Information
A propos Al-Sabil
Numéros en texte
intégral
Numéro 11
2021 | 11
وثائق عثمانية حول حرب الإيالات الثلاث: طرابلس الغرب، الجزائر وتونس نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر
مُؤيّد المناري
الفهرس
المقدمة
أزمة العائلة المراديّة والحرب مع الجزائر: إرسال المبعوث التركي "عثمان" في وفد لغرض الصلح
إبراهيم الشريف: ولاؤه للعثمانيين، وانقلابه على الحكم ورغبته في تأسيس سلالة
حكم شريفي
تواصل الحرب بين وجقي تونس والجزائر وتحرّك الدولة العثمانيّة لتكليف عبد القادر باشا زاده أحمد باي كمبعوث للصلح
استئثار حسين بن علي بالسلطة وطلبه اعترافا من السدّة العليّة
الخاتمة
الملخّص
يُقدّم هذا المقال محاولة جديدة لاستقراء بعض الأحداث السياسية التي حفت بنهاية حكم مراد الثالث وتنصيب إبراهيم الشريف واعتلاء حسين بن علي الحكم بإيالة تونس، وذلك في علاقة مباشرة ووطيدة بأطوار الحرب التي جدّت بين الأوجاق الثلاثة؛ طرابلس الغرب والجزائر وتونس في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الذي يليه. وهذه المحاولة أو القراءة – ذات التمشي الأكاديمي- تعتمد على وثائق أرشيفيّة عثمانيّة تنشر لأول مرّة، موضوعها موقف الباب العالي من هذه الحرب الضروس التي اندلعت بأوجاق الغرب. وبدورنا كمؤرخين لم نقف على وقوع الحدث كفعل حصل وانتهى فقط، بل حاولنا جاهدين أن نبحث عن الأسباب الحقيقة لاندلاع هذه الحروب، ولمقتل باي وتنصيب آخر، وذلك بمقارنة معطيات هذه الوثائق ومعطيات مصادر التاريخ العثماني- التركي ومصادر التاريخ التونسي الحديث فيما بينها، لنتمكن من فهم حقيقة تبلور الأحداث وخاصة مسألة مراعاة المصالح الخارجية وكلمة أصحاب القرار والفاعلين في مجمل سير أحداث هذه الفترة الغامضة بين نهاية العهد المرادي وبداية الحسيني. فمثلا لم يكن مقتل مراد الثالث دون أي سبب يذكر، ولم يكن تنصيب إبراهيم الشريف من قبيل الصدفة، ولم يكن اعتلاء حسين بن علي باي الحكم برضاء الأهالي واستبشارهم، ولم يكن أيضا عدم ذكر المصادر التاريخية للتونسية أمر تصفية حسين لإبراهيم الشريف صدفة. وعليه يُبيّن هذا المقال كيف أن اعتلاء « كرسي الإيالة » لم يكن أمرا بمنأى عن الصراعات الخارجيّة والداخليّة والتحالفات والمصالح الاستراتيجيّة لدول المتوسط، فإيالة تونس التي تُشَطّرُ حوضي المتوسط تمثل نقطة استراتيجية هامة لعالم القرصنة والتوسع البحري والبري، وبناءُ علاقات صديقة مع سيّدها أو الحيطة منه، كان أمرا يشغل الأجوار وكبار القوى المتوسطية على حد السواء.
الكلمات المفاتيح
حرب أوجاق الغرب، مراد الثالث، إبراهيم الشريف، حسين بن علي التركي، إيالة تونس، نهاية ق 17م، بداية ق 18م.
Résumé
Dans cet article, nous avons essayé de démontrer quelques détails micro-historiques en relation étroite avec le déroulement de quelques évènements d’aspect « politique » de la régence de Tunis à la fin du XVIIe et à l’aube du XVIIIe siècles.
En se basant sur une documentation ottomanes inédites, et sur d’autres sources historiques tunisiennes et européennes, nous sommes parvenus à nous arrêter sur des nouvelles constatations qui mettent au clair cette phase, peu abordée par les historiens, et marquée essentiellement par le déclenchement d’un conflit sanglant entre les trois régences du Maghreb, l’assassinat prémédité de Murad III et d’Ibrahim Chérif, et aussi la louche ascension de Hussein b. Ali au pouvoir. Cet accès au trône qui nous paraît empreint de magouilles dont on ne parle pas dans les documents historiques d’usage.
Cette brève étude nous a permis de conclure que monter sur le trône de la régence de Tunis, n’était pas une affaire intérieure. Ce sont plutôt les grandes puissances du bassin méditerranéen qui décident du sort de ce trône.
Mots clés
guerre des régences du Maghreb, Murad III., Ibrahim chérif, Hussein b. Ali, Régence de Tunis, fin du XVIIe et début du XVIIIe siècle.
Abstract
In this article, we have tried to demonstrate some micro-historical details closely related to the unfolding of some events of a « political » aspect of the regency of Tunis at the end of the 17th and at the dawn of the 18th centuries. Based on unpublished ottoman documentation, and on other Tunisian and European historical sources, we have managed to focus on new findings that clarify this phase, little approached by historians, and marked mainly by the outbreak of a bloody conflict between the three regencies of the Maghreb, the premeditated assassination of Murad III and Ibrahim Cherif, and also the shady rise of Hussein b. Ali in power. This access to the throne which seems to us imbued with scheming which is not mentioned in the historical documents of use.
This brief study allowed us to conclude that ascending the throne of the regency of Tunis was not an internal matter. Rather, it is the great powers of the Mediterranean basin who decide the fate of this throne.
Keywords
war of the Maghreb regencies, Murad III., Ibrahim Cherif, Hussein b. Ali, Regency of Tunis, late 17th and 18th century.
المرجع لذكر المقال
مُؤيّد المناري، « وثائق عثمانية حول حرب الإيالات الثلاث: طرابلس الغرب، الجزائر وتونس نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 11، سنة 2021.
URL : https://al-sabil.tn/?p=12433
نص المقال
عرفت الإيّالات العثمانيّة ببلاد المغرب أو ما يُسمى في وثائق الأرشيف العثماني بـ « أوجاق الغرب »، فيما بينها أزمات سياسيّة حادّة وحروبا ضارية طغت على سير مُجمل أحداث تاريخها في العصر الحديث. وطالما انتهت هذه الأزمات التي تُغذيها مطامع الاستئثار بالحكم والنزعات الانتقاميّة باصطدامات عسكريّة واجتياحٍ للقُرى والمدن، ولعلّ أخطر هذه الحروب هي تلك التي تأججت في أواخر القرن السابع عشر وبداية القرن الذي يليه بين الثلاث إيالات طرابلس الغرب والجزائر وتونس. نُريد بمقالنا هذا التركيز على هذه الحرب وإبراز موقف العثمانيين من الصراع الدموي الذي نشب بين « الأجوار » على حدّ تعبيرهم. كما سنعرض للباحثين المهتمين في هذا الصدد ولأول مرّة نُسخ أحكام الصُلح العثمانيّة الصادرة عن الديوان الهمايوني بإستانبول والتي أُرسلت إلى حكام الإيالات فيما يخص التنديد بوقف الحرب والدعوة للصلح. سنحاول أيضا في نفس سياق العمل وبالاعتماد على وثائق ومصادر تاريخية عثمانيّة، أن نُوضّح بعض التفاصيل التاريخيّة المتعلّقة بإبراهيم الشريف وبسنوات حكمه القصيرة، هذا الداي الباي والباشا الذي لا نعرف عنه الكثير لشحّ مادتنا المصدريّة وتسترها على بعض الأخبار عمدا.
أولا: تقديم الوثائق
أثناء بحثنا في أرشيف رئاسة الوزراء بمدينة إستانبول، عثرنا على وثائق أرشيفيّة في غاية الأهمية، حيث يتعلّق موضوعها بفترة انتقاليّة من تاريخ تونس في العصر الحديث، وتحديدا، تلك السنوات التي تفصل بين نهاية حكم السلالة المراديّة وبداية ترسيخ حكم العائلة الحسينيّة بتونس. والوثيقة الأولى1 هي من تصنيف عليّ أميري بين سنتي 1918 – 1921، وهذا التصنيف يحتوي على وثائق تتعلق بأحداث سياسيّة وعسكريّة جرت منذ نشأة الدولة العثمانيّة إلى نهاية حكم السلطان عبد المجيد. كما يشمل هذا التصنيف وثائق أخرى تحتوي على توجيه التيمار والزعامات، وأخرى تذكر أخبار مناسبات تشريفيّة دارت في مختلف الإيالات العثمانيّة. ويحتوي هذا التصنيف على 22.090 وثيقة أرشيفيّة، تم ترتيبها إلى 54 ملف ترتيبا « كرونولوجيا » وبوّبت حسب تواريخ فترات حكم السلاطين العثمانيين. هذه الوثيقة مؤرخة بـأواخر نوفمبر سنة 1704، وقد احتوت على نصّ صغير وهو عبارة على تعيين المبعوث الكابجي عبد القادر باشا زاده أحمد في رتبة بكلربكلي تونس، أي الوالي العمومي للإيالات العثمانيّة وبالتحديد على تونس. أمّا عن الوثيقة الثانية2 فهي تتكوّن من ثلاثة أحكام سلطانيّة، تحمل تاريخ أواسط شوال 1117 هـ / الموافق لنهاية جانفي 1706 م، وكتبت بخطِ الثلث الجليّ الجميل، من طرف كتّاب الديوان الهمايوني، ثم أُرسلت في البحر إلى أوجاق إلى تونس والجزائر وطرابلس الغرب، وهي أحكام نُصحٍ لأوجاق الغرب بإيقاف الحرب وعدم إثارتها مرة أخرى وبالتزام كل إيالة بالحدود المتعارف عليها والإتحاد والاتفاق على حماية الديار الإسلاميّة. أمّا عن الوثيقة الثالثة3 فهي من تصنيف المُعَلِّمْ رِفْعَتْ جَوْدَتْ، الذي قام سنة 1932 بترتيب وثائق أرشيف الماليّة التي أتلف قسم كبير منها. يحتوي هذا التصنيف على وثائق تتعلق بالشؤون العسكريّة، من بينها وجدنا هذه الوثيقة المؤرخة بأواخر سنة 1707، وتحتوي على نصّ كتبه أحدُ رياس البحر طلب فيه السلطان تسليم فرمان « عالي الشأن » تهنئة للباي حسين بن علي لاعتلائه منصب البايليك في تونس. سنقوم في مقالنا هذا باستقراء مجموع هذه الوثائق واستخراج معطياتها الجديدة وتنزيلها في محور أحداثها وفي ظرفيتها التاريخيّة، محاولين في ذلك النظر والتحقيق في الأسباب والعوامل التي دفعت لتشكُّل مجرى أحداثٍ تاريخيّةٍ مفصليّة وغامضة في آن واحد، من تاريخ العصر الحديث.
1. أزمة العائلة المراديّة والحرب مع الجزائر: إرسال المبعوث التركي "عثمان" في وفد لغرض الصلح
في الحقيقة، عوض أن تتدخل الجزائر بالصلح بين أبناء العائلة المراديّة والتوسّط لحلّ الأزمة بالتزام موقف الحياد، انساقت وراء الفتن وساندت مراعاة لمصالحها السياسيّة شقا على حساب آخر، وهذا ما جعلها تكون عرضة لهجمات وردّ فعل تونسي أثر على أمنها الداخلي في فترة لاحقة. وفي خضم الصراع بين محمد باي بن مراد الثاني وعمّه محمد الحفصي وحليفه عليّ باي، تدخل الجزائريون لتعزيز صفوف هذا الأخير الذي صاهر شيخ قبيلة الحنانشة على ابنته. كما أنهم تدخلوا مرّة ثانية لمساندة شقّ الأخوين المتحدين من جديد ضدّ الداي أحمد شلبي الثائر على الحكم في تونس، ليعكسوا موقفهم مرّة ثالثة – بعد وفاة عليّ باي – بالموالاة لمحمد بن شكر في أفريل من سنة 1694، ومساعدته على دخول الحاضرة تونس وتقلّد منصب البايليك إلى تاريخ استعادة الباي محمد لمنصبه في جويلية
41695.
لقد أرجع الدارسون أسباب الأزمة التي ميّزت هذه اللحظة العنيفة من تاريخ البيت المرادي – وهم على تمام الصواب – إلى متغيرات الظرفيّة الإقليميّة في المتوسط، مثل الصعوبات الاقتصادية التي عرفتها أوروبا المركنتيليّة في نهاية القرن السابع عشر والتي انتقل وقعها على تونس بركود التجارة وتعطّل تصدير الزياتين5، كما أن الخلاف السياسي بين طائفة الدايات والبايات الحكام الجُدد زاد الطينة بلّة لتندلع أزمة أهليّة تدخّل فيها جند أتراك الجزائر حسب المصالح المُسطّرة نصب أعينهم آنذاك. لكنّنا نؤكد على أن أهم سبب لهذه الأزمة العميقة التي عرفتها إيالة تونس هو الصراع على كُرسي الحكم وفرض كل شقّ أحقيّة شرعيّته لافتكاك منصب البايليك. وهذا المعطى تدور حوله كثير من العوامل الداخليّة والخارجيّة التي تتحرّك طبقا للمصالح الجيوسياسية المفروضة على المتوسط في القرن السابع عشر. وفي سياق الصراع البارز بين التيار المحافظ على الولاء لسلاطين بني عثمان وبين النزعة الاستقلاليّة المنتهجة والمتمثلة في صعود الباي وتجذّر حكمه بالإيالة واستئثار البايات بالحكم، سجّلت الجزائر حضورها التسلّطي ربّما رغبة منها في ترميم واسترجاع منصب الداي بتونس، وتعطيل مسار بروز الباي. كما أن رغبتهم الكبيرة في السيطرة الكليّة على هذا الوجق وضم حيّزه الترابي الغربي، كان دافعا للتدخل اللّامشروط، والحال أن بعض القبائل الكبيرة (الحنانشة وشنوف) – التابعة قديما لمجال نفوذ المخزن الحفصي – أصبحوا أداة ضغط استعملها الجزائريون ضدّ بايات تونس بعدما أزعجهم سعي الطرف التونسي لإحداث الحدود وضبط المجال الجبائي، خاصة سنة 1628.
1.1. صدى المعركة في إستانبول وإرسال وفد للصلح بزعامة الكابجي باشي عثمان وبعض الأمراء العثمانيين
عند اشتعال نار الفتنة بين وجقي تونس والجزائر في مغيب القرن السابع عشر، وبالتحديد في أوجها سنة 1694 – 1695، تحركت الدولة العثمانيّة وأصدر كُتّاب ديوانها الهمايوني بأمر من السلطان أحمد الثاني (1691 – فيفري 1695) أمرا عليّا تمحور موضوعه حول الإيقاف الفوري للحرب والدعوة للصلح وحلّ الإشكال بين الإيالتين على أسس الشرع. يذكر الفرمان الموجّه لكلّ من الإيالتين والمؤرخ بـ 27 جمادى الأولى من سنة 1106 هــ / 13 جانفي 1695، أن علماء وصلحاء تونس وزمرة من عسكرها تقدموا بشكوى للباب العالي وضّحوا فيها المضرّة التي لحقتهم جراء محاربة عسكر الجزائر لتونس. نظر الديوان العثماني في هذه القضيّة وتم استدعاء أعيان رياس البحر وكبار رجال البكلربايات، واتفق الرأي على ارسال وفد لتونس يضم الميرميران دستاري محمد باشا وعمر باشا والي الموصل المعزول ويتقدم هذا الوفد أحد رجال القصر العثماني الدركاه المعلى الكابجي باشي عثمان مصحوبين بفرمان سيقرأ في مراسم شرفيّة بديوان مدينة تونس.
لكّن الفرمان يوضح أن هذا الوفد قد وصل ميناء طرابلس الغرب ولم يتمكّن من الدخول لتونس بسبب حالة الحصار والحرب والقلاع المدمرة وعدم استتباب الأمن، وقد جاء وصف للحالة التي عليها الوجق آنذاك بطريقة نقليّة كالآتي: « بحكمة الله تعالى، لم يتمكّن الدركاه المعلى عثمان من الوصول إلى تونس، فعند نزوله في طرابلس الغرب أراد التوجّه إلى تونس وعند أخذه الطريق وجد بعض القلاع قد أخذت وفي حالة دمار جراء ضربات المدافع، ووجد إيالة تونس محاصرة وبعض جوامعها ومدارسها ومساجدها وكتاتيبها متضررة بكور المدافع والغارات… ». كما يفيدنا نص الفرمان أن الطرقات بين القرى والمدن التونسيّة في الجنوب قد قطعت وذلك لمنع نقل الذخيرة.
علاوة على الدعوة للصلح والاتحاد، ركّز العثمانيون في نص الأمر العالي على توخي الحذر من « أعداء الدين »، ويقصد بذلك النصارى، وكأنه يرجع سبب الفوضى والحرب التي يعيشها الوجقين ليد خفيّة تعمل لمصلحة « الكفار » في كسر حدود الديار الإسلامية بتلك المنطقة، فقد ذكر أن « كل هذا يضر بالبلاد الإسلامية ويقوى اتحاد واتفاق أعداء الدين الذين يخططون للهجوم برا وبحرا على الأمة المحمديّة لإلحاق الضرر بمساجدها وجوامعها ». كما أوصى الفرمان في مناسبة ثانية على التعاون والرجوع للجهاد والغزو البحري وتحضير العدّة والعتاد والرجال والخروج في البحر بالسفن والأغربة والالتحاق بالمسلمين بجزيرة « صكيز » وتخليصها من أيدي البندقيين الذين احتلوها سنة 1694. ومن خلال هذا نلاحظ أن العثمانيين قد انزعجوا من اندلاع الحرب بين جند أتراك الجزائر وبين حكام تونس المراديين، وهذا طبيعي إذا علمنا أن قراصنة وبحارة تونس والجزائر كانوا يمثلون الجناح العسكري للعثمانيين في المعارك البحرية، منذ أيّام الكليج عليّ باشا إلى حرب القرم، وكانت مشاركتهم مشرّفة دائما وتنتهي بالنصر، والأمثال في ذلك عديدة. ويمكن فهم هذا « الاتهام » الموجه لطائفة النصارى عند الرجوع إلى الأحداث التي سبقت معركة افتكاك قلعة كنديّة بجزيرة كريت، المعركة البحرية التي دارت بين العثمانيين والقوات البحرية الإيطالية والإنجليزية، حيث قام الإنجليز قبل المعركة بأيام بالهجوم على الموانئ العسكرية التونسية وتحطيم السفن والأغربة والغليونات لمنع القراصنة والبحارة التونسيين من الوصول إلى بحر إيجة ومساعدة العثمانيين في حربهم6. وأمام فشل هذه السياسة اللّادبلوماسية، وحسب الإشارة الصريحة الواردة في الوثائق، يبدو أن القوى الأجنبية انتهجت سياسة جديدة تتمثل في إثارة الهرج بين أوجاق الغرب والدفع إلى وضعية عدم الاستقرار وتأجيج الحرب لكي ينشغل العساكر والجيوش والبحارة – القراصنة بحرب جديدة مع الأجوار ويتأخر بالتالي المدّ البحري على العثمانيين في معركة كبرى هذه المرّة، وهي معركة افتكاك جزيرة « صكيز ».
لذا سعى العثمانيون المهددين في خسارة جزيرة « صكيز » القريبة جدا من مدخل البوغاز، ليعملوا جاهدين لتحقيق الصلح بين الجزائر وتونس، ورغم صعوبة الوضع وخطورة الموقف الذي أرسل من أجله الوفد الذي لم يتمكن من دخول تونس، التجأ العثمانيون لطلب قدوم وكلاء من الطرفين إلى إسطنبول لحل الخلاف بالاعتماد على ما جاء في الشرع الشريف وبحضور زمرة وزراء السلطان وقاضي عسكره الذين وصفهم بـ «العظام ». كما انتهج السلطان أسلوب الترغيب والتهديد ففي لهجة صارمة جاء في الفرمان أن كل من سيخالف أمره – الذي سيُخالف حتما – سينكسر وينْفذ فيه دعائه.
2.1. تواصل العراك بين الوجقين: حملة مراد الثالث على قسنطينة
تعوزنا المصادر في معرفة ما آلت إليه توصيات أمر السلطان، لكن يبدو أنّها لم تُسْفر عن شيء، فقد فهمنا من نص الفرمان أن الوفد المبعوث لم يتمكّن من الدخول إلى تونس، ولا شكّ أنه رجع أدراجه، ما أجبر السلطان دعوة الوكلاء إلى إسطنبول لإيجاد حلّ للمشكل بتحكيم الشرع. لكن بعد هدنة لم تتجاوز أربعة سنوات، استُأنف العراك بين الوجقين وذلك بتجاسر هذه المرّة من مراد الثالث وذلك يعود حسب المصادر إلى عدم اعتراف الجزائريين بولايته، فقد أرسل هدايا للجزائر قُوبلت بالردّ وإظهار « العداوة والبغضاء » على حدّ قول الوزير السراج7. هذا ما جعل مراد يعقد ديوانا عزم فيه على محاربة الجزائر وتجهيز حملة عسكريّة مدجّجة بآلات الحرب والمدافع. استهدفت حملة مراد الثالث سنة 1700 سنجق قسنطينة، نكّل فيها بعد وصوله بأهلها وضرب عليها حصارا بعد معركة قتل فيها كثير من العسكر الجزائري وأقام عليها بعدما حاز زوجة عليّ خوجة باي السنجق8. كما تدخّل خليل باي طرابلس الذي يُفهم أنه كان معترفا بولاية مراد، وساعده في الانتقام من القيروان التي أغلقت أبوابها دونه، وقد لازمه في حصار قسنطينة وساعده على محاربة أهلها بالرجال والعتاد، لكن سرعان ما حُسم الأمر في واقعة « جوامع العلماء » بعد تعزيز صفوف عسكر قسنطينة بجند من أتراك الجزائر لينهزم جيش مراد من زواوة ويقتّل منهم الكثير ويفرّ خليل باي في 3 أكتوبر من نفس السنة9. ومنذ هذا التاريخ تشبّث الجزائريون الذين حشروا أنفسهم منذ البداية فيما لا يعنيهم، تشبّثوا بالانتقام والتدخل العسكري المعلن، ومواصلة التدخّل في شؤون الإيالة التونسيّة حتى بعد مقتل مراد الثالث وتصفية قضيّة قسنطينة، ولم يختاروا السلم رغم توصية الباب العالي الملحّة والشديدة. فهل أن إبراهيم الشريف كان البيدق الذي لعبه الجزائريون أصحاب الكلمة القويّة والنافذة للانتقام من خليل باي طرابلس وتأجيج حرب ثلاثيّة بين الأوجاق الثلاثة؟ من هو إبراهيم الشريف وكيف كان بروزه في سياق تطوّر الأحداث؟
2. إبراهيم الشريف: ولاؤه للعثمانيين، وانقلابه على الحكم ورغبته في تأسيس سلالة حكم "شريفي"
1.2. من هو إبراهيم الشريف ؟
لم يكن إبراهيم الشريف شخصيّة مُسقطة أو مُستحدثة لحشرها فجأة في سير أحداث تاريخ بداية القرن الثامن عشر، بل كان هو المفتاح والشخص الذي وقع اختياره من قبل الفاعلين وأصحاب القرار لإنهاء شطحات مراد الثالث والانتقام للجزائريين والانتقال بتونس لمرحلة السلم النسبي.
هو إبراهيم الشريف الزرقاني من عمل باجة حسب شهادة عيسى الكناني القيرواني10. وهو رجل نشأ وكبر في تركيا، ويُقال إنه أتى لتونس مع العسكر الذي صاحب محمد بن شكر في حملته ضد محمد باي، وأنه سُجّل في ديوان جندها، ثم مكث في قفصة إلى أن ارتقى وصار آغة السباهيين الأتراك بتونس11. لكننا لم نجد في المصادر إشارة إلى عمليّة مبايعته من طرف أهالي تونس ليكون بايا عليها يقود محلتها. بل أن خبر قيادته للمحلة جاء ضمن خبر تقويه بالجند التركي الذي « جار في أيامه جورا بقي في القلوب أثره وفي الأسماع خبره »12. لكن ما يهّمنا الآن كيف أصبح إبراهيم الشريف بايا على تونس؟ هل كان ذلك بتخطيط مسبق؟ يذكر الوزير السراج أن مراد الثالث جهّز ثلاثة مراكب لجلب فيالق إنكشارية من محاربي الأناضول بتركيا في ماي 1702، وكلّف إبراهيم الشريف بهذه المهمة، غيّر أن إبراهيم تفاجئ بوجود الجزائريين في القصر العثماني الذين جاؤوا يشتكون من صنائع مراد الثالث، وربّما كان إبراهيم محلّ عتاب من قبل كبار رجال الديوان الهمايوني وآغوات عسكرها، وتم الاتفاق على إيجاد الصلح بين الطائفتين وكتب فرمان سلطاني رجع به إبراهيم الشريف إلى تونس رَفَضَهُ مراد الثالث ولم ينسق في تنفيذ تعاليمه في حركة تعنّت وتحدي13، دون علم أن التكهّن بهذا الرفض قابله العثمانيون بأمر التصفية الجسديّة وتكليف إبراهيم الشريف بهذه المهمة.
لقد كان هذا اللقاء الذي اجتمع فيه الطرفان بالحضرة الخاقانيّة يصب في مصلحة الجزائر، الإيالة العثمانيّة الأولى التي تأسست على أرض المغرب العربي والتي تحمل ذكرى الأخوين بربروس وعروج وحسن باشا ومعقل الأتراك العثمانيين في المغرب، أولئك الرجال الذين خلّصوا ولاية تونس الحفصيّة المنهارة من أيدي الإسبان ووقفوا جنبا لجنب مع قوة أسطول سنان باشا في صيف 1574، كان لهم الاعتبار الأكبر في أعين سلاطين بني عثمان. نعم لقد كانت لهم أولوية التصرف وعلويّة الكلمة وسلوك استعلائي تجاه جند إيالة تونس. فقد اعتبروا أنفسهم من خلّص تونس نهائيا من بقايا الحفصيين وذلك منذ حملة حاكم الجزائر الكليج علي باشا ومساعده الوزير أبو الطيب الخضار الرياحي14. كما ساعد أتراك الجزائر الطائفة التركيّة الجديدة بتونس على تنظيم وتنسيق القوانين والأحكام حسب ما هو معمول بديوان الجزائر « وحذوا في أول أمرهم في الأحكام حذو ديوان الجزائر»15. ومنذ أن بدأت الإيالة التونسيّة بتشكيل وتحوير مجال نفوذها المجالي وربط علاقات تجارية مع أوروبا، والتخلص من حكم الباشاوات وتمسك الدايات بالسلطة في ثورة 1591، انزعج أتراك الجزائر لهذه التحركات المحليّة وبدأوا في تشنيج الوضع لتعطيل رسم الحدود. كما كانت الترسانة العسكرية الجزائرية قويّة جدا مقارنة بعسكر تونس، وقد لمّح الصغير بن يوسف لهذا الفرق بقوله « ترك الجزائر دائما غالبون وترك تونس مغلوبون دائما » وقوله أيضا » قدّر الله على مملكة تونس ساعة ساعة يسلط عليهم الجزيرية »16. لقد اهتزت تلك الصورة الممجّدة لأتراك الجزائر في بداية القرن السابع عشر لتصبح كابوسا مخيفا في ذهن التونسيين عند ذكر محلة الجزائر وأتراك بر الغرب، ما جعل التونسيون حكاما ومدنيين وقبائل يحترزون من الحدّ الغربي للإيالة خوفا من تعنّت العسكر الجزائري الذي ما فتئ يهددهم ويصعّد رغبته واستعداده للعراك17. لذلك لا غرابة أن نقول أنّ أتراك الجزائر استمالوا إبراهيم الشريف في ذلك اللقاء الذي جرى بإستانبول، وذكّروه بأنهم أصحاب القرار وأنهم أساطين النفوذ العثماني ببلاد المغرب ولهم الأحقيّة في النظر في شؤون وطن تونس والتدخل إن لزم الأمر. كما يبدو أنهم ذكّروه بأصله التركي « ولما تولى مملكة تونس كان رجلا تركيا أعجميا مال إلى أبناء جنسه… وقرّب الترك لنفسه »18 وأنه ممن تلقى تربية عسكريّة في الجزائر، وبالتالي عليه الانسياق لأمرهم والاستعداد لتنفيذ أوامرهم وعلى رأسها التخلص من « المجنون » مراد الثالث.
2.2.صدى المعركة في إستانبول وإرسال وفد للصلح بزعامة الكابجي باشي عثمان وبعض الأمراء العثمانيين
عند رفض مراد الثالث الامتثال لأمر الدولة العثمانيّة، نفّذ إبراهيم الشريف الاغتيال الذي أُمر به، وكان ذلك بناحية باجة في موقع يسمى واد البول. وأثناء عزم مراد الرّد على الجزائريين واجبار المحلة على تغيير اتجاهها صوب طريق الجزائر، هجم عليه إبراهيم وأنزله أرضا بطلقة نارية من سلاح ذو جودة عالية وعمل إبراهيم على قطع دابر العائلة المرادية فقبض على حسين ومراد ابني محمد باي ولم يتردد حتى في قتل أحد البهاليل من نسل المراديين اسمه حمودة بن حسين بن مراد وقطع رأس ابنه الصغير ذو الأربعة سنوات19!
تقلّد إبراهيم الشريف الحكم بعد التخلّص من مراد الثالث وسعى إلى ضبط الإيالة وفرض كلمته بصرامة، كما تعمّد أولا عزل الداي قارة مصطفى في 29 أكتوبر 1702 ونفاه إلى المنستير ليتحكم في منصب الداي بنفسه، وبقي على اتصال مع الدولة العثمانية والظاهر أنه أرسل الوكيل محمد بن سليمان إلى الديار العثمانية لإعلامهم بنجاح مهمة تصفية مراد الثالث، كما طلب منهم لقب الباشا ليصله مع عودة وكيلة سنة 1703، ليطبق تماما على الثلاثة ألقاب ويشرع في تحرير أوامره باسم الباشا إبراهيم باي داي20.
لم ينس الجزائريون تصفية حسابهم مع خليل باي طرابلس الذي ساند مراد الثالث وتجرأ على أهل قسنطينة، فقاموا بتأليب الفريقين بانتهاج سياسة فرّق تسد « وأصبح حاكمهم يغري خليل باي على تلك التجاوزات وكذلك يغري إبراهيم الشريف بمثل ذلك، ومكاتيبه تزرع النصيحة في آذان كلّ من الفريقين بما يثير الفتنة ويوقد نارها… »21. كما قام الجزائريون بإرسال قهواجي عثمان حاكم طرابلس الذي نفي في الجزائر واندلعت الحرب بين تونس وطرابلس الغرب في 27 أكتوبر 1704، وانهزم على إثرها خليل باي ودخل عسكر تونس وعاث في طرابلس فسادا. لقد كان إبراهيم الشريف هو البيدق الذي بحث عنه الجزائريون وحرّكوه بنيّة سيّئة تقوم على الانتقام وسرعان ما تخلّصوا منه بتعلّة عدم إرسال القمح وعقدوا ديوانا قرّروا فيه الحرب على إبراهيم الشريف وصرّحوا بأنّه « يريد تضعيف الجزائر ليتقوّى عليها »22، الأمر الذي طالما مثّل هاجسا لأتراك الجزائر وتسبب في تدخّلهم في شأن الإيالة التونسية كلّما ظهر خلاف داخلي، أولم يتخوّفوا من تقوّي محمد باي المرادي؟ ذلك الباي الذي يتحلى بخصال رجل دولة، ألم يحاربوه بمساندة أخيه عليّ ثم عدّوه الداي محمد بن شكر؟ ألم يتمسّك الداي عشي مصطفى بالدخول إلى الكاف رغم تهدية الوضع من قبل وفد تونسي؟
لكن هل كان لرجال الدولة العثمانيّة نفس التوجه الذي كمن في نفوس الجزائريين؟ طبعا لا، فقد كانت نيّتهم فقط التخلص من مراد الثالث الذي تحدّاهم وأقدم على قتل علماء الحنفيّة والتنكيل بهم، أمر شنيع علّق عليه الوزير السراج بقوله » لا تجد أحدا من أولى السلطنة العثمانية ممّن يتعدى على العلماء بضرر حتى إذا ظهر منهم ما أوجب ذلك نفوْهم لأمكنة وأجروا لهم جرايات عظيمة »23. كما أن هدفهم كما ذكرنا أعلاه هو عدم زجّ الأوجاق الثلاثة في أتون الحرب، فلا مصلحة للدولة العثمانية أن يقع أجوار أوجاق الغرب في خلاف مرير يعطل المصالح السلطانيّة والحال أنهم يعيشون بداية أزمة كبيرة وانزلاق نحو وهن وضعف أمام انفلات الأمور في المشرق والأطماع التوسعية للغرب. كما أنه في هذه اللحظة وعند تأزم الأوضاع بين الثلاث إيالات بادرت بإرسال ثلاث فرمانات جديدة تنصح فيما بوقف القتال إلى حدّ اقحام عبارات التوسّل والدعاء والاستشهاد بالقرآن للتذكير بتعاليم الأجوار في الإسلام.
نص
3. تواصل الحرب بين وجقي تونس والجزائر وتحرّك الدولة العثمانيّة لتكليف عبد القادر باشا زاده أحمد باي كمبعوث للصلح
1.3. قدوم الجزيريين ومحاولة إبراهيم الشريف التصدي لمحلتهم
بعد بداية الحرب بين إبراهيم الشريف وخليل باي طرابلس – بإيعاز من الجزائر – في سبعة وعشرين من جمادى الأخرى سنة 1116/ 27 أكتوبر 1704، استغل الجزائريون الفرصة لينقضوا على الحدود الشرقية لكن تفطن إبراهيم الشريف لهذا الهجوم حال دون تمكّنهم من الدخول فقد أسرع الباي الذي « طنّ بآذانه أن حاكم الجزائر غير غافل عنه وأنه جازم على القدوم على إبراهيم الشريف فألوى عنان المسير إلى تونس »24. وصلت إلى عتبة السلطنة العثمانية مكاتيب شكوى من أهالي طرابلس استنكروا فيها محاصرة إبراهيم الشريف لمدينتهم. وقد ورد بداية هذا الصراع الثلاثي في فرمان الردّ كالآتي: « سابقا أرسل رؤسائكم إلى مدار سلطتنا العليّة مكتوبا مضمونه أن عسكر وجق تونس هاجم بلاد طرابلس ووقع نهب وغارات وترهيب لأهالي الولاية وقد علمنا بهذا، أمّا عن وجق الجزائر فقد تحزّبوا وتجمعوا ودخلوا وطن تونس وأغاروا على الديار وقتلوا النفوس وقطعوا الأشجار وتمادوا في هذه الأفعال الشنيعة… ». في هذه اللحظة اجتمع الديوان الهمايوني وقرّر تعيين الكابجي باشي عبد القادر أحد أمراء البحرية، ومن حسن حضّنا أنّنا لم نعثر على اسمه في الفرمانات المبعوثة للأوجاق الثلاثة فقط، بل عثرنا على وثيقة25 أمر تعيينه بكلربايا على تونس بتاريخ 19 رجب سنة 1116م الموافق لـ 17 نوفمبر سنة 1704، أي بعد استعداد إبراهيم الشريف للحرب وتجهيز عساكره بعشرين يوم. لم تكن إجراءات الدولة العثمانيّة سريعة لإيقاف الحرب فقد واصل إبراهيم الشريف الحرب على طرابلس الغرب ولم يرتحل عنها إلّا في أواخر رمضان من سنة 1116 هــ / 14 جانفي 1705 م، بعد تلقيه خبر قدوم محلّة الجزائر فأخذ « عربانا » من طرابلس ليستعملهم كتعزيز لجنده بعد استخلاص الجباية26.
وفي فيفري من نفس التاريخ تأهّب إبراهيم الشريف وقام بتحصين قلعة الكاف وتجديد سورها وإرسال أخيه محمدا كمراقب عام عليها، ثم قرّر انتهاج سياسة التوغل إلى الأمام فتقدّم لملاقاة الجزائريين يوم السبت غرّة محرم سنة 1117 هــ / 25 أفريل 1705، وتمترس في واد الرمل غير بعيد عن الكاف، وبعد مدّة ترقّب طالت ثلاثة أشهر أرسل الجزائريون رسلا لإبراهيم الشريف يطلبون فيها شروطا صعبة التطبيق ومستفزّة، لم يكن فيها وجه لوقف الحرب، فهل يعقل أن يدفع إبراهيم الشريف ضريبة مالية وعينيّة كبيرة بل خيالية وأن يُقدم أولاده رهينة حتى يستوفي دفعها ؟ لقد أصرّ إبراهيم الشريف – الذي لم ير آنذاك إلا إرث الإيالة التونسية وتأسيس بيت شريفي طالما حلم به – على التشبّث برأيه في التقدم ومواصلة القتال، لكنّ هروب أولاد سعيد وبعض العربان والمجندين من دريد وإلى محلة الجزائر، وفرار صاحب سرّه محمد بن مصطفى في معركة واد الطين، حاملا معه التكتيكات الحربيّة وأسرار المحلة التونسية ومن فيها، كل هذا حطّ من عزائم إبراهيم الشريف27. كما أن عمليّة الاستطلاع التي باشرها هذا الأخير بنفسه لمعرفة قوّة محلة الجزائر أحبطت آماله، فقد « صعد إلى محل هناك يقال له … فأبصر الجزيريون المحلة وقد انحدرت جيوشها كالسيول وانتشرت على وجه البسيطة أنواع المشاة والخيول واشتبهت النّقول هل أنبتتهم في الأرض أم نزلت بهم الهطول، فلما رأى إبراهيم الشريف قوي تلك الحركة أيقن شديد المعركة وبان له أن رأيه لاقى إعصارا فأورث إعسارا»28. وفي هذه الأثناء، وتحديدا في أواسط ربيع الأول، أي أوائل جويلية 1705، تقدّمت محلة الجزائر نحو قلعة الكاف وسقط إبراهيم الشريف بأيديهم وقيدوه مع أخيه محمد ودخلوا الكاف وعاثوا فيها فسادا ونهبا.
2.3. إصرار مصطفى داي الجزائر على قتال التونسيين
بعد سقوط إبراهيم الشريف في الأسر الذي سيفر منه لاحقا، تشبث الجزائريون كالعادة على إهانة عسكر إيالة تونس ومواصلة التقدم نحو الشرق بمحلتهم، وبعثوا بمكاتيب يوم الثلاثاء 12 ربيع الثاني 1117 الموافق لـ 03 أوت 1705، إلى أعيان ديوان تونس الذين قرؤها علنا أمام العسكر والمحلة وذلك ربّما لتحريك النفوس دفاعا عن الإيالة التي أصبحت من مطامع حاكم الجزائر. لا نعرف موضوع المكاتيب لكن أورد الوزير السراج جواب أعيان تونس عليها فقال: « وكان الجواب أن قيل لهم إنكم تذكرون أنّ قدومكم ما كان قيد موجبه إلا إبراهيم الشريف فقط، وأن باقي المسلمين لا حرج عليهم وها أنكم ظفرتم بإبراهيم الشريف فما لكم علينا من حجّة تعتدونها أو سيئة تعدونها… »29. وفي الأثناء بايع أهل تونس حسين بن علي التركي « الباي السعيد » وكتبوا بذلك إلى ديوان الجزائر وأرسلوا الهدايا و »المركبات الملوكيّة » والمكاتيب صحبة العلماء الأجلاء مثل مفتي الحنفية سيدي الكبير درغوث والعلامة أبو الحسن سيدي علي الصوفي والشيخ الصالح سيدي أبو الحسن علي عزوز. لكن هذا الوفد التونسي « الجليل » لم يلق ترحابا وتجاوبا من حاكم الجزائر مصطفى الذي لم يقدّم جوابا مقنعا عن شرعية تدخله وتماديه في إباحة دماء مسلمي تونس من غير وجه شرعي. كما أنهم تفاجؤوا من قوله: « لو أني التفت إلى جانب الشريعة لما خرجت من الجزائر »30. وعليه تأكد التونسيون من نية مصطفى في الحرب فاجتمعوا على مبايعة حسين بن علي الذي وحسب ما جاء في المصادر، أظهر نوعا من التحدّي والقوة دفاعا عن الأراضي التونسيّة ولا نعرف في الحقيقة هل كان هو الآخر بيدقا نُصّب من قبل أصحاب القرار عوض إبراهيم الشريف على أن يكون مواليا لأتراك الجزائر ومحاذيا لمصالحهم حسب ما تمليه الشروط الجيوسياسية والقوى الفاعلة في الفترة المعنيّة.
3.3. اشتداد المعارك وبروز حسين بن عليّ في ثوب المحرّر من منظور الاخباريين
لا يجب أن ننسى أن الصورة التي قدّمها لنا الإخباريون عن تمسك حسين بن علي بمحاربة الجزائريين هي صورة « مؤثثة » لشخصه، فمسيرته تشبه كثيرا مسيرة إبراهيم الشريف، فهو كرغلي أي من أب تركي وتدرّج في خدمة العسكر الإنكشاري بعد انتدابه في الجيش العثماني من قبل المراديين، وله دراية كبيرة بأحوال الرعيّة وخفايا الحكم لتقلّده وظائف عديدة في الادراة المركزية. ورغم هذا كان حسين واعيا بالتقلبات السياسية ما جعله يفر من الكاف إلى قلعة الصنم وأنظم إلى محمد بن شكر في 1694 م الذي أعطاه منصب الكاهية، لكنه أظهر الطاعة والولاء لمحمد باي وتمكّن مرّة أخرى من كسب ثقة آخر المراديين إلى أن أصبح « آغة صبايحية الترك » ثم واليا على قابس في حكم مراد الثالث، ما جعله يكتسب دراية فعلية حول أحوال المملكة التونسية. وحرصا منه على الوصول للسلطة، أظهر حسين الولاء لإبراهيم الشريف الذي أبقاه في نفس الخطة وقربه بما أنه تركي الأصل، وفي المقابل لم يتردد حسين بن علي على انتهاج طريق خطرة عندما اختار أن يكون رهينة عوض أبناء إبراهيم الشريف31، حركة تفكرنا بالخطر الذي واجهه إبراهيم الشريف عند الاقدام على مقتل مراد الثالث، فقد اقتنع الباي حسين السياسي المحنك بأنه لا وصول إلى سدّة الحكم دون التضحية واقتحام الأخطار.
أحكمت مصادرنا التاريخيّة تحبير خبر تحدي حسين بن علي لمصطفى حاكم الجزائر، وأدرج الوزير السراج في كتابه ملخص كلام حسين الموجّه في المكاتيب بصيغة التهديد والاستعداد للمواجهة: « إن رجعت عن هذه المصاحبة صالحناك وزوّدناك وعفا الله عمّا سلف، وإن تماديت قاتلناك »32. كلام أثار حفيظة مصطفى الذي تقدّم بمحلته نحو بلد طبربة وأقام بها أياما وزحف ووصل يوم السبت 10 جمادى الأولى سنة 1117 هــ/ 30 أوت 1705م ونزل بمكان يقال له أبو منجوس بجيش قدّره الوزير السراج بـ 40.000 مقابل 18.000 كانوا تحت تصرف حسين بن علي33. ودار القتال بين الطرفين في المعركة الأولى معركة بومنجوس حتى العصر، صمد فيها العسكر التونسي الذين ذبّوا عن نفوسهم مدافعين عن حريمهم ومالهم ورؤسائهم34.
4.3. وصول المبعوث العثماني عبد القادر باشا زاده أحمد
لقد أثارت هذه المعركة قلق العثمانيين بإستانبول وهزت مسامع رياس البحر الخادمين للراية العثمانية، ما جعلهم يسرعون بشد أشرعتهم لإيصال الكابجي باشي عبد القادر أحمد باي لحل الخلاف، وبما أن تاريخ الفرمانات هو أواسط شوال 1117/ 29 جانفي 1706م، نؤكد أن وصول أحمد عبد القادر كان بعد المعركة الأولى التي جدّت يوم 30 أوت 1705م، وما يدعم هذا التأكيد هي شهادة نيكولا بيرونجي الذي لم يذكر لنا اسم المبعوث العثماني وأفاد أنه وصل بعد يوم 30 من شهر أوت بقوله:
« استعد الجزائريون للحرب يوم 30 أوت للمعركة في السهل الممتد بين باردو وتونس…. وفي هذه الأيام قدم من الباب العالي كاݒجي يحمل فرمانات من السلطان العثماني قرأت على العلن، هذا الموظّف أرسل في مهمة للصلح بين ممالك طرابلس الغرب وتونس والجزائر ولمحاربة من يعارض أمر السلطان العالي، تم تلقى الفرمانات بتنظيم طقوس تشريفية، وبعد دقائق من قراءة الفرمان على مسامع الأعيان وأهل المدينة، قد ألقى الكل بسلاحه وتراجعت المدافع لإظهار الخضوع لأمر السلطان العثماني… »35. لكن بقيت تلك المراسم التشريفية شكليّة وضرب بالأوامر السلطانية عرض الحائط حيث يذكر بيرونجي نيكولا أن هذا الأمر اعتيادي مع مبعوثي الباب العالي ولا يسفر قدومهم وبهرجهم وأوامر إلى أي حلّ، ووصفها بالمراوغة الذكية وقال إن الأشخاص الأذكياء في تونس يعرفون أن الكابجي كغيره ممن سبقوا لا ينفعون ولا يضرون. كما أضاف نيكولا بيرونجي أنه سبق وشاهد قدوم كثير من المبعوثين لكن لا تونس ولا الوجقين المجاورين قد توقفوا عن العراك بل أن هذه الفوضى أصبحت عادة لدى الهمج سكان الأقطار البعيدة التابعة للسلطنة العثمانية36.
انفلتت الأمور مرّة أخرى رغم مجهودات السلطنة العثمانية في إصلاح ذات البين لتندلع التشابكات في ثلاث مناسبات أخرى؛ معركة ثانية يوم الخميس الخامس عشر من جمادى الأولى / 4 سبتمبر 1705 حمى فيها الوطيس، رمى فيها عسكر تونس الكور من الحصارات الثلاثة التي توجد بالجبل الأخضر قتل فيها مئتان من جند الجزائر وثلاثمائة جريح، أما عن تونس كان العدد أقل، فقد جرح مائة وخمسون ومات سبعون في معركة استمرت سبع ساعات37. أما المعركة الثالثة فقد جدّت بتاريخ 22 جمادى الأولى، الموافق لـ 11 سبتمبر، أي بعد ستة أيام من انتهاء المعركة الثانية، دام فيها القتال خمس ساعات ومات من فريق الجزائر مائة وعشرين وجرح مائة وسبعين. في حين مات خمسون رجلا من فريق تونس وجرح مائة وعشرون. ولم يكفّ الفريقان عن الجدال والاقتتال إلا بمعركة رابعة، معركة المدفع الجيلي، استأنفت حركتها في يوم الخميس 6 جمادى الأخرى من السنة المذكورة أي بعد أربعة عشر يوم من وقف المعركة الثالثة، حمى الوطيس بها وكانت من أعنف وأخطر المعارك حيث تكبّد فيها الفريقين خسارة كبيرة، نحو المائتين وستين قتيلا38. ما جعل حاكم الجزائر يرسل كاتبه الخوجه حسين وعلي شاوش بمكاتيب الصلح للأمير حسين بن علي طالبين الصلح والأمان، فطلب منهم حسين بن علي مقابل الصلح أن يردوا ما افتك ونهب من سلاح كان بقلعة الكاف وأن يعوضوا كل ما خسره الوجق التونسي من أموال وبعير. لكنهم غدروا بالباي حسين وحاشيته عند رجوعه لبلادهم وتحديدا قرب مجاز الباب أين دارت معركة شديدة من الجانبين كان الحظ قد حالف فيها الأمير حسين. وفي 21 جمادى الثانية 1117 / الموافق لـتسعة أكتوبر من سنة 1705، قدمت محلة الجزائر لبلد باجة وأرادوا بها شرا وأضمروا الإيقاع بأهلها لولا تغيّر أحوال الطقس وتزامن أعمال نهبهم مع قيام ريح وعاصفة ترابية وظنوا أن الباي حسين هاجمهم ففروا تاركين ورائهم ما نهبوا39. ولم يتوانى حسين بتصفية المتمرد محمد بن مصطفى، من خواص إبراهيم الشريف، والذي فرّ هربا إلى مصر عند معرفته بتحقّق صعود حسين بن علي للحكم40.
لقد كان بُعد المسافة بين الباب العالي والإيالات الثلاث عائقا وعقبة كبيرة لمعرفة الأحداث الآنية والتأكد من الانسياق وتطبيق الأوامر أو تجاهلها، وهذا ما يفسر التاريخ المتأخر الذي تحمله الفرمانات، أواسط شوال 1117/ 29 جانفي 1706م، ما يجعلنا نذهب إلى أنها نسخ تذكير بعدم تكرار الدخول في الحرب بعد نهايتها وقد جاء فيها إرسال الكابجي في صيغة الماضي أي أن تلك الرسائل بعثت بعد مجيء عبد القادر الذي كان يحمل رسائل مشابهة تماما، ووصلت كتنبيه لإيقاف الحرب وعدم الزجّ بالمسلمين في الجدال مرة أخرى. فتاريخ أواخر جانفي 1706 يبعد ثلاثة أشهر وواحد وعشرون يوما عن تاريخ عودة الجزائريين لوطنهم. وبالتالي يكون وصول الوثائق لاحقا لوصول الكابحي باشي عبد القادر. كما أن عملية تعطل كتابة الفرمانات وسبق المبعوث العثماني الذي قدم في 30 أوت 1705م، واردة. فقد يكون قد ركب بطّاشة سريعة أوصلته تونس في بضعة أيام. وأخيرا لا ننسى أن تأخر تاريخ الوثائق يمكن أن يعود إلى تأخر عملية تدوين نسخ الفرمانات التي يحتفظ بها في أرشيف رفوف مكاتب الديوان الهمايوني والحال أننا وجدناها بأرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول، ونأمل بعد بحث أن نجد الوثائق الأصلية التي أرسلت لتونس في الأرشيف الوطني التونسي.
4. استئثار حسين بن علي بالسلطة وطلبه اعترافا من السدّة العليّة
يصعب على المؤرخ الكشف عن طريقة وصول حسين بن علي في ظل وجود قوى خارجية تسعى إلى تنصيب الموالي لها والراعي لمصالحها. كما أن غياب الوثائق الأرشيفية من مراسلات سريّة وإطناب المصادر التاريخية في تمجيد وثناء الباي حسين وطلب الاستغفار لإبراهيم الشريف بعبارة – سامحه الله – الواردة على لسان الصغير بن يوسف41، حال دون معرفة الأخبار الدسيسة التي رافقت تنصيبه على كرسيّ الإيالة. فخلافا لخبر مبايعة أهل تونس لحسين بن علي على عجالة بعد القبض على إبراهيم الشريف خوفا من هجوم الجزائريين، لا نجد أي تفاصيل أخرى توضّح سبب اختياره وتصدره الحكم. ولا ننسى أن صعود حسين بن علي كان في ظرف حرب دامية وحامية الوطيس، وسط ظروف قاسية طغت عليها السريّة الكاملة والحذر في تعميم الخبر، وما نقرأه اليوم لا يعدو أن يكون إلا صورة لصناعة الخبر، وليس أسهل من خلق صورة بطل المعركة ومخلّص الأهالي من الشدائد. وبالرغم من هذا التعتيم، أمكن لنا الرجوع إلى الشهادات الحيّة المعاصرة للفترة والوقوف على خبر هام جعلنا نطرح سؤالا موضوعيّا، وهو لماذا قام حسين بن علي التركي بقتل إبراهيم الشريف الذي فرّ من الجزائر؟
1.4. تغييب الاخباريين لخبر مقتل إبراهيم الشريف على يد حسين بن علي
في ختام حديثه عن مجريات الحرب بين الإيالتين، يذكر نيكولا بيرونجي حدثا هاما، وهو أنه في يوم 10 جانفي 1706م، أرسى إبراهيم الشريف على متن مركب فرنسي ببنزرت للتأكد من خبر موت الداي قارة مصطفى، ومعرفة لمن آل منصب الباي بإيالة تونس من بعده، وقد أرسل بهدف ذلك رجالا لعمليّة الاستقصاء في الخفاء، لكن تمت الإطاحة ببعض من هؤلاء المخبرين الذين نزلوا من المركب في حين بقي سيدهم على متنها، وفي الأثناء أرسل حسين بن علي فيلقا عسكريا بقيادة الحاج آغا باي باتجاه المرسى وأمر بتجهيز بطاشة إنجليزية كانت راسية بحلق الوادي؛ وأرسل الخبر لاستعداد سفينة أخرى مجهّزة بآلات حربية كانت راسية بغار الملح وأرسلهما في عشيّة نفس اليوم للقبض على إبراهيم الشريف. هاجمت البطاشة الإنجليزية مركب إبراهيم الشريف في عرض ساحل البحر بين بنزرت وغار الملح، ورأوا مركبا فرنسي آخر قدم وحاذى مركب إبراهيم الشريف، كان يحمل المخبرين الذي التحقوا للدفاع عن سيدهم وقفزوا على متن مركب إبراهيم الذي احتمى برجال أقوياء. لكن في النهاية سلموا أمرهم أمام كثرة رجال الباي حسين. وقتل إبراهيم وحمل رأسه للقصر وعرض أمام العامة، وللاحتفال بهذا النصر أطلقت في مناسبتين، 29 كورة من المدافع في السماء، وعاد الباي بعد ساعتين من الحادثة من المرسى إلى مدينة تونس أين استقبله الأهالي بالزغاريد. وفي ظرف 15 يوما خلى الأمر لحسين بن علي بالحكم وأصبح أمير البلاد الأوحد42.
يعتبر هذا الحدث مهما إذ يتطابق في رأينا مع حدث إنهاء حياة مراد الثالث من قبل إبراهيم الشريف، أي أننا نشكّ في أن حسين بن علي التركي كان بيدقا أيضا وتمّ تكليفه بتتبع وقتل إبراهيم الشريف الذي أزعج أتراك الجزائر، والذي مازال يطمح في السلطة؛ إذ لم يصدق مقتل الداي قارة مصطفى بعد تعيينه في منصب الداي مرتين على التوالي (جويلية 1702، أكتوبر 1702)، وبعد استقدامه من قبل حسين بن علي ليعد من قبل رجاله43 وليسهل عليه مهمة استرجاع الحكم. وإن كان عكس ذلك لماذا يخفي كل من الوزير السراج وحسين خوجة والصغير بن يوسف وبقية مؤرخي البلاط خبر تصفية حسين بن علي لإبراهيم الشريف؟
2.4. حسين بن علي ينفرد بالحكم
لن نسترسل هنا سرد مراحل حكم حسين وما أوردته المصادر التاريخيّة من بهجة واستقرار وفرحة عمّت الحضرة التونسية أيام تنصيب حسين بن علي بايا، لكننا نؤكد أنه بعد تصفية الخصوم بسبق الترصد والانتماء لطرف من أطراف النزاع بين صناع القرار، انتهز حسين بن علي الفرصة للوصول إلى منصب الباي وأرسل للباب العالي مطلبا عن طريق قبطان بحر يدعى إبراهيم كان في طريقه للأستانة، يستعجل به فرمان التهنئة بتربّعه على عرش بايليك تونس، ويطلب فيه « برات » التقليد والاعتراف، والبرات هو كتب مزيّن ومزركش تعلوه طغرة السلطان المكتوبة بماء الذهب. وقد عثرنا في خبايا الأرشيف العثماني على هذا المطلب الذي تقدم به حسين وبلّغه القبطان الحاج إبراهيم، يعتلي الطلب ردّ السلطان العثماني بالموافقة. وهذا المطلب مؤرخ بتاريخ 15 ذو القعدة من سنة 1118 هجري الموافق لتاريخ 18 فيفري 1707م، حيث كتب الديوان إلى السلطان أنّ إبراهيم الشريف قد توفي ولكي لا تتعطل أمور الإيالة تم تنصيب المدعو حسين بايا على وطن تونس وترتب أن نرسل إليه فرمانا عالي الشأن مع قبطان البحر الحاج إبراهيم. وكان ردّ السلطان بالإيجاب بقوله اعملوا ما ترونه صالحا ووجّهوا له برات إقرار الولاية.
يفهم من هذا الطلب أننا لا نزال هنا في مرحلة كان فيها تنصيب باي تونس يخضع لشروط ولائه للباب العالي ولسلطة إدارة بايليك أتراك الجزائر، ولمواقفة أهالي الإيالة في آن واحد. وقد جمع حسين بن علي – الذي لم يكن منزها عن اتباع كلمة المتنفذين ومشاركته اللعبة السياسية للوصول للحكم – هذه الشروط الثلاثة في يد واحدة ليتمكّن من منصب الباي لمدّة طويلة نسبيا ستنتهي بمساعدة الجزائريين مرة أخرى لإنهاء حكمه مراعاة لمصالح سياسية جديدة.
الخاتمة
رغم تراجع مدرسة الحوليات عن الاهتمام بكتابة التاريخ السياسي وعدم التركيز على تاريخ الحكّام والسلاطين والشخصيات البارزة باعتباره من السمات المميّزة للتاريخ الوضعي القديم، فإنها تؤكد من ناحية أخرى على أهمية التعامل مع الوثيقة الأرشيفية واستقرائها من مختلف زوايا النظر وتثمّن أهميّة المعلومات مكنونها ومصداقيتها. لقد اعتمدنا في مقالنا مزج بعض الوثائق الأرشيفية العثمانية بمعطيات النصوص المصدرية التونسية والأجنبيّة وذلك لإماطة اللثام عن بعض التفاصيل التاريخيّة المتعلّقة بفترة انتقالية حساسة في تاريخ العصر الحديث، وأن نبيّن خاصة أن قراءة الحدث بمفرده لا يكفي لفهم الحقيقة التاريخيّة. لقد أثْرت الوثائق التي قمنا بنشرها معارفنا حول الحروب الطاحنة دارت بين أوجاق الغرب الثلاثة وبيّنت تعنت أتراك الجزائر وتدخّلهم المتكرّر في شؤون إيالة تونس مراعاة لمصالحهم، فخلافا لمراد الثالث كان الجزائريون وراء كل الحروب المتكرّرة وصولا لسنة 1705 وحتى لاحقا. كما كان لحكامها تدخّل في الموافقة على تنصيب باي تونس من عدمه. وسارعت لنشر الفوضى إذا جرت الرياح بما لا تشتهي سفنها.
لقد عطّلت هذه الحرب الطويلة التي دارت بين الأجوار مسار بناء الدولة وتدعيم مركزيتها كما ينبغي أن يكون، كما ساهمت في خلق جوّ من عدم الاستقرار والعصيان المتواصل وتعدّد الأوبئة والمجاعات، وقد لمّح العثمانيون في رسائل الدعوة للصلح، أن عدم الاستقرار والتوافق وتواصل الحرب بين الإيالات يخدم مصالح « أعداء الدين »، الذين لهم يد خفية في ذلك وأشاروا لوجود مصلحة للنصارى في خلق حالة عدم استقرار بين الأوجاق فسرناها في مقالنا بإستراتيجية جديدة لمنع التحاق قراصنة أوجاق الغرب بالعثمانيين في معاركهم البحرية، ولم تذكر المصادر والوثائق التي قدمناها سيناروهات تبلور هذه الرغبة في تأجيج الصراع وكيف تحققت إن كان ذلك عبر السفراء أو عبر التزويد بالسلاح أو عبر وسائل أخرى.
لقد مرّ الرحالة العثماني الكبير والعالم الشهير « أفليا چلبي » محاذيا للشريط الساحلي التونسي سنة 1681، وذكر أنه لم يتمكن من الدخول لتونس والجزائر جراء الحروب والأوضاع الغير آمنة، وبذلك حرمنا من نص ووصف دقيق لأحوال تونس بعين تركيّة، لينشغل بوصف دقيق ومطوّل حول القاهرة المملوكيّة ودمشق وحلب ومكّة وغيرها من عواصم الشرق الإسلامي44.
الملاحق : ترجمة الوثائق العثمانيّة: نقلها من العثمانيّة القديمة إلى التركيّة الحديثة ثم ترجمتها للغة العربيّة
الوثيقة الأولى: مقتطف من نص لمؤرخ مجهول45
النص المترجم عن العثمانية :
وقع بين زعماء أهالي تونس والجزائر إحتلال وجدال وإذلال فيما بينهم، وحرب وقتال متكرر بين الطرفين، وقد اشتكى علماء وصلحاء تونس وطائفة من عسكرها وقدّموا عرض حال لعتبة سدتنا العليّة. ولإصلاح ذات البين وتحكيم رأي العين، تمّ استدعاء الحكماء من رياس البحر والقباطنة، ومن بين هؤلاء الميرميران دستاري محمد باشا الذي سنرسله إلى ولاية تونس وعمر باشا المعزول من إيالة الموصل والذي سنرسله إلى الجزائر. وعلى هذا الخصوص نوجّه فرماننا الهمايوني الشريف ونشدّد التنبيه فيه على أن يتّحد ويتفق أهل مملكتنا المحروسة ضدّ ملّة الكفرة أصحاب الأديان الباطلة وأن يتذكّروا أن الكفر ملّة واحدة، وأن يتعاونوا فيما بينهم ويتفقوا على عدم الحاق المضرّة بأهل الإسلام والمسلمين.
في هذا الوقت، فُرض على عامة المسلمين شرقا وغربا وكافة الموحدين القيام بالجهاد تماما مثل القيام بالصلاة والصوم، كما يجب أن تتحدوا وتتفقوا مع الغزاة والمجاهدين في أوجاقكم ومع إخوانكم في الدين ورفقاء دربكم على المحبّة والمودة وأن تستمروا في الجهاد. لا تسقطوا في أخذ الثأر ولا تخالفوا شرع الله ورضاءه. إذا كان بينكم خلاف فذلك يُحلّ بتحكيم الشرع الشريف. وللنظر والتدقيق في هذا الجدال، ها نحن نرسل البكلربايات المذكورين أعلاه، وسنعيّن الدركاه المعلى الكابجي باشي [عثمان]. في الحقيقة، إذا كان عندكم خلاف بينكم وبين وجق تونس فلن يُحلّ إلّا بالشرع الذي سيكون هو الفيصل، ولإصلاح ذات البين قد أرسلنا سابقا الدركاه المعلى الكابجي باشي عثمان زيد مجده وبيده فرماني العالي الشريف الموجّه لأهل تونس.
بحكمة الله تعالى، لم يتمكّن الدركاه المعلى عثمان من الوصول إلى تونس، فعند نزوله في طرابلس الغرب أراد التوجّه إلى تونس وعند أخذه الطريق وجد بعض القلاع قد أخذت وفي حالة دمار جراء ضربات المدافع ووجد إيالة تونس محاصرة وبعض جوامعها ومدارسها ومساجدها وكتاتيبها متضررة بكور المدافع والغارات، وتم منع نقل الذخيرة من الدشرات، والحاصل أن أهل الوجقين يخالفون شرع الله الشريف، وقد وصل هذا الوضع الكارثي لمسامع سدتي العليّة وعلمت أن الأوجاق الثلاث انحرفوا عن إرادتي الهمايونيّة، وكل هذا يضر بالبلاد الإسلاميّة ويقوي إتحاد واتفاق أعداء الدين الذين يخططون للهجوم برا وبحرا على الأمة المحمديّة لإلحاق الضرر بمساجدها وجوامعها. ومقتضى الأمر أن تعملوا بفحوى الآية وتعاونوا على البّر والتقوى، وأن تصفوا قلوبكم وتجاهدوا وتدفعوا الشر وتبذلوا قصارى جهدكم لتطبيق سنن الدين وإتباع شريعة سيّد المرسلين وأن تقيموا الصلاة المتروكة وأن تبتعدوا عن الخلاف الذي يشق عصى المسلمين ويشتت وحدة الموحدين ويؤدي لاستكبار المشركين وشماتة أعداء الدين، وأعملوا بقوله {إنّما المؤمنون إخوة} وكونوا إخوة واتحدوا على كلمة واحدة.
إن الحرب والجدال والقتال أفعال ليست من خصال أهل الإسلام، وأسلكوا الطريق المرضيّة وأعملوا بفحوى قوله تعالى {ولا تجعلوا في قلوبنا غلا للذين آمنوا} وعوض الجدال والخلاف بالوصال والتوافق، وأتركوا أسباب الوحشة.
اختاروا وكلاء من بينكم وأرسلوهم إلى سدّتي العليّة لحلّ الخلاف القائم بينكم وذلك بإجراء الشرع الشريف بحضور وزرائي العظام وقاضي العسكر وذلك لإحقاق الحقّ. وبعد اليوم اعملوا بفحوى قوله الكريم {أطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم} ، ومن يخالف أمري سينكسر وسينفذ فيه دعائي، وعليه فلتتحدوا على حسن الوفاق ولتستئنفوا تحضير العدّة والعتاد من السلاح والرجال وتخرجوا في البحر أغربتكم وسفنكم للجهاد كعادتكم ولتتعاونوا على تخليص جزيرة صكيز. نسخة من هذا الفرمان ترسل إلى أهالي تونس وأخرى إلى أهالي الجزائر. في 27 جمادى الأولى سنة 1106 هجري.
الوثيقة الثانية46 : قرار تعيين الكابجي باشي عبد القادر كبكلرباي للنظر في مسألة الصلح
ترجمة النص العثماني: « إلى أمير أمراء البحر عبد القادر باشا زادة أحمد باي، تم تعيينك للتوجّه إلى بايليك تونس، في 19 ر سنة 1116 »
الوثيقة الثالثة: تحتوي على ثلاثة فرمات موجّهة للإيالات الثلاث بتاريخ أواسط شوال سنة 1117 هـ، وكتبت في ورقة واحدة.
ترجمة الفرمان الأول47:
[جواب السلطان]
هذا فرماني الهمايوني، وجب الامتثال له، والعمل بما جاء في مضمونه الشريف، ولو خالفتموه – والعياذ بالله تعالى – ستطالكم لعنة دعائي. هذا الخلاف وهذه العداوة التي بينكم تزيد في ضعفكم وتقوّي جسارة أعداء الدين عليكم، اعملوا بنصيحتي الصادرة في هذا الخط الهمايوني المقرون برأيي.
[نص الفرمان]
إلى بكلربايي جزائر الغرب وإلى دايها ومفتيها وقاضيها وعلمائها وصلحائها وآغة إنكشارتها وبلوكباشيتها ورؤساء مشاتها وسائر كبار شيوخها حكمنا الآتي:
بينما كانت أوجاق جزائر الغرب وتونس وطرابلس الواقعة في الثغور الإسلاميّة متّفقة ومتّحدة فيما بينها، وبينما كانوا يقضون غالب وقتهم في الجهاد والغزو عملا بفحوى الآية {المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضهم بعضا} وطلبا لرضاءً ربّ العباد، وبينما كانوا منذ القديم يمثلون سدّا منيعا في تلك الجهة من المتوسط، ويقومون بحماية حدود الديار الإسلاميّة، نشأ بينهم الخلاف، اتباعا لبعض التسويلات النفسانيّة ، فقام الجزائريون بجرّ عسكرهم إلى وطن تونس وخرّبوا القرى والبلاد وقتلوا النفوس وقاموا بالنهب وأطلقوا الغارات، ونفس الشيء صار بين وجق تونس وطرابلس الغرب منذ أيام قليلة من خلاف وظهور شقاق، وقد وصل هذا الخبر إلى مسامع سدّتنا العليّة، ما وقع بين أهل المسلمين من الجدال والقتال - العياذ بالله تعالى – ممّا يؤدي إلى شق عصى المؤمنين وشماتة أعداء الدين والمخالفين وتهوين أمور الدين المبين والمتسبب في ظهور أقبح المنكرات وأفضح المحظورات. ولإصلاح ذات البين، والابتعاد عن طريق الشقاق وسدّ بنيان الوفاق، ولشدّ أركان الاتفاق وترصين الدين المبين وتحصين شريعة سيد المرسلين، أهم شيء شغل مهام الدولة العليّة وأقدم أمر تسعى لتحقيقه من بين أمور سلطنتنا السنيّة، وتبعا لفحوى الآية من قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} ولإزالة أسباب المنافسة وايضاح آثار المنافرة، وعملا بقوله تعالى إنما المؤمنون إخوةٌ ولإجراء الصلح بينكم والتمسك بحبل الإخوة ولإدخال أنوار الصفاء في قلوبكم، نعيين الدركاه المعلّى الكابجي باشي إفتخار الأمجاد والأكارم عبد القادر دام مجده بأمر وفرمان عالي شريف. وفيما بعد عليكم ترك الخلاف والشقاق وعقد نيّة حسن الاتفاق والإتلاف، ولتعملوا بما يسعد ويرضي سدّتنا الهمايونية سنرسل إلى كل من وجق تونس وطرابلس الغرب أوامرنا العليّة الشريفة والتي تشتمل على نصائحنا.
الآن، ما أشرت إليه من الشحن والبغضاء بين الأوجاق الثلاثة مازال قائما، وعليكم أن تتجاوزوا هذا العراك بفحوى مقولة "كل شيء مضى فيما مضى"، وأن تتغاضوا عمّا سُلب من خواطركم وأن تفكروا في قهر المشركين ودفع المخالفين وأن تعملوا بفحوى قوله {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}، ولا تسقطوا في الأخذ بالثأر أو نزع الدار والديار والبحث عن الأسباب المحرضة وضرب الحصار. ومثل هذه الأفعال تتسبب في ظهور الغصب والقهر وتغذي مطامع ومقاصد الفساد، وبهذا لا تدخلوا وطن تونس. إذا كان بينكم خلاف فذلك يحل في كل الحالات بمقتضى الشريعة الغراء. أنصحكم أن تهدوا إلى نصيحة خانتنا الملكيّة، لا شك أن ثمرة الوفاق ستثمر السلامة، أمّا الاختلاف والشقاق فهو منتج للسآمة والشئم. هذا النصح منّا على أساس العدول والانحراف عن مخالفة طريق الشرع الشريف، ومن يتبع غير هذا فهو مغيّرٌ لملكنا ومهيّج لحميّة سلطنتنا الداعية لإطاعة الشرع المبين، ودفع ضرر المعاندين، ترى دولتي العليّة أن تدارك الأمر يقتضي العمل بهذا الفرمان، لاحظوا أن عواقب الأمور يمكن أن تحل بكمال الشعور، الشعور بالأمن والسلامة شيء مستلزم في الحياة وفي الآخرة، ادفعوا عنكم العداوة المنافرة تماما بالقيام بالأعمال المستحسنة، ومن جديد، كما في الأول، فلتعمل الإيالات الثلاثة على كمال الوفاق وحسن الاتفاق، وأن يواصلوا دأبهم مثل ما كانوا في القديم على صرف اهتمامهم ووقتهم في الجهاد وغزو الكفّار المحاربين. ولتحصيل رضاء الدولة الهمايونية، أبذلوا وافر جهدكم، وفي هذا الصدد يعتبر هذا الفرمان عليُّ الشأن صادرا وبه يعمل.
في أواسط شوال سنة 1117 هجري.
ترجمة الفرمان الثاني48:
[جواب السلطان]
اعملوا بالمضمون الشريف للفرمان الهمايوني الواجب الامتثال، إذا ارتكبتم خلاف ما ورد فيه – والعياذ بالله تعالى – ستظهر عليكم لعنة دعائي، هذا الخصام الذي بينكم يزيد من وهنكم ويشجّع جسارة أعداء الدين عليكم، اعملوا بنصيحتي الملكيّة الشريفة الصادرة في هذا الخط الهمايوني المقرون برأيي.
[نصُّ الفرمان]
إلى بكلربايي تونس ودايها ومفتيها وقاضيها وعلمائها وصلحائها وآغة إنكشاريّتها وبلوكباشيتها ورؤساء مُشاتها وساير كبار شيوخها، حكمنا الآتي:
في قديم الأيام كان أهالي أوجاق الجزائر وتونس وطرابلس الغرب التابعة للثغور الإسلاميّة، متحدين ومتفقين في كلمة واحدة على صرف وقتهم في الجهاد والغزو وعلى حماية الحدود الإسلاميّة، لكن تبعا لبعض من سوّلت له نفسيته باتباع أهواء تخالف شرع الله الشريف، توغّل جيش تونس في ولاية طرابلس الغرب وخرب ناحيتها وأطرافها والقرى القريبة منها بالمدافع والغارات، وحصلت خسارة كبيرة وصل وقعها إلى مسموع سدّتي العليّة وهذا الأمر الفضيح الذي حصل بين الوجقين كدّر مزاج حضرتنا الهمايونيّة. أيضا ما قام به الجزائريون من تحزّب وتجمّع واقتحام لوطنكم يعتبر أيضا مخالفا لشرع الله الشريف وذلك لتجرأ على قتل النفوس وتخريب البلاد وما جاء في شكايتكم علمناه. ما حصل من اختلاف واختلال وجدال وقتال بين أهل الإسلام يؤدي حتما لشق عصى المسلمين وشماتة أعداء الدين وإلى خلاف رضاء ربّ العالمين وظهور أقبح المنكرات وأفضح المحظورات والعياذ بالله. على المسلمين أن يدفعوا الشقاق وأن ينسقوا للبحث عن أسباب الاتفاق وعليهم ترصين أركان الدين المبين وتحصين شريعة سيّد المرسلين، وهذا الأمر هو من أهم مهام دولتنا العليّة ومن أقدم أمور سلطنتنا السنيّة. فاعملوا على إقرار الصلح بينكم بفحوى ما ورد في قوله تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} واعرفوا الخلاف بينكم وأعقدوا المؤاخاة وألقوا في أفئدتكم أسرار مصافاة القلوب أسوة بقوله تعالى {إنّما المؤمنون إخوة}. ولإصلاح ذات البين، قمت بتعيين الدركاه المعلّى الكابجي باشي افتخار الأمجاد والأكارم عبد القادر دام مجده وسلّمته حكمي الشريف. وفيما بعد لن يقتحم عسكر الجزائر وطن تونس، وسنقوم بإرسال قطعة من أمرنا الشريف إلى الجزائر، وسنعمل ما بوسعنا على إقرار صفاء العلاقة وتأليف القلوب وحسن المؤالفة وعدم تأجيج المنافسة. وسنرسل قطعة من هذا الفرمان لطرابلس الغرب فيها ترهيب وترغيب وتنبيه وسعي للصلح.
الآن، وعند وصول أمري الشريف إليكم، عليكم أن تعملوا لرفع الخلاف بين الثلاثة أوجاق، وأن تتركوا الشحن والبغضاء وأن تعتبروا الخصومة والعداوة شيء ممّا مضى، وأن تنسوا ما سلب من خواطركم فقد قال جل جلاله فيما فحواه {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}. وبعد اليوم أيها الإخوة في الدين فليترك الوجقين عداوتهم وأظهروا أسرار المؤالفة واتباعا لرضاء جناب الأكابر ومقتضى الشريعة الغراء المتوافقة مع أطوار المبادرات الحسنة. وأسرفوا الجهد ما استطعتم لتحصيل رضاء السدّة الهمايونيّة. على كل حال ستثمر شجرة الوفاق بثمار السلام، والشقاق والخلاف منتج للسآمة والشئم المستغني عن البيان. هذا النصح منّى ومن خانة مملكتي السنيّة، نحن نعدل عن السير في طريق الخلاف ولا نتبعه. ومن يتبع الخلاف والعداوة فهو يعمل على تكدير خاطر موقفنا الهمايوني، سيطالهم شرّ دعائي، أولئك المسلمين المخالفين والغير مطيعين للشرع المبين. ولدفع ضرر المعاندين ترى دولتي العليّة أن تدارك الأمر يقتضي العمل بهذا الفرمان، لاحظوا أن عواقب الأمور يمكن أن تحل بكمال الشعور، الشعور بالأمن والسلامة شيء مستلزم في الحياة وفي الآخرة، ادفعوا عنكم العداوة المنافرة بإتباع المعاملات الحسنة والمرغوبة، ومن جديد فليعمل الإيالات الثلاثة على كمال الوفاق وحسن الاتفاق، وأن يواصلوا دأبهم مثل ما كانوا في القديم على صرف اهتمامهم ووقتهم في الجهاد وغزو الكفّار المحاربين. ولتحصيل رضاء الدولة الهمايونية، أبذلوا وافر جهدكم، وفي هذا الصدد يعتبر هذا الفرمان صادرا وبه يعمل.
في أواسط شوال سنة 1117 هجري.
ترجمة الفرمان الثالث49:
[جواب السلطان]
هذا أمري الشريف العالي وفرماني الهمايوني، وجب الامتثال له، والعمل بما جاء في مضمونه الشريف، ولو خالفتموه – والعياذ بالله تعالى – سينفذ فيه دعائي ولعنتي. الخلاف والعداوة التي بينكم تزيد في ضعفكم وتقوّي جسارة أعداء الدين عليكم، اعملوا بنصيحتي الصادرة في هذا الخط الهمايوني المقرون برأيي.
[نصُّ الفرمان]
إلى داي طرابلس الغرب ومفتيها وقاضيها وعلمائها وصلحائها وآغة إنكشاريّتها وبلوكباشيتها ورؤساء مُشاتها وساير كبار شيوخها، حكمنا الآتي:
سابقا، أرسل رؤسائكم إلى مدار سلطنتنا العليّة مكتوبا مضمونه أن عسكر وجق تونس هاجم بلاد طرابلس ووقع نهب وغارات وترهيب لأهالي الولاية، وقد علمنا بهذا. أما عن وجق الجزائر فقد تحزّبوا وتجمّعوا ودخلوا وطن تونس وأغاروا على الديار وقتلوا النفوس وقطعوا الأشجار وتمادوا في هذه الأفعال الشنيعة. كل هذا وصل إلى سماع سدّتنا العليّة الهمايونيّة. ومن رأينا السديد، أن يتّحد ويتّفق الأوجاق الثلاثة وأن يكفّوا عن الجدال تحصيلا لجناب الحقّ وأن يصرفوا وقتهم في الجهاد والغزو ضدّ عدوّ الدين عملا بفحوى الآية {المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضهم بعضا} وأن يحرسوا حدود الديار الإسلاميّة التي كانت مثل السّد السديد المنيع، ولا تتبعوا بعض التسويلات النفسانيّة التي خلقت الخلاف وأظهرت الشقاق بين الأوجاق الثلاثة وشق عصى المسلمين – والعياذ بالله – وشماتة زمرة المشركين وتهوين الدين المبين المؤدي إلى العمل بخلاف رضاء الله والمتسبب في ظهور أقبح المنكرات وارتكاب أفضح المناهي والمحظورات بين المسلمين. فعليكم أن تسدوا هذا الشقاق وبناء الوفاق وشدّ أركان الاتفاق وإحكام واجب شرع سيّد المرسلين الذي هو من أهم مساعي دولتنا العليّة ومن أقدم أمور سلطنتي السنيّة. ولإجراء الصلح بينكم اعملوا بقوله تعالى {وإن طائفتان من المسلمين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} وأزيلوا الخلاف والمنافسة القائمة بينكم إلى حدّ هذه اللحظة وأوقفوا الخصام واعملوا بمضمون قوله تعالى المنيف {إنّما المؤمنون إخوة} وأعقدوا المؤاخاة بينكم من جديد، ولهذا الهدف، قُمت بتعيين الدركاه المعلى الكابجي باشا، افتخار الأمجاد والأكارم، عبد القادر دام مجده وأصدرت أمري الشريف في إرساله اليكم لإتمام الصلح. وفيما بعد عسكر تونس لن يأتي إلى ديار طرابلس وسنشدد عليهم ونحذّرهم وسندعيهم إلى حسن التسامح والصلح. وسنرسل إلى وجق تونس نسخة من هذا الفرمان، وإذا تآزر وجق تونس وطرابلس وتلاحما بالصفاء والمؤاخاة وحكّموا الشرع في خلافهم سنوجّه قطعة أخرى من هذا الفرمان إلى وجق الجزائر مضمونه رفع الخلاف بينهم وبين تونس وترك ما جرى من الخصام في ما مضى وإخراج الغل من قلوبهم وأن لا يسقطوا في الأخذ بالثأر وأن يتبعوا منهج المؤاخاة في الإسلام مثل ما جاء في مضمون قوله تعالى {ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} وأن يعودوا إلى ما كانوا عليه منذ عهدهم القديم، بنيانهم قوي ومبرم بالوفاق، متلازمين في ما بينهم لتثمر شجرة الاتفاق بالسلامة، وأن يدفعوا الشقاق والنفاق الذي دائما ما يظهر السآمة والشماتة.
إن شاء الله تعالى، بهذا النصح الموجّه من خانة ملكنا العليّ، المرغوب منّا أن ترفعوا العداوة بينكم وأن يتحد الثلاثة أوجاق من جديد لتحصيل رضاء الدولة الهمايونية، واعملوا بجدّ وببذل جميل الجُهد لتعميم السلم ودفع الخلاف والشقاق، وفي هذا الصدد يعتبر هذا الفرمان العالي الشأن صادرا وبه يتم العمل.
في أواسط شوال سنة 1117.
الوثيقة الرابعة : فرمان الموافقة على تسمية حسين بن علي التركي بايا على الإيالة التونسية من قبل السلطة العليّة وإرسال "برات" اعترافا بسلطته
ترجمة النص العثماني إلى العربية:
جواب السلطان: فليرسل بموجب الاقتضاء، في 10 ذي القعدة 1118 هـ،
هذا مقدار ما عرض على خَدَمِكَ،
توفي باي وطن تونس المدعو إبراهيم الشريف، ولعدم تعطيل سير الأمور وبمحتوى هذا المطلب، تقدم المدعو حسين من رجال إبراهيم الشريف، الذي حمل شعار الولاء في خدمته، وهو قادرٌ وصاحب استقامة وصداقة ظاهرة بإجماع أهالي تونس. وعليه نمكّن الرجل من مرتبة باي الوطن ونرسل إليه « براتا » عالي الشأن من باب العناية والإحسان، هذا أمر وفرمان حضرة سلطاننا صاحب السمو والرحمة والعناية.
عبدكم القبدان الحاج إبراهيم »
عنوان
دكتور باحث في التاريخ والآثار الحديثة بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات.
الهوامش
1 الأرشيف العثماني، أرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول، تصنيف عليّ أميري، ملف السلطان أحمد الثالث، ورقة عدد 12241، وثيقة مؤرخة 19 رجب 1116 هجري.
2
الأرشيف العثماني، أرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول ، تصنيف عليّ أميري، ملف السلطان أحمد الثالث، ورقة عدد 12241، وثيقة مؤرخة بأواسط شوّال 1117 هجري.
3 الأرشيف العثماني، أرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول، تصنيف المعلم رفعت جودت، ملف 98، ورقة عدد 4452، وثيقة مؤرخة بـ 15 ذي القعدة سنة 1118 هجري.
4 توفيق البشروش، 1999، ص 423 – 429.
5 عبد الحميد هنيّة ، 2012، ص 152.
6 مؤيد المناري، 2020، ص 1 – 20
7 محمد بن محمد الوزير السراج الاندلسي، 1984، ج 2، ص 654.
8 محمد بن محمد الوزير السراج الاندلسي، 1984، ج 2، ص 646، 647، 648.
9 محمد بن محمد الوزير السراج الاندلسي، 1984، ج 2، ص 649، 667.
10 أبو عبد الله محمد بن صالح عيسى القيرواني الكناني، 1970، ص 83.
11 أحمد ابن أبي الضياف، 2001، ج 2، ص 80.
12 أحمد ابن أبي الضياف، 2001، ج 2 ، ص 80.
13 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص 668.
14 مؤيد المناري ، 2017، ص 307- 339.
15 أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم ابن أبي دينار، 1967، ص 192، 196 – 198.
16 محمد بن محمد الكورغلي الباجي الحنفي الصغير بن يوسف، 1998-2009، ج1، ص 131.
17 إبراهيم السعداوي ، 2021، ص 191- 197.
18 الصغير بن يوسف، 2009-1998، ج 1، ص 136.
19 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص 673.
20 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص695؛ ابن أبي الضياف ،2001، ج 2، ص 81.
21 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص 697.
22 الوزير السراج، 1984، ج2 ، ص697.
23 الوزير السراج، 1984 ، ج 2، ص 670.
24 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص 698.
25 الأرشيف العثماني، أرشيف رئاسة الوزراء، ملف علي أميري، محفظة 3، وثيقة مؤرخة بسنة 1116 هـ.
26 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص700.
27 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص 703.
28 الوزير السراج، 1984، ج 2 ، ص 705.
29 الوزير السراج، 1984، ج 3، ص 23.
30 الوزير السراج، 1984، ج 3، ص 25.
31 الوزير السراج، 1984 ، ج 2، ص 704.
32 الوزير السراج، 1984، ج3 ، ص 27.
33 الوزير السراج، 1984، ج 3، ص 28 – 29.
34 الوزير السراج، 1984، ج 3، ص 30.
« le 30, les Algériens se rangèrent en bataille dans la grande plaine d’entre le Bardo et Tunis… les troupes de Tunis firent la même chose mais sous le canon de la ville. Les hostilités commencèrent bientôt après…ces escarmouches durèrent jusqu’à cinq heures de l’après dinée sans avancer beaucoup, on sut d’un déserteur que ceux d’Alger y avaient perdu plus de 40 hommes. Ces jours-là, un Capegy avec des lettres du grand Seigneur qu’on lut publiquement. Cet officier avait ordre de mettre en paix les royaumes de Tripoli, Tunis et Alger, et de courir main armée sur ceux qui se trouveraient obstinés et rebelles aux volontés de sa Hautesse. On reçut l’ordre avec les cérémonies accoutumées, et, un moment après cette lecture, la ville, pour marquer sa soumission, fit une décharge de toute son artillerie ».
36 Béranger, 1993.
« Mais cet honneur et tous les autres que l’on fait ordinairement aux députés de la porte n’aboutissent jamais à rien ; ce sont des feintes toutes pures ; aussi les personnes intelligentes de Tunis jugèrent d’abord que ce Capegy, comme bien d’autres qui l’avaient précédé, ne ferait ni bien ni mal. J’y en avais déjà vu venir plusieurs avec le même ordre, mais ni Tunis ni les deux autres villes ne leur avaient déféré qu’autant qu’il leur avait plu, et cette désobéissance est passée comme en coutume chez les Barbares ».
37 الوزير السراج، 1984، ج 3، ص31.
38 الوزير السراج، 1984، ج 3، ص 39.
39 الوزير السراج، 1984، ج 2، ص 49.
40 الصغير بن يوسف، 2009-1998، ج1، ص 35.
41 الصغير بن يوسف، 2009-1998، ج 1، ص 34.
42 Béranger, 1993, p. 160 – 161.
« Le 10, on eut encore des nouvelles de la querelle qui paraissait finie entre l’ancien dey et le bey, Abrahim étant arrivé à Bizerte sur une barque française pour se joindre au défunt dey, dont il ignorait la mort, et sur les lettres de qui il était venu, y avait envoyé prendre langue, pour savoir qui était maître du royaume. L’on avait arrêté ceux de ses gens qui étaient descendus à terre pendant qu’il restait dans la barque qui l’avait amené. Sur cela Assen Ben Aly envoya à Bizerte une partie de sa cavalerie mauresque sous la conduite d’Agy Abei, sortit lui-même de Tunis pour aller à la Marce, et n’être pas enfermé en cas de quelque révolte, et ordonna au dey d’aller demeurer au château par la même précaution. On fit aussi armer un patache anglais, qui était à la fonde de la Goulette, et on le fit partir le même jour sur les quatre heures de l’après-dinée pour tâcher d’attraper Abrahim, si la barque française était encore devant Bizerte. Il faut remarquer que dans cette expédition la réussite vint proprement d’une poursuite concertée entre le patache anglais et une autre barque française armée à Port-Farine pour le même sujet. Le patache, ayant trouvé la barque où était Abrahim entre Biserte et port-Farine, l’attaqua brusquement : l’autre pris le large, et voyant une autre barque française, l’alla accoster pour apprendre des nouvelles. Celle-ci s’étant approchée avec plaisir et arambée, les gens du bey sautèrent dans celle d’Abrahim qui se défendit en brave homme et en tua deux de sa main. Mais enfin il fallait céder à la force et au grand nombre : il fut tué lui-même et sa tête fut porté au château où tout le monde l’alla voir. Pour marquer la réjouissance, l’on en tira en deux fois 29 coups de canon, et le bey, deux heures après, revint de la Marce à Tunis, où il fut reçu au bruit du canon et des lu-lu-lu aue les Tunisains ont coutume de hurler dans ces rencontres. Ainsi, en moins de quinze jours Assen Ben Aly Bey se trouva le seul maître du royaume et vit à ses pieds les deux têtes qui pouvaient seules lui disputer le gouvernement ».
43 Béranger, 1993, voir note 12, p. 163.
44 Tezcan N., t.37, 2009, p. 16 -19.
45 Tâ’yîn-i ümerâ be-cânib-i Cezâyir ve Tunus.
Tunus ve Cezâyir ahâlisinin ser-i sevdâ –zedeleri birbirlerin idlâl ile beynlerinde ihtilâl vâki’ olup, niçe def’a tarafeynden mütesaddî-i harb u kitâl olduklarını Tunus’un ulemâ ve sulehâ ve bilcümle kul tâifesi mahzar birle ilâm-ı hâl ve arz-ı dergâh-ı padişah-ı deryâ-nevâl ve ihtiyârlarından birkaç mu’temed kimesneleri rûymâl eylemişler idi. Ahâlî merkumânın keyfiyyet-i ahvâlleri müşahede-i re’yü l-ayn ve ıslâh-ı zâtü’l-beyn için mîr mîrândan Destâr-î Mehmet Paşa’ya Tunus eyâleti ve Musul’dan ma`zûl Ömer Paşa’ya Cezayîr hükümeti tevcîh ve bu vechile fermân-ı humâyûn tahrîr ü tenbîh olunmuşdur ki « etrâf-ı memâlik-i mahrûsamda olan milel-i kefere edyân-ı bâtıla-i fecereleriyle الكفر ملّة واحدة، mazmûnu üzere ittihâd u ittifâk ve birbirlerine iânet ü istimdâd ve taraf taraf bilâd-ı islâmiyyeye istîlâ ve îsâl-i mazarrat u hasâret etmeleriyle, bu vakitde cihâd şarkan ve garben kudreti olan âmme-i mü’minîn ve kâffe-i muvahhidîn üzerine savm u salât gibi farz-ı ayn olup, ocağınız gazileri ve dîn karındaşları ve sefer yoldşları ittifâk-ı meveddet ve ittihâd-ı mahabbet üzere cihâd-ı a’dâda bulunmak lâzım-ı lâbüd iken birbirinize düşmeniz Allahü azîmüşşânın rızây-ı şerîfine muhâlif olmağla da’vânız var ise şer’ ile görülüp ahvâlinizi tedkîk ve beyninizi tevfîk eylemek üzere beğlerbeğiler gönderilüp, dergâh-ı muallâm kapıcıbaşılarından mübaşirler ta’yîn olunmuştur. Filhakîka Tunuslu ile da’vânız var ise şer ile faysal verilmek üzere bundan akdem dergâh-ı mu’allâm kapıcıbaşılarından Osman زيده مجده yediyle Tunus ahâlîsine emr-i âlî gönderilmiş idi. Bi-hikmeti’llahi te’âlâ vusûlü müyesser olmamağla Trablus-ı Garb ocağıyle kalkup Tunus üzerine gelüp ba’z-ı kılâ’ın top ve cebehânelerin ahz u zabt ve Tunus kala’sını muhâsara ve içinde olan ümmet-i Muhammed ve ibâdetgâh ve cevâmi’ ve medâris ü mektebeler üzerine top ve humbara atup, ibâdullahın sagîr ü kebîr ve ganî vü fakîrinden ve nisvân u sıbyânindan niçesi pâymal ve ol günlerde salât-ı hamse kılınmaz olup, taşralarda olan kurâyı dahi garet ve taşradan zahîre gelmeğe mümân’at, hâsılı ol diyârın ahâlîsine hilâf-ı şer-i şerîf vaz’ u hareket ve gadr ü ta’addî eyledüğünüzü sem’-i humâyûnuma ilka ve huzûr-ı padişahâneme inhâ olunmağın, nev’â tab’-ı humayûnum münharif olmuştur. Düşmen-i dîn ittifâk u ittihad ile bahren ve berren ümmet-i Muhammed üzerine hücûm ve cevâmi ü mesâcid ile müşerref olan bilâd-ı Islâmiyye îsâl-i mazarrat kasdında olup, ber muktezây-ı fehvây-ı sa’âdet-ihtivây-ı وتعاونوا على البرّ والتقوى bu vakitde gönül birliği ile gazâ vü cihâda himmet ve def’-i şürûr-ı a’dâda bezl-i kudret vâcibât-ı sünen-i dîn ve lazıme-i hamiyyet-i şer’îat-i Seyyidül-mürselîn’den iken, metrûk kılınup beyninizde ıyâzen bi’llahi te’âlâ şakk-ı asây-ı mü’minîn ve teşettüt-i ictimâ-ı muvahhidîn mü’eddî şemâtet-i a’dâ-yı dîne müntehî istikbâr-ı müşrikîn-i dalâlet-âyîne bâ’is ü bâdi Allahü azîmüşşânın rızây-ı şerîfine muhâlif bir emr-i şenî idüğü delîl ü bürhândan müstağnî olmağla إنّما المؤمنون اخوة müsted’âsınca birbiriniz ile akd u muvâhât edüp, yek –dil ü yek –cihet ve kemâl-i mahabet ü ülfet üzere hareket eyleyesiz. Ehl-i Islâm beyninde da’vâ vâki’ oldukta ceng ü cidâl ve harb ü kıtâl sîret-i Islâm’dan değildir. Allahü azîmüşşânın emr-ı şerîfine teslîmiyyet ü rizâ gösterüp, muktezây-ı şer’-i mutahhara üzere faysal vermelüdür. Siz dahi mûceb-i şerif ile âmil olup ولا تجعلوا في قلوبنا غلا للذين آمنوا tarîka-i marzıyyesin meslûk ve aranızdan olan mücâdelet ü muhâlefeti muvâfakat u muvâsalat tebdîl edüp miyânda geçen esbâb-ı vahşet iğmâz ve bi’l-külliye i’râz olunup, muhassıl-ı kelâm eğer ol tarafda şer’ ile ihkak-ı hakk olunmaz ise, ocağınız tarafindan vekîller nasb u ta’yîn ve der-i devlet- medârıma irsâl eyleyesiz ki, Dîvan-ı humâyûnda vüzerâ-yı izâm ve kadı ‘askerlerim huzûrunda şer ‘ ile icrây-ı şer ‘ ve ihkak-ı hakk oluna. Söyle ki, bundan sonra müte’essir olmayup أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم nass-ı kerîmi ile amel eyleyüp, emrime muhâlefet ederseniz, inkisâr ile bed duâma mazhar oluruz, ana göre mülâhaza edüp, birbirinize mazarrat îsâlinden ferâgat ve hüsn-i vifâk ve kemâl-i ittihâd u ittifâk üzere hareket, inşâallahü te ‘âlâ bundan akdem hatt-ı humâyûn ile mu‘anven gönderilen emr-i şerîf mûcebince vakt-i fursat fevt olmadın ocağınız gemileri ile şüc‘ân-ı guzât-ı cihad-i ‘tiyâdi memlû ü meşhûn kılınıp ihrâc ü irsâl ve donanma gemileri ve kalyonları ile ma‘an cihâd-ı a‘dâda ve Sakız cezîresini istihlâsında avn-i Hakk ile sizden me’mûl olunduğu üzere hidmet eyleyesiz deyü Tunus ahâlîsine bir kıt‘a emr-i şerîf ve Cezayir ahâlîsine dahi nush u pendi müş‘ir bir kıt‘a emr-i münîf irsâl olundu, fî 27 Cemâziyelevvel sene 1106 ( 13 Ocak 1695).
46 Ümerâ-i deryâdan Abdülkadir Paşa-zâde Ahmed Bey'e Tunus Beylerbeyilik pâyesi tevcîh olunmak buyuruldu. Fî 19 B (Receb) sene 1116/ [17 Kasım 1704].
47 Mücibince, Ferman hümayûn vecib- ü’l imtisâlim’in mazmûn şerifî ile ‘amel eyleysin hilafî irtikab-ı olurnursa iyâd’en billahi ta‘âlâ bed duâm’a mazhar olursuz beyninizde böyle ihtilâf ve ‘adâvet sizin z‘afinıza ve ‘adâ-i dîn’in küvvet ve cesâretine sebep olur, nasîhat-ı mulûk-u hânem üzere hareket eyleysiz ve bu hatt-ı hümâyûn şevkimakrûn sâdır olmuştur.
Cezayir-i Garb beylerbeyisine ve dayısına ve müftisine ve kadısına ve u’lemâ ve sulhâ ve yeniçeri ağası ve blukbaşıları ve yayabaşıları ve sairi ihtiyarlarına hüküm ki: Tuğuri islamiye’da vakî Cezayir-i garb ve Tunus ve Trablus ocakları birbirleriyle itifâk ve itihad ile rida-ı rabü’l ‘ibad için evkatların gazâ ve cihâd’a sarf edip المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا fahvâsınca ol taraflarda olan ser haddi islamiyye’ye müddet medid’den berü sedd-i sedîd olmuşlar iken, bazı tesvilat-ı nefsânniyyeye tebe’yyet ile, Cezâyir-i Garb ocağı tarafından Tunus vatanına jerr-i asker olunup tahrib-i kurâ ve bilâd ve katl-i nüfus ve nahb-i ve garet misill-ü hasaret cesaret olunduğu ve keza Tarablus garb ile Tunus ocakları beyninde dahi biraz ayâmdan berü hilâf ü şikâk zuhur eylediği mesmû’ hûmayünum olup ahli Islâm beyninde bu makûle ihtilâf ve cidâl ve kitâl vuku-‘u iyâzen bi’llah taâl’a şakk-ı asây-ı mü’minîn ve şemâtet-i ‘adây ü muhâlifîn ve tevhîn-i umûr-u dîn mubine muadî akbah-ı manâkiri ve afdah-i munâhâ olmağla aranızdan râh-ı şikâk-ı sedd-i bünyan-i vifâk ve erkân-ı ittifâk şedd ile tarsîn-i dîn-i mubîn ve tahsîn-i şeriat-i seyyid-i’l-mursalîn; ehamm-i mehâmi devlet-i alliyye ve akdem-i umur-i saltanat-ı seniyyemden olmağan وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما fehvâ salah-ı ihtivâsince meyâninzden izale-i esbâb-i münafeset ve izâhay-i eser-i münaferet edüp إنّما المؤمنون إخوة mezmûn-i munif-i üzere yine beyninizde a’kdi müâhât ve kulubinize ilkâ’-i envâr-i musafet ile islâh-i zat-ı el beyn için Dergâh-ı mua‘llâm kapıcı paşalarından iftihâr’ül- emcâd u ekârım Abdülkadir dâme mejduh-u emr-i şerifimle ta‘ayin olunup ve fî me ba’ad terk-i hilaf u şikâk ve hüsn-u ittilâf ve ittifâka akd-ı niyet ile rizâ-ı hümayunum’a muvâfik hareket eylemeler için Tunus ve Trablus ocaklarına dahi nusuh muştamal başka emr-i şerifim şerefyafta-ı sudur olmağla. Şimdi size ki mumâ ilyehimsiz şimdiye değin üç ocak beyninde vaki olan şuhn u bağzay-ı mazâ mâ mazâ fehvasince elvâh-i havâtırdan meslûb ve kahr-i müşrikîn ve def’i muhâlifînda mu‘îninz olan ehvân dîninize adevât ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا mazmûnu münif-i üzere a’yen kulûb’dan bilkülliye mestûr u mehcûp edüp ve zinhar zinhar ekhd-i t’âr yahut nez‘i dar u diyâr ve ikâ’ medâr u isâl-i hisâr misillû sebeb-i zuhur-u gazab kahâr olur matâmi-i ve makasidi mefâsid-i medâr ile evtân-ı Tunus’a asker çıkmayup beyninize hukuka muta‘llik fehva-i vak‘i olur ise şeri’ ile görülüp her halde mutekazâ-ı şeri’at-ı garrâ ve müsted’ay-ı rızay-i cenâb-i kibriyâye dünya ve akibede mücib-i selâmet olan nasîhat-ı mulûk hânem ile ihtidâ eylesiz semre-i vifâk herhalde müsmir-i selâmet ve ihtilaf ve şikâk müntic-i se’met u şe’amet olduğu zâhır ve bâhırdur. Bu nusuh ve bende mülûk hânemden ‘udûl u inhirâf ile hilâf-ı şeri‘ şerif-i tarîk i‘tisâfa gidenler tegayyür-i tab‘i şahane ve teh’yici hamiyeti hüsrevâneme bâ‘is olup mutu’i şer‘i mubîn olan müsliminden def’i zurr-ı muânidîn için devlet a‘liyee tarafından bu emrin tedâriki görülmek iktizâ eder ‘avâkibi umur-i kemâl şu‘ur ile mulâhaza edüp dünya ve ahirette umniyati ve selamet-i müstelzim olur etvâr-i hasene u ‘amâl-i müstahsene-i ihtiyâr ile beyninizden adâvat-ı ve husumet-i bilkülliye refi‘ ve yine kemâ fî’l-evvel üç ocak bir olup de’b-i kadîmiz üzere küffar-ı muhâribîn ile gazâ ve cihad’a sarf-ı evkât edüp ‘alâ vech-i ta‘cîl rızâ-ı hümâyûnum tahsîlına izhâr-ı cidd-i cemîl eylemez babında fermân ‘alîşanım sâdır olmuştur buyurdum ki. Fî evâsit şevval sene 1117.
48 Mücibince, Ferman hümayûn vecib- ü’l it‘aam’in mazmûn şerifî ile ‘amel edesin hilafî irtikab-ı olurnursa iyâd’en billahi ta‘âlâ bed duâm’a mazhar olursuz beyninizde böyle ihtilâf ve ‘adâvet sizin z‘afinıza ve ihtilâlınıza ‘adâ-i dîn’in küvvet ve cesâretine sebep olur, nasîhat-ı mulûk-u hânem üzere hareket edesiz diye hatt-ı hümâyûn şevketmakrûn varîd olmuştur.
Tunus beylerbeyisi’ne ve dayısına ve müftisine ve kadısına ve Ulemâ ve sulhan ve yeniçeri ağası ve bulukbaşıları ve yayabaşıları ve sairi ihtiyarlarına hüküm ki: Tuğuri islamiye’da olan vakî Cezayir-i garb ve Tunus ve Trablus ocakları kadim ul ayemdan berü itifâk ve itihad ile rida-ı rabü’l ‘ibad için gazâ ve cihâd’a sarf evkât edüp ser haddi islamiyye’ye sedd-i sedîd olmuşlar iken, bazı tesvilat-ı nefsânniyyeye tebe’yyet ile, Tunus ocağı tarafından Tarabulus Garb vilâyetine jerr-i asker olunup Trabulus’un etraf-ı ve enhasinda olan kurâ ve bilâd nehbi u garet misill-ü hasaret cesaret olunduğu mesmû’ hûmayünum olup bu emr-i fadî‘ tekaddür tab‘i hümayûnum’a bâ‘is olduğunudan ma‘dâ Cezâyir ocağı dahi tehazzüb ve tecammu‘ ile sizin vatanıza gelip onlar dahi hilaf-i şer‘ şerif katli nufus ve tahrïb-i biladi etvâr-i nâ hemvâr irtikâb ve ihtiyâr eyledikleri tarafınızdan ilâm olunup ehl-i Islâm beyninde bu misillü ihtilâf ve ikhtilâl ve cidâl ve kitâl vuk‘u iyâzen bi’llah taâl’a şakk-ı asây-ı mü’minîn ve şemâtet-i ‘adây dîn’e mu’dî hilaf-ı rızâ-ı ilâh-i akbah-ı manâkiri ve afdah-i munâhâ olup muslimîn beyninde def’i şikâk-ı ve tensikî esbab-i ittifak ile tersîn erkân-i dîn-i mubîn ve tahsîn-i şeri‘at-ı seyyidi mürselîn ehamm-i mehâmi devlet-i alliyye ve akdem-i umur-i saltanat-ı seniyyemden olmağan وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما fehvâ salah-ı ihtivâsince aranızdan def‘ u haşt ve rafi‘ muhalefet edüp إنّما المؤمنون إخوة mazmûn-i münifî üzere beyninizde yine a‘kd-i mu’âkhat ve kulubınıza ilkâa esâr-ı musâfet ile islâh zat-ı’l beyn için Dergâh-ı muallâm kapıcı paşalarından iftihâr’ül- emcâd u ekârım Abdülkadir dâme mejduh-u emr-i şerifimle ta‘ayin olunup ve fî mâ ba’ad Cezâyirlü askeri ile evtân-ı Tunus’a gelmeyüp ve sizin ile levâzim-i musâfât-ı ferâgat eylemek üzere Cezâyir ocağına ve kezâlika vekâ-i’i sabıka için münafesete tab’i olmayup hüsnü müelafât’a sâ‘î olmak üzere Trablus ocağına dahi nusuh ve yaptığı terhib-i u tergîb-ı müştemel başka başka emr-i şerifim şerefyaftay-ı sudur olmağla ; imdî size ki mumâ ileyhim siz işbu emr-i şerifim vusûlunda siz dahi şimdiye değin üç ocak beyninde bi-hasab-il’ beşeriyye vak‘i olan şuhn u bağzâ-yı mazâ mâ mazâ fehvasınca elvâh-i havâtırdan meslûb ve iki taraf ile dahi husûmet ve adâvet-i bir fehvây-ı ولا تجعل في قلوبنا غلّا للذين آمنوا a’yen kulûb’dan bilkülliye mestûr u mehcûp edüp ba‘d’l- yevm ihvân dîniniz olan iki ocağı da terk adâvet ve izhâr-ı esâr-ı müelafât ile rızay-i cenâb-i kibriyâye ve mutekazâ-ı şeri’at-ı garrâya muvafiki etvâr-i müstahsene-i mübadarât ve benim dahi tahsil-i rıza-ı hümayûnuma sarf-i küdret eyleyesiz şecere-i vifâk-ı herhalde müsmir-i selâmet ve ihtilaf-i ve şikâk-i müntic-i se’âmet-i ve şe’âmet edüğü müsteğnin ‘ani’lbeyândur, bu nüsu-h ve bende mulükhânem’den ‘udul ile tarik-i hilâfa gidenler teggayür hâtır-ı hümayünum’a bâ’is olup bed duâm’a mazhar olduklarından gayr-i muti‘-i şer‘-ı mubîn olan müslimîn’den def’i zarr-ı muânidîn için devlet a‘liyem tarafından bu emrin tedâriki görülmek iktizâ eder ‘avâkibi umur-i kemâl şu‘ur ile mulâhaza edüp dünya ve ahirette emniyeti ve selamet-i müstelzim olur etvâr-i mergûbe ihtiyâr ile beyninizden adâvat-ı ve münefarat-i def’i edüp ve yine üç ocak bir olup kemal-i vifâk ve hüsn-u ittifak ile de’b-i kadîmiz üzere evkâtınız küffar-ı muhâribîn ile gazâ ve cihad’a sarf-ı edüp istihsâl-i rızâ-ı hümâyûnum bezl-i ciddi mevfûr eylemez babında fermân ‘alîşanım sâdır olmuştur buyurdum ki. Fî evâsit şevval sene 1117.
49 Ferman-ı hümayun vecib’ül imtisâlimin mezmûn şerif-i ile amel eyleyesiz hilaf-î irtikab olunursa iyazen b’illahi ta‘lâ bed duâma mazhar olusuz beyninzde böyle ihtilaf ve ‘adavet sizin za‘finiza ve a‘dâ-i dînin kuvvet ve cesaretine sebep olur nesîhat mulûkhânem üzere haraket eyleysiz diye hatt-ı hümayûn sâdır olmuştur. Trablus -garb dayısına ve müftisine ve kadısına ve ‘ulemâ u sulâhay-i ve yeniçeri ağası ve bölükbaşaları ve yayabaşıları ve sâir-i ihtiyârlarına hüküm ki : Bundan akdem ocağınız emekdârlarından hüsn-u reïs vesairleri vesâtat ile der devlet-i madârıma gönderdiğiniz mahzar ve mektuplar vâsil olup hülâsa-ı mefhûmunda Tunus ocağı tarafından bilâd-i Tarâbuls’a cerr-i asker olunup nehb-i ve gârât ve tahrîb-ı vilâyeti gibi hasaret’e cesâret-i olunduğu ilâm olunduğundan mâ ‘adâ Cezâyir-i garb ocağı dahi tahazzüb ve tecammü’ ile evtân-ı Tunus’a gelip onlar dahi igâra-ı dâr u diyâr ve katl-ı nufüs ve kat‘-i eş-şjâr misillü etvâr nâ hemuvâr ictisâr eyledikleri mesmû‘ hümayunum olup zikr olunan üç ocak ittihâd ve ittifâk ile tahsîl-i rıza-ı Cenâb-i hallâk için evkâtları gazâ ve cihadâ sarf edüp المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضهم بعضا fehvasınca ol taraflarda olan ser hadd-ı Islâmiyye’ye mudde-i medîd’den berü sedd-i sedîd olmuşlarken bazı tesvîlat-ı nefsâniyye’ye tebaîyyet-i ile üç ocak arasında hilâf u şikâk zuhur-u iyâden bi’llah-i t'aalâ şakk-ı a‘sâ-ı müslimîn ve şemâtet-i zümre-i müşrikîn ve tevhîn-i dîn-i mubîne mu’dî hilâf-i rızâ-ı ilâh-i ekbah-i menâkir-i ve efdah-i menâh-i ve mustatba‘-i mahturat-ı nâ mütenâhî olmağla beyn’l müslimîn rah-î şikâk-i sedd ve bünyani vifâk ve erkân-ı ittifak-i şed ile rukn-ı rakîn dîn-i mubîn tahsîn ve ihkâm-ı vecib-i’l ahkâm şeri‘at-ı seyyid’ül mürsalîn tersîn ehhem-i mehâm devlet-i âliye ve akdemi umur-ı saltanat-ı seniyyemden olmağın وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما fehvây-ı selâh ihtivâsınca şimdiye değin zuhura gelen imârat-ı munafesât-ı aranızdan izâle ve meneveyat-ı muhasamat-ı durunuzdan ikale edüp إنمّا المؤمنون إخوةٌ mazmun-ı münif üzere yine beyninzde a’kd-ı mue’hât ile tarîk musafete delalet için Dergâh-ı mu‘allâm kapıcıbaşılarından iftihârül’emcâd ve’l ekârim Abdülkader dema mecduh-u emr-i şerifimle tâayin olunup ve fî mâ ba‘ad Tunus’lu ‘asker ile Trablus diyârına gelmeyüp ve sizinle levâzım-ı hüsn-u musâfât-ı kürkü gibi mura‘t eylemek üzere tenbih-i akid ve teşdidî şedidî mütezzam’in bir kıta‘ emri şerifim Tunus ocağına ve kezâlika eğer Tunus ve eğer Tarblus ocaklarıyla daima musafat ve mu’ahât üzere olup bunlardan birine hilaf-ı şer‘i şerif- i i‘tidâd’dan ittikâ etmek üzere bir kıta‘ emr-i şerifim dahi Cezâyir-i garb ocağına şerefyaftay-ı sudûr olmağla imdi size mume’ilyehim siz emr-i şerif vusulunda şimdiye değin Tunuslu ile beyninizde vak‘i olan mâ cerâ fî madâ mâ madâ fehvâsıyla kulubunuzdan ihraç ve zinhar zinhar akhdi t’âr mulahazasına düşmayup daïmen izhar-i esâr-î mu’âhat ile minhac-i eslam-i musafat intihac edüp ولا تجعل في قلوبنا غلّا للذين آمنوا mazmunî münîf ile amel ve ahd-i kadîmden berü beyninizde muhkam ve mübram olan bünyan-ı kaviyy’ül erkân vifâktan def’i şikak ve ref‘i halal eyleyesiz şecere-i ittifak herhalde müsmir-i selâmet ve hilâf-i ve şikâk-i her zamanda mücib-i se’amet ve şe’amet edüğü zâhır ve bâhırdır. Inşallahu teâlâ bu nusuh ve bende mulûkhânemden ihtidâ ve hilâfet’e ictirâdan ittika edüp dünyada ‘ukbâda umniyet-i ve selâmet-i müstelzem olur etvâr-ı merğuba ihtiyâr ile adevat-ı beyninzde kaldırıp ve yine üç ocak bir olup rıza-ı hümayûnum tahsîline bezl-i ciddi cemîl eylemez babında ferman-ı âlişanım sâdır olmuş buyurdum ki Fî evasıt şevvâl sene 1117.
المصادر والمراجع
الأرشيف
أرشيف رئاسة الوزراء بإسطنبول:
- تصنيف علي أميري، ملف السلطان أحمد الثالث، ملف 12241، بتاريخ 19 رجب 1116هـ. وأواسط شوال 1117هجري .
- تصنيف المعلم رفعت جودت، ملف 98، وثيقة 4452، بتاريخ ذي القعدة 1118هجري.
المصادر والمراجع
ابن أبي الضياف أحمد، ت 1291هـ/1874م، 2001، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، (8 أجزاء)، تونس.
السرّاج محمد بن محمد الأندلسي، ت 1149هـ/1736م، 1984، الحلل السندسية في أخبار التونسية، (3 أجزاء)، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، بيروت.
الصغير بن يوسف محمد بن محمد الكورغلي الباجي الحنفي، ت1177هـ/1763م،1998-2009، المشرع الملكي في سلطنة أولاد عليّ تركي (4 أجزاء)، تحقيق أحمد الطويلي، تونس.
الكناني أبو عبد الله محمد بن صالح عيسى القيرواني، ت 1292هـ/1874م، 1970، تكميل الصلحاء والأعيان لمعالم الإيمان في أولياء القيروان، تحقيق محمد العنابي، تونس.
البشروش توفيق،1999 ، « مراديون »، موسوعة مدينة تونس، ص 423 – 429.
عبد السلام أحمد، المؤرخون التونسيون في القرون 17و18و19م، 1993، رسالة في تاريخ الثقافة، نقلها من الفرنسية إلى العربية أحمد عبد السلام وعبد الرزاق الحليوي، بيت الحكمة، قرطاج.
السعداوي إبراهيم، جوان 2021، « صورة أتراك الجزائر في المصادر والذاكرة الجماعية التونسية خلال العهد الحديث »، المجلة التاريخيّة المغاربيّة، السنة الثامنة والأربعون، العددان 183 – 184 ، ص 171 – 270.
المناري مؤيد، ديسمبر 2017، « أبو الطيب الخضار: سيرته، دوره في الحملات العثمانية على تونس وعلاقته بالأتراك في النصف الأول من القرن 10 هـ / 16م » ، المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية، عدد 55 – 56، ص 307 – 339.
المناري مؤيد، 2020، « الداي أحمد خوجة : جوانب من حياته السياسيّة، مآثره وعلاقته ببلده الأم تركيا »، السبيل : مجلة التاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة إلكترونية]، عدد 9، ص 1- 20.
هنيّة عبد الحميد، 2012، تونس العثمانية بناء الدولة والمجال، منشورات تبر الزمان، تونس.
Béranger (N.), 1993, la Régence de Tunis à la fin du XVIIe siècle, Introduction et notes de Paul Sebag, L’Harmattan, Paris.
Chérif M.H., 1986, Pouvoir et société dans la Tunisie de Husyn. Bin Ali (1705-1740), (2. Vol.), Tunis.
Collectif, 2013, Osmanlı belgelerinde Trablusgarb, Istanbul.
Temime Blili L., 2012 – 2016, Sous le toit de l’Empire, la Régence de Tunis 1535-1666, Genèse d’une province ottomane au magreb, SCRIPT édition, (2 tomes), Tunis.
Tezcan N., “Seyahatnâme”, Türkiye Diyanet Vakfı, t. 37, p. 16 -19.
الكاتب
مُؤيّد المناري
دكتور باحث في التاريخ والآثار الحديثة بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات.