Al Sabîl

Index

Information

A propos Al-Sabil

Numéros en texte
intégral

Numéro 17

2024 | 17

الجغرافية التّاريخية لبلاد هاز في العصر الوسيط: إمارة ذات قطبين

رمزي بضيافي

الفهرس

الملخّص

إنَّ المصادر العربية التي تناولت بلاد هاز في العصر الوسيط تظل شحيحة وغير كافية لإبراز التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي لأوَّل إمارة غرب تغر الزاب وشرق الامارات السليمانية وشمال الدولة الرستمية بتاهرت كما تظل ظروف التأسيس والتطور المجالي للإمارة وعلاقتها بجيرانها جانبا غامضا.

يتناول بحثنا الجغرافية التاريخية لإمارة هاز التي اتخذت مدينة بنفس الاسم مركزا للحكم في بلاد زناتة في أواسط القرن الثالث للهجرة، وفي إطار التوسع المجالي ركز حاكم الإمارة قطبا ثانيا في جبال صنهاجة يحكمه حمزة بن الحسن وسميت مدينة الحكم باسمه.

يتمحور بحثنا حول نقطتين أساسيتين تهتم الأولى بتحديد موقع مدينة هاز انطلاقا من مقارعة النصوص المصدرية بعضها ببعض، أما النقطة الثانية فهي محاولة لدراسة طوبونيمية المدينة التي بناها حمزة بن الحسن حيث تعددت الأسماء مدينة، سوق ثم قرية. ولكن الثابت هو ظهور تسمية جديدة وهي "حائط" كمصطلح عقاري مشرقي يشمل سهول حمزة وهو أشبه بمفهوم عقاري وجد في إفريقية منذ الفترة القديمة. كما يتطرق بحثنا الى تواصل التوطين والإسكان بهذا السهل.

الكلمات المفاتيح

هاز، حمزة، حائط، الزاب، العلويين.

Résumé

             La géographie historique de la province du Hāz à l’époque médiévale :                un émirat à deux pôles.

Les sources arabes traitant de la région du Hāz à l'époque médiévale demeurent rares et insuffisantes pour éclairer de manière approfondie l'histoire politique, sociale et économique du premier émirat alaouite. Cet émirat est situé à l'ouest de la marche du Zāb, à l'est des émirats sulaymanides, et au nord de l'État des Rustumides. Les circonstances entourant sa fondation, son développement territorial ainsi que sa relation avec ses voisins, demeurent également enveloppés de mystère.

Notre recherche portera sur la géographie historique de l'émirat du Hāz, avec la ville éponyme servant de centre gouvernemental dans la région de Zanāta, au milieu du troisième siècle de l'Hégire. Une importante donnée concernant l’émirat c’est que, dans le cadre de l'expansion territoriale, le gouverneur a établi un second pôle dans les montagnes de Ṣanhāja, gouverné par Ḥamza ibn al-Ḥasan et la ville a été nommée en son honneur.

Dans le développement détaillé, nous allons focaliser sur deux points essentiels. Le premier concerne la localisation de la ville de Hāz. Pour cela, nous allons nous appuyer sur la confrontation des sources géographiques. Pour le deuxième point, nous allons étudier la toponymie de la ville construite par Ḥamza ibn al-Ḥasan, qui présente une multiplicité de noms tels que ville, marché ou village. Là, nous soulignerons de prime abord l'émergence d'un nouveau toponyme," ḥāit" en tant que structure immobilière agricole oriental englobant les plaines de Ḥamza, semblable aux toponymes existants en Ifriqiya et qui correspondent aux exploitations agricoles.

Mots clés

Hāz, Ḥamza, Ḥāit, Zāb, Alaouites.

Abstract

                    The historical geography of the province of Hāz in the Middle Ages:                       a two-pole emirate.

Arabic sources discussing the Haz region in the medieval era remain scarce and insufficient to thoroughly illuminate the political, social, and economic history of the first Alaouite emirate. This emirate is situated west of the Zāb march, east of the Sulaymanid emirates, and north of the Rustumid State. The circumstances surrounding its foundation, territorial development, and its relationship with neighbors also remain shrouded in mystery.

Our research will focus on the historical geography of the Hāz emirate, with the eponymous city serving as the governmental center in the Zanāta region in the middle of the third century of the Hijra. An important aspect of the emirate is that, as part of territorial expansion, the governor established a second center in the Ṣanhāja mountains, governed by Ḥamza ibn al-Ḥasan, and the city was named in his honor. In the detailed development, we will concentrate on two essential points. The first point concerns the location of the city of Hāz. We will rely on the comparison of geographical sources. The second point, we will study the toponymy of the city built by Ḥamza ibn al-Ḥasan, which presents a multiplicity of names such as a city, market, or village. We will highlight the emergence of a new toponym, "ḥāit," as an eastern agricultural structure encompassing the plains of Ḥamza, similar to existing toponyms in Ifriqiya andcorresponding to agricultural estates.

Keywords

Hāz, Ḥamza, Ḥāit, Zāb, Alaouites.

المرجع لذكر المقال

رمزي بضيافي، « الجغرافية التّاريخية لبلاد هاز في العصر الوسيط: إمارة ذات قطبين »،
السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 17، سنة 2024

URL : https://al-sabil.tn/?p=14268

نص المقال

المقدمة

لئن حظيت عدّة مناطق في الغرب الإسلامي بدراسات عديدة في الجغرافيا التاريخية فإن منطقة غرب شطّ الحضنة ظلّت مجهولة رغم احتوائها على عدّة مدن رومانية استراتيجية. هذا المجال الواقع غرب الزاب والّذي اطلقت عليه المصادر العربية اسم هاز لم يحظ بدراسات تاريخية كافية رغم تعدد المحاولات. فالمراجع الكلاسيكيّة مثل محمد الطالبي1 ومبارك الميلي2 لم تحدّد مجال هاز بل اكتفت بمحاولة تقريبيّة لتحديد مركز الحكم دون تخصيص بحث حول المنطقة. تتالت الأبحاث في العشرية الأخيرة لدراسة هذا المجال لكنها لم توفق في تحديد مركزي الحكم وامتدادهما المجالي3.

يهتمّ هذا البحث في مرحلة أولى بتحديد موقع مدينة هاز كقطب أوّل لأوّل امارة حسينية بالغرب الإسلامي ثمّ تحديد القطب الثّاني المتمثّل في مدينة حمزة وامتدادها المجالي عبر مقاربة طوبونيميّة.

1. محاولة في تحديد موقع مدينة هاز

تعددت المحاولات الرامية لتحديد موقع هاز من قبل مؤرخين من مختلف الاختصاصات، فالمؤرخ الفرنسي جون بيار لابورت اقترح تحديدها بموقع تارمونت4 التي تبعد 35 كلم سمال غرب مدينة المسيلة فوق الموقع القديم ARAS. كما اقترحت الباحثة بختة موقرانطة تحديدها في مقاطعة موريطانيا القيصرية في موقع بوغار5 التي تبعد 38 كلم على مدينة المديّة. أما الباحث أحمد مشارك فقد حددها في موقع سور الغزلان انطلاقا من تشابه طوبونيمي بين أوزيا (Auzia) وهاز6.

تبدو عملية تحديد موقع هاز عملية صعبة دون اعادة رسم شبكة الطرقات الرابطة بين عاصمة الزَاب ومدينة تاهرت ودون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الطارئة على هذه الشَّبكة. إن شهادات الجغرافيين التي تغطي الفترة الممتدة بين القرن التاسع ميلادي والقرن الثاني عشر ميلادي تعتبر مهمة للغاية لإبراز التحولات الطارئة على شبكة الطرقات وعلى مدينة هاز التي تحولت من مركز حكم لأول إمارة حسينيّة للغرب الإسلامي إلى مجرد محطة للمسافرين باتجاه تاهرت.

1.1. الطريق المسيلة تاهرت: طريق القرن التاسع ميلادي

تعتبر شهادة اليعقوبي الشهادة الجغرافية الوحيدة التي قدمت تفاصيلا كثيرة عن الطريق الرابطة بين المسيلة وتاهرت وعن القبائل المستوطنة في محطات هذا الطريق وفي ذلك يقول:"... واذا خرج الخارج من عمل الزاب مغربا صار الى قوم يقال لهم بنو برزال وهم فخذ من بني دمر من زناتة وهم شراة كلهم ومن هذا الموضع البلد الذي تغلب عليه الحسن بن سليمان بن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وأول المدن التي في يده مدينة يقال لها هاز...والى هاز ينسب البلد و بينها وبين عمل اذنة مسيرة ثلاثة أيام ثم الى قوم يقال لهم بنو دمر من زناتة في بلاد واسعة وهم شراة كلهم عليهم رئيس منهم يقال له مصادف بن جرتيل ... وبينه وبين هاز مرحلة ومنها إلى حصن يقال له حصن بن كرام... ثم يصير الى متّيجة... ثم مدينة مذكرة... ثمّ من هذه الى تاهرت."7. يقدم اليعقوبي إشارة هامة مفادها ان المسافة الفاصلة بين عمل اذنة8 ومدينة هاز تقدر بثلاثة أيام. رغم أهمية وحدة قياس المسافة وهي "اليوم" فان هذه الوحدة الزمنية تظل غامضة لأن تحديد المسافة بالزمن يبقى رهينا لمدى توافق مجموعة من المعطيات حتى تصبح وحدة مضبوطة ودقيقة وقد تصل المسافة المقطوعة خلال يوم الى 50 كلم9. إذا اعتبرنا أن معدل المسافة المقطوعة في اليوم قد تصل 50 كلم فان المسافة الممتدة بين أذنة ومدينة هاز قد تصل الى 150 كلم او اقل بقليل. لم يذكر اليعقوبي أي محطة أو مدينة لاستراحة المسافرين او تزودهم بالماء على مدى ثلاثة ايام من السفر، كما لم يذكر مسار الطريق وتضاريسه (جبلي، صحراوي) لمساعدتنا على تحديد مدينة هاز. تلي مدينة هاز باتجاه الغرب بلاد مصادف بن جرتيل الشّاسعة وقد أورد ابن حوقل مدينة جرتيل كمحطة على الطريق نحو تاهرت10. يمر الطريق بعد بلاد مصادف بن جرتيل بحصن بن كرام وهي تسمية عربيّة لم يقع تحديدها، ثم يأخذ الطريق مسارا باتجاه سهول الشلف ومدنه ليشق متيجة ومذكرة (مليانة) ثم مدينة الخضراء (Oppidum Nuvum) وانطلاقا من هذه المدينةيتجه الطريق جنوبا باتجاه تاهرت.

2.1. المسيلة-تاهرت: طريق القرن العاشر

يذكر ابن حوقل جوزا كأول محطة تلي مدينة المسيلة من ناحية الغرب مؤكدا أنّها لم تكن آهلة بالسكان بل كانت مورد ماء فقط (منهل)11 وتبعد مسافة مرحلة عن المسيلة كما تفصلها عن مفازة هاز مرحلة أيضا. يقدم الجغرافي تفاصيل مهمة عن هاز مثل إشارة "العيون المسجونة" وإشارة انتشار الرمال داخل الموقع. بعد مفازة هاز يتجه طريق بن حوقل إلى قرية جرتيل ثمّ إلى قرية بن ماما -اللَّذان تعذّر تحديدهما- وأخيرا إلى مدينة تاهرت.

رغم صعوبة تحديد المحطات المتتالية الواقعة بين المسيلة وتاهرت فانه بالإمكان الاستنتاج أن هذه الطريق أخذت مسارا جديدا مغايرا لطريق القرن التّاسع ميلادي، فأول المحطات وهي جوزا كانت في منطقة خالية وثاني المحطّات وهي هاز كانت مفازة مغلب على أطرافها الرّمل ثمّ الى جرتيل وابن ماما. الثّابت أن الطريق جديد وقد اخذ مسارا مباشرا ولن تعد الحاجة إلى سلك طريق طويل يشق منطقة نهر الشلف. إن هذا التحوّل فرضته التغيّرات السياسية الجديدة المتمثلة في ظهور مدينة أشير حيث برزت طرقات عرضية موازية لطريق المسيلة-تاهرت مثل الطريقين الرابطين بين أشير والمسيلة. فالطريق الأوّل يذكره ابن حوقل بقوله:"... ومنها إلى أشير مدينة بحصن يسكنها آل زيري بن مناد ولها سور حصين وأسواق... ومن أشير إلى تامزكيدا وبها عين ولها أنهار عذبة مرحلة ومنها إلى الوادي المالح مرحلة ومنها إلى المسيلة مرحلة"12 وهناك طريق ثان أقصر من الطريق الأوّل يذكره ابن حوقل بقوله:"... ومن المسيلة إلى أشير مرحلتان ينزل المّار بينهما في واد المالح."13

3.1. الطريق المسيلة تاهرت: طريق القرن التاسع ميلادي14

يوردُ لنا البكري مدينة هاز على الطّريق بين فاس والقيروان وتحديدا في الجزء الرّابط بين تَاهرت والمسيلة. سنحاول دراسة هذا الطريق عكسيا. فأوّل محطة يذكرها البكري هي موزية ويتفرّدُ الجغرافي الأندلسي بهذه التسمية والتي لم يقع تحديدها الى حدّ الآن باستثناء محاولة للباحث أحمد مشارك الذي اعتبرها هي نفسها مدينة هاز15. يذكر البكري أنّه بالقرب من حصن موزية كانت هناك ثلاث مدن وحصون، وهي قصر العطش، مدينة الرّمانة، وتاورست وهي كلّها مبنية بالصخر الجليل وهي مدن قديمة رومانية16 وعبّر البكري عن ذلك بقوله "من بنيان الأُوَلِ"17 . إنّ أول مدينة قديمة تلي المسيلة باتجاه الغرب هي مدينة أراس ARAS والتي تحمل اسم تارمونت حاليا وهي التي اقترح الباحث جون بيار لابورت ان تتوافق مع مدينة هاز التي تذكرها النّصوص18 في حين أن طوبونيميا تارمونت ذات مرجعية بربرية وتعني رمانة وبذلك تتطابق كل الأوصاف التي قدّمها البكري مع مدينة تارمونت لتكون هي نفسها مدينة الرّمانة التي تجاورها عدة اودية تصب قرب المسيلة (وادي الشابوتي، وادي الزبوج...) إضافة الى ذلك توجد عدة قرائن أثريّة تثبت تواصل تعمير الحصن في الفترة الوسيطة منها ادخال تحويرات داخل الحصن وتواجد الحزف الإسلامي19 كذلك.

أما المدينة الثانيّة تاورست التي ذكرها البكري والواقعة على نهر عذب20 فمن المرجح أن تكون على الموقع القديم TARAESS طبقا للتقارب الطوبونيمي. أما الوادي العذب الموصوف من قبل البكري فلا يعدو أن يكون الا واد الطرقة.

يصعب تحديد موقع قصر العطش لأن التسمية جديدة ذات أصول عربية يرجح أنها أطلقت على حصن قديم. يورد البكري أنه بقرب هذا الموقع توجد سبخة مياه مالحة على بعد 5 كلم شمال الموقع القديم TATILTI يوجد جبل يصل ارتفاعه الى 1285م يحمل اسم جبل العطش من المرجح ان يقع قصر العطش شمال جبل العطش على الموقع رقم 36 المسجل على الأطلس الأثري الجزائري21.

إذا سلمنا بفرضية تحديد أسماء الأماكن الواردة عند البكري وتطابقها مع حصون قديمة فإن موزية تكتسب أهميتها ودورها المحوري حسب الجغرافي الأندلسي من سلسلة الحصون المحيطة بها. ومن هذا المنطلق وجب البحث عن موزية في موقع استراتيجي يشرف على كامل المنطقة. إنّ المدينة الوحيدة الواقعة شمال غربي المسيلة ومدينة تارمونت هي المدينة القديمة اوزيا AUZIA. إضافة الى هذه الفرضية التي اعتمدت المعطى الجغرافي والاستراتيجي نذكر معطى التقارب الطوبونيمي بين موزيا وأوزيا فمن المرجح أن يكون هناك تصحيف للاسم القديم بتعويض حرف "أ" بحرف "م".

انطلاقا من هذه المحاولة لتحديد أسماء الأماكن الأربعة الواردة في نص البكري فانه بإمكاننا الإقرار بأنّ طريق البكري في جزئها الرابط بين المسيلة وموزيا تتطابق مع الطريق القديمة ZABI-AUZIA مرورا بARAS و 22TARAESS. لقد مثلت مدينة AUZIA منذ الفترة القديمة مركزا لتقاطع الطرقات حيث تربطها طريقا شمالية بمدينة بجاية (SALDAE) وطريق غربية بمدينة برواقية (TANARAMUSA) كما يربطها طريقين بساحل المتوسط وهما الطريق AUZIA-RUSUCCARUوالطريق AUZIA-RUSGUNIAE.

بعد محطة موزيا يتجه طريق البكري الى محطة نهر بورا ثم الى محطة هاز الخالية من سكانها ثم الى إيزماما، التي من المرجح أن تكون هي نفسها محطة بن ماما التي ذكرها بن حوقل23 والإدريسي24، وما إيزماما إلا تصحيفا لابن ماما، ثم يتجه الطريق على مسافة مرحلة الى حصن تامغيلت ومنه إلى مدينة تاهرت مسافة مرحلة.

لم يقدم البكري تفاصيلا كافية لتحديد موقع هاز ولا مسار الطّريق بعد محطة موزية، ولكن رغم هذا الغموض فان الطريق المسيلة-تاهرت قد أخذت مسارا جديدا منذ القرن العاشر وذلك منذ ظهور قطب جديد في جبال الكاف الأخضر حيث لم يعد المسافر مجبرا على التوجه الى سهول الشلف (متيجة، مذكرة ...) كما في القرن التاسع ميلادي. انطلاقا من مدينة موزيا سيتجه الطريق جنوبا مارا بمضيق جبلي شرق جبل قرقور وجبل ديرة.

4.1. المسيلة -تاهرت: طريق القرن الثاني عشر

يشير الإدريسي أن الطريق المنطلقة من مدينة تاهرت تتجه إلى قرية أغير التي تبعد عنها مسافة مرحلة25 -لم يتم تحديد مكان هذه القرية- ثم يتجه الطّريق الى قرية دارست التي تعذر أيضا تحديدها. أما المحطة الثالثة فهي قرية ابن مجبر26 التي يصفها الإدريسي بأنها قرية كبيرة وقد تواصلت هذه التسمية الوسيطة إلى حد الآن حيث مازالت مدينة مجبر محافظة على نفس التسمية. وتفصل ابن مجبر عن أشير مسافة مرحلة حسب الإدريسي وتقدر المسافة الحقيقية بين مدينة مجبر وعين يوسف ب40 كلم. بعد محطة ابن مجبر يذكر الإدريسي قرية سطيت على بعد مرحلة ثم مرحلة ثانية إلى قرية هاز. رغم صعوبة تحديد قرية سطيت فإن إضافة الإدريسي تتمثل في أنّ قرية هاز تقع على بعد مرحلتين من عين بوسيف باتجاه الشرق وأن موضع هاز كثيف الرمل. وتفصل قرية هاز عن مدينة المسيلة مسافة مرحلة في طريق مباشرة دون توقف واستراحة.

إنّ استعراض النصوص الجغرافية التي تغطي أربعة قرون يهدف إلى مقارعة بعضها البعض للتعرف على موقع مدينة هاز انطلاقا من دراسة المسالك والطرقات التي تربط المسيلة بتاهرت. اختلف الجغرافيون في تحديد المسافة بين مدينة المسيلة وموقع هاز. فاليعقوبي يجعلها ثلاث مراحل وابن حوقل يذكر إنها مرحلتين والبكري يذكر موزية كمحطة رئيسية للوصول لمدينة هاز أما الإدريسي فيشير إلى مرحلة واحدة. إنّ هذا الاختلاف بين الجغرافيين مردّه اختلاف مسارات الطّريق بين المسيلة وتاهرت. لقد كان الطريق جبليا باتجاه مرتفعات وادي الشلف لكن منذ القرن العاشر عرفت شبكة الطرقات الرابطة بين بلاد الزاب ومدينة تاهرت تحوّلا جذريا.

رغم الاختلاف في مسار الطرقات فان المصادر قدّمت إشارات هامة، فابن حوقل يقدم معطى جغرافيا وهو وقوع هاز في بلاد الرّمل كما يقدم إشارة عن طبيعة التعمير حيث يذكر أنّ هاز قرية قديمة بمعنى من بناء الأُوَلِ. أما البكري فيؤكد على وجود هاز بقرب نهر شتوي وعلى أنها خالية وقد تمّ نقل أهلها إلى نهر بورا. إنّ إشارات الإدريسي تعتبر بالغة الأهميّة فالطريق انطلاقا من ابن مجبر تأخذ مسارا شرقيا باتجاه مدينة أشير ثمّ على مسافة مرحلتين باتجاه الشرق توجد مدينة هاز. ومن المرجح أن تكون هاز على محور مدينة موزية التي ذكرها البكري.

إنّ الإشارات النصيّة المختلفة تفيد أنّ مدينة هاز تقع جنوب أوزيا القديمة وشرق عين بوسيف، ومن المرجح جدا أن تكون عاصمة الحسن بن سليمان في نواحي مدينة سيدي عيسى. إنّ إشارة بن حوقل التي مفادها أنّ هاز مدينة قديمة وعظيمة يجعلنا نميل الى تحديد مدينة هاز على الموقع القديم ل GRIMIDI الذي يقع على بعد 4.5 كلم غرب سيدي عيسى و36 كلم جنوب صور الغزلان.

يحتل موقع قريميدي مكانة إستراتيجية هامة فهو محمي جنوبا بالسلسلة الجبلية لجبل الناقة (1000م) أما من الناحية الشمالية فهو محمي بكدية الشهبة. يرتبط الموقع بمسلك وحيد باتجاه الشمال يؤدي الى أوزيا وسور جواب كما ترتبط قريميدي بالمسيلة عبر منخفضات سهلية. إنّ موقع قريميدي المتميز يجعلها تشرف على كامل الحوض الغربيلشط الحضنة.

لقد احتوت مدينة قريميدي القديمة على حصن مستطيل (65 x 44م)27، كما أحيط مجال المدينة الذي تقدر مساحته ب5هكتارات بسور يبلغ طوله 1كلم28. ويشق المدينة واد الحمير الذي يقسمها إلى جزأين29. لقد كانت قريميدي تزود بالمياه من عدة عيون لعلّ أهمها عين الطلبة عبر حنايا لنقل المياه داخل المدينة وكذلك عين قريميدي التي يوجد بجانبها مبنى لتجميع مياهها30. إنّ وجود مبنى في شكل حوض كبير لتجميع المياه يمكن ان يتطابق مع وصف ابن حوقل الذي ذكر أن مدينة هاز "فيها عيون ماء مسجونة"31. لم يسبق لأيّ مصدر أن وصف العيون بالمسجونة بل كان الجغرافيون يعتمدون النعوت التالية لوصف العيون؛ "عين خرارة"32، "عين جارية"33، "عين ثرّة"34، "عين نضّاحة"35 و"عين طيّبة"36.

لقد قدّمت النصوص الجغرافية إشارات هامة حول طبوغرافية مدينة هاز حيث جعلتها في موقع رملي كما نبّهت إلى أهمية العيون داخلها. لقد اختلفت المصادر في تقدير المسافة الفاصلة بين المسيلة ومدينة هاز وذلك راجع لتعدد الطرقات بينهما. لم يربط بين المدينتين أيّ طريق مباشر إلا بعد القرن العاشر ميلادي، أما قبل هذا التاريخ فقد كان الطريق جبليا باتجاه موزيّة (سور الغزلان) ثم يتجه إلى مدن واد الشلف.

عموما لم تكن الطرقات الوسيطة جديدة بل هي طرقات موروثة من الفترة الرومانيّة، فجزء من الطريق الشمالية التي ذكرها البكري هي نفسها الطريق القديمة الربطة ZABI و AUZIA مرورا بالمدينتين ARAS وTATILTI أما الطريق الجنوبية فهي تتطابق مع الطريق القديمة الرابطة بين ZABI و CALUMNATA الواقعة شمال تاهرت مرورا ب ARAS و GRIMIDI و BOGHAR.

2. قطب حمزة :محاولة في دراسة المفاهيم الطوبونيمية وتطورها

1.2. حمزة :المدينة-السوق

         1.1.2. أصل تسمية « حمزة » 37

يعود أصل تسمية حمزة الى شخصية حمزة بن الحسن بن سليمان بن سلمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب38 وهو ابن مؤسس إمارة هاز الّذي أقطعه أرض حمزة بعد أن استكمل بناء هاز وتركيز حكمه. انفرد الرازي بتخصيصه جزءا من كتابه للحديث عن مؤسس هاز وعن اعقابه الذين استوطنوا في مجال زناتة وصنهاجة. كما انفرد الرازي بذكر أبناء الحسن بن سليمان وهم؛ أبو العباس، المهدي، إبراهيم، احمد أبو جعفر وحمزة مؤسس مدينة حمزة39 كما انفرد الرازي بذكر اعقاب حمزة حيث اعقب أربعة أبناء وهم؛ سمحلا، جبلال، القاسم، وناصر40.

لم تكن تسمية المدن نسبة الى مؤسسها في المغرب الأوسط خاصة بمدينة حمزة، فقد سبق للسليمانيين أن سموا احدى مدنهم باسم المؤسس وهي مدينة سوق إبراهيم. فاليعقوبي قد أشار الى هذه المدينة بعدما ذكر مدينة الخضراء وكتب أنّها في يد عيسى بن إبراهيم بن محمد بن سليمان41. تختلف بقية المصادر في هوية المؤسس فابن حزم42 وابن خلدون43 يريان أن المؤسس هو أحمد بن عيسى بن إبراهيم.

         2.1.2. طوبونيميا المدينة-السوق

لقد أخذت مدينة حمزة عدة تسميات فنجدها في عدة مؤلفات باسم مدينة حمزة44 كما تذكرها مصادر أخرى باسم سوق حمزة45 كما اقتصرت التسمية على حمزة كما يذكر البكري ذلك بقوله " وهناك مدينة تسمى حمزة نزلها وبناها حمزة46."

تجدر الإشارة الى اجماع المصادر على نشأة المدن أو القرى حول الأسواق حتى أصبحت كلمة سوق تمثل عنصرا قارا في طوبونيميا عدة أماكن في المغرب الإسلامي. كما تجدر الإشارة إلى أنّ طوبونيميا سوق انتشرت انتشارا كبيرا في مجال صنهاجة وبدرجة أقل في المغرب الأقصى وفي مجال الزاب المتاخم لسوق حمزة حيث يخبرنا بن حوقل بأنّ تامسنت "قرية وسوق لكتامة"47 أمّأ في سهول الشلف الواقعة غرب سوق حمزة فيذكر البكري عدّة مدن تحتوي اسماؤها على كلمة سوق مثل سوق كرام48 وسوق ماكسن49 كما يذكر بن حوقل سوق إبراهيم50. كما انتشرت طوبونيميا سوق في المغرب الأقصى مثل سوق كتامي51 الواقع على الطريق الرابطة بين مدينتي طنجة وفاس وسوق لميس52 الواقع قرب جبل درن ونهر ملويّة.

أما في شمال شرقي سوق حمزة وفي نفس مجال صنهاجة فقد عرفت طوبونيميا المنطقة عدة قرى ومدن إضافة تسمية كلمة سوق. يذكر الادريسي على الطريق الرابطة بين مدينتي بجاية وقلعة بني حمّاد؛ سوق الاحد وسوق الخميس في مناسبتين53 وسوق الاثنين54 ان أهمية هذه الطريق الاستراتيجية الرابطة بين شمال الحضنة والبحر الأبيض المتوسط كانت وراء تكوّن المدن-الأسواق جنبا الى جنب مع المدن المحصّنة (مضيق، باب، حصن)55.

لا شكّ أنّ طوبونيميا سوق حمزة المركبة من اسم المؤسس ومن كلمة سوق التي تسبقه دليلا واضحا على دور المدينة التجاري منذ تأسيسها. لقد ساعدها على لعب هذا الدور شبكة الطّرقات التي تربطها ببقية مدن افريقية والمغرب الأوسط، فهي محطة رئيسية على الطريق الرابطة بين أشير ومرسي الدجاج56 والطريق الطولية الرابطة بين سطيف وأشير57.

اجمالا عرفت طوبونيميا سوق انتشارا واسعا في مجال صنهاجة مقارنة بجميع مجالات المغرب الإسلامي، فطبيعة القبيلة المستقرة والموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تقطنه صنهاجة ساعد على انتشار المدينة- السوق على طول الطرقات الاستراتيجية.

1.2. الحائط كمصطلح شرقي للملكية العقارية

         2.2.1. مفهوم الحائط في المعاجم العربية

ان البحث حول مفهوم الحائط يفرض العودة الى المعاجم العربية لمعرفة معنى الكلمة لغة واصطلاحا. ويذكر الزبيدي الحائط في معجمه بقوله:" الحائط: البستان من النّخل إن كان عليه جدار وبه فُسِّرَ حديث ابي طلحة:" فإذا هو في الحائط وعليه خميصة " وجمعه حوائط وفي الحديث" على أهل الحوائط حفظها بالنّهار"، يعني البساتين"58 يضيف الزّبيدي في تعريف الحائط "وقيل الأرض المحاط التي عليها حائط وحديقة فاذا لم يحيط عليها فهمي ضاحية."59 يحافظ ابن منظور على نفس التّعريف للحائط لكنّه وفي سياق تعريفه للكظامة60 يورد لنا الاعناب كمضاف اليه لتعريف الحائط. لقد قدمت المعاجم تعريفا لغويا للحائط حيث اقترن المفهوم بالأرض الزراعية (نخيل، عنب...) التي يتم احاطتها بحائط لحمايتها.

         2.2.2. الحائط في المصادر العربية المشرقية

يذكر البلاذري الحوائط عند حديثه عن إيمان الحبر اليهودي مخيريق بالرّسول، حيث قام بجعل جملة حوائطه ملكا للرسول الذي قام بدوره بجعلها صدقة. ويقول البلاذري في ذلك " وكان أمر بني النضير في سنة أربعة من الهجرة، قال الواقدي وكان مخيريق أحد بني النضير حبرا عالما، فآمن برسول الله صل الله عليه وسلّم وجعل ماله له وهو سبعة حوائط فجعلها رسول الله صل الله عليه وسلم صدقة، وهي: الميثب والصّافية والدّلال وحسنا وبرقة والأعوف ومشربة ام إبراهيم."61

إضافة الى حوائط بني النضير يخبرنا ابن هشام بحوائط حرة بني حارثة التي شقها الرسول صحبة عدد من المسلمين: " فنفذ في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال لمربع بن قيظي وكان رجلا منافقا ضرير البصر، فلما سمع حس رسول الله من معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول:" ان كنت رسول الله فاني لا احلّ لك أن تدخل في حائطي."62 يخبرنا بن هشام أيضا عن حوائط أخرى لكن هذه المرة على ملك بني ظفر عند حديثه عن اسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير بقوله:" أنّ اسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الاشهل ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الاشهل بن خالة اسعد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر ." 63

حسب معطيات المصادر فان يثرب التي احتوت على أراض خصبة ومياه جارية وأبار كثيرة كانت ملائمة للنشاط الزراعي حيث ضمت هياكل زراعية مختلفة ارتكزت أساسا على الحوائط. لقد كانت يثرب تتكون من شعاب تسكنها بطون الأوس والخزرج؛ الأوس في شعاب والخزرج في شعاب واليهود في شعاب، ولقد كانت الشعاب تتألف من حوائط وكل حائط به بئر وسكن .64

لقد كانت الهياكل الزراعيّة الصغيرة الحجم بمكة يطلق عليها أيضا تسمية حوائط ويذكر الاصطخري هذه الحوائط بقوله:" وعرف ما بين وادي عرنة الى حائط بني عامر... وحائط بني عامر نخيل عند عرفة... ويُنسَبُ الى عبد الله بن عامر بن كاريز ... فاذا جزت الحرم فهناك عيون وآبار وحوائط كثيرة وأزدية ذات خضور ومزارع ونخيل.65"

لم يقتصر وجود الحوائط على شبه الجزيرة العربية بل تجاوزه شرقا ليصل سجستان حسب المقريزي عند حديثه عن تيمور في أواسط القرن الثامن للهجرة. يفيدنا المقريزي عند هروب تيمور وقطعه للنّهر باتجاه جيجون يريد خرسان انه دخل حوائط سجستان اين قبض عليه:" فهرب وقطع جيجون يريد بلاد خرسان فتحرم هناك ولزم نواحي سجستان ومفاوز باورد وماخان مدّة يخيف بها السبل ويقطع الطريق على من يصدفه فقصد في بعض الليالي حائطا من حوائط سجستان وقد اشتد به وبأصحابه الجوع فاخذ رأسا من غنم.66"

إن المتتبع لانتشار الحوائط الزراعيّة بالمشرق يلاحظ أهميتها في تشكيل المشهد الزراعي إضافة الى الحدائق والبساتين. لقد عرفت الحوائط بطبيعة إنتاجها مثل" حائط النّخيل"67 و" حائط العنب"68 و"حائط الزرع"69 أما المشتغلين في الحائط فقد أطلق عليهم تسمية "عبيد الحوائط"70.

         3.2.2. ظهور محتشم لمصطلح الحائط في الغرب الإسلامي

لقد عرفت افريقية في العصر الوسيط أسماء متعددة للهياكل العقارية الشّاسعة ووحدات الإنتاج ألفلاحي الضخمة مثل؛ المنزل، الضيعة والقرية الذين كونوا أهم عناصر المشهد الريفي في العصر الوسيط71. لئن قدّم الباحث أحمد الباهي في أطروحته توارث الملكيات العقارية من الفترة القديمة إلى الفترة الوسيطة72 مبينا اختلاف مصطلحات المنزل والقرية عن مثيلاتها في المشرق فانّه لم يذكر تواجد مصلح الحائط في إقليم السّاحل أو غيره.

رغم الهيمنة المطلقة للمنازل والقرى والضياع على المشهد العقاري بإفريقية فان مفهوم الحائط الغائب عن اغلب مجال افريقية قد ظهر قرب مدينة توزر حسب شهادة البكري:" أن يعمد الذي يكون دوره السقي الى قدس في أسفله ثقبة بمقدار يسدها وترقوس الندّاف ويملؤها بالماء ويعلقه ويسقي حائطه او بستانه."73. لقد تواصل مفهوم الحائط في الفترة الحديثة بالجريد التونسي ولكن تحت تسمية جديدة وهي الجدار، وتعني كلمة جدار المضمنة في عقود الملكية كل ملكية توجد داخل الواحة، في السانية أو في الغابة74. وفي وثيقة أرشيفية تعود إلى سنة 1840 أطلقت تسمية جدار على جنات القبّة الراجعة ملكيتها لأحمد بن محمد المعروف بمقيدش75.

كما يذكر الداعي ادريس حائطا آخر بغرب افريقية قرب مدينة بونة، دون أن يقدّم وصفا دقيقا له76. باستثناء الحائطين المذكورين (توزر، بونة) لم تذكر المصادر العربية أي وجود للحائط كهيكل عقاري ببلاد افريقية في حين تجمع المصادر الوسيطة على ظهور طوبونيميا حائط غرب بلاد الزاب وهو حائط حمزة.

         4.2.2. حائط حمزة

انطلاقا من تعريفنا لمصطلح الحائط كمكون أساسي للمشهد الزراعي وأصوله المشرقية فانه بالإمكان تجاوز التفسيرات السطحية لهذا المفهوم مثل تلك القراءات التي جعلت منه سورا أو جدارا يحمي مدينة حمزة77 وجعلت من المفاهيم المختلفة (مدينة، سوق، حائط) تسمية واحدة لنفس المكان.

يسعفنا الداعي إدريس بجملتين تتضمنان عبارة "حائط" حيث يقول في الأولى: " ورحل يوم الخميس لأربع ليال خلونا من شعبان فشقّ بلد صنهاجة حتى نزل بموضع يقال له حائط حمزة78. " ثم يقول في الثانية: " ووقف الإمام في ستة أيّام بموضع يقال له حائط حمزة وفيه وافاه زيري بن مناد."79. من الثّابت حسب شهادة الداعي إدريس أنّه حين تحدّث عن حائط حمزة لم يكن المقصود بذلك مدينة حمزة أو سوق حمزة لأنّه استعمل عبارة "موضع" في المناسبتين وهي إشارة جغرافية لا علاقة لها بالعمران. ودليلنا في ذلك استعماله لهذه العبارة عدّة مرّات في كتابه دون أن يقصد بها مدينة أو قرية: "فنزل بموضع يعرف بالهوى."80 ثمّ "نزل بموضع يعرف بالعرقوب."81 ثمّ "فنزل شرق الراعب وأقام بذلك الموضع."82. ومما يؤيد فرضيتنا بأنّ الحائط هو الملكيّة العقارية ظهير مدينة حمزة هو ما رواه الدّاعي إدريس نفسه عن صعوبة تنقل الخليفة من هذا الموضع حيث تعذّر عليه الركوب واضطرّ للمشي قدر ميل لصعوبة المسالك.

لئن كانت طوبونيميا حائط حاضرة بشكل كبير في العصر الوسيط المبكر سواء في المصادر الجغرافية او التّاريخية فانّ مصطلح الحائط كملكية عقارية اندثر في العصر الوسيط المتأخر وظهرت مصطلحات أخرى مثل "الوطا" أو "الوطأة" أو "الفحص". فابن خلدون يقول "جبال زواوة المطلة على وطا حمزة83." أما المقريزي عند حديثه عن زحف أبو حمو وبني عبد الواد الى بجاية فهو يستعمل "وطأة حمزة".84 للتعبير عن السهول المحيطة بمدبنة البويرة الحالية. أما يحي بن خلدون فقد استعمل مصطلح "فحص حمزة"85 وهو مصطلح مستعمل منذ العصر الوسيط المبكر في المغرب الإسلامي للدلالة على المناطق السهلية. فالبكري أورد عدّة فحوص نذكر منها فحص مرناق الذي يقع بين جبلين ويتألّف من ثلاثمائة وستون قرية حسب وصفه86 وفحص أبي شيار87 غير بعيد عن طنجة. وبالقرب من أغمات يذكر فحص نزار وفحص يمللو88.

بالرغم من اندثار مفهوم الحائط في العصر الوسيط المتأخر فان ابن خلدون قدّم تفصيلا لهياكل الملكية العقارية المحيطة بمدينة حمزة (وطأة، أرض). وعند تطرقه لبني يزيد وحصولهم على اقطاع من الموحدين في أرض حمزة ذكر تلال حمزة والدهوس وأرض بني الحسن89. أما عن أرض حمزة فهي ذات امتداد شاسع باتجاه وطن بجاية شرقا إلى جبال الحضنة جنوبا إلى سور الغزلان وقصر جواب شرقا. أما فيما يخص الدهوس فقد أورد ابن خلدون في موضع آخر انها تنتمي لوطن حمزة90 وتسعفنا الخرائط بالمحافظة على هذا الاسم حيث نعثر على وادي الدهوس91 القريب من مدينة البويرة. بالنسبة لأرض بني الحسن فقد قدم ابن خلدون إشارة هامة بقوله "ونزلوها ريفا وصحراء."92. نعتقد أنّ هذا الوصف لا ينطبق على المنطقة السهلية المحيطة بمدينة حمزة بل ينطبق على المنطقة الكائنة جنوب جبل الديرة والممتدة حتى مدينة سيدي عيسى لوجود السهول الرملية. أما فيما يخص أصل تسمية أرض بني الحسن فمن المرجح أن تكون نسبة إلى الحسن بن سليمان. إذا سلمنا بهذه الفرضية فان جبل الديرة يمثل حدّا فاصلا بين فحص حمزة وسهول بني الحسن وحدّا فاصلا بين قطبين حكما إمارة الهاز.

الخاتمة

تعتبر هذه المحاولة الرامية لدراسة الجغرافية التاريخية لإمارة هاز مساهمة بسيطة في الكشف عن تاريخ هذه الإمارة وعن أهم مدنها ولاسيما هاز مركز الحكم في بلاد زناتة وسوق حمزة كقطب ثان في بلاد صنهاجة. لقد مثلت هذه الإمارة النّاشئة في منتصف القرن الثاني للهجرة حدثا تاريخيا بارزا حيث تركزت على حدود ثغر الزاب شرقا وعلى حدود الإمارات السليمانية غربا وعلى حدود الإمارة الرستمية جنوبا ودامت قرابة قرن من الزمن في مجال متحرك.

لئن ساهمت دراستنا في محاولة تحديد مدينة هاز وتقديم مقاربة طوبونيميا جديدة لمدينة حمزة فانّ الأبحاث في الجغرافية التّاريخية الخاصة بهذا المجال مازالت في بداياتها خاصة في مسألة تحديد حدود الإمارة وكيفية السيطرة على هذا المجال الشاسع إداريا ودراسة أهم مدنه التي لعبت دورا جوهريّا واستراتيجيا مثل سور الغزلان وقصر جواب.

.خريطة 1. موقع إمارة هاز في الغرب الإسلامي
المصدر : خريطة للمؤلف
.خريطة 2. خريطة إمارة هاز في القرن الثالث للهجرة
المصدر : خريطة للمؤلف

خريطة 3. تحديد موقع مدينة هاز
المصدر : carte topographique North Africa, Zahrez chergui,1/250000

الهوامش

1 محمد الطالبي، 1985، ص 645.
2 مبارك الميلي ، 1986، ج2، ص104-105.

3 Bakhta Moukraenta, 2005, p. 671 ; Ramzi Bedhiafi, 2020, p. 1-14; Jean Pierre Laporte, 2009, p. 441-448 ;

محمد الصديقي،2020، ص 61-143 ; سليمان بهلولي، 2011، ص 61-.143.

4 Jean Pierre Laporte, 2002, p. 156 ; Jean Pierre Laporte, 2009, p. 441-448.
5 Bakhta Moukraenta, 2005, p. 671.
6 Ahmed M’charek, 2010, p. 243-244.

7 اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، 1860، ص142-143.

8 Ramzi Bedhiafi, 2014.

9 الزريقي، محمد عمراني، 2017، ص 150-151.
10 ابن حوقل ، 1992، ص86.
11 ابن حوقل ، 1992، ص86.
12 ابن حوقل ، 1992، ص86.
13 ابن حوقل ، 1992، ص86.
14 البكري أخذ معلوماته عن محمد بن يوسف الورّاق(292هـ-362هـ/905-973م) وهو جغرافي ومؤرخ لم تصلنا مُؤلفاته وأخذ عنه البكري جلّ معلوماته لأنه لم يزر إِفريقيّة لذلك فإنّ هذا الوصف للطّريق يعود للنّصف الثاني من القرن العاشر ميلادي.

15 Ahmed M’charek, 2010, p. 243.

16 إِن الجغرافيين العرب كانوا يطلقون على المدن أو الحصون الرومانيّة أو البيزنطيّة عبارات؛ "مدن جليلة"، "بنيان الأول"، "مدينة عظيمة". كما كانوا يطلقون تسمية "الصّخر الجليل" على المداميك المصقولة. انظر:

Houcine, Djaidi, 1977.

17 البكري، 1992، ص830.

18 Jean Pierre Laporte, 2002, p.157.
19 M, Christophe, 1938, p. 273-293.

20 البكري،1992 ، ص 830.

21 AAAlg, Akbou, 1/200000, f° 15, n° 36.
22 Pierre Salama, 1951, cartes hors texte

23 ابن حوقل ، 1992، ص 86.
24 الإدريسي، 2002، ص 256.
25 الإدريسي، 2002، ص 256.
26 الإدريسي، 2002، ص 256.

27 Laporte, Jean Pierre, 2009, p. 446.
28 Laporte, Jean Pierre, 2009, p. 446.
29 Laporte, Jean Pierre, 2009, p. 446.
30 Laporte, Jean Pierre, 2009, p. 446.

31 ابن حوقل،1992 ، ص 86.
32 البكري، 1992، ص724 .
33 ابن حوقل، 1992، ص 87.
34 ابن حوقل، 1992، ص 87.
35 البكري، 1992، ص .707
36 ابن حوقل،1992 ، ص 87.
37 أنظر: رمزي بضيافي، 2021، ص 112-118.
38 البكري، 1992، ص 830.
39 الرازي، فخر الدّين محمد بن عمر، 1409 هـ ، ص 162.
40 الرازي، 1409هـ ،ص 162.
41 اليعقوبي، البلدان، ص142
42 ابن حزم، 1982، ص 55
43 ابن خلدون، عبد الرحمان، 2000، ج4 ، ص22
44 البكري، 1992، ص730
45 ابن حزم، 1982، ص55؛ البكري، 1992، ص730
46 البكري،1992 ، ص 730
47 ابن حوقل، 1992، ص87
48 البكري، 1992، ص725
49 البكري، 1992 ، ص 731
50 ابن حوقل، 1992، ص89؛ اليعقوبي، 1860، ص143
51 البكري، 1992، ص 788
52 البكري، 1992، ص835
53 الادريسي،2002 ، ص262
54 الادريسي، 2002، ص263

55 Mohamed Meouak, 2006, p.173-193.

56 البكري، 1992، ص730.
57 ابن حوقل، 1992، ص 85.
58 الزّبيدي، 1994، ج 10، ص226.
59 الزّبيدي، 1994، ج10، ص226.
60 ابن منظور، د ت، المجلد الخامس، ص3878.
61 البلاذري ، 1988، ص27.
62 ابن هشام، 1994، ج III، ص 28.
63 بن هشام،1994 ، جII، ص .83
64 الملاح، هشام يحي، 1971، ص24.
65 الاصطخري، 1927، جI، ص17
66 المقريزي، 2002، ج I، ص298
67 ابن خلدون، ا2000، ج 2، ص 434
68 ابن منظور، د ت، ص3878
69 الطبري، 2020، ص1349
70 الطبري، 2020، ص1779
71 احمد الباهي ، 2004، ص 328
72 أحمد الباهي ، 2004 ص 218-350
73 البكري، 1992، ص709

74 Abdelhamid Henia, 1988, p. 85.
75 Abdelhamid Henia, 1988, p.65.

76 الدّاعي ادريس، 1985 ، ص384.
77 محمد الصدّيقي ، ص 95.
78 الدّاعي ادريس ،1985 ، ص 217 .
79 الدّاعي ادريس، 1985 ، ص 405.
80 الداعي ادريس، 1985 ،ص 221.
81 الداعي ادريس، 1985 ،ص 221.
82 الداعي ادريس، 1985 ،ص 229.
83 ابن خلدون،2000 ، ج 6، ص 551.
84 المقريزي ، ج 3، ص 245.
85 ابن خلدون، أبو زكريا يحي ، 1903،ج 1، ص 155.
86 البكري،1992 ، ص 694.
87 البكري،1992 ، ص 794.
88 البكري، 1992، ص 844 .
89 ابن خلدون، 2000، ج6، ص55.
90 ابن خلدون، 2000، ج6، ص56.

91 Carte topographique, Akbou, 1/200000, f° 15.

92 ابن خلدون،2000 ، ج6، ص55.

المصادر والمراجع

المصادر :

الادريسي، أبو عبد الله محمد،2002 ، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة .

ابن حزم، أبو محمد علي، 1982، جمهرة انساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الطبعة الخامسة، دار المعارف، القاهرة.

ابن حوقل، أبو القاسم، 1992، صورة الأرض، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.

ابن خلدون، أبو زكرياء يحي،1903، بغية الروّاد في ذكر الملوك من بني عبد الواد، مطبعة بيير فونطانا الشرفية، الجزائر.

ابن خلدون، عبد الرحمان، 2000، تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشّأن الأكبر، دار الفكر، بيروت.

ابن هشام، أبو محمد عبد الملك، سيرة النبي،1994 ، تحقيق فتحي نور الدابولي، دار الصحابة للتراث بطنطا، مصر.

ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، المجلد الخامس، القاهرة، د ت.

الاصطخري، أبو إسحاق إبراهيم،1927، المسالك والممالك، ليدن.

البكري، أبو عبيد،1992، كتاب المسالك والممالك، حقق وقدّم له أدريان فان ليوفن وأندري فيري، الدار العربيّة للكتاب.

البلاذري، احمد بن يحي بن جابر،1988، فتوح البلدان، مكتبة الهلال، بيروت.

الدّاعي إدريس،1985 ، عيون الأخبار وفنون الآثار، حقق محمد اليعلاوي الجزئين الخامس والسادس منه ونشرهما بعنوان: تاريخ الخلافة الفاطمية بالمغرب، بيروت.

الرّازي، فخر الدّين محمد بن عمر،1409 هـ ، الشّجرة المباركة في أنساب الطّالبية، تحقيق مهدي الرّجائي، مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، قم.

الزّبيدي، محمد مرتضى الحُسَينِي،1994، تَاج العروس في جواهر القاموس، تحقيق إبراهيم الترزي، دار الفكر للطباعة والنّشر، بيروت.

الطبري، أبو جعفر محمد،2020، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، الرياض.

المقريزي، تقي الدين أحمد،2002، درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، تحقيق الدكتور محمود الجليلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب،1860، كتاب البلدان، ليدن.

المراجع :

الباهي، احمد،2004، سوسة والساحل في العهد الوسيط: ق I-V هـ / من القرن VII-XIم :محاولة في الجغرافية التّاريخية، مركز النشر الجامعي.

بضيافي رمزي،2021، "إمارة هاز: نسب المؤسسين وإشكالية التّأسيس"، تاريخ العلوم والحرف والصنائع بالمغرب الأوسط في الوسيط والحديث، دار نواصري للطباعة والنّشر، الجزائر، ص 112-118.

بهلولي سليمان ،2011، الدولة السليمانية والامارات العلويّة في المغرب الأوسط 173-342 هـ/ 789-954 م، وزارة الشؤون الدينيّة والأوقاف، الجزائر .

الصديقي محمد،2020 ، بلاد حمزة تاريخ وحضارة، جامعة البويرة، الجزائر.

الطالبي محمد، 1985 ، الدولة الأغلبية التّاريخ السياسي 184-296 ه/ 800-909 م، تعريب المنجي الصيّادي، مراجعة وتحقيق حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي .

الزريقي، محمد عمراني،2017، اليوم والليل وحدتا قياس غير ثابت ولا مضبوط في مغرب وأندلس العصر الوسيط ، كان التاريخية، العدد الخامس والثلاثون.

الملاح هشام يحي، 1971، الوسيط في السيرة النبوية والخلافة الرّاشدة، دار الكتب العلمية، بيروت.

BEDHIAFI, Ramzi, 2014, Le " Bilād al-Zāb" à l'époque médiévale: Etude historique et archéologique, 2 tomes, thèse de doctorat soutenue à la Sorbonne, Paris.

BEDHIAFI, Ramzi, 2020, « La province du Hāz et les Alaouites (IIIe-IVe siècle de l'hégire) : histoire d'une province et d'une communauté alaouite disparues »,Revue de la Méditerranée, t. VII p. 1-14

CHRISTOPHE, M., 1938, Rapport sur les travaux de fouilles et consolidations effectuées en 1933-1934-1935-1936 par le service des monuments historiques de l'Algérie, Alger.

DJAIDI, Houcine, 1977, Les sites antiques de l'Ifriqiya et les géographes arabes, mémoire pour le certificat d'aptitude à la recherche, université de Tunis.

HENIA, Abdelhamid, 1988, Le Grid, ses rapports avec le Belik de Tunis (1676-1840), publication de l'université de Tunis, Tunisie.

LAPORTE, J.P., 2002, " Zabi, Friki: notes sur la Maurétanie et la Numidie de Jusinien", Antiquité tardive, 10, p.151-167.

LAPORTE, Jean Pierre, 2009, " Trois site militaires sévériens en Algérie moyenne: Grimidi, Tarmount (Aras), al-Gahra", Africa Romana, n° 8, p. 439-478.

MOUKRAENTA, Bakhta, 2005, L'Algérie antique (Maurétanie césarienne, sétifienne et Numdie) à travers les sources arabes du Moyen Age, thèse de doctorat, Aix en Provence, 2005.

M'CHAREK, Ahmed, 2010 "De Tacite à ibn Khaldun, à la recherche de deux tribus berbères:Masofi (Masufa) et USINAZENSES ( Banu Sinag/Sanhadja), Actes du 7ème colloque international sur l'histoire des steppes tunisiennes, Sbeitla, p.239-262.

MEOUAK, Mohamed, 2006, "Fortifications, habitats et peuplements entre Bougie la Qal'a des Banu Hammad", Mélanges de la Casa de Velasquez, p.173-193.

SALAMA, P., 1957, Les voies romaines de l'Afrique du nord, Alger.

الكاتب

رمزي بضيافي

أستاذ مساعد متعاقد، المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس، مخبر الآثار والعمارة المغاربية.

Retour en haut