Al Sabîl

Index

Table des matiéres
Résumé
Télechargement
Texte Integral
Notes
Bibliographie
Auteur

Information

01 | 2016

التواصل بين إيالتي تونس والجزائر: وقف علي باي الحسيني على زاوية سيدي عبد الحفيظ بخنقة سيدي ناجي (1774)

أحمد السعداوي

ملخص

في هذه الورقة توصلنا إلى عدة استنتاجات منها أن خنقة سيدي ناجي كانت تسمي في بدايتها بمورد النعام، وخلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، أي مدّة طويلة بعد تأسيسها، أخذت اسمها الحالي من اسم الزاوية. وكانت الخنقة خلال القرنين السابع والثامن عشر إمارة شبه مستقلة، ويمتلك شيخ الزاوية سلطة سياسية وجبائية، إلى جانب السلطة الدينية والمعنوية، تتجاوز البلدة لتشمل منطقة تكون أحيانا شاسعة من بلاد الزاب والصحراء، وهو يتصرف مثل الأمير ويمتلك قصر، يسمى السريا، لا يقل أبهة عن القصور الملكية. هذه البلدة كانت لها علاقة وطيدة بمدينة تونس منذ نشأتها وإلى فترة قريبة. ذلك أن الشيخ المؤسس كان تونسي الأصل وكانت للبلدة وشيوخها علاقات متواصلة بحكام تونس خلال عصر الدايات وفترة حكم البايات المراديين والحسينيين. وكان شيوخ زاوية الخنقة يمتلكون الأراضي والدور بتونس، ويستقبلون عند قدومهم إليها استقبال الأمراء. وما الوقف الذي أنشأه علي باي على زاوية سيدي عبد الحفيظ إلا دليل آخر على العلاقة الحميمية التي تجمع بين المدينتين. ويتجلى هذه التقارب بقوة في مجال العمارة والفنون، وأشار قوستاف مارسيي Gustave Mercier أن الخنقة تشبه في عمارتها المدن التونسية، بل نجد بها بعض القطع الفنية التي تعتبر من أجمل ما أنتج الفن التونسي في العصر الحديث. لذلك لا نستغرب أن تحمل البلدة من ضمن تسمياتها اسم تونس الصغيرة

Dans cet article, nous sommes parvenus à plusieurs conclusions, notamment que le Sidi Naji Khanqat s'appelait initialement Mawrid al-Naam et que, dans la seconde moitié du XVIIe siècle, c'est-à-dire longtemps après sa fondation, il prit son nom actuel du nom du coin. Aux XVIIe et XVIIIe siècles, Al-Khanqa était un émirat semi-indépendant et le cheikh d'Al-Zawiya possédait, en plus de l'autorité religieuse et morale, une autorité politique et fiscale qui dépassait la ville pour inclure une zone parfois vaste au pays du Zab et du Sahara, il se comportait comme un prince et possédait un palais, appelé Al-Suriya, non moins splendide que les palais royaux. Cette ville entretient des relations étroites avec la ville de Tunisie depuis sa création jusqu'à récemment. En effet, le cheikh fondateur était d'origine tunisienne et la ville et ses cheikhs entretenaient des relations continues avec les dirigeants tunisiens à l'époque des Dyats et sous le règne des beys Mouradid et des Husseini. Les cheikhs de Zawiya al-Khanqa possédaient des terres et des maisons en Tunisie, et ils y recevaient les princes à leur arrivée. La dotation qu'Ali Bey a créée à l'angle de Sidi Abdel Hafid n'est qu'une preuve supplémentaire de la relation intime entre les deux villes. Ce rapprochement est fortement évident dans le domaine de l'architecture et des arts. Gustave Mercier a souligné que la Khanqa ressemble aux villes tunisiennes dans son architecture, et en effet on y retrouve des œuvres d'art qui sont considérées parmi les plus belles productions de l'art tunisien. à l'ère moderne. On ne s'étonne donc pas que la commune porte parmi ses noms le nom de Petite Tunisie.

In this paper, we reached several conclusions, including that the Sidi Naji Khanqat was initially called Mawrid al-Naam, and during the second half of the seventeenth century, that is, a long period after its founding, it took its current name from the name of the corner. During the seventeenth and eighteenth centuries, Al-Khanqa was a semi-independent emirate, and the Sheikh of Al-Zawiya possessed political and tax authority, in addition to religious and moral authority, that went beyond the town to include an area that was sometimes vast in the country of the Zab and the Sahara. He behaved like a prince and owned a palace, called Al-Suriya, no less splendid than Royal palaces. This town has had a close relationship with the city of Tunisia since its inception until recently. This is because the founding sheikh was of Tunisian origin, and the town and its sheikhs had continuous relations with the rulers of Tunisia during the era of the Dyats and the period of the rule of the Muradid Beys and the Husseinis. The sheikhs of Zawiya al-Khanqa owned lands and houses in Tunisia, and they received princes upon their arrival there. The endowment that Ali Bey established on the corner of Sidi Abdel Hafid is only further evidence of the intimate relationship between the two cities. This rapprochement is strongly evident in the field of architecture and the arts. Gustave Mercier pointed out that the Khanqa resembles Tunisian cities in its architecture, and in fact we find in it some pieces of art that are considered among the most beautiful products of Tunisian art in the modern era. Therefore, we are not surprised that the town bears among its names the name Little Tunisia

كلمات مفاتيح

وقف، خنقة سيدي ناجي، تونس الصغيرة، الزاوية الناصرية، سيدي مبارك، سيدي عبد الحفيظ

لذكر هذا المقال

: أحمد السعداوي، «التواصل بين إيالتي تونس والجزائر: وقف علي باي الحسيني على زاوية سيدي عبد الحفيظ بخنقة سيدي ناجي (1774)»، في السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية ]نسخة الكترونية]، عدد 1، 2016. http://www.al-sabil.tn/?p=2063

تحميل

Cliquez pour télecharger l’article

مقال

خلال دراستنا لمنشآت علي باي (1759-1782) المعمارية بمدينة تونس اعترضتنا وقفية تتعلق بزاوية سيدي عبد الحفيظ الكائنة بخنقة أولاد سيدي ناجي مسجلة بدفتر بالأرشيف الوطني التونسي دونت فيه رسوم أوقاف الباي على مؤسسات دينية وخيرية عديدة 1. تثير هذه الوثيقة عديد الاستفهامات، منها التساؤل عن دوافع اهتمام الباي بهذه البلدة البعيدة التي توجد في عمق صحراء قسنطينة؟ لماذا لا تشير الوثيقة أصلا إلى أن الواحة توجد خارج حدود الإيالة؟ لماذا خصّ التحبيس زاوية سيدي عبد الحفيظ وليس الزاوية الأم التي بها ضريح سيدي مبارك مؤسس الخنقة؟ سنحاول في هذه الورقة الاجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، وذلك بإدراج الوثيقة في سياق العلاقات التاريخية الخاصة التي تربط خنقة أولاد سيدي ناجي بتونس

1.خنقة سيدي ناجي

ورد في الوثيقة أن علي باي حبس على زاوية سيدي عبد الحفيظ أرضا سقوية كائنة بولجة سيدي عبد الله بن موسى بخنقة سيدي ناجي محاذية للبلد، "تسقى بالساقية ومأمونة السقي". وتشمل الأرض المحبسة أربع قطع، تسميها الوثيقة حبال، وقع تحديد مكانها، ابتاعها الباي بثمن قدره 250 ريالا "من الفضة كبيرة من ضرب الكفرة"، من محمد بن عبد الرحمان اليملولي النابتي من أولاد نابت بن عبيد ومن بلقاسم بن الطاهر من أولاد سيدي عبد الله بن موسى. ناب في شراء الأرض من أصحابها وكيل الباي بالخنقة الشيخ أبو عبد الله محمد بن ناجي بن الطيب الناجي الخنقي وذلك حسب رسم مؤرخ بـ 20 شوّال 1187/3 جانفي 1774، شهوده مجموعة من فقهاء البلد. ثمّ حبس الباي في مرحلة ثانية، بعد أن أقرّ قاضي باردو بصحة عقد البيع معتمدا في ذلك على شهادة الفقيهين أحمد بن زروق بن بركات الخنقي وأحمد بن بلقاسم بن عبد الحفيظ الخنقي أيضا، جميع العقار المحدود المذكور بحقوقه وعامة منافعه وما عدّ منه، ونسب في القديم والحديث إليه، وسواقيه ومساقيه، على زاوية الشيخ الولي سيدي عبد الحفيظ بن الطيب التي بها ضريحه، الكائنة بالمكان المذكور
. يصرف ما يتحصل من ريع العقار المذكور على الزاوية المذكورة ومسجدها من رمّ وبناء ومرتب إمام ومؤذن وطعام من يكون قاطنا به من الغرباء المتجولين، وغير ذلك مما يستحقه المسجد المذكور من جميع مصالحه وسائر الضروريات اللازمة له. ويعود تاريخ التحبيس إلى أواخر ذي القعدة 1187/10 فيفري 1774، أي أن إنشاء الوقف تمّ بعد تاريخ الشراء بشهر وبضعة الأيام. نستطيع أن نستنتج من هذه الوثيقة معلومات هامة عن تاريخ واحة خنقة سيدي ناجي وعن العلاقة الخاصة التي كانت تربط البلد وشيوخ الزاوية بالسلط التي تحكم تونس خلال الفترة العثمانية. وتعني» الخنقة «الفج أو المضيق بين جبلين، وفعلا تقع خنقة سيدي ناجي في منخفض حيث يمرّ وادي العرب الذي ينزل من جبل ششار ويشق الجبل في مستوى البلدة. توجد الواحة بالزاب الشرقي، جنوب شرقي الأوراس، وهي تبعد 110 كلم عن بسكرة و120 كلم عن خنشلة وتقابل جغرافيا قفصة. يصفها الورثيلاني في رحلته كما يلي:"والخنقة قرية مباركة طيبة ذات نخل وأشجار وسط واد بين جبلين، وقد قيل أنها تشبه مكة في وضعها وفي البركة"2 . وهذه البلدة حديثة تعود إلى العصر العثماني أسسها زاوية وحاضرة علمية، عام 1011/1602، الشيخ المبارك بن قاسم، المتوفى عام 1031/1622، وسمى الزاوية على اسم جده سيدي ناجي تبركا به. من هو سيدي عبد الحفيظ ولماذا خصّ علي باي زاويته بالوقف؟ يذكر محمد الأخضر بن محمد بن حسين بن محمد الطيب، وهو من أعقاب سيدي مبارك، في رسالة دوّن فيها تاريخ عائلة سيدي ناجي3 ، أن محمد الطيب بن أحمد بن مبارك، حفيد مؤسس الخنقة، توفي عام 1107/1695 وترك ابنين عبد الحفيظ ومحمد. خلف محمد والده في مشيخة الزاوية، وأما عبد الحفيظ فتحول إلى المكان المسمى طويبية أحمد، أعلى الخنقة وأحياه بالزراعات وغراسة الأشجار والنخيل، واستقر به وترك به ذريته، وكان وليّا صالحا ذائع الصيت في كامل بلاد الأوراس والصحراء. أخذ الشيخ عبد الحفيظ الطريقة الناصرية الشاذلية عن الإمام اللغوي النحوي الشيخ أحمد بناصر الدرعي شيخ الزاوية الأم بتمكورت (درعة)، والمتوفى عام 1129/1717 4، وصاحب الرحلة الناصرية. يبدو أن الشيخ أحمد بناصر الدرعي كان أول من نشر الطريقة الناصرية في الخنقة عند مروره بها في طريقه إلى الحجّ، لقّن شيخ زاوية سيدي ناجي محمد بن محمد الطيب مبادئ الطريقة، وأصبحت الزاوية تتبع الطريقة الناصرية، كذلك لقّن سيدي عبد الحفيظ أورادها وأذكارها، وأصبحت زاويته هي الأخرى تتبع زاوية درعة. ذكر الورثيلاني، الذي زار الخنقة في شهر رجب من سنة 1179/ ديسمبر1765، أنه لم يدرك الولي الصالح الشيخ عبد الحفيظ الذي توفي شهرين قبل مروره بالبلدة، لذلك لم يأخذ مبادئ الطريقة الناصرية وعلم النحو عنه مباشرة وإنما أدرك "الذي أخذ طريقه وهو سيدي بركات وإخوانه وأولاده وسيدي السعيد ومدرس المسجد وغيرهم من طلبة العلم وفضلاء الوقت5" . باعتماد روايتي مؤرخ الخنقة والورثيلاني يكون الشيخ عبد الحفيظ ولد في الثلث الأخير من القرن السابع عشر، بما أن أباه توفي عام 1695، وتوفي في خريف 1765.

2. الخنقة: تعني الفج أو المضيق بين جبلين

أفرد علي باي زاوية الشيخ عبد الحفيظ بتحبيسه وذلك نظرا إلى العلاقة المتميزة التي تربطه بالشيخ، وترجع جذور هذه العلاقة إلى فترة الصراع على السلطة داخل العائلة الحسينية، ذلك أنه إثر استيلاء علي باشا (1740-1756) على الحكم وقتل حسين باي وفرار ابنائه إلى إيالة الجزائر وقضائهم سنوات عديدة في الغربة بعيدا عن البلاد، خلال فترة التّغرّب هذه مكث محمد الابن الأكبر لحسين بن علي في ضواحي الجزائر في دار أطلق عليها اسم باردو، وأما علي الابن الثاني فبقي بقسنطينة وتنقل في صحرائها في أحياء العرب كما ذكر مؤرخه حمودة بن عبد العزيز، وخلد الشاعر محمد الورغي سنوات التشرد والترحال هذه في قصيدة طويلة ألقاها أمام الباي نذكر منها

قطعت أحقاف "سوف" وهي مجهلة * لا تستقر بها الأحقاف والثّفــــــــــــــن وفي مهامه «تقّرت" وفدفــــــــــــدهــــــــــــــــا * كلّت –سواك-أولو الأبدان والبــدن وبعد كشفك ما ب"الزاب" من طرق * دعاك "ناج" وناج كاسمه حســـــــــــــــــن وجئت "أوراس" تطوي كل شاسعــــــة * تمتد فيها بك الأطلال واللّقــــــــــــن يرتاع من وصفها من جاء يسمعـــه * فكيف من جال فيها وهو ممتحن؟ وأنت تمرح فيها غير مكتــــــــــــــــــــــــرث * بحيث تعجب منك الغور والقنــــــــن
تذكر المصادر التونسية أن علي باي، وخلال فترة التجوال هذه أقام مدة في الخنقة، ويضيف محمد الأخضر مؤرخ البلدة أن الأمير التونسي أقام سبعين يوما في ضيافة الزاوية وشيخها أحمد بناصر 6. والتقى خلال هذه الاقامة بالشيخ عبد الحفيظ وأخذ عنه الطريقة الناصرية الشاذلية. ويتفق هذا مع ما ذكره حمودة بن عبد العزيز في تاريخه: "فقد أخذ ورد الامام العلامة سيدي أحمد بن ناصر الدرعي عن الشيخ سيدي عبد الحفيظ الخنقي، وهو يرويه عن صاحبه سيدي أحمد بن ناصر رحمه الله تعالى. وقد أجازه الشيخ سيدي عبد الحفيظ عن سيدي أحمد بن ناصر بسنده المعروف في الطريقة7" . وأورد المؤرخ نفسه أن يوسف بن محمد بن محمد بن ناصر ابن أخي سيدي أحمد القائم مقامه خلال التاريخ، أي تولي مشيخة الزاوية الناصرية الدرعية، قد جدّد الإجازة وكتبها في وثيقة بعثها إلى الباي بتاريخ 24 صفر 1187/16 ماي 81773 . ولا شك في أن التحبيس الذي جاء أقل من سنة بعد ورود الوثيقة، مرتبط بهذه الإجازة التي تؤكد من جديد انتماء الباي إلى الطريقة الناصرية وتعلقه بمختلف فروعها وخاصة فرع الخنقة حيث تلقن مبادئ الطريقة وحفظ أورادها. وتكمن وراء هذه العلاقة الخاصة الأسباب التي دعت الباي إلى أن يخصّ زاوية سيدي عبد الحفيظ بوقفه. توجد اليوم آثار زاوية سيدي عبد الحفيظ في ضواحي الخنقة، وكانت هذه الزاوية تحتلّ حتى نهاية القرن الثامن عشر المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الزاوية الكبرى التي نجد بها ضريح سيدي مبارك بن قاسم مؤسس الخنقة والمدرسة الناصرية التي أسسها أحمد بن ناصر، وكانت قبلة لطلبة وادي سوف والأوراس وقسنطينة وعنابة. كما توجد بالخنقة زاوية أخرى تحمل اسم سيدي عبد الحفيظ حديثة جدا في أغلب عناصرها المعمارية الحالية (1975)، وهي تتبع الطريقة الرحمانية، ومؤسسها هو الولي الصالح عبد الحفيظ الونجلي الخنقي الذي قاد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي بالزاب الشرقي عام 1846، واستشهد عام 1850. وبداية من النصف الأول من القرن التاسع عشر تقلص إشعاع الزاوية التي أسسها عبد الحفيظ بن الطيب بن أحمد بن مبارك، وفي المقابل ازداد صيت الطريقة الرحمانية وزاوية سيدي عبد الحفيظ وذلك نظرا إلى الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها الشيخ المجاهد عبد الحفيظ الونجلي. تحدد الوثيقة أن زاوية سيدي عبد الحفيظ كان بها مسجد وضريح الشيخ، ونفترض أنها كانت تشتمل على بعض البيوت لإيواء "الغرباء المتجولين" الذين شملهم الوقف ومطبخ لإطعامهم. وتتضمن الوثيقة معلومات تاريخية أخرى تتعلق بالمدينة، فتذكر الاسم السائد لساقيتن من سواقى الواحة، ساقية البلد وساقية الحمام، وتذكر أسماء بعض الأماكن (ولجة الشيخ الولي الصالح سيدي عبد الله بن موسى) وتشير إلى أسماء بعض الجماعات التي تسكن الناحية (أولاد سيدي عبد الله بن موسى وأولاد نابت بن عبيد)، وتورد أسماء جماعة من فقهاء البلدة وعدولها خلال التاريخ (1774) : أبو العباس أحمد بن عمر الناجي، وأبو القاسم بن أبي الطيب الصايغي الخنقي، وأبو عبد الله حسين ابن الشيخ أحمد بن الناصر الخنقي، وأبو عبد الله محمد بن أحمد زروق الخنقي، وأبو عبد الله محمد بن ناجي بن الطيب الناجي الخنقي، وأحمد بن زروق بن بركات الخنقي، وأحمد بن بلقاسم بن عبد الحفيظ الخنقي.

توجد زاوية سيدي ناجي، جد سيدي مبارك مؤسس الخنقة برحبة الخيل، بمدينة تونس

على أن العلاقة بين خنقة سيدي ناجي وتونس قديمة، تتجاوز سيدي عبد الحفيظ وزاويته الناصرية، هذه العلاقة تعود إلى بدايات نشأة البلدة. ذلك أن جدّ العائلة سيدي ناجي الذي تحمل الخنقة اسمه، تونسي المنشأ ومقبور في العاصمة وزاويته التي بها ضريحه توجد برحبة الخيل 9. أورد مؤرخ الخنقة، وهو من أعقاب سيدي ناجي، أن عائلة الولي من أصول شريفة قرشيّة، عاشت مدة في الأندلس ومنها قدمت إلى تونس بعد سقوط غرناطة حيث عاش سيدي ناجي وابنه قاسم وكانت لهما بها شهرة وصيت 10. وبعد موت أبيه وجده غادر الشيخ مبارك تونس إلى بلاد ورغلة صحبة عدد من الأتباع، ثم انتقل منها إلى بسكرة وامتلك بها أراض شاسعة، وفي سنة 1011/1602 تحول إلى صحراء الزاب الشرقي وبنى بعون من أتباعه وأصحابه زاوية وقام باستصلاح الأراضي وحفر القنوات لسقي النخيل والأشجار، أولها ساقية موسى. وكانت القرية تسمى في البداية بمورد النعام، وهذا ما لم يذكره المؤرخ11 ، الذي يضيف أن إشعاع الزاوية ونفوذ الشيخ مبارك سرعان ما امتد على الصحراء والجبال المحيطة لذلك كلّفه حاكم تونس، يوسف داي (1610-1637)، بإدارة المنطقة ورفع الضرائب. وهذا ما يعني أن البلدة في بدايتها كانت تتبع إيالة تونس، ويؤكد ذلك ما ورد في الرسالة نفسها من أن حمودة باشا المرادي (1631-1666) أعاد تكليف شيخ الزاوية بحكم بلاد الزاب الشرقي وجبل ششار. ويبدو أن تبعية الخنقة لتونس تواصلت حتى نهاية الستينيات من القرن السابع عشر، وألحقت بعد ذلك ببايلك قسنطينة، أورد مؤرخ الخنقة أن خير الدين باي قسنطينة (1672-1676) أرسل عام 1084/1673-1674 ظهيرا يكلف فيه شيخ زاوية الخنقة المهام نفسها التي كان كلّفه بها المراديون من قبل، وتواصل الأمر من بعده مع كل باي جديد يتولى حكم قسنطينة. ويحيلنا التغير في تبعية الخنقة من الولاء إلى تونس إلى الولاء إلى الجزائر على إشكاليات الحدود بين الإيالتين خلال العصر العثماني. وقد أدت هذه الاشكاليات إلى أكثر من مواجهة مسلحة بين الطرفين أشهرها حرب ماي 1628 التي انتهت بصلح، تم التوقيع عليه في جويلية من العام نفسه، اعتبرت بمقتضاه قلعة أرق (قلعة سنان) مكانا محايدا "تخرج منها النوبة ويهدم ما فيها من البناء ولا يتعاطاها جيش تونس ولا عسكر الجزائر بعمارة ولا بوجه من الوجوه وتبقى على حال خراب". كما تم التأكيد على اعتبار وادي سراط حدا جبائيا وبشريا بين العمالتين مع تمديده في اتجاه الشمال حتى البحر12 .على أن الاتفاقية تتجاهل الحدود في المناطق التي تمتد جنوب وادي سراط وقلعة سنان، حيث بقيت وضعية القبائل والطرق والزوايا النافذة في تلك الأقاليم محددة بالولاءات أكثر منها بالمجال الترابي. خلال نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن الموالي كانت المجموعات القبلية التخومية في هذه المناطق وخاصة منها فصائل الحنانشة وحلفائهم الشابيّة في صراع مع السلطة المركزية في تونس 13. وفضلت زاوية سيدي ناجي، منذ النشأة، الدخول في حلف مع سلطات تونس، انجرّ عنه عداوة الحنانشة والشابيّة، وتواصل الحلف بشكل أو بآخر طيلة القرنين. وكانت الخنقة خلال القرنين السابع والثامن عشر إمارة طرقية شبه مستقلة. ويمتلك شيخ الزاوية سلطة سياسية و جبائية، إلى جانب السلطة الدينية والمعنوية، تتجاوز البلدة لتشمل منطقة تكون أحيانا شاسعة من بلاد الزاب والصحراء، وهو يتصرف مثل الأمير ويمتلك قصر، يسمّى السراية، لا يقل أبهة عن القصور الملكية. وذكر مؤرخ الخنقة أن محمد بن محمد الطيب الذي تولّى مشيخة الزاوية لمدة طويلة من النصف الأول من القرن الثامن عشر(1695-1741) كانت له علاقة متميزة مع حكام تونس، والمقصود هنا أساسا حسين بن علي (1705-1740)، وكان كثيرا ما يتدخل لحل الخلافات بينهم وبين بايات قسنطينة. وازدادت هذه الصلة متانة خلال مشيخة الابن أحمد بناصر (1741-1780). ذلك أنه أثناء سنوات تشرّد علي باي بن حسين بن علي في الشرق الجزائري استضافه شيخ الزاوية، ولقنه سيدي عبد الحفيظ، عم الشيخ، مبادئ الطريقة الناصرية وبعد تولي علي الحكم لم ينس فضل الرجلين عليه، فمنح الشيخ أحمد بناصر أرضا فلاحية بجهة ماطر تمسح 26 ماشيّة، وحبس أراضي بالخنقة على ضريح سيدي عبد الحفيظ، وهي موضوع هذه المداخلة

يمتلك شيخ الزاوية قصر، يسمّى السراية، لا يقل أبهة عن القصور الملكية

ويروي مؤرخ الخنقة حادثة ذات دلالة خاصة حول العلاقة بين أحفاد سيدي مبارك وبايات الدولة الحسينية. ذكر أن الشيخ أحمد بناصر كان مغرما بالبناء والتشييد فبعد أن انتهى من تجديد القبة التي على ضريح جده سيدي مبارك ومن بناء المدرسة الناصرية التي تحمل اسمه إلى اليوم، بنى برجا في أعلى الخنقة لحمايتها من غارات البدو وبذل في ذلك ثروة هائلة تفوق عشرة آلاف ريال. لكن بعض شيوخ الشابيّة وليانة وشوا به لدى باي قسنطينة صالح القلّي (1757-1771) واتهموه ببناء قلعة وتجهيزها بالمدافع لغاية الانفصال عن بايليك قسنطينة وإعلان الولاء إلى باي تونس.فأمره الباي بهدم البرج ولم تقنعه حجج الشيخ من أن الحصن بني لحماية البلد. يروي نفس المؤرخ أن الشيخ أحمد بناصر قتل بعد ذلك بسنوات طويلة، عام 1780، قتله أبو زيان الشابي وهو في طريقه لزيارة تونس

المدرسة الناصرية الملحقة بجامع سيدي المبارك شيدها أحمد بن ناصر (1171/1758)

ويؤكد مؤرخ الخنقة أن التواصل بين بلده وحاضرة البلاد التونسية استمر حتى قدوم الاستعمار الفرنسي. فبعد قتل الشيخ أحمد بناصر تولى مشيخة الزاوية ابنه حسين (1780-1817)، وهو جدّ المؤرخ الذي اعتمدناه، الذي واصل استصلاح الأراضي وأعاد بناء مئذنة الجامع عام 1789، بعد سقوطها. وكان ميالا إلى حياة الرفاه والتحضر، لا يتوقف عن زيارة العواصم القريبة، أي قسنطينة والجزائر وتونس. تزوج بمدينة تونس وكان يمتلك بها دارا يقيم فيها أثناء زياراته المتكررة لها

ونختم هذه الورقة بالتعرض إلى بعض الشواهد المعمارية والأثرية التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك متانة العلاقات بين إيالة تونس والخنقة. ولعل أهمّ هذه الشواهد النقائش التاريخية التي تحلّي معالم البلدة ونشر قوستاف مارسيي Mercier Gustave بعضها في المقال الذي ذكرناه سابقا. وتذكر هذه الكتابات المتنوعة أسماء الشيوخ الذين أمروا بالبناء، وأسماء معلمي البناء الذين أقاموا المباني وكذلك أسماء الصناع الذين أنجزوا بعض العناصر المعمارية أو الزخرفية. أولى هذه النقائش غريبة من نوعها ولها دلالات خاصة. وهي لوحة نجدها داخل روضة سيدي مبارك ورد فيها بعد البسملة ثم التصلية:» أودع علي ابن حسين باي شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم، ناقشها أسطى حسين سنة 1151/1738-1739 «. هذه الكتابة هي لوحة تذكارية وضعها علي باي بالزاوية لتخليد مروره بالخنقة. لا شك أن قدومه، وهو في قلب العاصفة، سنة أو سنتين قبل قتل والده؛ كان لطلب المساعدة من حلفائه التقليديين وللتعبير عن روابط التعلق والإجلال التي يكنّها إلى المكان وأهله. ولعلّه عند وضعه لهذه اللوحة على ضريح الولي الصالح، سيدي المبارك، كان يطلب منه النجدة ومساعدة العائلة الحسينية في تلك الظروف العصيبة. تذكر نقائش الخنقة عديد الصناع، تسميهم الأسطى، وهي كلمة تركية تعني المعلم أو الخبير الذي يتقن إحدى الصنائع أو الفنون مثل البناء، والخط، والنقش على الجبس، ونحت الحجارة ونقشها، والحدادة، والنجارة. في بعض الحالات تذكر الكتابة أصول الصناع، مثل الأسطى أحمد بن عمر التونسي الذي أنجز نقوش محراب مسجد سيدي مبارك بتاريخ أواسط صفر 1147/ 16 جويلية 1734، أو الأسطى الحاج امحمد السعد بن عمر الصفاقسي، باني المسجد، بتاريخ 8 شوال 1146/13 مارس 1734. أو الأسطى أحمد بن عمر الشريف الجبايلي النقاش الذي ركّب الباب الغربي للمسجد في التاريخ نفسه، وهو صانعه وناقشه تقول الكتابة. وقام البناؤون علي البنزرتي ومحمد البنزرتي وقاسم الصفاقسي بمعية أربعة صناع آجر، أرسلهم حمودة باشا بن علي باي (1782-1814)، بتجديد مئذنة مسجد سيدي ناجي بعد سقوطها عام 1210/179414

نقيشة تعلو الباب الغربي لجامع سيدي المبارك
نقيشة تعلو باب المدرسة الناصرية

وتحتفظ مدينة خنقة سيدي ناجي إلى اليوم ببعض القطع الفنية التي أنجزها صناع من تونس أو جلبت منها إلى الخنقة خلال القرن الثامن عشر. نذكر منها باب مسجد سيدي مبارك الغربي الذي تحلّيه زخارف منجزة على الحجارة تنتمي إلى نمط تونسي عريق، وهي زخارف نباتية أو هندسية. كذلك الزخارف التي تؤطر محراب مسجد سيدي مبارك تنتمي إلى الصنف نفسه، أو تلك التي نجدها حول الشباك المطل على الضريح من الخارج، نجد نظيرها في جامع الصباغين بتونس الذي بناه حسين بن علي عام 1727. نذكر أيضا البلاطات الخزفية التي تزين واجهة ضريح سيدي المبارك وهي بلاطات من إنتاج مصانع القلالين. تنتمي إلى صنف رفيع ظهر في القرن الثامن عشر، يقلد فيه الحرفيون التونسيون الخزف الإزنيقي في ألوانه وموضوعاته الزخرفية. يحمل كذلك منبر الجامع الذي يعود إلى القرن الثامن عشر رسومات نباتية متعددة الألوان نجدها بكثرة على المنابر الخشبية التونسية وعلى الصناديق التي تعود إلى الفترة نفسها

زاوية سيدي المبارك، الباب الغربي تحلّيه زخارف منجزة على الحجارة تنتمي إلى نمط تونسي عريق
زاوية سيدي المبارك، زخارف منجزة على الحجارة تنتمي إلى نمط تونسي تحلي أحد

نستنج مما سبق أن خنقة سيدي ناجي أو خنقة أولاد سيدي ناجي كانت تسمى في بدايتها بمورد النعام، وخلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، أي بعد مدّة طويلة من تأسيسها، أخذت اسمها الحالي من اسم الزاوية. وكانت الخنقة خلال القرنين السابع والثامن عشر إمارة طرقية شبه مستقلة، ويمتلك شيخ الزاوية سلطة سياسية وجبائية، إلى جانب السلطة الدينية والمعنوية، تتجاوز البلدة لتشمل منطقة تكون أحيانا شاسعة من بلاد الزاب والصحراء، وهو يتصرف في الأقاليم التابعة له مثل الأمير. وكانت لهذه البلدة صلات وطيدة بمدينة تونس منذ نشأتها وإلى فترة قريبة. ذلك أن الشيخ المؤسس كان تونسي الأصل وكانت للبلدة وشيوخها علاقات سياسية متواصلة بحكام تونس خلال عصر الدايات وفترة حكم البايات المراديين والحسينيين. وكان شيوخ زاوية الخنقة يمتلكون الأراضي والدور بتونس، ويستقبلون عند قدومهم إليها استقبال الأمراء. وما الوقف الذي أنشأه علي باي على زاوية سيدي عبد الحفيظ إلا دليل آخر على العلاقة الحميمية التي تجمع المدينتين. ويتجلى هذه التقارب بوضوح في مجال العمارة والفنون، وقد أشار قوستاف مارسيي Mercier Gustaveأن الخنقة تشبه في عمارتها المدن التونسية، بل نجد بها بعض القطع الفنية التي تعتبر من أجمل ما أنتج الفن التونسي في العصر الحديث. لذلك لا نستغرب أن تحمل البلدة من ضمن تسمياتها اسم تونس الصغيرة

مجال العمارة والفنون، وقد أشار قوستاف مارسيي Mercier Gustaveأن الخنقة تشبه في عمارتها المدن التونسية، بل نجد بها بعض القطع الفنية التي تعتبر من أجمل ما أنتج الفن التونسي في العصر الحديث. لذلك لا نستغرب أن تحمل البلدة من ضمن تسمياتها اسم "تونس الصغيرة
ملحق عدد 1
نص وقفية علي باي على زاوية سيدي عبد الحفيظ بن الطيب 15الكائنة بخنقة أولاد سيدي ناجي
[57] بسم لله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وسلم ومن أحباس المولى أمير المؤمنين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين السيد الأشهر والكوكب المنير الأنور مولانا الباشا أبي الحسن علي باي ابن المولى الأمير المرحوم حسين باي تغمده الله بالرحمة والرضوان على زاوية الشيخ الولي الصالح سيدي عبد الحفيظ بن الطيب الكائنة بخنقة أولاد سيدي ناجي نفعنا الله به آمين. الحمد لله، هذه نسخة رسم حبس نقلت هنا للحفظ ومخافة ضياع أصله، عن إذن المحبس الآتي ذكره بواسطة أحد كتبته، نصه بعد البسملة والحمدلة والصلاة : وبعد فقد كان استقر على ملك مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، المحسن لعباده والله يحب المحسنين، خليفة الله في أرضه القائم فيها بسنّته وفرضه، المعظم الأرفع الصدر الهمام الأمنع، السيد الأسمى الملاذ الأحمى، عدّة الموالي العظام، وعمدة الأكابر الكرام، الأمير الأشهر والعلم الأظهر والكوكب الأنور، صاحب الخيرات وفاعلها، ومعطي الصدقات وباذلها، المتوكل على فضل مولاه الكريم الحي، مولانا أبي الحسن الباشا علي باي، أيده الله تعالى ونصره وإلى فعل كل خير وفقه وبصره، ابن الأمير الأشهر الشهير والسلطان الكبير، المرحوم المنعم الصائر لرحمة الله الكريم الأكرم أبي عبد الله حسين باي، برد الله ضريحه وأسكنه من الجنان فسيحه، جميع الأرض البيضاء السقوية المعدة للحراثة الكائنة بولجة الشيخ الولي الصالح سيدي عبد الله بن موسى نفعنا الله تعالى ببركاته، بخنقة أولاد سيدي ناجي محاذية للبلد تسقى بالساقية مأمونة الري حبالا، الحبل الأول منها يسمى حبل أولاد سيدي علي الفوقاني، يحده قبلة ملك لأولاد سيدي عبد الله بن سيدي أحمد وشرقا ساقية البلد وجوفا ملك أولاد سي بزة وغربا ساقية الحمام، والحبل الثاني صغير رقيق يحده قبلة أرض الفقيه الإمام أبي القاسم ابن الطيب الصايغي وشرقا ساقية البلد وجوفا سيدي السعيد بن محمد وغربا أولاد سي بزه، وحبلا الحجر شهرتهما أغنت عن تحديدهما، بحقوق ذلك وعامة منافعه الاستقرار التام، وكان استقرار ذلك على ملكه أيده الله تعالى في ملكه بالشراء الصحيح والثمن المندفع الذي قدره مائتان اثنتان ريالا وخمسون ريالا من الفضة كبيرة من ضرب الكفرة، وذلك من المكرم الأجل محمد بن عبد الرحمان اليملولي النابتي من أولاد نابت بن عبيد ومن المكرم الأجل بلقاسم بن الطاهر [58] من أولاد سيدي عبد الله بن موسى، بحدودها ومرافقها الداخلة فيها والخارجة عنها ومجاري مائها، محررة من جميع ما يلزم البلد المحاذية لها، حسبما ذلك في غير هذا بشهادة المكرمين الفقهاء الأجلين أبي العباس أحمد بن عمر الناجي، وأبي القاسم بن أبي الطيب الصايغي وأبي عبد الله حسين ابن الشيخ المرحوم أحمد بن الناصر وأبي عبد الله محمد بن أحمد زروق الخنقيين، مؤرخا بموفي عشرين من شوال المنصرم عن شهر التاريخ (1187/3 جانفي 1774)، مضمنا به أن الذي ناب في شراء ما ذكر ممن ذكر بما ذكر لسيدنا أبي الحسن علي باي المذكور بماله وإذنه وكيله المكرم الأجل الشيخ الأفضل العابد أبو عبد الله محمد بن ناجي بن الطيب الناجي الخنقي ثابتة شهادتهم وخطوطهم لدى من يجب قاضيا بباردو المعمور بوثيقة استرعاء مرقومة بمحول رسم الشراء المذكور، بشهادة المكرمين الفقيهين أحمد بن زروق بن بركات الخنقي وأحمد بن بلقاسم بن عبد الحفيظ من القبيل مستوفاة الموجب الشرعي رفعا وطبعا وعملا وتتميما كما يجب وينبغي، وقف على ذلك شهيداه وبعد أن كان ذلك كذلك أشهد الآن مولانا الأمير الأشهر والعلم الأظهر والكوكب الأنور الأصعد الأمجد أبو الحسن الباشا علي باي، المقرر على ملكه المالك المذكور تقبل الله سعيه المشكور وضاعف له الأجور وسدد رأيه ونفذ في البرايا أمره ونهيه، وهو الواضع طابعه المبارك السعيد هنا أدام الله له المسرة والهناء، وأعطاه ما يتمنى وبلغه من الدارين غاية المنى، أنه حبّس ووقّف جميع العقار المحدود المذكور أعلاه بحقوقه وعامة منافعه وما عدّ منه ونسب في القديم والحديث إليه، وسواقيه ومساقيه، على زاوية الشيخ الولي الصالح القطب الرباني والعارف الصمداني، شيخ الطريقة والحقيقة، سيدي عبد الحفيظ بن الطيب التي بها ضريحه، الكائنة بالمكان المذكور أعلاه، نفعنا الله تعالى ببركاته وأعاد علينا من سحائب خيراته، يصرف ما يتحصل من ريع العقار المذكور على الزاوية المذكورة ومسجدها من رمّ وبناء ومرتب إمام ومؤذن وطعام من يكون قاطنا به من الغرباء المتجولين، وغير ذلك مما يستحقه المسجد المذكور من جميع مصالحه وسائر الضروريات اللازمة له، حبس ما ذكر على من ذكر كيف ذكر ووقفه على نحو ما سطر، حبسا مؤبدا ووقفا حراما سرمدا لا يبدل عن [59] طريقه ولا يغير عن سبيله، ولا يباع ولا يوهب ولا يورث، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، "فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم"، مكتفيا في انعقاد حبسه المذكور بقوله "حبست ووقفت ويد الملك رفعت"، من غير افتقار إلى حوز ولا إلى حكم حاكم، آخذا في ذلك بقول الإمام الهمام القاضي أبي يوسف يعقوب صاحب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، رضي الله تعالى عنهما وعن بقية الأئمة الأعيان، القائل يكفي في انعقاد الحبس ذلك، ترغيبا للناس في الأحباس، وجعل النظر في ذلك لنفسه مدة حياته، أدام الله تعالى له المسرة والعافية في جميع أوقاته، ثم لمن يكون شيخا بالزاوية المذكورة وناظرا عليها، الجعل التام، شهد على إشهاده بذلك في الحالة الجائزة وهو حفظه الله تعالى ورعاه ومن كل سوء وقاه وحماه على أكمل حالات المشهود عليهم شرعا، بتاريخ أواخر ذي القعدة الحرام سنة سبع وثمانين ومائة وألف، من هجرته صلّى الله عليه وسلم (10 فيفري 1774)، والمعرفة به أعزّه الله تامة، متمّم ذلك بشهادة الفقيه العدل أبي عبد الله محمد العش ومعه غيره من عدول تونس، وببطن رسم التحبيس المذكور طابع السيد الأمير المحبس المذكور مرسوم على لفظة هنا، أدام الله له العز والهناء، [فهذه نسخة ذلك على ما هو عليه] 16 فمن قابلها بأصلها ألفاهما نصا سواء وشهد بذلك هنا بتاريخ أواسط شهر ذي الحجة الحرام من السنة المذكورة (1187/26 فيفري 1774)

ملحق عدد 2

هوامش

1 الأرشيف الوطني التونسي، دفتر 2306، ص. 57-59
2 الورثيلاني، الرحلة، ص. 150
3 الرسالة كتبها محمد الأخضر بن محمد بن حسين بن محمد الطيب في نهاية القرن التاسع عشر وترجمها قوستاف مارسيي ونشرها ملحقا في مقاله حول نقائش خنقة سيدي ناجي (Gustave Mercier, 1915, p. 156). دلني على وجود هذا المقال مشكورا صديقي الأستاذ فوزي مستغانمي
4 ننبه إلى عدم الخلط مع أحمد بناصر شيخ زاوية سيدي ناجي بالخنقة، المتوفى عام 1780، وهو ابن الشيخ محمد بن محمد الطيب بن محمد بن المبارك صاحب كتاب عمدة الحكام وخلاصة الأحكام في فصل الخصام، وهو كذلك ابن أخ سيدي عبد الحفيظ، ومن أتباع الزاوية الناصرية الدرعية. سنذكره مرارا في هذه الورقة
5 الورثيلاني، الرحلة، ص. 152
6 Gustave Mercier, 1915, p. 159)
7 حمودة بن عبد العزيز، 1970، ص. 206.
8 حمودة بن عبد العزيز، 1970، ص. 206-210.
9 زاوية سيدي ناجي توجد بربض باب الجزيرة، بقسم باب منارة من مدينة تونس، عدد 18 ساحة الرحبة، أو رحبة الخيل. أنظر الأرشيف الوطني التونسي (Série D, Carton 71, Dossier 3 « 33 »). والزاوية بناية بسيطة موجودة إلى اليوم وهي عبارة عن قاعة مربعة، طول ضلعها 6 أمتار، تغطيها قبة نصف دائرية
10 (Gustave Mercier, 1915, p. 154)
11 ورد في مخطوط يعود نسخه إلى يوم الجمعة 28 صفر 1070/13 نوفمبر 1659، أن القرية كانت تسمى مورد النعام وعزم الشيخ مبارك على بنائها بعد الاستخارة خلال أدائه فريضة الحج. الوثيقة هي الورقة الأخيرة من كتاب يبدو أنه مؤلف في علم النحو، نشرها على الشبكة السيد إبراهيم الونجلي أحد أهالي الخنقة. ورد فيها اسم الناسخ وتاريخ النسخ، والقرية التي تم فيها النسخ: "وكتبه العبد الفقير إلى رحمة ربه مولاه الغني به عمن سواه، الراجي غفران ذنوبه وخطاياه والاقبال عليه يوم لقاه، إبراهيم بن عبد العزيز الكليبي نسبا، المالكي مذهبا، غفر الله له ولوالديه ولأشياخه ولإخوانه ولقرابته ولأحبابه ولمن له حق عليه وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، بمنّه وكرمه، إنّه جواد كريم غفور. نسخه لنفسه ثم لمن شاء الله بعده. وكان الفراغ من نسخه في شهر الله صفر يوم الجمعة بعد مضي ثمانية وعشرين [يوما] منه، يوم الجمعة
12 عالجت صديقتنا الأستاذة فاطمة بن سليمان هذه الاشكالية بكثير من الدقة والاسهاب في كتابها الأرض والهوية، نشوء الدولة الترابية في تونس (1574-1881)، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس 2009، ص. 124
13لطفي عيسى، مغرب المتصوفة: الانعكاسات السياسية والحراك الاجتماعي من القرن 10م إلى القرن 17م، تونس 2005، ص. 352-353.
14 كريمة بن حسين، 1998، ص. 105.
15 اعتمدنا نسخة الدفتر 2306 بالأرشيف الوطني التونسي (ص. 57-59) وهي الوحيدة المتوفرة لدينا، وقد سجلت في الدفتر أسبوعين فقط بعد كتابة الوثيقة الأصلية، وهي تحمل ختم علي باي
16 إضافة في الحاشية

مراجع

بن حسين كريمة، 1998، » بلدة خنقة سيدي ناجي إبّان الحكم العثماني «، المجلة التاريخية المغاربية، عدد 89-90، ص. 97-108
بن سليمان فاطمة، 2009، الأرض والهوية، نشوء الدولة الترابية في تونس (1574-1881)، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس
بن عبد العزيز حمودة، 1970، الكتاب الباشي، تحقيق محمد ماضور، الدار التونسية للنشر، تونس
بن المبارك محمد بن محمد الطيب بن أحمد (الخنقي بلدا ومنشأ)، (ت. 1154هـ)، 2007، مسائل في الأحكام الشرعية على المذهب المالكي أو عمدة الحكام وخلاصة الأحكام في فصل الخصام، تنظيم وتقديم وتعليق محمد موهوب بن أحمد بن حسين، دار الهدى الجزائر
عيسى لطفي، 2005، مغرب المتصوفة: الانعكاسات السياسية والحراك الاجتماعي من القرن 10م إلى القرن 17م، مركز النشر الجامعي، تونس
الورثيلاني (الحسين بن محمد الورثيلاني)، 2008، الرحلة الورثيلانية الموسومة بنزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة

Mercier Gustave, 1915, « Khanguet Sidi Nadji, quelques inscriptions arabes inédites », in Notices et Mémoires de la Société Archéologique du Département de Constantine, Vol. 49, p. 135-165. Revault Jacques, 1978, L’habitation tunisoise : pierre, marbre et fer dans la construction et le décor, CNRS, Paris. Saadaoui Ahmed, 2001, Tunis, ville ottomane : trois siècles d’urbanisme et d’architecture, CPU, Tunis.

الكاتب

أحمد السعداوي

أستاذ تعليم عال، مخبر الآثار والعمارة المغاربية- جامعة منوبة

Retour en haut