن الرتبة الإدارية / السياسية استمرت لزمنه فيستهل كلامه بـ "الخبر عن سبب تولية الداي وهو الدولاتلي في دولة الترك بمدينة تونس ومن يتولى من الدولاتليّة إلى سنتنا هذه وهي سنة 1181 هـ / 1767 م"77، ويدمج الصغير بن يوسف هذا الخبر في سياق حديثه عن دار الانكشاريّة التي تركها سنان باشا قبل مغادرته، وتركيز أربعة آلاف عسكري بآغة انكشاريتهم، وتركيز أربعين رجلا من أصحاب الشجاعة والعقل والتدبير قائلا أن حكم العسكر بأيديهم وأنهم يجلسون في الديوان". وهذه الإشارة مهمة جدا، فالإشارات السابقة التي يقدمها كل من ابن أبي دينار وحسين خوجة لا تذكر أن للدايات (الأربعون رجلا) مهمة إدارية ولا تذكر البتّة أنهم يجلسون في الديوان، واقتصرت فقط على ذكر دورهم العسكري بأنهم يقودون دارا تتكون من 100 إنكشاري. هذا ما جعل المؤرخين يستبعدون وجود رتبة "الداي" ضمن تراتبية كبار ضباط ديوان الجند. والآن يمكن لنا أن نفهم جليّا أن الدايات كانوا يشكلون جماعة من جماعات كبار العسكر في صلب الديوان وقاموا بالانقلاب على البلوكباشية، الجماعة الذين يمثلون الشق السياسي للحكم العثماني بالإيالة. ولا شك أن الدايات انتقلوا بعد سنة 1591 من الرتبة العسكرية إلى الرتبة السياسية في إدراة الديوان مبتكرين في ذلك تسمية جديدة في علاقة بلقبهم العسكري القديم الداي وهو اللقب الجديد "الدولاتلي". ويفيدنا الصغير بن يوسف أن الدولاتلي لا يكون إلا من الأتراك الأعجام وأن للدولاتلي جماعة تحته تعرف بالإختيار (İhtiyar) أي كبار المساعدين وهم المئة إنكشاري الذين ترقوا في المناصب و"خدموا منصب الشواش ووكيل الخرج ويمكن للاختيار أن يترقى لمنصب الدولاتلي حسب إشارة الصغير بن يوسف78.
إذا يبدو لنا من خلال تحليل النصوص المصدرية والوثائق العثمانية، أنه لا يمكن فهم واقعة سنة 1591 إلا بالبحث عن محركها الأصلي المتمثل في شخصية "الداي"، الذي سيسترجع مكانته العسكرية الأولى بتحويلها لرتبة سياسية صلب الديوان، فقد كان منذ البداية من أصحاب النفوذ "ولما جاءت الدولة التركية ظهر ما كان يحذره لأنهم مشاة على الأقدام وكبيرهم الذي يقال له الداي لأنه المتصرف بحكمه في الاقليم فصحت الأخبار التي أخبر بها"79، ثم انفلتت الأمور من يده بعد تغوّل كبار ضباط العسكر (الآغة والبلوكباشية والأوده باشية)، وبدا له خوف من فقدان مرتبته العسكريّة وكلمته النافذة في ديوان الجند فما كان له إلا تشجيع الجند الانكشاري على المطالبة بمرتباتهم التي استعصى على الديوان تسديدها، كما يبدو أنه حرضهم على عدم السكوت على التصرفات المهينة الصادرة من ضباط جماعة البلوكباشية ومساعديهم العزرية80. فكان التخطيط لاغتيالهم وإحداث لقب الدولاتلي الذي يجمع بين التسمية أو الوظيفة العسكرية القديمة للداي، والتسمية أو الوظيفة الإدارية / السياسية الجديدة هي الدولاتلي.
وفي ظل وجود هذه النصوص وتصريح المصادر التاريخيّة بتركيز العثمانيين لإدارتهم العسكرية بإيالة تونس فإنه من الغريب أن نقرأ في بعض الدراسات السابقة "أن نظام الإنكشارية المعمول به في اسطنبول والمكوّن من الأعجمي أوغلان والسكمن والجماعات والبلوك فإنه لم ينتقل إلينا وذلك لأن السكمن لا يتوزعون إلا على 34 بيتا والبلوك تجمعهم 61 بيتا. وعليه فإن البيت المشار إليها لا تكون إلا البيت الأخيرة من بيوت الجماعات التي تضم 101"81. ولكن المعمول به في النظام الداخلي للوجق الإنكشاري، هو صنف الجماعات أو "الجماعاتلي لر" والذي يتكوّن من 101 طابورا، وهو الصنف الذي يتم إرساله إلى قلاع الإيالات المفتوحة لضبطها. وقد ركّز الديوان الهمايوني صورة منه بإيالة تونس يترأسها الداي. كما أن عدم انتقال بيت السكبان والبلوك الخاص بهم لا يعني أن نظام الإنكشارية العثمانيّة المعمول به في السلطنة العلية لم ينتقل إلينا، فبالعكس كانت التراتبية العسكرية للجند العثماني بإيالة تونس وتراتبية كبار ضباط الديوان والبكلرباي هي نفسها التراتبية التي توجد بالباب العالي. إلا أن تعيين آغة الإنكشارية أو الداي أو البكلربكي أو الباشا لإيالة تونس يكون باختيار أحد قدماء ضباط السكبان أو زغرجي السلطان أو جربجي باشي أو باشا ينحدر من الحاشية القصر أو من فرق الأورطلر الخاصة بحاشية السلطان.
2. الديوان وعلاقة الجند الانكشاري بالتصوف البكتاشي
2.1. التصوّف البكتاشي المبكّر في الأناضول وعلاقته بالجند الانكشاري العثماني
لقد ظهرت الطريقة البكتاشية المنسوبة للولي الحاجي بكتاش في سهوب الأناضول وتحديدا في مدينة نافشهير التركية، وهي فرقة متفرعة من الطريقة القلندرية التي كان مقرها في سهول آسيا الوسطى وانتقل دراويشها المعروفين باسم "أبدال الروم" (Rum abdalları) إلى الأناضول هروبا من الغزو المغولي. واستطاعت هذه المجموعات المتصوّفة وذات الميولات العلويّة الشيعيّة تكوين تشكيلة مركزية منظمة حول زاوية الحاجي بكتاش82. ولم تكن زاوية الحاجي بكتاش لوحدها في المشهد الأناضولي فقد كان التركمان الذين وجدوا روابط مع نظام الشاه إسماعيل الصفوي بإيران في نهاية القرن 15 م، من بين التجمعات التركمانية التي تم استهدافها من قبل السلطنة العثمانية بتعلّة تواطئها مع النظام الشيعي بإيران. وقد سعى العثمانيون لمحاولة استئصال هذا الوجود العلوي بالأناضول لذا قامت هذه التجمعات التركمانية العلويّة بحركات انتفاضيّة، نذكر من بينها انتفاضة شاه كولو في أنطاليا، وانتفاضة القلندير شلبي سليل الحاجي بكتاش في الأناضول وانتفاضة الشيخ صقاريا بقيادة الشيخ أحمد المعروف بالمهدي شيخ صقاريا وهو من تربية بكتاشيّة. وعُرفت بعض الفرق العلويّة في الأناضول بلقب "قيزيل باش" لارتدائهم القبعة الحمراء ذات الاثني عشر خرقة دلالة على الأئمة الاثني عشر. وكانت بداية الضغوط على هذه التجمعات الصوفيّة المتشيّعة في عهد بايزيد الثاني (1481 – 1512) الذي نجح على ما يبدو في فصل بعض من طائفة البكتاشيين عن التشيّع واستمالتهم وذلك بتقريبهم ومنحهم الدعم واقحامهم في المدارس السنيّة. وعندما قوي عود النظام العثماني انقلب العثمانيون على أغلب هذه الطوائف انسجاما مع الأيديولوجيا السنيّة وتم ادماجهم شيئا فشيئا في الجيش والإدراة العثمانيّة بعد محاربة الصفويين واخراجهم من المجال الترابي لجغرافية الإمبراطورية العثمانية83.
أما عن شيوخ الطريقة البكتاشية المشهورين فيمكن ذكر مؤسسها الحاجي بكتاش ولي من كبار أولياء ديار الروم وهو من الذين أخذوا عن الحاج المتصوف أحمد اليسوي (ت 1166 م). وأبدال موسى الذي يعتبر من أول المساندين للطريقة البكتاشية والذي كان له الفضل في نشر فلسفة التصوّف البكتاشي في زوايا غرب الأناضول، كما قام أيضا بجمع وتنظيم زمرة التائبين المحبين كمتطوعين وكمشاركين مع فرق البابائية في حركات العصيان ضدّ دولة السلاجقة. وتعتبر مشيخة أبدال موسى هي المرحلة الأولى من تركيز أسس التصوف البكتاشي. أما في زمن مشيخة بالِمْ سلطان، نهاية القرن 15 وبداية القرن 16م، فقد انسلخت الطريقة البكتاشية عن القلندرية وأصبحت تدير شؤون زاويتها باستقلالية تامة.
ويوجد في صلب تركيبة الجهاز العسكري العثماني فئة من الجند الانكشاري، تُعرف باسم "الإنكشارية البكتاشيّة" ( Bektaşîlik). وهؤلاء هم فئة الجنود المحبين الصادقين لشيوخ الزاوية البكتاشية والذين تلقوا آداب الطريقة وعلوم التربية الاسلامية وذلك منذ التحاقهم بوجق الجنود الإنكشارية (عجمي أوغلرى) عن طريق نظام التجنيد الذي يعرف باسم "الدفشيرما". وقد كانت الزاويا وخاصة زاوية الحاجي بكتاش هي التي احتضنتهم وأمنّت لهم تربية معنويّة وإحاطة كاملة ولقنتهم أصول وعلم الكلام والأدب والخلق.
وتنسب الروايات التاريخية نشأة أول نواة لزمرة الإنكشارية العثمانية على يد هذا الولي الذي توفي في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ميلادي. وقد أجمعت كتب التاريخ العثماني على أن زاويته تمثل النقطة الأولى التي احتضنت أولاد العسكر العثماني ومهدت لتكوين شخصيتهم ولتربيتهم المعنوية وأن "البابا" الحاجي بكتاش يعتبر الأب الروحي لزمرة الإنكشارية والمحبين من مريدي الطريقة. وتقول الرواية الشفوية أيضا إن السلطان أورخان (1326 - 1359) توجه إلى مدينة "نافشهير" وتحديدا إلى مقر إقامة الولي الحاجي بكتاش الذي انتسب الجيش الانكشاري إلى طريقته، وعند حلوله بالزاوية استبشر الولي الحاجي بكتاش لزيارته وعندها طلب منه السلطان أورخان أن يعطي اسما لجيشه تبركا به فسماه انكشارية، وقد احتفظت الذاكرة بهذا الدعاء إلى يوم الناس هذا، وهو كالآتي : "سيكون اسم هذه المؤسسة إنكشارية، وجوههم بيضاء وناصعة، وقواهم مذهلة وخارقة، وسيوفهم قاطعة، سهامهم هالكة، منتصرون في كل المعارك وعائدون بالنصر دائما"84. كما ينتسب للحاجي بكتاش أنه أول من ألبس الإنكشارية العثمانيين الطاقية البيضاء التي توضع على الرأس وأنه كان يطهي الشربة في القِدْرِ الشريف "القازان الشريف" لإطعامهم85.
لكن هذه الرواية الشفوية لا يمكن التسليم بها وتصديقها فهي من ضمن الخرافات التي تكونت حول شخصية الحاجي بكتاش. كما أنه من غير الممكن أن يقوم الحاجي بكتاش الذي توفي سنة 1271 بالدعاء لجموع الجند الذي تكوّن في سنوات حكم السلطان أورخان غازي ( 1324 – 1364 م) ولا يمكن التسليم بأن الحاجي بكتاش هو من قام بتسمية هذا الجند باسم الانكشارية فلا توجد ولو اشارة بسيطة حول هذا الحدث الكبير في مناقبه. كما أن المؤرخ عاشق باشا زاده، الذي كتب كتابه الموسوم بتواريخ آل عثمان في فترة قريبة جدا من الأحداث، يقول أن هذا اللقاء تم بين السلطان وأحد دراويش الحاجي بكتاش وهو الذي كان شيخا على الزاوية واسمه "أبدال موسى"، الذي شارك في حروب توسع الإمارة العثمانية في الأناضول، والذي وفّر للجيش الانكشاري في إحدى حروب عند المرور بالزاوية عمامات لتغطية رؤوسهم86. وحسب قوانين الإنكشارية فإن الولي الحاجي بكتاش توفي قبل تأسيس العسكر العثماني، وأن ارتداء الجنود الإنكشاريين للقبعة العثمانية هو من تأثير شيوخ الطريقة البكتاشية كتيمور تاش دادا ابن الحاجي بكتاش ولي وأمير شاه أفندي.
أبدال موسى (Abdal musa) اسم الدرويش- المحارب الذي شارك إلى جانب المشاة العثمانيين في حروب الإمارة العثمانية، كان له دور كبير في نشر تقاليد التصوف البكتاشي بين أفراد الجيش الإنكشاري. ومنذ ذلك الحين بدأت العلاقة بين الطريقة البكتاشية ومؤسسة الجند تتجذر شيئا فشيئا وأصبح الدراويش العزاب أو كل محب بكتاشي هو انكشاري متطوع يشارك في حروب توسع الإمارة العثمانية في الأناضول. كما تروي المصادر توقف السلطان يلدرم بايزيد عند رجوعه من حرب كرمان لزيارة زاوية الحاجي بكتاش، وهذا في حد ذاته حدث مهم. ويروي "الكونط مرسيقلي" الذي سقط أسيرا في حصار فيينا أن آغه الانكشارية كان يقف كلما سمع كلمة الحاجي بكتاش في اجتماعه بالديوان وذلك احتراما وتقديرا له.
ومنذ أواخر القرن السادس عشر تمت مأسسة الطريقة البكتاشية واعتبرت الطريقة الرسميّة للجند العثماني، فقد تم إدراج الدراويش البكتاشيين في قشلة العسكر الإنكشاري بإستانبول وأوكلت إليهم مهام الاعتناء بمساجد القشلة، أين يقوم كبار شيوخهم بالدعاء لسلامة الجيش العثماني واستشراف النصر لعساكره. كما أصبح شيوخ هذه الطريقة يُعينون برتبة أمير ألاي وتم انتداب ثمانية من دراويشهم في صلب الوجق الإنكشاري أدرجوا في طابور عدد 99 من جند الأورطلر. وهؤلاء الثمانية ينقسمون إلى مجموعتين الأولى يقومون بالتكبير والهيللة البكتاشية فترى عددا منهم يردد عبارة "الله كريم"، والبقية يردون بعبارة "هووو" (Hu) وهي عبارة تعني "الله"، ومأخوذة من عبارة "لا إله إلا هو" وهي من آداب التصوف لدى البكتاشيين. وفي سنة 1591 م، تكونت من فرقة من عساكر دراويش البكتاشية يلبسون لباسا أخضر ويتقدمون ركب الآغا في سيره واضعون قبضاتهم على بطونهم أسوة بأدب التربية البكتاشية، مهللين بين الفينة والأخرى بعبارة "هووو" (Hu). ولقد ظهر مدى تجذّر التصوف البكتاشي في الأهازيج والأناشيد العسكريّة للجيش العثماني فقد كان العسكر يردد عند خروجه للحروب أهازيج طويلة بأصوات جوهرية قوية يذكر فيها اسم الحاجي بكتاش ولي : "الله الله آيوالله ...كبيرنا عظيمنا الحاجي بكتاش ولي، ندعي له كلنا"87.
2.2. ديوان الجند ومقام الحاجي بكتاش بإيالة تونس
ينفرد محمد الصغير بن يوسف في كتاب التكميل الشافي للغليل عن بقية المصادر التاريخيّة الاخباريّة بذكر اسم الحاجي بكتاش فيقول:" أعرف زيّ الينشريّة وأما قيافة (kıyafet) الترك ولباسهم وتمييز من يتولى منهم طريقا فلهم علامات لا ندري عمّن أخذوها إلا ما يقال أن الولي الحاج بكتاش التركي هو الذي قوّن قوانينهم وميّزهم عن غيرهم بلباس يقال له الكبسات"88. ويبدو أن محمد الصغيّر بن يوسف هو المؤرخ الوحيد المؤهل لذكر هذا الخبر من دون بقيّة الاخباريين، وهذا طبيعي فهو كورغلي من أب تركي علّمه اللغة والثقافة التركيّة.
ويقع الديوان بمدينة تونس المسورة، في مكان غير بعيد عن مقام الولي الصالح سيدي جفّال، ويعرف الديوان بتسمية دار الشرع (الخريطة 1). ويجب الإشارة إلى وجود نوعين من الديوان، ديوان الجند الذي نحن بصدد الحديث عنه، وهو مقر اجتماع الآغة وأكابر الجيش، وديوان آخر صغير يكون بالقصبة أو بدار الإمارة أو الخلافة أو دار الباشا والباي، ويغير مكانه بتغيير مكان إقامة الباشا والباي، فيكون دائما مرافقا له ولحاشيته ويعرف بـ"مجلس الباي" أو "ديوان الباي". ولا نعلم إن كانت واقعة البلوكباشية قد جدّت بالديوان الذي يُعرف بدار الشرع والقريب من بطحاء رمضان باي اليوم؟ أم في ديوان كان داخل القصبة، فقد ذكر ابن أبي الضياف أن الإنكشارية "هجموا على البلكباشية في الديوان بالقصبة وقتلوا منهم ثمانين رجلا"89. فهل كان هناك ديوان أوّل بالقصبة قبل بناء الديوان الثاني الواقع بنهج سيدي جفال؟ أم أن ابن أبي الضياف يقصد نفس الديوان، وقوله بالقصبة هو تحديد للمركز الإداري أي القصبة ومجالها القريب منها الذي يجمع كل مؤسسات الحكم الأخرى؟
يقدم لنا محمد الصغيّر بن يوسف وصفا دقيقا يتطابق مع بناية الديوان الذي يقع بالقرب من سيدي جفال اليوم فيقول : "فاخترع الذين من بعده (أي سنان) وأخذوا دارا من دور الحفاصة ورسموها مجمعا وسموها ديوانا فجعلوا للآغة رأس العسكر كرسيّا عند باب البيت يجلس عليه وجعلوا أبناكا من عود كالدكاكين يمين الآغة ويسارهُ، والمحلّ مستطول ليس بالعريض يجلسون على الأبناك بلكباشيّة ومن الجهة الأخرى، وهذا الديوان ثلاث طوالات والوسطاني منهم فارغ رأسه فيه بيت كبير يفتحوها كل يوم الصباح إذا جاء أهل الديوان ولهذا الديوان زوج من الخوجات كبير وصغير مقابل في الجلوس للآغة في رأس الطوال، وفي يدي الخوحتان دفاتر العسكر بأجمعه فيها أسماء العسكر وراتبه أم هو حي أو مات"90. وعمارة الديوان اليوم تنطبق على هذا الوصف فالمنازل الحفصيّة الفاخرة يولج إليها بمدخل مُنكسر عبر سقيفة مغطاة تفضي إلى رواق مستطيل أو "مستطول ليس بالعريض" على حدّ قول الصغير بن يوسف ذي ثلاثة أروقة "ثلاث طوالات" الأوسط مكشوف في قاعه بالجهة المقابلة غرفة عرضيّة تحتوي على دكاكين أو مسطبات خشبّية جانبيّة وفي صدر الغرفة كرسيّ آغة الإنكشارية. ويقابل كرسي الآغة كراسي الخوجات91.
يحتوي الديوان على غرفة بالركن الجنوبي الشرقي يوجد غرفة تحتوي على مقام أو مزار شيخ الطريقة البكتاشيّة الحاجي بكتاش وليّ. يعتلي مدخل هذه الغرفة نقيشة من المرمر الأبيض نقش عليها شعري عثماني، يذكر أن القبر هو للشيخ الحجي بكتاش ولي، وهذا محتواه:
النص العصمنلي :
الترجمة العربية :
ويوجد وسط هذه الغرفة تابوت أخضر به نقيشة كتبت على لوح خشبي ينتهي أعلاه بشكل زهرة القرنفل، وهذا اللوح مزيّن باللونين الأصفر والأخضر، اللونان المحبذان لدى البكتاشيين، وهي نفسها الألوان التي تظهر في الرسومات التشخيصيّة للولي الحاجي بكتاش نفسه. وكُتب نص النقيشة بخط الثلث الجليّ على أرضيّة بنيّة اللون. ونص النقيشة هي آية قرآنيّة من سورة يونس الآية 62 : "بسم الله الرحمن الرحيم ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون". واعتمادا على نص النقيشتين؛ التخليدية والقبرية، فإن هذه الغرفة هي الزاوية أو "التكة" البكتاشيّة المنسوبة للحاجي بكتاش ولي الأناضول.
ولقد أشار محمد بن خليل الطواحني الذي كان يتعاطى مهنة بيع الكتب بسوق اللبادين بتونس العاصمة، في كناشه الذي جمع فيه معطيات حول رجال الحاضرة من شعراء و أعلام وشيوخ القرن التاسع عشر، أشار إلى وجود هذه النقيشة بقوله : "وكان بسقيفة الديوان المذكور قبل أن يصير دار الشريعة لوح من رخام مكتوب بالتركيّة أيضا وقد عُرّب وإذا مضمونه أن جماعة الأعجام والخاص والعام يجتمعون هناك صبيحة كل يوم ويقرؤون فاتحة الكتاب للولي الصالح الحاج بكتاش"95. وهو يقصد هنا النقيشة العصمنلية التي تعتلي الغرفة التي بها قبر الحاجي بكتاش باشا والتي ترجمنا نصها أعلاه.
كما يفيدنا الطواحني بوجود نقيشة ثانية كانت مثبّتة بمدخل الديوان وتحديدا على يمين الداخل للبيت الكبير من الديوان قبل أن يصير دارا للشريعة، وهذه النقيشة تتمثل في لوحٍ من رخام ملصق بالحائط مكتوب بالتركيّة ومضمونه : "أرسل مولانا السلطان فرمان إلى دار الجهاد بلد تونس المحروسة ميرميران مدلسي96 باشا الشريف وآغه الديوان سليمان آغه وصاري عسكر الحاج مصطفى داي وأن ولايتهم بالفرمان المذكور مخاطبا به أهل الديوان والينيتشرية وأصحاب المملكة التونسيّة وذلك في ترتيب طائفة الينيتشريّة وبيت مال المسلمين وتعمير القلاع والأبراج واستقامة الديوان المنصور وكل من هو ينتشري في حال حياته وفي مرضه ومماته يهب الثلث من حرّ ماله شرعا لمن يشاء ولا يمنعه مانع ولا يتعرض له أحد في فعله جعلوا ذلك قانونا جاريا على كل أحد منهم وعلى الباشا مثلهم جعلوا ذلك لتقوية البلاد والعساكر وذلك لاستقامتهم والذي يفعل منهم [17و] بغير وجه شرعي وبغير قانون يردوا عليه فعله ولو كان الباشا نفسه وتاريخ هذا المسطور أعلاه في سنة 1086 ه [1676 م]"97. ولا أثر لهذه النقيشة اليوم في الديوان، ولا نعرف هل هي محفوظة في مخازن المعهد الوطني للتراث أم أنها اندثرت بعد التحويرات التي عرفها مبنى الديوان في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي. لكن يشير الفرمان المكتوب على شكل نقيشة والذي نقل مضمونه لنا الطواحني إلى أمر هام يتعلق بالوضعيّة القانونيّة للباشا وللإنكشاري بالإيالة التونسية، فقد أصبح لكلّ منهما الحقُّ في توريث ثلث ماله لمن يشاء إن كان متزوجا وله أبناء، وإن كان غير متزوّج ومات دون عقب يرثه بيت مال المسلمين وليس له الحقّ أن يورّث من يشاء. ويبدو أنه في نهاية القرن السابع عشر تم تقليص نفوذ بيت مال المسلمين والديوان على العساكر وأصبح للانكشاري حق في الزواج.
2.3. امتداد الطريقة البكتاشيّة من إيالة مصر إلى إيالة تونس
لئن عرفت الطريقة البكتاشيّة انتشارا واسعا في إيالتي الأناضول والروملي (لها زاوية في جزيرة كريت مثلا)، حتى سجلت حضورا قويّا في إيالة مصر العثمانيّة. ورغم صمت المصادر التاريخية والمناقبية عن حضور هذه الطريقة بالقاهرة قبل السيطرة العثمانيّة على أرض كنانة فإن بعض الروايات التاريخية تنسب استقرار الولي المتصوف الدرويش "غيبي" (Gaybi) المشهور باسم كايكوسوز (Kaygusuz) وهو أحد طلبة "أبدال موسى" استقراره بالقاهرة وتأسيسه لزاوية بابا بكتاش وذلك منذ نهاية القرن الرابع عشر الميلادي. ومع حلول الأتراك العثمانيين بمصر وتأسيسهم للإيالة، انتقلت هذه الطريقة عبر الجيش الانكشاري إلى مصر. وقد ذكر لنا الرحالة "أفليا جلبي" (ق17م) أنه في حدود نهاية القرن السابع عشر كان يوجد 4 زوايا (دركاه) مخصصة لطريقة الحاجي بكتاش بالقاهرة وهي على التوالي: تكة حسن بابا، وتكة كايكوسوز بابا وتكة عبد الله أنصاري داخل القلعة بالمقطم وأخيرا تكة قصر العين98. ويذكر ابن أبي دينار في كتاب المؤنس أن سنان باشا أمر عند وصول العمارة العثمانية بإرسال البكلرباي إبراهيم بك صحبة عدد من الانكشاريين من صناجق مصر المحروسة لتعزيز صفوف جنود حيدر باشا ومصطفى باشا لمحاصرة مدينة تونس وبداية المناوشات99. كما يضيف حسين خوجة في بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان أن سفر باي سنجق الاسكندرية كان من بين أعيان السناجق الذين استشهدوا في معركة حلق الوادي100.
تتوافق هذه الإشارات حول مشاركة انكشارية إيالة مصر العثمانية في حملة حلق الوادي مع موضوع وثيقة أرشيفية مؤرخة برجب من سنة 984 هـ / 1576 م، حيث احتوت الوثيقة على قائمة أسماء الجنود الانكشاريين الذين شاركوا مع سنان باشا في فتح القلعة والبستيون، فعلاوة على العسكر الذي اصطحبه سنان باشا في الاسطول القادم من استانبول والمتمثل في الأربعة آلاف نفر من كبار موظفي الديوان الذي سيرسم في تونس، نجد ذكرا للجنود القادمين من وجق انكشارية إيالة مصر، إذ تذكر الوثيقة اسم الفقير إبراهيم بك الذي كان يترأس 74 جنديا من جماعة القونوللو و35 جنديا من جماعة التوفنكتجي و42 جنديا من جماعة الشراكسة و274 جنديا من انكشارية مصر و40 من جماعة فرقة عزابة مصر، ليكون عددهم الجملي 465 نفرا حصل كل واحد منهم على 3 أقجة ترقي101. ومن بين هؤلاء الجنود نذكر أسماء البعض على سبيل المثال لا الحصر: خذر أصيل البوسنة ملحق من متطوعي مصر، أحمد محمودي ملحق من متطوعي مصر، علي حميدي ملحق من متطوعي مصر، محمد بن عبد الله أصيل جزيرة الموره من متطوعي مصر، عليّ الكراداغي ملحق من متطوعي مصر، مصطفى أصيل أرزوروم ملحق من متطوعي مصر، تيموري من استانبول ملحق من متطوعي مصر، حسن أصيل أكشهير ملحق من متطوعي مصر، الاستانبولي إبراهيم عليّ ملحق من متطوعي مصر102. لقد قام هؤلاء المتطوعين من جماعة القونوللو ومن شراكسة مصر بالمشاركة مع سنان في فتح تونس سنة 1574 م، ومنهم من استقر بتونس ولم يعد أدراجه بعد نهاية الحرب. ولا شك أن هؤلاء هم من قاموا بنقل الطريقة البكتاشية إلى تونس وادماجها في صلب الديوان بإيالة تونس. ولولا استقرارهم بإيالة تونس ومطالبتهم بالاندماج في وجقها الانكشاري الجديد ما كان لهذه الطريقة أن تنشأ أبدا.
ولم تظهر هذه الطريقة في إيالة الجزائر لعدم وجود الشق الممثل لها في الجيش الانكشاري الذي تركه خير الدين بربروس، لكنها ظهرت في لقب أحد الدايات وهو الداي أبو النصر محمد بكداش (1707 – 1710 م) الذي انتخب عوض الداي حسين خوجه الشريف. وطبيعي أن يكون هذا الداي بكتاشيا لأن أباه نور الدين أبي الحسن علي بن محمد من مواليد مدينة نيده (Nigde) التركية والتي تقع بالأناضول في قلب مجموعة زوايا أبدال الروم وبابا حاجي بكتاش. وحسب كتاب التحفة المرضية لمحمد بن ميمون الجزائري الموسوم بالتحفة المرضيّة في الدولة البكداشيّة في بلاد الجزائر المحميّة والذي يسرد لنا دولة الداي أبو النصر محمد بكداش فإن هذا الداي أُنزل من سدة الحكم سنة 1705 وهرب إلى طرابلس ثم دخل تونس واجتمع مع أصحابه أسود الفقراء فتألفوا في حينهم وأرادوا الرجوع لوطنهم فمنعهم الباي103. ويفهم من هذه الاشارة أن الداي محمد بكداش اجتمع مع زمرة الانكشاريين المتصوفة من البكتاشيين بتونس وأراد الاستقواء بهم للرجوع للجزائر. لكن محقّق الكتاب لم يتفطن إلى نسبة هذا الداي للطريقة البكتاشيّة وفسر لقب بكداش بالصخرة القوية، الأمر الذي لا يمكن التسليم به أبدا. لقد تلقب بعض رجال الدولة العثمانية بإيالة تونس أيضا بلقب بكتاش مثل "الباشا بكتاش" الذي توجد نقيشة قبره العصمنلية في الجدار على يمين الداخل لمستشفى عزيزة عثمانة بالقصبة والذي توفي سنة 1689 م.
حوصلة عامة
في ختام هذا المقال، الذي أردنا به توضيح بعض الجوانب المتعلقة بتراتبيّة كبار ضباط مؤسسة الديوان المرسوم من قبل سنان باشا عشيّة دخول العثمانيين لولاية تونس، يمكن أن حوصل نتائج البحث التي توصلنا إليها بعد قراءة معمّقة ومحاولة فهم وتحليل لمجموعة من المتون المصدرية والنقائش الأثرية المكتوبة في النقاط التالية:
أولا: علينا التذكير بأن الأربعة آلاف جندي الذين استقدمهم سنان باشا من إسطنبول لا يمثلون سوى كبار ضباط الديوان أي الدايات وآغوات الانكشارية وجماعة الايدباشية والبلوكباشية والصولاك والأوضباشية والشواش فقط دون احتساب اليولداشية أو الجند الانكشاري. وقد كان مكان جلوس هؤلاء إما في الديوان المنصور أو في دار الباشا حيث ذكرت لنا المصادر التاريخيّة أسماء بعض منهم كدرغوث شاوش الديوان ورجب كاتب الديوان104 وقارة مصطفى شاوش الديوان وعسلي (Aslı) التركي آغة بيت مال الديوان، وأحمد بن الحاج حبيب التركي ترجمان الديوان105، والترجمان الثاني بولكباش تركي عجمي106. ويجب الإشارة إلى أن أسماء الرتب العسكريّة للجند الانكشاري هي ثابتة لكن تراتبيّة "الجماعات" هي تراتبية معقدّة ومتداخلة بين الإداري والعسكري، وأحيانا نلاحظ التساوي في الرتب العسكريّة وتداخلا بين اسم الوظيفة واسم الرتبة السياسية. كما أننا استنتجنا أنها تراتبيّة متحوّلة عبر الزمن فهي تخضع دون شك لتأثير الانقلابات وتخضع لمراعات صعوبات التعايش مع الحقيقة المغايرة للأرض المفتوحة وسكانها المحليين، وتخضع أيضا لتأثير العقليّة العسكريّة التي لا يمكن أن نستثني منها الجانب الذاتي المتمثل في المحافظة على اسم الرتبة العسكريّة القديمة عند الوصول إلى الزعامة والقيادة من مبدأ الاعتزاز بالأصل. فالبكلربكي هو نفسه الباشا والقبطان داريا (أي قبطار البحر) هو نفسه باشا وأحيانا سردار العسكر أي من جماعة الضباط الكبار في القيادة العليا للجيش. وتشير النصوص إلى نفس "القيمة الزعامتيّة" للداي ولآغة الانكشارية فكلاهما من كبار العسكر. ولا تبعد الرفعة العسكريّة لجماعة "الإيباشية أو الأطباشية" عن المكانة المرموقة التي يتحلى بها جماعة البلوكباشية. ويمكن لمن شغل منصب الشاوش من قبل أن يصبح "اختيارا" من رجال الدولاتلي ثم يرتقي لمرتبة الدولاتلي نفسه. وما رأيكم في أن العشي أي الطباخ الذي يطهو الطعام لجماعة الديوان ينتمي للجماعات العسكرية المرموقة. كما أن نظام الترقي يُمكّن اليولضاش أو اليولداش من الترفع في سلم الجهاز العسكري مرورا بكل الرتب إلى أن يصل لمرتبة البلوكباشي أو حتى إلى آغة الانكشارية، لذا نجد نصوصا - كتبت في أزمنة مختلفة – تذكر لنا التراتبية من زوايا نظر ومقاربات مختلفة. فمثلا كشفت لنا النصوص أن "الصولاك" هي رتبة عسكرية تنتمي إلى كبار جماعة الأوضباشية، الشيء الذي كنا نجهله. كما لاحظنا أن الزغرجي وهو المسؤول على تربية كلاب الحرب السلطانيّة يمكن له أن يُعَيَّنَ كآغة انكشارية في الإيالات العثمانية. وهنا نفهم التغيير الذي حصل على تراتبيّة ديوان الجند بإيالة تونس بعد سنة 1591 م، فهي مختلفة تماما عمّا كان عليه الوضع قبل تصفية البلوكباشية. فقد كان الآغة هو المتحكم في الديوان وبعد الانقلاب تربّع الداي في أعلى الهرم بامتيازات الباشا باسم الدولاتلي. كما أننا سنعثر في مصادرنا الاخبارية على تسميات عسكريّة أخرى متناثرة من أصل تركي كالسكبان والصمصونجو باشي والعشي والتوفنجي والهمبرجي والمهتار والشربجي وهي رُتب ووظائف تندرج ضمن الجهاز العسكري العثماني. ولا يجب أن نتغافل عن الفرق العسكرية المستحدثة بالتوازي مثل الباش حانبة وعسكر زواوة والمخازنية والصبايحيّة الغير أتراك، وغيرهم من الأطياف التي جنّدها الحكام من أولاد العرب والترك والكورغليّة في فترات متأخرة عن القرن السادس عشر الميلادي.
ثانيا : كانت قسوة معاملة جماعة البلوكباشية وأولادهم العزريّة من جهة أولى وتردي الأوضاع المالية وعدم التحكّم في ضبط قيمة أجور موظفي الديوان وإحداث خطط إدارية موازية، وعجز بيت المال وإدارة الديوان على تسديد علوفات العسكر من جهة ثانية، كانت هي الأسباب الرئيسية وراء تمرد العساكر وتأزم الأوضاع الداخلية للقيادة العليا العسكرية وتذمر صغار ضباط الجيش الانكشاري من تصرفات أسيادهم الأعلى منهم رتبة. وإلى جانب اليولداش ووكلاء الخرج والقضاة المتضررين من سطوة جماعة البلوكباشية، كان الداي يعيش نفس الضيق. ورتبة الداي من الرتب العسكرية التي كانت موجودة صلب إدارة الديوان، لكن كانت رتبة ذات طابع عسكري بحت. وهذه الصفة العسكرية لم تمنعه من ممارسة وظيفته الإدراية وحضوره الأساس كحاكم الوقت في الديوان، فقد أفادنا الصغير بن يوسف أنه من مهامه الأخرى التدخل للحكم في القضايا التي استعصت على خوجات الديوان. وبعد سنة 1591 أصبح الداي على رأس الديوان واتخذ اصطلاحا جديدا يسمى "الدولاتلي" وكوّن جماعات من قدماء الشوّاش تحته عوض البلكباشيّة والأوده باشية. وهذا يحسم الجدل في حقيقة الدور الذي عاد للدايات بوصفهم أهل رتب عسكرية بالأساس.
ثالثا: كانت جماعة العسكر العثماني بإيالة تونس على علاقة ولائية وروحيّة كبيرة بشخصيّة الشيخ الحاجي بكتاش ولي، فقد حافظوا على ممارسة التربية الصوفية البكتاشية التي تناقلها أجدادهم من العساكر، كما خصصوا مقام أو تكيّة بكتاشية في غرفة تفتح في أحد أروقة الديوان تحتوى على تابوت ينتسب إلى الشيخ الحاجي بكتاش الكبير وذلك للتبرك به. وقد قادنا البحث إلى تتبع جغرافية وصول هذه الطريقة البكتاشية إلى تونس، فقد تبيّن لنا أن جماعة القونولو وجماعة شراكسة مصر الذين التحقوا كتعزيز لمساندة سنان باشا في معركة حلق الوادي والذين استقروا بعد الفوز بإيالة تونس للحصول على أراضي التيمار، هم الذين استقدموا الطريقة البكتاشية المتواجدة آنذاك في القاهرة، وبحضورهم وحلولهم بتونس حضرت طريقتهم في الأراضي الجديدة. إن عدم وجود ذكر لهذه الطريقة العسكريّة في إيالة الجزائر يدعم رأينا القائل بأن طريق البكتاشية امتد إلى تونس برا عبر مصر. فبالرغم من الحضور الرمزي الذي يتميز به هذا الشيخ في ذهنية كبار العسكر العثماني الذين اشتغلوا في جند الجزائر فإننا لم نعثر إلى اليوم على إشارة تدل على وجود زاوية أو تكيّة بكتاشية في ديوان جندهم.
إن كل هذه المعطيات المتعلقة بالاتصال الوثيق بين كبار ضباط الإدارة العسكرية العثمانيّة والتصوّف البكتاشي تعكس لنا مدى حضور الرمزّية الدينيّة للصفّ التركي بالإيالة. كما تساعدنا على فهم أشكال سحبها على النظام السياسي من خلال اتصالها بتنظيم مؤسسة المحلة وربطها بالنموذج الإدراي العثماني الجديد، ثم كيفيّة ترتيب أشكال تنظيم كبريات الطرق الصوفيّة تونسيّا وبروتوكلات خروجها الاحتفالي ومضمون أناشيدهم لاحقا. وهذا ما يستحسن التوسّع في استقصائه وردّه إلى ما قد تصحّ تسميته باستعارات الثقافة الماديّة للتونسيين بين المحلي والوافد.
الملحق 1 : (جدول الهيكلة الإدارية لتراتبيّة مؤسسة الباشالك وكبار جماعة ديوان الجند والقصبة بإيالة تونس في القرن 10 هـ/ 16 م).
الهوامش
1 مقر المكتبة العمومية بنهج الديوان التابعة للمندوبية الجهوية لوزارة الثقافة والمحافظة على التراث.
2 كوتشو رشاد أكرم، 2004، الانكشارية، (باللغة التركية)، اسطنبول، ، ص 74.
3 المرجع نفسه، ص 76.
4 المرجع نفسه، ص 88، 90.
5 بلانتي أوجين، 1981، رسائل دايات الجزائر مع البلاط الفرنسي 1579 – 1833، (باللغة الفرنسية)، ج 2، ص 16 – 17.
6 السيد محمود (سعيد محمد)، 1990، إيالة مصر في القرن السادس عشر، (باللغة التركية)، حوليات جامعة مرمرة كلية الآداب والعلوم الانسانية، الحولية عدد 17، اسطنبول، ص 174.
7 نفس المرجع، ص 178.
8 الزغرجي (Zagarcı) هو صنف من أصناف الإنكشاريين المقربين لحاشية السلطان العثماني والمسئولون عن تربية كلاب الصيد. كما يترأس هذه الفرقة شخص يعرف بالزغرجي باشي ويأتي في الرتبة الثانية بعد الكتهدا في وجق الإنكشارية.
9 النص العثماني: "تونسده واقع أولان يكيجري قوللرم زيد قدرهمه حكم كه: توقيع رفيع همايون واصل أوليجاق معلوم [أوله] كه دركاه سعادت دستكاهمده اتلو زغرجيلرندن حسين زيد مجده سيزه أغا نصب أولنمشدر، بيوردوم كه ....". الترجمة العربية: " حكم إلى عبيدي الإنكشارية المرابطين في تونس زيد قدرهم: عند وصول أمري السلطاني ينبغي العلم بأنه تم تعيين حسين زيد مجده وهو من الفرسان الزغرجيّة في مقام سدة سعادتي آغا عليم ...". بيات، المصدر السابق، ص 235.
10 نفس المصدر، ص 235.
11 ابن أبي دينار (أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني)، المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، تحقيق محمد شمام، 1967، ص186 – 187.
12 خوجه (حسين)، بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، حقّقه ووضع حواشيه محمد أسامة زيد، دار ابن رجب وابن فوائد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2014، ج2، ص 289.
13 ابن أبي دينار، المصدر السابق الذكر، ص 302.
14 المصدر نفسه، ص 301.
15 النص العثماني: "تونسده يكيجريلم آغاسنه حكم كه: حالا بكلربكيسي أولان حسنك سابقا طربلوس غرب بكلر بكيسي أولان محمد ايله كوريلجك شرعي دعوالرى أولوب انك كبي طرفينك أحواللرى شرعله كوريلوب حكم قاضي أولاجق أولان خصوصلره انده اولان بلوك باشيلر وأوده باشيلر ووكيل خرجلر ويكيجرى قوللرم أصلا بر جانبه حمايت ايتميوب وشرعله كوريلان مصالحلرينه قارشميوب حق مستحقنه واصل اولمه سن أمر ايدوب بيوردوم كه ...". الترجمة: " حكم إلى آغة انكشاريتي في تونس: نظرا لوجود دعوى شرعية مرفوعة بين بكلربكي تونس الحالي حسن وبكلربكي طرابلس السابق محمد فقد أمر عند النظر شرعا في أحوال الطرفين ألا يقوم رؤساء البولوك ورؤساء الأود[ه باشية] ووكلاء الخرج وجنودي الانكشارية بحماية أي طرف في المسألة التي تخضع لحكم القاضي..." انظر: بيّات (فاضل)، البلاد العربية في الوثائق العثمانيّة، ولاية تونس في القرن العاشر الهجري السادس عشر ميلادي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية بإستانبول، المجلد 10، اسطنبول، 2022.
16 المصدر نفسه، ص 113.
17 محمد الصغيّر بن يوسف، 2023، ج1، ص 322 – 323.
18 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 301.
19 لقد كان اسم رجب من الأسماء التركية المتواترة كثيرا، فقد ذكر أبو القاسم عظوم في كتاب الأجوبة أن كاتب الديوان سنة 1006 هـ / 1598 م، المدعو رجب تقدم له بالسؤال حول مسألة ميراث أرض معدة للحراثة بواد السراويل جوفي مدينة القيروان المحروسة. عظوم (أبو القاسم)، كتاب الأجوبة، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، بيت الحكمة، 2010، ج 9، ص 369.
20 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 301.
21 الصغير بن يوسف، 2023، ج1، ص 324.
22 المصدر نفسه، ج 1، ص 323.
23 المصدر نفسه، ج1، ص325 – 326.
24 نفس المصدر، ج1 ، ص 319 – 321.
25 نفس المصدر، ج1، ص 321.
26 نفس المصدر، ج1، ص 323.
27 نفس المصدر، ج1، ص 324.
28 عدد الأوضباشية هو 5 إذا اعتبرنا أن كل أوضباشي هو قائد لعشرين رجلا موزعين على مائتي دار. لكن يبدو أنه على عهد ابن أبي دينار أصبحوا أربعة أو يمكن أن يكونوا 4 يجلسون بالديوان والأوضباشي الخامس هو آغتهم أي المسؤول عنهم.
29 الجوخ هو نوع من القماش المصنوع من الصوف. لكن هناك كلمة فارسية أخرى هي الخوج (hûc) تعني نبتة عُرْف الديك. وهي نبتة من فصيلة السيلوزيا تشبه رؤوس أزهارها القبعات العسكرية العثمانيّة التي توضع فوق الرأس.
30 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 301 – 302.
31 الصغير بن يوسف، التكميل...، المصدر السابق الذكر، ج 1، ص 324.
32 المصدر نفسه والصفحة نفسها.
33 المصدر نفسه والصفحة نفسها.
34 المصدر نفسه، ج1، ص 318 – 319.
35 بيات، المرجع السابق، ص 129 – 130.
36 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 303.
37 المصدر نفسه، ص 302.
38 جمع شاطر ( şatır) وهو جندي من المشاة يرافق الباشا في موكبه العسكري.
39 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 302.
40 المصدر نفسه، ص 304.
41 الصغير بن يوسف، التكميل، المصدر السابق، ج1، ص 322.
42 أحمد عبد السلام، 1993، ص 167.
43 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 301.
44 المصدر نفسه، ص 199.
45 المصدر نفسه، ص 301
46 أحمد ابن أبي الضياف، 2008، ج2، ص 26 – 27.
47 حسين خوجة، د.ت.، ص 88.
48 الوزير السراج، 1985، ج2، ص 338.
49 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 303.
50 الصغير بن يوسف، 2023، ج 1، ص 325.
51 نفس المصدر، ج1، ص 325.
52 ابن أبي الدينار، المصدر السابق، ص 302.
53 الصغير بن يوسف، 2023، ج 1، ص 321.
54 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 200.
55 الصغير بن يوسف، 2023، ج1، ص 323.
56 ابن أبي الضياف، المصدر السابق، ج2، ص 27.
57 إلهان أيفاردي، 1994، مجلد التاسع، ص 59 – 60.
58 اليولداش (Yoldaş) : اسم يطلق على الانكشارية فيما بينهم.
59 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 200 - 201.
60 المصدر نفسه، ص 201.
61 بيات، المرجع السابق، ص 66.
62 المرجع نفسه، ص 240.
63 المرجع نفسه، ص 116.
64 المرجع نفسه، ص 155.
65 في الدولة العثمانية هو فريق من الجند الأشول، أي يساريي الرمي بالسهام، وهم من الحرس الخاص ويعرفون باسم "صولاك أورطلري" باللغة التركية. يخرجون في الحرب رفقة السلطان العثماني، وتنحدر تسميتهم من كلمة صولاك "Solak" تعني الأشول. ويتم تثبيتهم يسار السلطان لكي لا يديرون ظهورهم أمام وجهه عند رمي السهام. ولهذا الحرس الخاص وجق وقائد ينظمهم يسمى صولاك باشي (Solak başı). وكانت هذه الفرقة موجودة أيضا في تراتبية الجند الإنكشاري بإيالة تونس وكان عددهم 8 صولاك، يجلسون في دار الباشا وهم من كبار الأوضباشية ومن يترقى منهم يصبح بلوكباشي. انظر الصغير بن يوسف، التكميل الشافي للغليل، المصدر السابق، ج1، ص 324.
66 بيات، المرجع السابق، ص 232 – 234.
67 بيات، المرجع السابق، ص 238 – 239.
68 المرجع نفسه، ص 245.
69 أوزدان مصطفى، 1996، ص 36.
70 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 200 - 201.
71 كوتشو، المرجع السابق، ص 89.
72 خوجه، المصدر السابق، ص 89.
73 الصغير بن يوسف، 2023، المصدر السابق، ج1، ص 325.
74 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 301.
75 المصدر نفسه، ص 302.
76 نفس المصدر، ج 1، ص 328.
77 الصغير بن يوسف، 2023، المصدر السابق، ج1، ص 325.
78 المصدر نفسه، ج 1، ص 323.
79 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 301.
80 الصغير بن يوسف، 2023، المصدر السابق، ج1، ص 328.
81 البشروش (توفيق)، 1992، ص 45.
82 انظر مقال توشدي (رودولف)، "بكتاشية"، بالفرنسية، في الموسوعة الإسلاميّة، الطبعة الجديدة، بريل، باريس، 1991، ج1، ص 1196 – 1197.
83 نور الدين (محمد)،2001، "الانتفاضات العلويّة في الأناضول في القرن السادس عشر"، في الأقليات والقوميّات في السلطنة العثمانيّة بعد سنة 1516، أعمال المؤتمر الذي نظّمه قسم التاريخ في الجامعة اللبنانيّة في 28، 29 و30 نيسان 1999، لبنان، ص 112 – 131.
84 الدعاء العصمنلي :
« Bu tesis ettiginiz askerin adi yeniceri olacak, yuzu ak ve parlak, bazusu muthis, kilici keskin, oklari muhlik, hep muharebelerde galip gelecek, daima muzafferiyette avdet eyleyeceklerdir ».
85 انظر مادة: "الحاجي بكتاش ولي" في موسوعة الوقف الإسلامي، (باللغة التركية)، ج 14، ص455.
86 فخري معدن ، 2005، ص 175 ، 177.
87 أهازيج الجيش العثماني : النص التركي:
"Allah Allah eyvallah … Primiz, Hunkarimiz Hacci Bektas Veli Demine devranina Hu Diyelim"
88 الصغير بن يوسف، 2023، المصدر السابق، ج 1 ، ص 318.
89 ابن أبي الضياف، المصدر السابق، ج2، ص 28 .
90 الصغير بن يوسف، 2023، المصدر السابق، ج 1، ص 322.
91 يوجد في أرشيف الصور المحفوظة بالدار الوطنية للكتب بتونس صور قديمة كبيرة الحجم تصور ديوان جند تونس، وتتطابق المشاهد المصورة فيها مع الوصف الذي يقدمه الصغير بن يوسف. نشرها الأستاذ توفيق البشروش كملاحق في موسوعة مدينة تونس.
92 نشر نص هذه النقيشة من طرف كل من الأستاذين محمد شاكار في كتابه حول الكتابات العصمنلية في مدينة تونس، والأستاذ فتحي الجراي في أطروحته حول النقائش العثمانية بإيالة تونس في العصر الحديث. انظر : الجراي (فتحي)، 2007، نقائش معالم إيالة تونس في العصر الحديث: دراسة نقائشية وتحليلية، (باللغة الفرنسية)، أطروحة دكتوراه تحت ِإشراف منيرة شابوطو رمادي، (جزآن)، ج 1، ص 205.
93 آراد (arad) هو اسم لملاك في التراث الإيراني. ملاكٌ يتكفّل بحماية اليوم الذي تختفي فيه الشمس في التقائها مع القمر.
94 يقصد بمصطلح عجمي، أي رومي عثماني.
95 محمد بن خليل الطواحني، كنّاش الطواحني، مخطوط رقم 18763، من مجموعة حسن حسني عبد الوهاب، دار الكتب الوطنية بتونس، ص 17.
96 والتصحيح مدلي باشا نسبة إلى جزيرة ميدلي ببحر ايجه.
97 الطواحني، المصدر السابق، ص 16 – 17.
98 فؤاد كوبرولو، 1936 – 39، ص 13 – 29.
99 ابن أبي دينار، المصدر السابق، ص 187.
100 حسين خوجه، المصدر السابق، ج2، ص 297.
101 أرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول، دفاتر المالية، الدفتر رقم 18343، بتاريخ 19 رجب 984، 11 أكتوبر 1576.
102 المصدر نفسه.
103 محمد بن ميمون الجزائري، 1981.
104 عظوم، 2010، ج1، ص 20؛ ج 9، ص 135، 139، 369، 372، 374.
105 أحمد السعدواي، 2015، ص 433 – 434.
106 الصغير بن يوسف ، 1998-2009. ، ج2، ص 148.
المصادر والمراجع
أرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول، دفاتر المالية، الدفتر رقم 18343، بتاريخ 19 رجب 984، 11 أكتوبر 1576.
بيّات (فاضل)، البلاد العربية في الوثائق العثمانيّة، ولاية تونس في القرن العاشر الهجري السادس عشر ميلادي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الاسلامية بإستانبول، المجلد 10، اسطنبول، 2022.
ابن أبي دينار أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الرعيني القيرواني،1979، المؤنس في أخبار افريقية وتونس، تحقيق محمد شمام، تونس.
عظوم أبو القاسم، 2010، كتاب الأجوبة، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، بيت الحكمة.
خوجة حسين، د.ت.، ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، تحقيق الطاهر المعموري.
خوجة حسين، 2014، بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، حققه ووضع حواشيه محمد أسامة زيد، دار ابن رجب وابن فوائد للنشر والتوزيع، القاهرة.
السراج الوزير،1985، الحلل السندسيّة في الأخبار التونسيّة، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، (3 أجزاء)، دار الغرب الإسلامي.
الصغيّر بن يوسف محمد، 2023، التكميل الشافي للغليل على كتاب العبر لعبد الرحمان بن خلدون، تحقيق محمد فوزي المستغانمي ومراجعة منيرة شابوتو الرمادي، (جزآن)، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة، تونس.
ابن أبي الضياف أحمد، 2008، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الآمان، (8 أجزاء)، تحقيق لجنة من وزارة الثقافة، تونس.
كوتشو رشاد أكرم، 2004، الإنكشارية، (باللغة التركية)، اسطنبول، ص 74.
السيد محمود سعيد محمد، 1990، إيالة مصر في القرن السادس عشر، (باللغة التركية)، حوليات جامعة مرمرة كلية الآداب والعلوم الانسانية، الحولية عدد 17، اسطنبول.
عبد السلام أحمد، 1993، المؤرخون التونسيون في القرون 17 و18 و19، رسالة نقلها من الفرنسية إلى العربية د. أحمد عبد السلام وعبد الرزاق الحليوي، قرطاج، بيت الحكمة.
إلهان أيفاردي، 2005، القاموس العصمنلي قبة ألطي، أنقرة.
أوغلو محمد، 1994، "الداي"، في الموسوعة الإسلامية التركية (باللغة التركية).
أوزدان مصطفى، 1996، " عصيان الإنكشارية ووقائع خيريّة"، (باللغة التركيّة)، مجلة تاريخ العالم العثماني، العدد 109.
البشروش توفيق، 1992، جمهورية الدايات في تونس 1591 – 1675، مجموعة أيام الناس، تونس.
توشدي رودولف، 1991، "بكتاشية"، بالفرنسية، في الموسوعة الإسلاميّة، الطبعة الجديدة، بريل، باريس.
نور الدين محمد،1999، "الانتفاضات العلويّة في الأناضول في القرن السادس عشر"، في الأقليات والقوميّات في السلطنة العثمانيّة بعد سنة 1516، أعمال المؤتمر الذي نظّمه قسم التاريخ في الجامعة اللبنانيّة في 28، 29 و30 نيسان، لبنان، 2001.
معدن فخري، 2005، "علاقة الطريقة البكتاشية بالعسكر العثماني وحضورها في عصيان الإنكشارية"، (باللغة التركية) في مجلة الحاجي بكتاش للأبحاث والثقافة التركية، عدد 73، ص 175، 177.
الجراي فتحي، 2007، نقائش معالم إيالة تونس في العصر الحديث: دراسة نقائشية وتحليلية، (باللغة الفرنسية)، أطروحة دكتوراه تحت ِإشراف منيرة شابوطو رمادي، (جزآن).
كوبرولو فؤاد، 1936، " البكتاشية في مصر"، (باللغة التركية)، مجموعة تركيات، معهد تركيات، جامعة اسطنبول، المجلد 6، ص 13 – 29.
الجزائري محمد بن ميمون، 1981، التحفة المرضيّة في الدولة البكتاشيّة في بلاد الجزائر المحميّة، تقديم وتحقيق الدكتور محمد بن عبد الكريم، ذخائر المغرب العربي، الجزائر.
بلانتي أوجين، 1981، رسائل دايات الجزائر مع البلاط الفرنسي 1579 – 1833 م، (باللغة الفرنسية)، تقديم الأستاذ عبد الجليل التميمي، تونس، ج 2، ص 16 – 17.
السعدواي أحمد، تونس زمن حسين بن علي وعلي باشا 1705 – 1756، وثائق أوقاف من العهد الحسيني، نشر مخبر الآثار والعمارة المغاربية، تونس، 2015.
الكاتب
مؤيد المناري
باحث في التاريخ والآثار الحديثة، مخبر الآثار والعمارة المغاربية.