Al Sabîl

Index

Table des matiéres
Résumé
Télechargement
Texte Integral
Notes
Bibliographie
Auteur

Information

01 | 2016

المساجد الريفية وعمارتها بتلمسان (قرى بني سنوس نموذجا)

محمد رابح فيسة

ملخص

تعتبر المساجد من بين أهم المرافق الدينية في قرى بني سنوس والتي تتجلى أهميتهم من خلال ارتياد جماعة السكان لها قصد تلقي تعاليم الدين الحنيف والتسليم بأوامره ونواهيه. لقد وردت الكثير من الفتاوى في كتب النوازل التي بينت مدى أهمية المساجد في القرى والانضباط في تسيير شؤونها الداخلية وكل ما يتعلق بها من أحباس وأجر العمال والأعمال الترميمية. فقد عبرت هذه المنشآت المعمارية بوجه حقيقي عن المجتمع القروي ومستوى معيشته البسيطة البعيدة عن مظاهر الترف وروح الفخامة التي هي ميزة من ميزات مجتمع المدينة، ويظهر الطراز المحلي التقليدي في مساجد بني سنوس من خلال تخطيطها وعناصرها المعمارية التي لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض، وهذا يدل على مدى تمسك سكان المنطقة بالطراز المعماري الأصيل وتكراره في كل المساجد، والذي يعتمد على بيت الصلاة البسيط الخالي من الصحن وكذا اعتماد مواد البناء المحلية

Les mosquées sont considérées parmi les installations religieuses les plus importantes des villages de Bani Sinus, et leur importance est démontrée par le fait que la population les fréquente afin de recevoir les enseignements de la vraie religion et de se soumettre à ses commandements et interdictions. De nombreuses fatwas ont été contenues dans les livres de calamités qui ont montré l’importance des mosquées dans les villages et de la discipline dans la gestion de leurs affaires intérieures et de tout ce qui s’y rapporte, comme les prisons, les salaires des ouvriers et les travaux de réparation. Ces structures architecturales exprimaient véritablement la communauté villageoise et son niveau de vie simple, loin des manifestations de luxe et de l'esprit de luxe qui caractérise la communauté urbaine. Le style traditionnel local apparaît dans les mosquées de Beni Sinus à travers leur planification et leur architecture. éléments qui ne diffèrent pas beaucoup les uns des autres, ce qui indique dans quelle mesure les habitants de la région adhèrent au style architectural original et à sa répétition dans toutes les mosquées, qui repose également sur une simple maison de prière dépourvue de cour. comme l'adoption de matériaux de construction locaux.

Mosques are considered among the most important religious facilities in the villages of Bani Sinus, and their importance is demonstrated by the fact that the population frequents them in order to receive the teachings of the true religion and submit to its commands and prohibitions. Many fatwas have been contained in the books of calamities that have shown the importance of mosques in villages and discipline in the management of their internal affairs and everything related to them, such as prisons, workers’ wages, and repair work. These architectural structures truly expressed the village community and its simple standard of living far from the manifestations of luxury and the spirit of luxury that is a feature of the city community. The traditional local style appears in the mosques of Beni Sinus through their planning and architectural elements that do not differ much from each other, and this indicates The extent to which the residents of the region adhere to the original architectural style and its repetition in all mosques, which is based on a simple prayer house devoid of a courtyard, as well as the adoption of local building materials.

كلمات مفاتيح

المساجد الريفية، قرى بني سنوس، عمارة، الطراز المعماري، النوازل

لذكر هذا المقال

محمد رابح فيسة، «المساجد الريفية وعمارتها بتلمسان (قرى بني سنوس نموذجا)»، في السبيل : مجلة التّاريخ والآثاروالعمارة المغاربية]نسخة الكترونية]، عدد 1، 2016. http://www.al-sabil.tn/?p=2104

تحميل

Cliquez pour télecharger l’article

مقال

مقدمة


تعتبر المساجد1 من بين أهم المرافق الدينية في القرى الريفية، ففيها يؤدي الفلاح صلاته ويتعلم أمور دينه ودنياه، ويفصل فيها في قضايا الفلاحين وفق أحكام الشريعة الإسلامية ويتعلم فيها أبناء القرية القرآن 2، حيث يعتبر سكان الريف أكثر تدينا واعتمادا على الله في حياتهم اليومية ونشاطهم الزراعي، فالزراعة تجعلهم أكثر قربا من الشعور بقوة الله سبحانه وتعالى، فتلك البذور تتحول إلى نبات وهذه الكائنات من الحشرات والنباتات التي تعيش حولهم يعرفون دورة حياتها، والجو والشمس والقمر والكواكب، كل هذه الأشياء المحيطة بهم تذكّرهم بقدرة الله سبحانه وتعالى على الخلق والإبداع، ويشعر الفلاح دوما بأنه في حاجة إلى الله كي يساعده في نشاطه الفلاحي الذي يتأثر بالعوامل الطبيعية كالمطر والصعيق والرياح والآفات، وهذه خارجة عن إرادة المزارع فيضاعف مجهوده ويقوم بواجبه تجاه أرضه وفلاحته ولكنه لا يضمن المحصول وما تعود به عليه السنة الفلاحية في موسم الجني والحصاد، فكل هذه العوامل جعلت سكان الريف المزارعون منهم خاصة أكثر تدينا3 . ويطلق سكان المغرب لفظة المسيد على المسجد والتي حرفت عن كلمة مسجد بإبدال جيمها ياءا، ويراد بها الكتاتيب التي كان لها دورا بارزا في تحفيظ القرآن الكريم وتعاليمه، فلم توجد المساجد لحاجة دينية فقط ولكنها كانت حاضرة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء، فقد كانت تعمر في أوقات الصلاة من قبل سكان القرية لأداء فرائضهم، وقد ينزل فيها بعض المنقطعين من المسافرين وعابري السبيل لأخذ قسط من الراحة، وقد ينزل بها بعض الفقراء والمتصوفة، ويرتاد الناس كبارا وصغارا هذه المساجد ليتدارسوا فيها العلم والتبرك بها، حيث كان يتم فيها تأديب الصغار وحملهم على التحلي بأخلاق المؤدبين من مشايخ وعلماء، وذلك لتعويدهم الاتصال المباشر بالصلاة والعبادات منذ الصغر4 ، ويولي سكان القرى والأرياف أهمية خاصة لمساجدهم وذلك بالتضامن في بنائها وتحبيس الأحباس للصرف عليها وصيانتها، وإذا تعذر وجود تلك الأحباس أو لم تكف قيمتها شؤون المسجد جمع من أهل القرية ما يكفيه من مصاريف ليتم من خلالها دفع مستحقاته، وفي حال تعرض المسجد للتخريب بسبب السيول والعوامل الطبيعية الأخرى أو الفتن البشرية فإن الفلاحين هم من يقومون بتجديده وترميم الأجزاء المخربة منه5 .
6أهمية المساجد في قرى بني سنوس
تتجلى أهمية مساجد بني سنوس من خلال ارتياد جماعة السكان لها قصد تلقي تعاليم الدين الحنيف والتسليم بأوامره ونواهيه، فبالرغم من أن سكان بني سنوس هم من أصول بربرية إلا أن اعتناقهم المبكر للدين الإسلامي ونزعتهم القوية في التدين والانتماء إلى أمة الإسلام من خلال حرصهم على تعلم وتعليم أبنائهم شيئا بعض مبادئ الدين واللغة بإشراف المؤدب الذي يبدي له سكان القرية احتراما كبيرا لمكانته ودوره التربوي الديني، وقد احتوت كل قرية من قرى بني سنوس على مسجد عتيق اعتبر في كثير من الأحيان كُتّابا حيث كان بمثابة المؤسسة التعليمية لأبناء القرية وكذا سكان القرى المجاورة، فكل كُتّاب من هذه الكتاتيب كان يرتاده عدد من الطلبة لتعلم التعاليم الدينية 7 وحفظ القرآن وهذا ما دأب عليه سكان المغرب، فقد أشار ابن خلدون إلى ذلك في مقدمته حيث يقول : (إن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذته أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم فأهل المغرب يقتصرون على تعليم القرآن فقط) 8، فللمدرس دور الانتصاب للتعليم والجلوس لذلك في المساجد، وهذه المساجد صنفان، فإذا كانت عامة فإن أمرها راجع إلى الخليفة أو من يفوض إليه من سلطان أو وزير أو قاض، وأما المساجد المختصة بقوم أو محلة فأمرها راجع إلى الجيران 9، وهذا النوع بالذات هو ما نجده ممثلا في قرى بني سنوس حيث يعتني سكان هذه القرى بهذه المساجد بالرغم من أن شؤونها الداخلية أصبحت في الفترة المعاصرة من اختصاص نظارة الشؤون الدينية الخاصة بولاية تلمسان. لقد ذكرت لنا بعض المراجع التي تطرقت للتعليم القرآني في قرى بني سنوس وتدريسه أن عدد الطلبة الذين كانوا يرتادون مسجدي قرية تافسرة والثلاثاء قد بلغ الخمسين طالبا في الفترة الاستعمارية معظمهم من فئة الشباب الذين قدموا من مختلف المناطق المجاورة، لتعلم نصوص القرآن الكريم تحت إشراف المؤذن أو الإمام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وذلك بالقيام بكتابتها بعد محيها على لوح من خشب الجوز بالصماغ وبواسطة قلم من القصب يرتدون لباسا يعرف لدى سكان القرية باسم "القندورة" وهي عباءة بيضاء كما أنهم يلفون على رؤوسهم عمامات، أما عن طريقة عيشهم فهم يعتمدون في ذلك على الصدقات العامة، ففي كل مساء يقومون بإرسال طالبين من بينهم يسألون السكان عن عشاء الطلبة وكما يقال بالعامية "عشات الطلبة"، وخلال شهر رمضان يحمل إليهم المحسنون حساء "الشربة" الشهي وخبز القمح، والقهوة والفواكه، وللحصول على بعض النقود يقوم بعض الطلبة بمساعدة الفلاحين في جمع ونقل المحاصيل الزراعية إلى البيوت، بالإضافة إلى أن بعضهم يستغل موهبته في الخط ويقوم بنسخ آيات من صور القرآن الكريم بالمداد الملون (الأحمر أو الأخضر)، وعن نظام العطل التي تمنح لهؤلاء الطلبة فإن هناك عطلة تمنح إليهم بمناسبة المولد النبوي الشريف مدتها شهر وأخرى مدتها أسبوع في الأعياد الأخرى زيادة على العطلة الأسبوعية يوم الخميس وصباح الجمعة 10، والملاحظ أنه بالرغم من فقر سكان المنطق وقلة إمكانياتهم إلا أنهم يبذلون النفس والنفيس في سبيل تأمين التعليم القرآني لأبنائهم وأبناء القرى المجاورة وكذا تسهيل سبل العيش لهؤلاء الطلبة فهم أهل الله وخاصته، كما يعتقد سكان هذه القرى أيضا أن حفظ القرآن الكريم والاعتناء بحملته يعود بالبركة على قريتهم ولى محاصيلهم الزراعية الفقيرة لذا فهم يحرصون على إعالة وإطعام هؤلاء الطلبة خاصة الغرباء منهم11 . وقد كان مستوى التعليم في الكتاتيب القروية تقليديا إلى درجة كبيرة لا يخرج في معظمه عن دائرة تحفيظ القرآن وبعض الموضوعات الدينية التي تتوقف أهميتها وفائدتها على مستوى الفقيه، الذي يقوم بتدريسها وقدرته على تحصيلها تحصيلا صحيحا أو خاطئا، ومع ذلك فإنه لا يجب أن نغفل عن مدى أهمية هذه الحياة التعليمية في القرى ودور هذه الكتاتيب في الثقافة الدينية لأهاليها 12، ويبدو أن دور المساجد الريفية ودورها اختلفت باختلاف مكانة القرية وأهميتها من حيث المساحة وكثافة سكانها وقربها وابتعادها عن المدينة، فقد ذكرت لنا مصادر التاريخ كثير من الوظائف التي اشتهرت بها مثل هذه القرى ومساجدها فقد كانت تقرأ الكتب الواردة من الحاضرة، وأخبار الانتصارات، وطلب المتطوعة للجيش ويجتمع في المساجد عمال الضرائب لتحصيلها من الفلاحين، وترسل التحذيرات بالابتعاد عن المذاهب والفرق الممنوعة من الدولة، ليس هذا فقط بل وفي الغالب ما يأوي الغرباء إلى القرية أين يجدون المأوى والمأكل 13. لا توجد لدينا فكرة عن مثل هذه الوظائف المنوطة بالمساجد في ريف بني سنوس والتي يبدو أنها ذات أهمية في المساجد الإسلامية وأدوارها المتميزة عبر التاريخ الإسلامي، بحيث لم تورد لنا مصادر التاريخ والمراجع أية تفاصيل عن مثل هذه الوظائف، ما عدى تلك المقتطفات التي تحدثت خاصة عن الدور التعليمي لها، ومدى بساطة وبدائية طرقه ووسائله

نظام المساجد الريفية

لقد وردت الكثير من الفتاوى في كتب النوازل التي بينت مدى أهمية المساجد في القرى والانضباط في تسيير شؤونها الداخلية وكل ما يتعلق بها من أحباس وأجر العمال والأعمال الترميمية، وكثير من الشؤون الأخرى التي بينتها لنا هذه الكتب، وبالأخص كتاب نوازل الونشريسي الموسوم بـ المعيار المعرب الجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، بحيث وجدناها غير مرتبة، لذا اكتفينا بإيراد بعض منها، وبالأخص تلك التي لها علاقة وطيدة بالمساجد ووظائفها في الريف

أحباس المساجد

إذا ضاقت أحباس المسجد المحبَّسة عليه، يبدأ الناظر بإصلاح ما ضعف من بنائه وكسوته وإصلاح كل ما حبس عليه 14، ولا شك في أن سكان بني سنوس هم من كانوا يقومون بترميم مساجدهم العتيقة باستعمال ممتلكاتها وحبوسها التي كانت عبارة عن أموال مرصودة تكون ملكيتها لله، وهناك نوع آخر من مداخيل المسجد التي تكون على شكل هبات من طرف السكان وفي صيغة عقد مكتوب لصيانة هذه المساجد أو لدفع مقابل بعض الخدمات الخاصة بالمسجد كمستحقات الموظفين أو القائمين على أداء الشعائر الدينية أو التعليم الديني، أو أولئك القائمين بعمل خيري أو مساعدة عمومية 15، وما يؤسف له حول أحباس هذه المساجد هو اختفاء الوثائق الخاصة بالملكيات الزراعية والغلات التابعة لها، وذلك بعد خروج المستعمر الفرنسي من الجزائر، بحيث تم ضمها إلى أرزاق بعض الأعيان في كل قرية من القرى المذكورة

غلات المساجد

تتفاضل غلات المساجد في القرى عن بعضها البعض، فبعض المساجد لا تفي غلاتها بحاجتها ومساجد أخرى يكون لها فائض في الغلة، فتلك المساجد التي تقل غلاتها يأمر إمامها بزيادة مرتبه من حبس آخر، والفائض من غلة المساجد التي لها فائض يستنفد في فرشه وزيته وأجرة إمامه وسائر مصالحه 16، وقد كان لمساجد بني سنوس غلات وبساتين يتم استغلالها في كامل الشؤون الخاصة بها 17، غير أننا نجهل الطرق والأوجه التي كانت تصرف بها هذه الأموال والممتلكات، نظرا لغياب الوثائق خاصة تلك التي اعتمدها ألفرد بل، والذي يمكن الإشارة إليه هنا هو أن بقاء ألفرد بل لمدة أربعين سنة في مدينة تلمسان مكنه من الاحتكاك بسكان هذه القرى ومعرفة جل التفاصيل التي كانوا يتعاملون بها في تسيير غلات هذه المساجد دون الرجوع ربما حتى إلى الوثائق

تضامن أهل القرية في أجرة الإمام

يلتزم أهل القرية بأجرة الإمام مثلما فعل جماعة بقرية التزمت إماما بأجرة معلومة إلى أمد معلوم 18، وليس مستبعدا أن يكون سكان منطقة بني سنوس قد انتهجوا مثل هذه الفكرة في فترات سابقة من هذا العهد، أي في الفترة الاستعمارية، لأنه من غير الممكن لتلك الحبوس والأوقاف أن تدار بطريقة عشوائية أو تحت سلطة غير مسؤولة، ففي غالب الأحيان كانت هذه المسؤولية ممثلة في شخص الإمام الذي يعتبر صاحب الأولوية والآمر الناهي في كل ما يتعلق بالمسجد وشؤونه الخاصة، أما في الوقت الحالي فإن كثيرا من الشؤون الخاصة بهذه المساجد تدار بالعمل التطوعي سواء كان جماعيا أو فرديا بالرغم من وجود الإمام المكلف بالقيام بكامل ما يتعلق بالمسجد

المساجد

لا يمكن التصرف في الملكيات التابعة للمسجد من عتاد ولوازم، كالحصر البالية المفروشة إذا بدلت بحصر جدد فلا تباع تلك الحصر البالية، وتبقى حتى يحتاج إليها المسجد أو تنقل لمسجد آخر يكون بحاجة إليها 19، وهذا مما شاع بين العامة والخاصة أن المساجد هي بيوت الله ولا يجوز تعدي حدود الله في التصرف فيما هو ملك له سبحانه وتعالى، ويعي ذلك جيدا سكان قرى بني سنوس، بحيث يقومون بالمساهمة في تجهيز مساجدهم والعمل على تدبر شؤونها وتوفير ما تحتاجه من فرش وتجهيزات خاصة بها

مئذنة المسجد وعدم الضرر بالجيران

قد تكون صومعة المسجد مطلة على بيوت بعض الجيران فشكا بعض الجيران من ذلك ،وبخاصة أن الصعود في الصومعة للآذان يتكرر خمس مرات في اليوم ،فحكم بأن يمنع المؤذن من الطلوع في الجهة التي يطلع من بعض نواحيها ،ويبنى حاجز في الجهة التي يكشف منها 20، وكذلك هو الحال في قرى بني سنوس بحيث تشرف مئذنتي مسجدي قرية الخميس وقرية الثلاثاء على البيوت المجاورة لهن، وقد ترتب عن هذا الحكم الشرعي حفظ الكثير من المصالح العامة للمجتمع الإسلامي وحرمته خاصة تلك التي لها علاقة بخصوصية المرأة وحريتها داخل المنزل الذي غالبا ما كان مفتوحا على الفراغ الداخلي المعروف بالفناء . إن ما تطرقت إليه كتب النوازل حول النظم التي يتم من خلالها تسيير المساجد وتصريف أمورها التي تنتظم من خلالها الحياة الدينية للجماعة في القرية خاصة والعمران الريفي عامة، فإن مساجد بني سنوس وحسب ما أشارت إليه بعض المراجع كان لها من الحبوس ما يفي بحاجتها وينظم شؤونها فقد حبست عليها حدائق وبساتين تقع في حدود القرية التي ينتمي لها كل مسجد، وهناك جزء هام من هذه الأوقاف استحوذ عليه بعض الخواص من سكان القرية في مراحل تاريخية بعيدة عن اليوم وجزء آخر من هذه الحبوس احتفظت به جماعة القرية وأبقت ملكيته للمسجد، وأخيرا هناك مثلا جزء آخر من هذه العقارات والحبوس بمنطقة العزايل منح لآغا قديم بتلمسان على شكل هبة من طرف السلطات العسكرية لمقاطعة تلمسان قبل 1850 بمناسبة قمع انتفاضات شعبية وقعت في ريف تلمسان وقراه. وللتأكد من حجم هذه العقارات (الحبوس) وإبراز أهميتها التي يعتقد سكان المنطقة بأنها ليست بالهينة حيث بلغت عائداتها ما قيمته 4000 فرنك في الفترة الفرنسية ولم يتم استغلالها على أحسن وجه، مما أدى إلى بقاء مساجدهم تحت طائلة الإهمال والتهميش ،وهذا ما دفع الباحث الفرنسي ألفرد بل الذي أقام في المنطقة ما بين سنوات 1902 و1920 بالقيام بتحقيق إداري للحصول على إحصائيات دقيقة حول مسألة الحبوس والأوقاف الخاصة بمساجد بني سنوس حيث يقول: "اتصلت في بداية جوان 1920 بالسيد قابض أملاك الدولة بتلمسان الذي يتولى قبض هذه الموارد، حتى أتحصل على الرقم وعلى قائمة العقارات الوقفية بمساجد بني سنوس والعزايل، واعتقد هذا الموظف أن من واجبه تحويل طلبي إلى مديريته بوهران للسماح له بتزويدي بالمعلومات المطلوبة، ومن جهتها فإن مديرية وهران خشيت تحمل المسؤولية فحولت الطلب إلى الجزائر العاصمة لتتوقف هناك المسألة ولم أتحصل على المعلومات المطلوبة" 21، لذا فإن مسألة الحبوس لا تزال إلى يومنا هذا مبهمة وغير واضحة المفهوم خاصة فيما يتعلق بالعقارات ومدخرات هذه المساجد ومصاريفها، وذلك لغياب الوثائق من أرشيف الفترة الفرنسية

مساجد بني سنوس

لقد اشتهرت منطقة بني سنوس بمساجدها العتيقة ذات العمارة التقليدية التي ميزتها البساطة، فنادرا ما نجد فيها زخارف فنية راقية وإن وجدت فلا تعدو أن تكون إلا أشكالا ورموزا بربرية، فلم تستعمل فيها تلك الزخارف الجصية المنحوتة بالنقوش العربية والأشكال الزخرفية حول المحاريب والأعمدة الرخامية وتيجانها وكذا الخشب المنقوش أو المزين بالرسوم مثل مساجد المدن الكبرى. فقد عبرت هذه المنشآت المعمارية بوجه حقيقي عن المجتمع القروي ومستوى معيشته البسيطة البعيدة عن مظاهر الترف وروح الفخامة التي هي ميزة من ميزات مجتمع المدينة، ويظهر الطراز المحلي التقليدي في مساجد بني سنوس من خلال تخطيطها وعناصرها المعمارية التي لا تختلف كثيرا عن بعضها البعض، وهذا يدل على مدى تمسك سكان المنطقة بالطراز المعماري الأصيل وتكراره في كل المساجد، والذي يعتمد على بيت الصلاة البسيط الخالي من الصحن وكذا اعتماد مواد البناء المحلية. ولقد تبين لنا من خلال المعاينة الميدانية للمساجد العتيقة بمنطقة بني سنوس أنها شكلت نمطا واحد، بحيث أننا نجده يتكرر في كل مرة وبنفس الصورة والشكل في كثير من تفاصيله، ومن أبرز خصائصه وجود المسجد في موقع طرفي من القرية، ووجود المئذنة مع تعدد المداخل التي تفضي مباشرة إلى بيت الصلاة، ووجود الفتحات في الجدران، بالإضافة إلى استعمال العقود والدعامات بأشكال مختلفة ،وكذا استعمال المحاريب البسيطة التي نجدها خالية من الزخارف ماعدا محراب مسجد تافسرة، وإلى جانب ذلك نجد الفراغات على يمين المحراب وتكون خاصة بالمنابر، أما عن التسقيف فهو من مادة الخشب (البلوط، الصنوبر، العرعار)، كما أننا نجد العديد من المواد المحلية الأخرى التي استعملت في بناء هذه المنشآت كالجبس والطين والحجر والقصب إلى غير ذلك من مواد البناء، ولعل أبرز ما يميز هذه المساجد هو وجود الأقبية والدهاليز التي استعملت في الفترة الاستعمارية ككتاتيب لتحفيظ القرآن وتدريس تعاليم الدين الحنيف في مسجدي الخميس وبني عشير

مسجد تافسرة

يعتبر مسجد تافسرة من بين المباني الأثرية العتيقة التي تم تصنيفها ضمن قائمة التراث الأثري لمنطقة تلمسان، حيث وقع هذا التصنيف تحت الأمر رقم 67-281 المؤرخ في 20 ديسمبر 1967 ملحق رقم 225 ، ويقع هذا المسجد في الجزء الجنوبي الغربي من القرية أي أنه يحتل منها موقعا طرفيا أين نجده يقترب من الحقول وبساتين الزيتون وقد عرفه سكان المنطقة باسم مسجد عبد الله ابن جعفر 23، الذي يروي عنه سكان القرية الكثير من القصص والأساطير التي صيغت في كثير من الأحيان على شكل أشعار وحكايات تتغنى ببطولاته وأنه هو من أمر ببناء كل المنشآت الدينية بالمنطقة، ويزعم أهل المنطقة أن اعتناقهم الإسلام سابق لقدوم إدريس الأول إلى تلمسان، فقد سبقه في ذلك عقبة بن نافع الذي غزا هذه المناطق وأرسى بها قواد الإسلام24 ، ومهما يكن فإن الإثبات التاريخي لمثل هذه الأقاويل والآراء حول الفترة التاريخية التي تأسس فيها المسجد واسم مؤسسه يبقى صعب التحقيق والمنال . قد تبين لنا من خلال الدراسة الوصفية للمسجد أثناء المعاينة الميدانية أن المسجد في هيكله العام الذي يحيط به السور لا يزيد ارتفاعه عن مترين اثنين (2 م)، كما نجده يحيط بملحقاته المتمثلة في غرف لتحفيظ القرآن الكريم وكذا عنصر الميضأة أو كما يسميه أهل المنطقة (المْطاهر)، ومن الممكن أن هذا السور قد أنشئ في فترة أحدث من الفترة التي تأسس فيها المسجد ربما أريد به حفظ المسجد وباقي الهياكل المعمارية من أن تطالها السرقة أو أعمالا تخريبية قد يقوم بها من هم غرباء عن القرية وسكانها

منظر عام لمسجد تافسرة
شاهد القبر المكتشف حديثا

أما من حيث المظهر الخارجي فإن الواجهة الشرقية تعتبر الواجهة الرئيسية للمسجد، بحيث نجدها تحتوي على مدخل بسيط يفضي مباشرة إلى ساحة المسجد أين نجد على اليمين ثلاثة غرف خاصة بتحفيظ القرآن الكريم ومن الجهة الغربية لهذه الساحة نجد الميضأة، وللتوضيح أكثر فإن هذه الساحة استعملت للصلاة في ليالي الصيف وأيام الجمع أين يضيق المسجد بالمصلين، بحيث أننا نجد فيها محرابا يتوسط جدار السور في الجهة الجنوبية الشرقية، وقد استفاد مسجد تافسرة من عملية ترميم في إطار مشروع تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، تم من خلالها نزع وتجديد الساحة الخارجية للمسجد أين تم اكتشاف مقبرة احتوت عددا كبيرا من القبور وبأحجام مختلفة تراوحت بين الكبيرة والصغيرة، حيث تحتوي 30 قبرا استعملت فيها طريقة الدفن الخاصة بالمسلمين ألا وهي توجيه الميت نحو القبلة ،واستعملت في هذه القبور الحجارة المسطحة من الجوانب وفي الأغطية وقد عثر فيها على شاهد قبر مؤرخ ومكتوب باللغة العربية (الصورة رقم 2) يعود على سنة 814 هـ استطعنا قراءته ووضع بطاقة فنية خاصة به، كما هو معهود في الدراسات الخاصة بشواهد القبور والتي تحتاج إلى بطاقات فنية

بطاقة فنية خاصة بشاهد القبر المكتشف

ولا ندري إن كان هذا المسجد قد أسس في مقبرة أم أن هذه القبور جاءت في فترة لاحقة من تأسيس المسجد، والذي يظهر من خلال شاهد القبر هذا أن هذه المقبرة تعود للقرن التاسع الهجري، والشيء الجدير بالذكر هنا هو أن القبر الذي وجد فيه الشاهد لم نعثر فيه على أية عظام أو أية بقايا أخرى على العكس مما هي عليه القبور الأخرى. يحتوي مسجد تافسرة على مئذنة مربعة الشكل على نسق المآذن الموحدية، وتقع في الزاوية الشمالية الغربية لقاعة الصلاة يبلغ ارتفاعها إلى ذروة الجوسق 16.86م وبعرض 3.35 م2، نصعد إليها عبر درج صاعد يبلغ عدد درجه 47 درجة، وتتخلل المئذنة عدة فتحات للإضاءة، والمئذنة من الخارج مزينة في جزئها السفلي بعقود مفصصة. أما عن النظام التخطيطي للمسجد من الداخل فإنه يحتوي على قاعة صلاة مربعة الشكل والتي تعتبر الوحيدة من نوعها في منطقة بني سنوس 25، نلج إلى قاعة الصلاة من خلال مدخلين المدخل الأول يقع في الجهة الشرقية والمدخل الآخر يقع في الجهة الغربية حيث يفضي هذا الأخير مباشرة إلى الميضأة، يحتوي بيت الصلاة على ثلاث بلاطات عمودية على جدار القبلة، وتتوسط قاعة الصلاة دعامات مختلفة الأشكال تحمل عقودا حدوية. أما عن المحراب فنجده يتوسط جدار القبلة وهو محراب مجوف تعلوه قبة لها شكل قوقعة الحلزون مزينة بخطوط متعرجة تنتهي عند نقطة واحدة وقد اكتشفت في الفترة الحديثة بعض الزخارف في الإطار الذي يحيط المحراب من الخارج نجد بها العديد من العناصر الزخرفية كأوراق النخيل وأشكالا هندسية متنوعة، واحتوى هذا الإطار على كتابة لآية قرآنية من سورة آل عمران يقول فيها المولى عز وجل :(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم) 26، ويعتبر محراب مسجد تافسرة أجمل محراب إذا ما قورن بباقي المحاريب الخاصة بمساجد بني سنوس وذلك من حيث الزخرفة بالرغم من أننا نجدها لا تبلغ درجة الإتقان، وتتقدم هذا المحراب قبة ثمانية الأضلاع خالية من الزخارف وتتخللها فتحات للإضاءة، كما توجد في أركانها الأربعة حنيات ذات أقواس متقاطعة، وعلى يمين المحراب نجد الفراغ الخاص بالمنبر

مخطط 1. مسجد قرية تافسرة عن: بل ألفرد، ن. م.، ص. 65 (بتصرف)

وقد تعرض الجامع الكبير بغار الملح في السنوات الأخيرة إلى العديد من الترميمات والتغييرات الطفيفة، لكنه ما زال يحافظ على معالمه المعمارية الأصلية، وابتداء من القرن الثامن عشر تواتر ذكره بوثائق الأرشيف وأهمّها الوثيقة التي نحن بصدد دراستها، لكن أغلب الوثائق تعود إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين وهي تعكس أهميّة هذا الجامع من خلال وفرة أحباسه وتنوعهاويغطي المسجد سقف جملوني (على شكل ذروة السنام الخاصة بالجمل وفيه من يسميه بالشكل الهرمي)، استعملت فيه المواد المحلية وبخاصة الأخشاب المتمثلة في خشب الصنوبر والبلوط العرعار والتي استعملت أيضا في العمارة السكنية بمنطقة الريف ،حيث تم تهذيب هذه العوارض الخشبية على شكل أوتاد وقطع خشبية يتم وضع العوارض الخشبية الكبرى أولا فوق الجدران وتثبيتها ثم يتم رص القطع الخشبية المهذبة بالشكل العرضي ثم يوضع فوقها القصب حتى لا تتسرب حبيبات التراب الذي يتم وضعه فوق القصب ويسمي أهل المنطقة هذا النوع من التراب بالحمري لأنه يتخذ في الغالب اللون الأحمر الفاتح ويكون ممزوجا بمادة الجبس ثم يوضع القرميد في الأخير ،وقد انتشرت هذه التقنية المتمثلة في المزاوجة بين الخشب والمواد المحلية في بلاد القبائل (حوض الصومام) 27، وكذا المنطقة الصحراوية فقط تتغير التسميات ونوع المواد المستعملة، ويظهر من الخارج سقف المسجد المكون من ثلاثة أجزاء بالإضافة إلى شكل القبة، وقد تخللت جدران المسجد من الداخل العديد من الفتحات والحنيات التي استعملت في معظمها للإضاءة ووضع المصاحف ولوازم الإنارة
ومن بين أهم الملاحظات حول هذا المعلم الأثري العتيق هو الشكل المربع (نظرا لضرورة المساحة المخصصة لناء المسج) لقاعة الصلاة بحيث يعتبر الوحيد في المنطقة كلها ولا يشبه باقي المساجد الريفية بحيث أن قاعات الصلاة الأخرى جاء شكلها مستطيلا، فالمسجد عبارة عن بيت صلاة خال من الصحن وكذا الوحدات التي تحيط به ، والملاحظ أيضا أن محراب مسجد تافسرة يعتبر فريدا من نوعه من حيث الزخرفة واستعمال عنصر التناظر فيها والمزاوجة بين الزخارف النباتية والآيات القرآنية، وما يميز هذا المسجد أيضا هو احتواؤه على حنيتين (تشبه شكل المحراب غير أنها تكون صغيرة الحجم تستعمل للزخرفة) في الجدار الخلفي لقاعة الصلاة، حيث تعلوهما أشكالا ذات رموز بربرية مما جعل سكان المنطقة يعتقدون بأن المسجد كان معبدا في القديم ثم تم تحويله إلى مسجد في فترات لاحقة

العقارات مسجد قرية الثلاثاء

يعتبر المسجد العتيق بقرية الثلاثاء التابعة لمنطقة العزايل من بين المساجد التابعة لولاية تلمسان والتي تم تصنيفها سنة 1967 بقرار رقم 281-67 ملحق رقم 3 وذلك بأمر من مديرية المصالح العامة لولاية تلمسان 28، ويشكل مسجد هذه القرية بحق معلما أثريا هاما ،فهو المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والأعياد، وإذا كان مسجد تافسرة يحمل تسمية أحد الصحابة الكرام فإن مسجد هذه القرية لم يتخذ له سكان المنطقة اسما فهم يطلقون اسم الجامع أو المسجد العتيق، أما من الناحية التاريخية فغن ألفرد بل يرى بأن هذا المسجد قد بني في فترة لاحقة لبناء مسجد تافسرة، والذي يبدوا أنه يعود للقرن الرابع عشر أو الخامس عشر ميلادي 29، وما عدا هذا الترجيح فإننا لا نجد ذكرا لهذا المسجد بين دفَّات المصادر والمراجع التاريخية التي ذكرت المنطقة، كما أننا لا نجد به كتابات تأسيسية كتلك الموجودة في مساجد تلمسان، غير أن تفاصيله المعمارية والتقنيات المستعملة في بنائه دلت على أنه من بين المساجد التي أسست قديما في المنطقة، حيث يبدو التشابه واضحا بين التفاصيل المعمارية لهذه المساجد الريفية وتلك الموجودة في مدينة تلمسان والتي يعود تاريخها إلى الفترة الزيانية، مما يوحي للباحث أن عمر هذه المساجد العتيقة قد يعود للفترة الزيانية أين عرفت مدينة تلمسان حضارة متميزة استحقت بها بجدارة لقب عاصمة المغرب الأوسط

مسجد قرية الثلاثاء

يقع مسجد قرية الثلاثاء في الجزء الشمالي من القرية حيث يحتل منها موقعا طرفيا أين نجده يقترب من مدخلها الشرقي الذي يمر من خلاله الطريق الرابط بين قرية الثلاثاء وقرية تافسرة التي لا تبعد عنها كثيرا، واقتراب المسجد من هذا الطريق فيه دليل على أن القرية كانت مركز عبور للركبان وعابري السبيل حتى لا يكون وسط القرية وحرمة سكانها عرضة للمارة من العامة والغرباء، خاصة ونحن نعلم أن هذا الطريق هو الطريق المختصر الذي يؤدي إلى قرية الخميس وسوقها الأسبوعي الذي يرتاده سكان المنطقة والقرى المجاورة، ووجود هذا المسجد في هذا الموقع الذي تحكمت فيه هذه الشروط التي تبدوا سطحية لكن معانيها عميقة فالمراد هنا هو خصوصية سكان القرية والمحافظة عليها، فالمسجد مفتوح للعام والخاص وحتى الغرباء والواجب عدم منع كائنا من كان من الصلاة فيه وتأدية الفريضة فيه وفي أي وقت من الأوقات، ولرفع الحرج عن من ليسوا من سكان القرية جاء المسجد بالقرب من الطريق لتأدية الصلاة والانصراف إلى الشؤون الأخرى دون الاختلاط بسكان القرية ويعتبر هذا أصلا من أصول العمران الريفي ومقصدا من مقاصده، وهو حفظ حرمة القرية مصلحة عامة فوق كل اعتبار . أما عن الوصف المعماري للمسجد فإننا نلاحظ من خلال مظهره الخارجي أنه يحتوي على مئذنة مربعة الشكل يبلغ ارتفاعها إلى غاية قمة الجوسق 10.15 م، وهي تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد ويبلغ عرضها 2.75 م2، ونلج إليها عبر مدخل بسيط من داخل المسجد حيث نصعد عبر درج يبلغ عدد درجاته 61 درجة، وقد فتحت بالمئذنة عدة فتحات للإضاءة، كما أنها توجت في الأعلى ومن جهاتها الأربعة بشرافات، أما عن عنصر الزخرفة في المئذنة فإنه غير موجود، كما تجدر الإشارة إلى أن هذا المسجد خال من عنصر القبة. وتعتبر الواجهة الشمالية للمسجد هي الواجهة الرئيسية، بحيث نلج من خلالها عبر مدخل بسيط يفضي إلى فناء مربع الشكل يقع بيت الوضوء في الجهة الشمالية منه، ثم ننتقل من هذا الفناء نحو بيت الصلاة عبر مدخل بسيط يفضي مباشرة إليها، وهي ذات شكل غير منتظم خاصة في جهتيها الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية، وما يلفت الانتباه في بيت الصلاة هذه أنها خالية من الزخارف الفنية ماعدا بعض الحنيات الجدارية ذات العقود الحدوية التي استعملت في الغالب لحفظ المصاحف والكتب. أما عن المحراب فإنه يتوسط جدار القبلة مضلع تعلوه قبة مثمنة الأضلاع، وهو أكبر حجما من باقي المحاريب، كما أنه خال من الزخارف ماعدا القوس المفصص الذي يظهر في واجهته، وتعلوا المحراب ثلاث حنيات ذات عقود حدوية اتخذت نفس شكل المحراب وهي تتوسط جدار القبلة، وعلى يمين المحراب نجد الفراغ الخاص بالمنبر الذي لم يعد موجودا واستبدل بمنبر حديث. ويحتوي بيت الصلاة على 3 بلاطات عمودية على جدار القبلة أوسعها أوسطها، وتتوزع الدعامات داخل بيت الصلاة وبأشكال مختلفة وقد جاءت معظمها مربعة الشكل تحمل عقودا نصف دائرية (شكل 4)، كما أنه يوجد ببيت الصلاة مدخل ثانوي يقع في الجهة الجنوبية الغربية أي على يمين جدار القبلة، والشيء الذي تجدر الإشارة إليه هو بساطة المداخل وخلوها من العقود التي كثيرا ما نجدها تزين مداخل المساجد في المدن، كما أننا نجدها ذات مقاسات صغيرة وضيقة في كثير من الأحيان، وهذه ميزة من بين أهم الميزات التي تتميز بها المساجد الريفية

مخطط 2. مسجد قرية الثلاثاء عن: بل ألفرد، ن. م.، ص. 78 (بتصرف)

أما عن تسقيف المسجد فقد استعملت فيه نفس الطريقة المستعملة في مسجد تافسرة غير أن تسقيف مسجد الثلاثاء قد تعرض لعملية الترميم والتي جاءت موافقة لنفس الطريقة التقليدية للتسقيف، ويتألف هذا السقف من ثلاثة أجزاء جملونية الشكل (الصورة 3) تم تغطيتها بالقرميد والجزء الذي يحيط بالمحراب من الخارج أيضا، وما تجدر الإشارة إليه أن ألفرد بل أثناء وصفه للمسجد ذكر بأنه يوجد على يمين المحراب شاهد قبر خاص بجدة القايد سي محمد خبيشات السيدة رقية بنت خبيشات المتوفاة في صفر 1307هـ، كما أنه يؤكد بأن أشخاصا آخرون قد دفنوا في هذا المسجد 30، مع العلم أننا لم نعثر على شاهد القبر هذا أو شواهد أخرى، كما أن غرف تحفيظ القرآن لم تعد موجودة في وقتنا الحاضر وذلك بسبب الترميمات العشوائية التي شوهت المخطط الأصلي للمسجد وملحقاته، كما أنه من الواجب الإشارة إلى السنة التي تم فيها ترميم سقف المسجد وهي سنة 1975م (الصورة رقم 4)، وقد وجدنا تاريخ الترميم متداولا عند سكان المنطقة أيضا

سنة الترميم

هذا وإن مسجد الثلاثاء العتيق مثل مساجد بني سنوس الأخرى خال من الأضرحة خلافا لما حدث في غالب الأحيان في كثير من مساجد المدن الأخرى31 ، أما عن الأوقاف والموارد الخاصة بالمسجد فالظاهر أنها كانت متعددة تم تسخيرها لصيانته والإنفاق على وظائفه الدينية، أما اليوم كما يقول ألفرد بل في الفترة التي زار فيها المنطقة فإن جزءا من هذه الأموال يكون قد حول لأغراض أخرى، فلقد تركت بعض هذه الأموال للأغا السابق من طرف السلطة العسكرية بعد الاحتلال الفرنسي وألحقت أموال أخرى بأملاك الدولة الفرنسية 32، أما في الفترة الحالية فإن تسيير الشؤون الدينية للمسجد هي موكلة إلى الوزارة المكلفة بالمصالح الدينية، لكن تعلُّق سكان بني سنوس وحبهم للوازع الديني دفعهم إلى بذل النفس والنفيس في سبيل القيام بواجبهم تجاه هذه المساجد وما تحتاجه في تسيير شؤونها الداخلية، وما يبرز أهمية مسجد الثلاثاء بالنسبة لسكان القرية هو الزيادة التي قام السكان بإضافتها في الفترة الحديثة والتي تقع في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد، والتي أصبحت تمثل بيت الصلاة الحديث، حيث تم الاحتفاظ ببيت الصلاة الأصلي على حالته الأصلية وأداء الصلاة في القاعة المستحدثة

مسجد قرية الخميس

لقد تم تصنيف مسجد قرية الخميس ضمن قائمة المعالم التاريخية التابعة لولاية تلمسان، وذلك تحت الأمر رقم 67-281 ملحق رقم 3، والمؤرخ في 20 ديسمبر 331967 ، ويعتبر هذا المسجد بمثابة المسجد الرئيسي لوادي الخميس حيث يستقبل كل يوم عددا كبيرا من المصلين خاصة أيام الجمعات والأعياد، ولم يكن هذا المسجد خاصا فقط بسكان قرية الخميس بل إن هناك الكثير من سكان القرى المجاورة كانوا يؤدون فيه صلاتهم كسكان بني حمو، أولاد موسى، أولاد عربي، أما عن المعلومات التاريخية الخاصة بإنشاء هذا المسجد وفترة تأسيسه تبقى مجهولة حيث لم تورد لنا مصادر التاريخ والمراجع أية تفاصيل تاريخية عن المسجد ولا يعرف سكان القرية متى أنشئ هذا المسجد، غير أنهم يعتقدون بأنه أول مسجد بني في المنطقة وانه أقدم من المساجد الموجودة بتلمسان. قبل أن يصبح المسجد على ما هو عليه اليوم من تغيير فقد تعرض لبعض الترميمات التي مست خاصة السقف بحيث عوضت السطوح القرميدية المائلة بسطوح مستوية والعوارض الخشبية بسقوف من الآجر مقوسة وتستند على عوارض حديدية 34، كما أن عنصر الميضأة لم يكن موجودا تماما فقد أضيف في فترة حديثة ويرجح الفرد بل أنه من الممكن أن عنصر الميضأة ربما كان موجودا في القدم في الجهة الشمالية الغربية من الفناء ويذكر بأنه كان يوجد حوض من الماء لكنه جف لمدة خمس أو ست سنوات ولا يمكن تزويده بالماء إلا إذا تم تزويده بالمياه من مكان بعيد عن المسجد 35، ويبدوا لنا من خلال كلام ألفرد بل أن عنصر الميضأة وتزويد المسجد بالمياه كان شبه غائب أثناء الحقبة الاستعمارية وهذا راجع ربما لقلة إمكانيات السكان وعدم اهتمام المستعمر بمثل هذه المنشآت الدينية وتهميشها، وما يؤكد كلامنا هذا هو ما ذكره ألفرد بل أيضا، لأن معظم الدراسات التي تطرقت لقرى بني سنوس ومساجدها هي دراسات اجتماعية ولم تتكلم عن المسجد كمبنى أثري، لذا حينما نجده يتحدث عن المسجد بأنه رغم تصنيفه ضمن المباني الدينية الرسمية إلا أنه لم يعين له إمام موظف بأجرة رسمية ،مع العلم أن هذا المسجد كان يملك أموالا وقفية على جانب كبير من الأهمية 36 يمكن من خلالها سد حاجاته ووظائفه الدينية وتأمين مصاريف الترميم وتجديد أجزاء المسجد المتضررة

مخطط 3. مسجد الخميس عن: بل ألفرد، ن. م.، ص. 86 (بتصرف)

أما عن الوصف المعماري للمسجد فيبدوا من خلال شكله العام أنه سار على نفس النسق الذي اتبعته المساجد الريفية، إذ أنه يحتوي على مئذنة مربعة الشكل نجدها تقع في الزاوية الشمالية الغربية منه، نلج إليها من خلال مدخل بسيط يوجد داخل المسجد حيث نصعد من خلال درج صاعد يبلغ عدد درجاته 60 درجة، ويبلغ ارتفاع هذه المئذنة حتى قمة الجوسق 13م، كما أنها احتفظت بشكلها الأصلي وأجزائها كاملة من غير تشويه ولا تهديم ،كما أنها تعتبر من بين المآذن المتناسقة الأبعاد والتي تشبه كثيرا مآذن مساجد الأحياء بتلمسان في شكلها العام، مع فارق بسيط هو خلوها من القطع الخزفية ،وتحتوي هذه المئذنة على شرافات في جهاتها الأربعة كتلك التي وجدت في مسجدي تافسرة والثلاثاء، ويمكن تقسيمها من الخارج إلى أربعة أجزاء، حيث يضم جزؤها الذي يعلوا الجزء السفلي في واجهاته الأربعة سلسلة قويسات توزعت بمعدل قوسين في كل واجهة، ونظرا لأهمية مسجد الخميس بالنسبة للمنطقة ككل فإن مئذنته تعتبر من حيث شكلها وأبعادها وزخرفة جوانبها وجوسقها الذي يعتبر بمثابة قمة لها من بين أهم صوامع مساجد قرى بني سنوس

مسجد قرية الخميس

من المهم جدا في دراستنا هذه الإشارة إلى أنه أثناء دراستنا الميدانية لهذا المسجد ومعاينته على مراحل مختلفة وبالتحديد سنتي 2010-2011، حدث وأن صادفنا في إحدى هذه المراحل عملية الترميم الأخيرة التي استفاد منها المسجد في إطار مشروع تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011، والتي تم من خلالها ترميم معظم أجزائه كالمئذنة وبيت الصلاة وكذا المحراب ،وقد كشفت عملية الترميم هذه عن عدة أشياء أهمها القبور التي تم اكتشافها تحت أرضية بيت الصلاة وبأحجام مختلفة منها الكبيرة الحجم والتي يبلغ عددها 16 قبرا والصغيرة الحجم والتي تحطم معظمها جراء أعمال الترميم التي لم تتوقف رغم اكتشاف هذه القبور التي بقيت قيد الإهمال واللامبالاة، وما يلاحظ على هذه القبور أنها ليست كتلك التي اكتشفت في ساحة مسجد تافسرة فقد تم تغطيت معظمها بأوتاد خشبية ومنها ما تم تغطيته بصفائح من الحجر، كما أنه لا تكاد تظهر مجنباتها وقد جاءت هذه القبور على شكل شق في الأرض وبعمق لا يتجاوز 50 سم في أغلب الأحيان ثُم يغطى الكل بالتراب، كما أنها لا تحتوي على شواهد مكتوبة، مما يترك لدينا مجالا للشك حول الفترة التي تم فيها دفن هؤلاء الموتى. أما عن الشكل الداخلي للمسجد فإنه يحتوي على قاعة صلاة مستطيلة الشكل 37 نلج إليها من خلال مدخلين بسيطين حيث يعتبر المدخل الذي يقع في الجهة الشمالية الغربية بمثابة المدخل الرئيسي للمسجد أما المدخل الذي يقع في الجهة الجنوبية الشرقية فيعتبر بمثابة المدخل الثانوي للمسجد فلقد تم فتحه في جدار القبلة، يحتوي بيت الصلاة على بلاطتين عموديتين على جدار القبلة الذي يحتوي على محراب مجوف يعلوه قوس مفصص ويحيط به إطار خال من الزخارف، وبعد عملية الترميم تمت إزالة هذا القوس المسنن والملاحظ أن محراب مسجد الخميس بشكله قبل عملية الترميم يشبه إلى حد كبير محراب مسجد قرية الثلاثاء ولا يختلف عنه إلا من حيث الحجم فقط، ويوجد على يمين المحراب فراغا على شكل حنية مسطحة خاصة بالمنبر، كما أنه توجد بجدار القبلة عدة فتحات للإضاءة والتهوية كما توجد كوة على يمين المحراب، وبعض الحنيات الأخرى التي تنتشر في جدران المسجد استعملت لوضع الكتب والمصاحف، وفي بعض الأحيان استعملت للإضاءة بالمصابيح التقليدية. كما أن بيت الصلاة يحتوي أيضا على ثلاث دعامات مربعة الشكل تحمل عقودا منكسرة، ويعلو هذه الأخيرة سقف مستو تم تجديده بالكلية حيث أنه فقد شكله الجملوني والتقنية التقليدية التي استعملت في المساجد الأخرى والتي سبق وأن تحدثنا عنها، والملاحظ في مسجد الخميس أنه لم تبق به أية زخرفة داخل قاعة الصلاة التي يبدوا أنها تعرضت لعدة ترميمات في مراحل مختلفة من الفترة الفرنسية وإلى غاية يومنا هذا، فغير بعيد عن اليوم قامت مصلحة الجسور والطرق (التابعة لبلدية مغنية) بترميمات لبيت الصلاة اندثر من خلالها طابعه القديم والمتميز38 ، وقد أضيف إلى المسجد في الفترة الحديثة قاعة للصلاة في جهته الشمالية الغربية وذلك لأن المسجد العتيق لم يعد يستوعب عدد المصلين الوافدين من القرى المجاورة خاصة أيام الجمعة والأعياد، ويعتبر هذا الجزء المستحدث في المسجد العتيق والذي يضم قاعة الصلاة وبيت الوضوء الواجهة الرئيسية لمسجد قرية الخميس المطلة على الطريق الولائي رقم 106

مسجد قرية بني عشير

يعتبر مسجد قرية بني عشير المسجد الوحيد الذي لم يتم تصنيفه ضمن قائمة التراث الأثري لمنطقة تلمسان، وذلك ربما راجع إلى أنه كان شبه مهجور في فترات سابقة من هذا العهد بسبب تهدم أجزاء منه كالسقف مثلا، والذي تم تجديده فيما بعد، ويقع هذا المسجد عند مدخل القرية حيث يحتل منها موقعا طرفيا كباقي المساجد الأخرى، حيث تنتشر حوله المساكن بامتدادها نحو جهة الوادي (وادي الخميس) أي من الجهة الشرقية، وقد حافظ المسجد في طابعه العام على نمط المساجد الريفية وعمارتها البسيطة ، حيث يلاحظ حول مخططه العام أن شكل مئذنته جاء على شكل قبيبة لا يكاد يرى شكلها من الخارج وتقع في الزاوية الجنوبي الغربية من المسجد ونصعد إليها من خلال درج صاعد ينطلق مباشرة من قاعة الصلاة ويبلغ عدد درجه 12 درجة، ولا تتسع مساحة هذه المئذنة إلا للمؤذن، كما أنها سقفت بطريقة تقليدية استعملت فيها القطع الخشبية حيث تم رصها إلى بعضها البعض حتى أنها تظهر على شكل بيت العنكبوت وقد تم تغطيتها من الخارج بالقرميد الأحمر فأصبح شكلها من الخارج هرميا رباعي الأضلاع

مسجد قرية بني عشير

أما عن بيت الصلاة فهو ذوا شكل مستطيل39 نلج إليه من خلال مدخلين رئيسيين الأول يقع في الجهة الشمالية والثاني يقع في الجهة الجنوبية الشرقية أي على يسار المحراب في جدار القبلة، وفيما يخص التفاصيل المعمارية لبيت الصلاة فإننا نجده يحتوي على محراب مجوف يتوسط جدار القبلة ذوا شكل بسيط يعلوه عقد حدوة الفرس كما أنه خال من الزخارف وقد وجد على يمينه الفراغ المخصص للمنبر، ويحتوي بيت الصلاة أيضا على 3 بلاطات موازية لجدار القبلة وتنتشر فيه الدعامات المربعة الشكل خصوصا، وتحمل هذه الأخيرة نوعين من العقود عقود منكسرة والأخرى نصف دائرية، ويعلوا المسجد سقف جملوني الشكل حيث يظهر من خلال المواد التي استعملت فيه والتقنيات أنه تم تجديده بالكلية في الفترة الحديثة، فنحن نعلم أن جل المساجد الريفية في المنطقة احتوت نفس الأسقف التي اعتمدت فيها نفس التقنية والمواد، إلا أن عوامل التلف والإهمال هما سببان رئيسيان لاندثار مثل هذه الأسقف، ومع ذلك فإن سقف مسجد بني عشير يحتوي على ثلاثة أجزاء من الخارج ذات شكل جملوني، كما أنه تتخلل جدران المسجد عدة فتحات وحنيات استعملت للإضاءة والتهوية وكذا وضع المصاحف والكتب. ومن الأشياء الملفتة للنظر في هذا المسجد هو وجود القبة، والتي نجدها تتوسط البلاطة الثالثة في مؤخر المسجد أين نجدها تتقدم المدخل الشمالي للمسجد مباشرة، وهي قبة مثمنة الأضلاع خالية من الزخارف ما عدا في شكلها الخارجي فإنها تحتوي على في أحد واجهاتها قوس مفصص، والمسجد بصفة عامة نجده خاليا من الزخرفة ماعدا بعض الزخارف التي تكاد تكون مطموسة والتي وجدناها في واجهة العقد الأوسط في البلاطة الوسطى وهي عبارة عن أشكال هندسية اشتهرت عند البربر خاصة بحيث نجد لها أمثلة أخرى في الفخار والمنسوجات

مخطط 4. مسجد قرية بني عشير عن: بل ألفرد، ن. م.، ص. 93 (بتصرف)
الشكل الهرمي لمئذنة بني عشير

يحتوي المسجد على غرفة تحت أرضية استعملت في تدريس القرآن الكريم، وأصبحت الآن تستعمل من طرف سكان القرية خاصة في فصل الصيف للاحتماء من حر الشمس، وبما أن بيت الصلاة تعرض للعديد من عمليات الترميم الخاطئة قرر سكان القرية الاحتفاظ بقاعة المسجد العتيق كآثار حيث قاموا بإضافة قاعة صلاة حديثة في الجهة الشمالية من المسجد، ومن ناحية أخرى يبدوا أن سكان قرية بني عشير منذ أمد بعيد وهم متمسكون بمسجدهم العتيق هذا والذي كانت له أموال وقفية هامة 40، وقد أضيف للمسجد بيت وضوء في الفترة الحديثة

خاتمة

يتضح لنا من خلال دراستنا للمساجد الريفية لمنطقة بني سنوس وقراها بأنها خضعت لنظام تسيير محكم مبني على تعاليم دينية ورؤى فقهية نظمت العمران الإسلامي، وهو نفس النظام الذي اتبع في مساجد الريف المغربي والأندلسي كما يظهر ذلك جليا في كتب النوازل وفتاويها التي أبرزت لنا جانبا كبيرا من الطرق والنظم التي كان ينتظم من خلالها هذا المبنى المعماري الهام. كما أنه تبين لنا أن هذه المساجد الريفية يولي لها سكان المنطقة أهمية خاصة رغم قلة إمكانياتهم المادية، فهم يعتقدون فيها البركة وأن تقديس الجانب الديني عندهم نابع عن الفطرة، كما أن بساطة هذا التفكير تنعكس على الشكل المعماري لهذه المساجد وهو ما استنتجناه من المعاينة الميدانية والدراسة المعمارية، حيث أن عمارتها جاءت بسيطة تكاد تكون خالية من العناصر الجمالية والزخارف وإن وجدت فهي تمتاز بالخشونة وقلة الإتقان، بالإضافة إلى المحافظة على نفس النسق في المخطط العام لهذه المساجد مع تغيير طفيف يظهر أحيانا في شكل البلاطات وتوجهها أو نوع العقود وشكلها، ولا بد من الإشارة في الأخير إلى أن عمليات الترميم المتكررة قد أثرت على الشكل الأصلي لهذه المساجد خاصة تلك التي صادفناها أثناء المعاينة الميدانية والتي أتت على أجزاء كبيرة منها، وذلك بسبب التدخل العشوائي، وغير المبني على قواعد الترميم ومعاييره الدولية المتعارف عليها. وقد قمنا في الأخير بإعداد هذه البطاقة الفنية الخاصة بالمساجد الأربعة

بطاقة فنية حول مساجد بني سنوس

هوامش

1 عن التعاريف المختلفة للمساجد أنظر: الفيروز آبادي، 2009، ص. 594؛ الزركشي، 1999، ص. 26؛ ابن منظور، 1900، ص. 187-188-189
2 محمد عباسي يحي أبو المعاطي، 2000، ص .845
3 - رشوان حسين عبد الحميد، 2003، ص. 78-79
4 شاكر مصطفى، 1988، ج. 2، ص. 190-210-211
5 محمد عباسي يحي أبو المعاطي، 2000، ج. 2، ص. 845
6 هي أسامي القرى الأربعة التي قمنا بدراسة المساجد فيها ،حيث لم يرد ذكرها وذكر معانيها في المصادر والمراجع ،ما عدى قرية تافسرة التي زارها الحسن الوزان وقام بوصفها وأكد بأنها اشتهرت ببساتينها وخضارها وأن أهلها يشتغلون في صناعة الحديد الذي وجدنا بقاياه إلى يومنا هذا منتشرة في كامل أرجاء القرية، وتبعه في ذلك مارمول كار بخال الذي أضاف إليها في وصفه بأنها مدينة مسورة أي لها سور، في حين أننا لا نجد ذكرا لباقي القرى ما عدى بعض الاجتهادات من سكان القرى بأن قرية الثلاثاء هي تنسب إلى سوق كان يقام يوم الثلاثاء، وأن قرية الخميس أيضا اشتهرت تسميتها نسبة إلى السوق الذي لا زال يقام إلى يومنا هذا فيها، كما أن سكان قرية بني عشير يعتقدون بأن قريتهم هي قرية استقبلت العديد من القبائل في آن واحد وكانت العشرة بينهم طيبة فسميت قريتهم ب بني عشير، وتبقى مثل هذه التخمينات والاجتهادات بعيدة عن الواقع ما لم يتم تدعيمها بالمصادر والوثائق التي تشير إلى ذلك، وعن قرية تافسرة يرجى الاطلاع على: الحسن الوزان، 1983، ج. 2، ص. 24؛ مارمول كاربخال ، 1984، ج. 2، ص. 323
7 414 بل ألفرد، د.ت.، ص.47

8 ابن خلدون، 2005، ص. 396. وانظر: نبيه مخلوطة رُلى، 1998، ص. 52

9 سعيد محمد رعد، 1985، ص. 395
10 ديستان إدموند وبن حاجي سراج محمد،2011، ص. 78
ألفرد بل، ن. م.، ص.1147

12 عبد الرحيم عبد الرحمان عبد الرحيم، 1986، ص. 255

13 نفسه، ص. 255
14 الونشريسي، 1981، ج. 7، ص. 129
15 بل ألفرد، ن. م.، ص. 57
16 الونشريسي، 1981، ج. 7، ص. 69-70 و465

17 بل ألفرد، ن. م.، ص. 58
18 الونشريسي، 1981، ج. 7، ص. 847
19 نفسه، ص. 146
20 القاضي عياض وولده محمد، 1990، ص. 91-92؛ محمد عباسي يحي أبو المعاطي، 2000، ج. 1، ص. 848
21 بل ألفرد، ن. م.، ص. 58-59 و103
22 مديرية المصالح العامة، ولاية تلمسان
23 هو حفيد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي ولد بالحبشة وتوفي بين سنوات 80و90 هــ، والذي لم يقدم إلى بلاد المغرب ولم ينضو تحت لواء جيش عقبة بن نافع الفهري، أنظر: بل ألفرد، ن. م.، ص. 104
24 بل ألفرد، ن. م.، ص. 63
25 R. Bourouiba, 1986, p. 24.
26 آية 18-19، سورة آل عمران
27 عبد الكريم عزوق ، 2008، ص. 37 و38
28 مديرية المصالح العامة، ولاية تلمسان
29 ألفرد، ن. م.، ص. 82.
30 نفسه، ص. 80
31 نفسه، ص. 80
32 نفسه، ص. 80-81
33 مديرية المصالح العامة، ولاية تلمسان
34 بل ألفرد، ن. م.، ص. 80
35 نفسه، ص. 90
36 نفسه، ص. 90
37 R. Bourouiba, 1986, p. 24.
38 بل ألفرد، ن. م.، ص. 87
39 R. Bourouiba, 1986, p. 24.
40 بل ألفرد، ن. م.، ص. 95

مراجع

ابن خلدون عبد الرحمان، 2005، كتاب المقدمة، تحقيق عبد السلام الشدادي، ط. 1، بيت الفنون والعلم والآداب، الدار البيضاء
ابن منظور، 1900، لسان العرب، كلمة سجد، ج. 4، طبعة بولاق، المؤسسة المصرية العامة، ط. 18، القاهرة
بل ألفرد، دون تاريخ، بني سنوس ومساجدها في بداية القرن 20 (دراسة تاريخية أثرية)، ترجمة محمد حمداوي، دار الغرب للنشر والتوزيع
الحسن الوزان، 1983، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، ج. 2، بيروت
ديستان إدموند وبن حاجي سراج محمد، 2011، بني سنوس، ترجمة محمد حمداوي، تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية
الزركشي، 1999، إعلام الساجد بأحكام المساجد، تحقيق مصطفى المراغي، ط.5، وزارة الأوقاف، القاهرة
شاكر مصطفى، 1988، المدن في الاسلام حتى العصر العثماني، ط.1، ج. 2، دار السلاسل الإسلامية، بيروت
رشوان عبد الحميد حسين، 2003، علم الاجتماع الريفي، المكتب العربي الحديث، الاسكندرية
عبد الرحيم عبد الرحمان عبد الرحيم، 1986، الريف المصري في القرن الثامن عشر، ط. 2، مكتبة مدبولي، القاهرة
عزوق عبد الكريم، 2008، المعالم الأثرية الإسلامية ببجاية ونواحيها (دراسة أثرية)، أطروحة دكتوراه في الآثار الإسلامية، معهد الأثار، جامعة الجزائر
الفيروز آبادي، 2009، القاموس المحيط، ترتيب وتوثيق: خليل مأمون شيحا، مادة (ريل)، ط. 4، دار المعرفة، بيروت
القاضي عياض وولده محمد، 1990، مذاهب الحكام في نوازل الأحكام، تحقيق محمد بن شريف، دار الغرب الإسلامي، بيروت
مارمول كاربخال، 1984، إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد زنيبر وآخرون، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ج. 2، الرباط، المغرب
محمد رعد سعيد، 1985، العمران في مقدمة ابن خلدون، ط. 1، دار طلاس لدراسات والترجمة والنشر، دمشق
محمد عباسي يحي أبوا المعاطي، 2000، الملكيات الزراعية وآثارها في المغرب والأندلس (238-488 هـ) (852-1095هـ)، أطروحة دكتوراه، قسم التاريخ الإسلامي جامعة القاهرة، القاهرة
نبيه مخلوطة رُلى، 1998، علم العمران والتربية والتعليم عند ابن خلدون، رسالة ماجستير في الآداب، الجامعة الأمريكية، بيروت
الونشريسي، 1981، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، إشراف، محمد حجي، ج. 7، دار الغرب الإسلامي، بيروت

Bourouiba R., 1986, Apports de l’Algérie à l’architecture religieuse arabo-islamique, Office des publications universitaires, Alger.

الكاتب

محمد رابح فيسة

أستاذ محاضر- جامعة تلمسان

Retour en haut