Al Sabîl

Index

Information

A propos Al-Sabil

2020| 09

منطقة بيشون خلال الفترة الاستعمارية: الرهانات التعميرية والأثرية

خالد رمضاني

الفهرس

الملخّص

مثّل الحضور الفرنسي مرحلة فارقة في تاريخ البلاد التونسية على جميع الأصعدة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضرية أيضا. ورأينا أنه بإمكاننا التعرض إلى المجهودات التي بذلتها الإدارة الاستعمارية لتركيز قاعدة حضرية قوامها منشآت تخدم مصالح المعمرين والجاليات الأوروبية عامة، وتسعى من خلالها إلى تشجيع هؤلاء على الاستقرار بالبلاد التونسية قصد إنجاح الاستعمار الاستيطاني. وكانت جهة القيروان نموذجا لهذا التوجه، فشهدت المنطقة تطورا زراعيا خلال الفترة الاستعمارية، مما أدى إلى إحداث العديد من المراكز الحضرية الصغيرة ذات الطابع الريفي مثل منطقة « بيشون » وهي معتمدية حفوز حاليا التابعة لولاية القيروان.

سنركز في هذا المقال على الظروف التي ساعدت المعمرين على الاستثمار في هذه المنطقة، والخطوات التي توجت بتركيز بنية تحتية متواضعة وسط ضيعات شاسعة للمعمرين، ورغم أنها لم ترتق لأن تكون بلدية إلا أنها كانت مركز قيادة جلاص. وسينصب إهتمامنا أيضا على الجانب الأثري، فككل الجهات التي عرفت حضورا تعميريا يعود للفترة ما قبل الاسلامية، شهدت المنطقة بعض النشاطات الأثرية، من حفريات ومجهودات لترتيب بعض المواقع التي تعود إلى الفترة الرومانية على لائحة المواقع التاريخية.

الكلمات المفاتيح

منطقة القيروان، بيشون، استعمار استيطاني، تعمير، آثار.

Résumé

La présence française était un fait majeur dans l’histoire de la Tunisie contemporaine et ce à tous les niveaux politique, social, économique, et aussi urbain. Sur ce plan, la France a déployé d’immenses efforts pour l’installation d’une assise urbaine au service des institutions qui œuvrent pour les intérêts des colons et de la communauté européenne en général. Derrière cet effort se profile l’encouragement des colons à se fixer en Tunisie pour la réussite de la colonisation de peuplement. La région kairouanaise constituait un modèle de cette politique. Le développement de l’agriculture et l’apparition de centres coloniaux à vocation rurale témoignent de cette tendance. Le centre de Pichon, l’actuel Haffouz, constitue un bel exemple. Quels sont les facteurs qui ont encouragé les colons à investir dans cette région ? Quelles sont les processus qui ont permis l’installation d’une infrastructure modeste, certes, au milieu de grandes exploitations coloniales, mais qui l’ont érigé au rang d’une commune gérant le Caïdat de Jlass ? L’intérêt patrimonial ne nous échappera pas dans ce papier en mettant en exergue les atouts historiques d’époque romaine surtout qui ont permis de classer cette région sur la liste des monuments historique.

Mots clés

La région de Kairouan, Pichon, colonisation de peuplement, urbanisme, archéologie.

Abstract

The establishment of the French protectorate is a decisive step in the history of Tunisia on all levels, political, social, economic and also urban. And we saw that we can address the efforts made by the colonial administration to establish an urban base consisting of facilities that serve the interests of the centenarians and European communities in general, and through which it seeks to encourage them to settle in Tunisian for the success of settlement colonization. The Kairouan region was a model for this trend, as the region witnessed agricultural development during the colonial period, which led to the creation of many small urban centers of a rural character, such as the Pichon district, which is currently the dependency of Haffouz in the province of Kairouan. In this article, we will focus on the conditions that helped centenarians invest in this region, and the steps that culminated in the concentration of a modest infrastructure in the midst of vast estates for urban residents, and although it did not rise to be a municipality, it was the center of Jlass. Our attention will also be focused on the archaeological side, as all those who have known a cultural presence dating back to the pre-Islamic period, the region witnessed some archaeological activities, including excavations and efforts to arrange some sites dating back to the Roman period on the list of historical sites.

Keywords

The region of Kairouan, Pichon, settlement colonization, urbanization, archeology.

المرجع لذكر المقال

خالد رمضاني، « منطقة بيشون خلال الفترة الاستعمارية: الرهانات التعميرية والأثرية »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 09، سنة 2020.

URL : https://al-sabil.tn/?p=12282

نص المقال

المقدمة

عملت السياسة الاستعمارية الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر على مشاريع التوسع الحضري. وقد اعتمدت على استراتيجية التعمير كأداة أساسية للاستعمار الزراعي وتدعيم توطين العنصر الفرنسي في الأرياف التونسية. وسُنّت في هذا الإطار عديد القوانين العقارية التي خوّلت لها الحصول على عدد كبير من الأراضي الخصبة والبكر. وسارعت لتدعيم هذا التوجه بتركيز بنية تحتية في الأرياف من خلال إحداث عديد القرى الاستعمارية لتكون أساسا للتنمية والتوطّن. وتعتبر منطقة حفوز الحالية وبيشون خلال الفترة الاستعمارية، التي تقع على مسافة 45 كم غرب مدينة القيروان، نموذجا لهذا التوجه العام.

لم تتم دراسة الوضعية الحضرية لمركز بيشون خلال فترة الاستعمار حتى الآن. ويرجع وجود البحوث في هذا المجال إلى حقيقة أنّ الواقع العمراني والأثري يعتبر أساسا من التخصصات التي تدرس المدن الكبيرة، وتدرس جِهاتها التي عرفت حركة تعمير كبيرة أو التي لها مخزون أثري قديم مازال قائما. إلا أنّ منطقة بيشون، رغم تواضع مركزها الحضري، تستحق مزيدا من البحث والدراسة فهي تعدّ من أهم المراكز الحضرية التي بعثت في جهة القيروان خلال الفترة الاستعمارية. فقد كانت المنطقة فضاء لعمليات التنقيب عن المعالم الأثرية التي تعود للفترة الرومانية خاصة، وما أعقب ذلك من ترتيب لبعض المواقع على قائمة المعالم المحمية. ومنهجيا لكل مدينة أو تجمع عمراني تاريخه الخاص والمتميز الذي يستحق الدراسة والبحث، وهذا ما عملنا على انجازه من خلال دراسة مركز بيشون المتواضع.

وإعتمدنا في إنجاز هذا المقال أساسا على الملفات التي تخصّ منطقة بيشون بالأرشيف الوطني التونسي وأرشيف المعهد الوطني للتراث المُودع بدار ابن خلدون. فقد مكننا الأول من التعرف على المجهودات التي تمت لإحداث مركز استعماري في الجهة وما تبعه من عمليات تطوير، أما الثاني فقد سمح لنا بالاطلاع على الوثائق الرسمية التي تعود إلى مختلف الجهات الادارية الاستعمارية، وقد استفدنا منها في الاطلاع على المراسلات بين الجهات الرسمية المختصة في الحفريات وحماية المواقع الأثرية.

1. ظروف مشجعة لاستقرار المعمرين

1.1. كثرة الرحل وعدم استغلال الأراضي الزراعية

كانت مدينة القيروان سوقا خاصة بالرحل وبالقرى التي تحيط بها. وكانت، رغم « احتقار » ساكنيها لسكان الأرياف والقبائل بسبب طبائعهم وغاراتهم، تعيش بفضل هذه الأرياف نتيجة المبادلات بينهم، فالمدينة كانت تزودهم بالمنتوجات الحرفية المُنتجة داخلها أو المنتوجات التي تتأتى من مدن تونسية أخرى أو حتى من بلدان أخرى، في مقابل المنتجات الفلاحية التي توفرها الأرياف1. وقد كانت هذه الأرياف مراكز راكدة طوال الأسبوع ولا تكون نشطة إلا عشية يوم السوق. ولقد تم سنّ أمر 10 جانفي 1903 لتغيير أيام أسواق كل من « حاجب العيون » و « العلا » و « سيدي محمد بن علي » و « سيدي نصر الله » على التوالي إلى أيام الاثنين والسبت والخميس والثلاثاء. وكانت هذه الأسواق علامات على تطور أدى إلى استقرار تدريجي للسكان خاصة مع قدوم المعمرين الذين استثمروا في الأرض، فوفرت بالتالي مواطن الشغل والتي بدورها ساهمت في تغيير نمط الحياة الذي تأثر بلا شك بالأوروبيين2.

ومن العوامل التي شجعت السلطات الفرنسية على استغلال الأراضي هي حياة الترحال التي يعيشها الكثير من السكان، إذ أن معظم سكان قيادة جلاص شبه رحل. ففي كل سنة يغادر عدد مهم منهم ويرتفع عددهم في سنوات المجاعة، في شهري ماي وجوان للحصاد في شمال البلاد التونسية والعودة إلى أراضيهم في وقت نضج التين الشوكي. ويعيش أغلب هؤلاء في خيام رغم تطور عمليات البناء، حيث يوجد في قبيلة جلاص في عشرينات القرن العشرين حوالي 7031 خيمة مقابل 4974 كوخ أو منزل3.

وإلى جانب المنازل المتواضعة تنقسم المساكن الريفية إلى4 :

      - « الأكواخ » Gourbis وتنقسم بدورها إلى « كيب » و « معمرة »: يمثل الكيب كوخا إسطوانيّا وهو مسكن مؤقت يستعمله السكان الفقراء غير المستقرين ويُشيّدُ بالأغصان الكبيرة لشجر الزيتون وأشجار التين ويغطى « بحصيرة » ليسهل بعد ذلك عملية تفكيكه من خلال لف الحصيرة ومن ثم حزم كل شيء فوق الدابة والرحيل لمكان آخر. أما « المعمرة » فيتم بناؤها بالحجر الصلب والأجر وتتكون أحيانا من قسمين ولها باب من فتحة واحدة وتسقف في أغلب الأحيان بالطين.

      - « الخيمة » يستعملها البدو كثيرا وتكون نوعين: يستعمل السكان المستقرون الخيمة الكبيرة، أما الخيمة الصغيرة فهي للاستقرار المؤقت للرحل المرتبط بنشاط ظرفي. وتتميز الأولى باتساع كبير نسبيا فهي بطول بين 12 و15 متر وبعرض بين 06 و08 متر وتنسج من صوف الخرفان وشعر الماعز، أما الصغيرة فتسمى « القيطون » التي تكون باتساع يقدر بين 05 و08 متر وبارتفاع 1.5 متر. وانتشرت هذه الأنواع من السكن في البلاد التونسية، ومن ضمنها في منطقة « سيدي علي بن محمد » وجِهَتُها وكانت الخيمات النوع الأكثر انتشارا. وفي الجدول التالي أنواع السكن في المنطقة سنة 1924:

جدول 1. أنواع السكن في منطقة « سيدي علي بن محمد » (بيشون) سنة 19245

نلاحظ في الجدول أن عدد المنازل، على تواضعها، كانت أكثر من الأكواخ، فبعد أن استغل الفرنسيون الأراضي الخصبة تركوا للأهالي قطعا صغيرة للاستقرار فيها، وحتى تكون قريبة من ملكيات المعمرين للعمل هناك. وقد أخذ عدد المنازل في الارتفاع بسب لجوء الأهالي إلى بناء دور حجرية متواضعة وتعاطي الزراعة الشجرية6، كما مارس السكان الزراعة وغراسة الأشجار وأقاموا عليها المنازل والمواجل والبيادر ومعاصر الزيتون7. وكان السكان يعيشون على هذه الأراضي فيزرعون ويرعون قطعانهم وكانوا يدفعون أقل ما يمكن من الضرائب من خلال الاتفاق مع « الشيوخ » لكيلا يصرحوا بجزء من الأراضي المستغلة. وقد تأخرت السلطات الفرنسية في تسليم هذه الأراضي إلى التعمير الزراعي حيث أن أعمال التمليك لم تنطلق إلا سنة 81899 من خلال سن تشريعات تشجع على الاستيطان والاستثمار في الأراضي.

2.1. قانون عقاري ملائم للاستيطان

عملت السلطات الفرنسية على التدخل بواسطة التشريعات والقوانين لتجد حلا للمشاكل العقارية، فيتسنّى لها إخراج العقارات من دائرة الاستغلال وما ينتج عنه من تجميد لها وإخراجها من الدورة الاقتصادية التي تعطل التخطيط العمراني. وتتعدد أنواع الملكيات العقارية في تونس، حيث توجد الأراضي الجماعية، وهي التي كانت على ملك القبائل والمعروفة باسم « ملك عرش » ويقع استغلالها بصفة جماعية، وهي أراض لا تباع ولا تملك، وتنتفع بها القبائل إما زراعيا أو رعويا جيلا بعد جيل. وبُعيد دخول الاستعمار للإيالة التونسية، وتصرفت سلطاتها في هذا الرصيد العقاري عبر قانون 01 جويلية 91885، الذي نظم العمل بشكل يسمح للدولة بالتدخل فيها وتنظيمها للاستفادة منها. وتمّ بموجب هذا القانون إنشاء المحكمة العقارية المختلطة، وهي جهاز صمم خصيصا لتحويل ملكية الأراضي إلى المعمرين أو البلديات بطريقة قانونية10. وتجسّد هذا التمشي في جهة القيروان، فتمت الاشادة بالمقاسم الاستعمارية بمناطق القيروان مثل هنشير الشراحيل سنة 1905 وسنتي 1923 و1924 والتي ظلت تعرف « بعام النوامر »11. وقد استعملت السلطات الفرنسية النصوص القانونية لتجزئة الملكية وتحويل الحقوق الجماعية إلى حقوق فردية لتسهل عمليات الاستحواذ على الأراضي12. وقد مثلت منطقة « سيدي محمد بن علي » مقصدا للعديد من المعمرين الذين رأوا فيها أراض قد تكون مستقرا للعيش والاستثمار، وهي التي كانت قبل ذلك تحتوي على الصبار والزياتين والبساتين والتي لا تشغل سوى مساحة ضيقة من المنطقة التي لم تكن تُستغل بالقدر الكافي إلا في الرعي، حيث انتشرت فيها قطعان الأغنام وبصفة أقل الماعز13.

ورغم أن المقاسم التي وضعت تحت تصرف المعمرين بأسعار زهيدة وبتسهيلات في الدفع من أجل توطين الفرنسيين فيها. وكانت أول عمليات الاستيطان في الجهة « اجتهادات شخصية » فقد كان من المعمرين من يفتخر بعمليات الاستحواذ التي يقومون بها، فاعتبر أحدهم أنها اجتهاد شخصي من المعمرين الذين لم يتلقوا أي دعم من السلطات الاستعمارية: « أراد الوطنيون المتفوقون المساهمة بمبادرتهم للشعب الفرنسي، في خدمة الاستعمار في البيئة التي يجدون أنفسهم فيها. وهذا ما حدث في سيدي محمد بن علي، مبادرة خاصة تم الحصول عليها من مجال التقسيمات للوافدين الجدد، وبدون محاباة أو وعود أو اشهار أو منح من الدولة، استوطن حولي 25 أو 30 معمرا في عقارات صغيرة من 100 إلى 200 هكتارا، وقد شارك كل معمر من جهته في جهود الإنشاءات والمزارع والتحسينات، بمبلغ يتراوح من 10000 إلى 30000 فرنك. تنبثق كل تلك المنشآت ذات الطراز الحديث من المساحات الخضراء وتجعل هذه الزاوية الصغيرة المحاطة بالجبال، على بعد 45 كيلومترا من القيروان، تبدو موقعا رائعا من فرنسا. هل تعتقد أن المركز الذي يضم عددا من الجهات المهتمة به، تتوفر فيه أبسط المرافق الضرورية في أصغر قرية؟ أبدا، لقد كنا نصل إلى هناك عبر طرق ريفية بالإضافة إلى شحّ المياه…ما الذي لا يمكننا أن نأمله من مثل هذا النوع من المعمرين؟14 » .

نخلص إلى أنّ مثل هذه المقالات الصحفية تشجع السلطات على تركيز مراكز حضرية ومقاسم لتشجيع الاستيطان من قبل المعمرين. وقد كانت أولى خطوات الاستعمار الزراعي في « سيدي محمد بن علي » بجهة القيروان سنة 1899، حيث استحوذت الإدارة الفرنسية على أربع قطع أرض بالقرب من مركز الحراسة الكائن في منطقة « عين الكعبي »15. وشهدت المنطقة استحواذ عديد المعمرين على أراض شاسعة في هذه المنطقة وكان أغلبهم فرنسيون:

جدول 2. المعمرون الأوروبيون وملكياتهم في منطقة سيدي محمد بن علي16.

كان الفرنسيون يعتقدون أنهم مصلحون للعباد والبلاد، « فهذا البلد غير المحظوظ وهذه الساكنة الرخوة شيئا ما، يلتقيان منذ ثلاثة أرباع قرن بدولة جلبت لهما حضارة مادية أرقى وتقاليد نشاط مستقاة من وسط آخر…وبالرغم أن الماضي بالنسبة كان مليئا بالعبر، ولكن المعمر الفلاحي للقرن العشرين مجهز بتقنية تختلف كليا عن تلك التي كانت عند المحليين قبل ثمانية عشر قرنا، فأدوات العمل التي يستعملها والتي يعتمدها والطرق، لم تعد هي نفسها »17.

يمكن اعتبار عدم استغلال الأراضي من قبل المتساكنين والوضعية العقارية للمنطقة التي يتداخل فيها الملك العام مع الأحباس، قد شجع المعمرين على المضي قدما في عمليات الاستحواذ من خلال استغلال التشريعات. ورغم الوضع الغامض للملكيات العقارية في البلاد التونسية عموما وفي منطقة « سيدي محمد بن علي » خصوصا، حيث كانت هذه الملكيات مقسمة إلى عدة أنواع مثل آراضي الأحباس وأراضي الدولة إلى جانب الأراضي الدولية وأراضي الملك الخاص التي كانت خاضعة للتعمير الفلاحي، وكانت تتمتع بصبغة ساهمت في حركة الاستيطان الاستعماري وفي تركيز مركز حضري متواضع يتوسط الكثير من ضيعات المعمرين الشاسعة.

2. نشأة وتطور المركز الاستعماري ببيشون

عملت السلطات الجديدة بعد سنة 1881 تاريخ انتصاب الحماية الفرنسية في تونس على إنشاء شبكة من المدن الجديدة بجانب المدن التاريخية أما في الأرياف ووسط ضيعات المعمرين فقد بعثت مراكز حضرية صغيرة توفر الحد الأدنى المطلوب لاستقرار الأوروبيين وتشجيعهم على الاستثمار في الأراضي الفلاحية.

1.2. بيشون: مركز حضري ريفي

        1.1.2. تشكل مركز حضري

كان عدد الأوروبيين بأرياف جهة القيروان قليلا مقارنة بمناطق أخرى، ولتشجيع استقرارهم عملت السلطات على إحداث مراكز حضرية صغيرة جديدة وهي: « بافيي » « الشراحيل » الذي بعث سنة 1907 وقد احتوى على سوق و60 مقسما تجاريا و40 مقسما للسكن. و « هنريفيل » « العلم-السعدية » والتي تم فيها تشييد مدرسة وكنيسة وبعض المنازل وبعض المباني للغرض الفلاحي18. وكذلك سهول « عين الكعبي » أو منطقة « سيدي محمد بن علي » التي أصبحت تسمى « بيشون » وفق أمر 17 ماي 1902. واعتبر مركز بيشون من أهم المراكز التي أحدثتها السلطات في أرياف القيروان، حيث كان أهم مركز حضري في قيادة جلاص، التي كان مقرها فيه، وكان ضمن المراكز الثلاثة عشر الأولى التي أحدثتها الإدارة الاستعمارية بالبلاد التونسية وهو الأول الذي يوجد خارج منطقة التل الشرقي19 .

أرادت السلطات الفرنسية من خلال إعطاء اسم مقيم عام على منطقة في أرياف القيروان أن تضفي الطابع الأوروبي على هذه المنطقة التي استثمرت فيها ولتكون مقصدا للمعمرين للاستثمار فيها و« إحيائها » وكان أغلبهم فرنسيين. وكان لهم ذلك حيث قاموا بالاستحواذ على أراض مترامية الأطراف من أجل « توطين الفرنسيين في الأرياف ودرء خطر الهجرة الايطالية المتزايدة إلى تونس »20.

كان التقسيم العمراني لمركز بيشون يتكون من 39 قطعة أرض مخصّصة للسكن لاستيعاب العديد من العائلات الفرنسية لتشجيعهم على الاستقرار. وقد نظمت الإدارة الاستعمارية الفرنسية عملية استقطاب السكان ، من خلال توزيع قطع أرض صالحة للبناء. وتشكلت ملامح المركز الأوروبي الجديد حيث استجاب في مجمله إلى مقتضيات التخطيط الشطرنجي المتميز بتقاطع شوارعه ليستوعب وسائل النقل الحديثة التي كانت نادرة الوجود في تلك المناطق. وكانت أغلب المباني، بسبب قلتها، قريبة من الشوارع. وقد تم تجهيز المركز ببعض مقومات الحياة « العصرية » مثل ربطه بالقيروان بالبريد (قطعة عدد 20 على المخطط) بعد أن بلغ عدد الأجانب في المنطقة تسعين شخصا منهم 45 فرنسيا و43 ايطاليا واسبانيين اثنين سنة 211914.

صورة 1. مقسم تركيز قرية في منطقة سيدي محمد بن علي (بيشون).
المصدر: أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M3، الصندوق 17 ، الملف 41 ، وثيقة 15.

تم تركيز قاعدة حضرية قوامها منشآت تخدم مصالح المعمرين والجاليات الأوروبية عامة، وتسعى من خلالها إلى تشجيع هؤلاء على الاستقرار بالبلاد التونسية قصد إنجاح الاستعمار الاستيطاني. ومن بين الشروط لهذا الاستقرار هو توفر بعض المنشآت الأساسية التي تضمن للمعمرين عيش حياتهم بصفة عادية مثل الكنيسة والمقبرة والمدرسة فضلا عن تخصيص مكان لإيواء قطعان الأغنام. مع التأكيد أن المركز قد تم تخطيطه وسط ضيعات شاسعة للمعمرين أمثال كل من فيدال Vidal وموننفيل Ménonville .

ولتسهيل استيطان المعمرين في منطقة بيشون، تم تكليف رئيس مركز الشرطة بوظائف ضابط الأحوال المدنية. ففي السابق، وجد مستوطنو بيشون أنفسهم مضطرين للذهاب إلى القيروان لاستكمال إجراءات الأحوال المدنية22. وقد تمت المطالبة من قبل الشرطة بضرورة طريق معبد بعد أن كان المركز مرتبطا بالقيروان عبر طريق ريفي23. وقد دعا المعمرون سنة 1910 إلى انجاز طريق طوله 10 كيلومترات يربطهم بمنطقة الهوارب، في حين أنّ الإدارة لديها خطط فقط لتحسين الطريق الذي يربط المنطقة بالقيروان والذي يمرعبرالشريشيرة، حيث تم تخفيف المنحدرات بالإضافة إلى أنّ هذه الأشغال تكلف أقل بكثير من الطريق المطلوب24. ولأنّ مركز بيشون هو منطقة ريفية محاطة بأراضي المعمرين ومزارع السكان المحليين، تم تخصيص قطعة أرض لتكون فضاء للسوق (قطعة عدد 21 على المخطط) لعرض المنتوجات الفلاحية والدواب، حيث أنه مركز راكد طوال الأسبوع ولا يكون نشطا إلا عشية يوم السوق، وقد تم سنّ أمر 10 جانفي 1903 لتحديد يوم الخميس في المركز كيوم للسوق الأسبوعي وكان مخصصا بالأساس للدواب.

        2.1.2. بيشون: مركز حضري غير بلدي

عملت السلطات في إطار سياسة تطوير المراكز الحضرية الصغيرة على إحداث القرى الريفية والجمعيات الريفية وذلك لترتقي هذه المراكز الصغيرة بعد ذلك إلى لجان بلدية أو حتى لجان طرقات والتي تبعث لتهتم بتهيئة الطرقات وتنظيف المراكز الحضرية وتنويرها وهي موجودة بالمناطق التي يقطنها الأهالي وعدد قليل جدا لا يتجاوز العشرات من الأوروبيين وهي تتطلب وقتا طويلا حتى تتحول إلى لجان بلدية ثم إلى بلديات. وهو غير حال منطقة بيشون أو أي منطقة أخرى في ريف مدينة القيروان والتي لم ترق أي منها إلى بلدية فقد اعتبرت تجمعات ريفية بحتة25.

وقامت « جمعية المعمرين الفرنسيين » بمراسلة الكاتب العام للحكومة التونسية في فيفري سنة 1921 تطلب فيها تركيز بلدية في منطقة بيشون مع إلحاق التجمعات الاستعمارية القريبة منها مثل الشريشيرة و« بوحفنة » حيث تتركز هناك جالية أوروبية تقدر بالعشرات وثلثيها من الفرنسيين26. ورغم أن بيشون لم تحصل على صفة البلدية، فقد شجعت السلطات على استقرار السكان وقد سمي « بالاستقرار بواسطة الإدارة » أي أن الإدارة دشنت بعض المصالح المدنية كنوع من الحظوة التي تمتعت بها المنطقة لتكون مركز قيادة جلاص. وتم تركيز مقر قيادة جلاص في مركز بيشون (قطعة عدد 13 على المخطط) ليكون قريبا من سكان الأرياف والقبائل. وتمثل هذه الخطوة حجر الأساس لأن تكون بيشون أهم المراكز الحضرية في جهة القيروان لما للقايد من صلاحيات تجعله مشرفا على كامل القيادة. ويعمل كوسيط لإبلاغ السكان المحليين لقرارات الحكومة المركزية وضمان الالتزام بها، كما أنه يساهم في نشر القوانين والأوامر بين الناس للحفاظ على النظام، فهو بمثابة وسيط بين مواطنيه والحكومة. كما أنه ملزم برفع مطالبهم إلى السلطات، ويرفقها برأيه لتسهيل سيطرة الإدارة المركزية وحسن قدرتها على التحكم في المجتمع.

2.2. تجهيز المركز بعوامل استقرار المعمرين

        1.2.2. الماء الصالح للشراب

هدفت السلطة الجديدة إلى توفير مياه الشّرب وتوزيعها في جميع أنحاء المنطقة. إلا أنّ هذه الخطوات قد تعترضها تحديات لوجستية وقانونية. ولتأخذ هذه المجهودات طابعا رسميا على المستوى المركزي، عملت السلطات على سن تشريعات في مجال المياه وتنظيمه على أسس جديدة، فتم إصدار مجموعة من الأوامر منها: أمر 24 سبتمبر 1885، ثم أوامر 25 جانفي و25 جويلية و16 أوت 271897. وتعتبر سياسة « حوكمة » المياه وطرق المواصلات من أهم الاهتمامات الإدارية، لأن مستقبل الاستعمار نفسه مرتبط بتنفيذها على أكمل وجه. وكانت منطقة بيشون واحدة من المناطق التي عملت فيها السلطات الاستعمارية على تنفيذ هذه السياسة، فلقد أصبحت سياسة ترشيد استهلاك المياه ضرورية، خاصة وأنّ المنطقة اجتذبت العديد من المستوطنين الباحثين عن أراض جديدة28. وتم سنة 1901 تجهيز خزان مياه في قرية « سيدي محمد بن علي » قبل أن تغير تسميتها إلى « بيشون »29.

صورة 2. موقع خزان المياه.
المصدر: أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M3، الصندوق17 ، الملف41 ، وثيقة 16.

وقد تمّ العمل على استغلال المائدة المائية لمنطقة بيشون، ففي سنة 1900، اهتمت إدارة الأشغال العامة بجلب المياه من بيشون إلى مدينة سوسة، فوادي « مرق الليل » و « وادي لايا » لم يكونا كافيين لإمدادات المدينة بما تحتاجه. وبعد سنوات من الدراسات، طرحت الحكومة التونسية ممثلة في الإدارة العامة للأشغال العامة سنة 1904 مناقصة لإنجاز المشروع وفازت بها شركة « بيريغورد » « Périgord » والتي عرفت لاحقا باسم « شركة مياه الساحل » « Compagnie des Eaux du Sahel »، وبدأت الأشغال، التي قدرت بمبلغ خمسة ملايين فرنك، خلال سنة 1905 30.

أما في منطقة بيشون، فقد وقع تنظيم قطاع المياه بمقتضى قانون 10 أوت 1912 الذي مكّن من تحديد المستفيدين من اشتراكات المياه في تلك المنطقة. وتم تحديد طبيعة هذه الاشتراكات ومدتها وتوضيح العلاقة بين الإدارة والمستفيد في علاقة التصرف في العداد والتعريفة التي قدرت 0.2 فرنك لكل متر مكعب وغرامة مالية تقدر بعشرة فرنكات لكل استهلاك سنوي يتجاوز 50 متر مكعب سنويا، بالإضافة إلى جملة من التكاليف الأخرى متعلقة بتركيب وتشغيل العداد عند بداية الاستغلال31. ثم جاء قانون 14 أفريل 1920 ليرفع في المعاليم لترشيد الاستهلاك، إلى جانب الترفيع في تكاليف الصيانة وحجم الغرامات عند الترفيع في حجم الاستهلاك المسموح32، وقد تم مدّ أنبوب لنقل المياه سنة 331913. وقد تواصلت أشغال المد لسنوات بعد ذلك لأن السلطات ركزت على التجمعات السكنية في المركز الحضري.

ولجأت السلطات إلى نزع الملكية للمنفعة العامة لتسهيل إيصال أنابيب المياه إلى المنطقة، حيث صدر مرسوم بتاريخ 28 أفريل 1928، يقضي بمصادرة الأراضي الواقعة تحت السيطرة المدنية بالقيروان لأسباب تتعلق بالمنفعة العامة، على مستوى وادي مرق الليل ومنطقة « بوحفنة » لإنشاء خط أنابيب لنقل المياه، فتمت مصادرة جزء من أملاك حوالي عشرة مالكين من منطقة بيشون34.

ويفسَر هذا العمل الدؤوب على توفير المياه، النتيجة الحتمية السيئة عند تعذر نزول الأمطار، فقد يتسبب ذلك في تراجع المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى تضرر الفلاحين، إذ « عندما تعطش الأرض يجوع الفلاح »، فينتج عن هذه الوضعية آفات اجتماعية مثل السرقة وقطع الطرقات35.

        2.2.2. مقبرة

دعا المعمرون في جهة بيشون مُمَثلين في ودادية اتحاد المعمرين « Union Amical des colons » وفي شخص رئيسها المراقب المدني بالقيروان لتشييد مقبرة للأوروبيين (قطعة عدد 18 على المخطط) وذلك لارتفاع أعدادهم في تلك المنطقة الفلاحية، وقد وافقت إدارة أملاك الدولة على طلبهم. وقد طرح الموقع المقترح بعض الإشكاليات الصحية خاصة قربها من التركز السكاني فهي تبعد مثلا 60 مترا فقط من مقر الكنيسة و100 مترا من مسكن القايد ومن أراضي بعض المعمرين. ولكن هذا لم يمنع من تدشينها سنة 1910 وقدرت مساحتها 4332 متر مربع36 ، وذلك بعد موافقة كل أعضاء المجلس المركزي للصحة الذي رأى أن الموقع لن يسبب أي إشكاليات على الصحة العامة37.

        3.2.2. الكنيسة

تعدّ منطقة حاجب العيون من أكبر تجمعات المعمرين في جهة القيروان وتظمّ تجمعين اثنين للمسيحين: الأول حول محطة القطار التي تحتوي على 60 مسيحيا، والثاني هو « البرج » الذي يقطنه 70 أخرون. وقد تم فيها تشييد كنيسة صغيرة على أرض تبرع بها « شارل مونشيكور »Charles Monchicourt. أما التجمع الآخر للمسيحيين فهو بيشون على طريق القيروان – مكثر، وهي منطقة تبعد 55 كيلومترا من القيروان وقد بلغ عدد المسيحيين هناك حوالي سبعين مستوطنا كانوا يتعبدون في كنيسة صغيرة (قطعة عدد 15 على المخطط) شيدتها عائلة « موننفيل » Ménonville سنة 1911. وقد تولى رعاية هذه الكنيسة الأب « شارل فيقيي » Charles Viguiers الذي عرف بتعصبه المفرط للمسيحية وتفانيه في خدمتها وهو الذي كان يشرف أيضا على الكنيسة المسيحية في مدينة القيروان وفي سيدي سعد أيضا38. ومن سنة 1940 إلى سنة 1949، خدم الآباء البيض مدينة القيروان وجهتها وقد ساهموا في إعادة إعمار ما دمرته الحرب مثل ترميم كنيسة بيشون الصغيرة39.

تم تركيز مدرسة بمنطقة بيشون (قطعة عدد 20 على المخطط) بعد مراسلة بتاريخ 29 جويلية 1907 من الأهالي إلى المقيم العام، وفيها: « نطلب من فضلكم وانصافكم أن تنعموا علينا بمكتب لتعليم أبنائنا اللغة العربية واللغة الفرنسوية ويكون المكتب بسوق بيشون بعمل جلاص الظهارة ويكون موضوعا في الوقت الغربي وقت حلول المكاتب لأن لنا أبناء كمثل الحيوان الناطق بسبب عجزهم عن القراية والتعليم »40.

وقد تم افتتاح هذه المدرسة سنة 1908 مع عديد المدارس الأخرى. فكانت هذه الخطوة ترجمة لارتفاع عدد التلاميذ في تلك السنة فقد ازداد 460 فرنسيين و1158 من المسلمين في كامل البلاد التونسية. وكانت المدرسة في مركز بيشون متكونة من قسم واحد ودرّس فيها أول سنة مدرس فقط وقد ارتادها في السنة الأولى لافتتاحها 26 تلميذا كلهم تونسيون. أما سنة 1910 فقد ارتفع عدد التلاميذ ليبلغ 36، منهم 26 تونسيا (24 ذكرا و02 أنثى) إلى جانب خمسة تلاميذ فرنسيين (02 ذكور و03 أنثى) وخمسة ايطاليين (04 ذكور وأنثى واحدة)41. وقد عرفت المدرسة مشكل عدم الانتظام في نشاطها، إذ كانت تظل سنوات مقفلة بسبب تراجع أعداد التلاميذ، وقد التمس الأهالي إعادة فتح المدرسة من جديد في مراسلة مؤرخة بديسمبر 421915.

وفي سنة 1923 تم افتتاح المدرسة المتكونة من قسم واحد بعد غلق امتد لسنوات، وذلك في اطار برنامج وطني لتشجيع التعليم، فقد تم في تلك السنة، افتتاح 19 مدرسة جديدة في كامل البلاد التونسية، وتكونت هذه المدارس من قسم واحد حتى 06 أقسام، كما وقع افتتاح 40 قسم جديد في مدارس في طور النشاط وفي المقابل تم حذف 25 قسما لقلة عدد المرتادين لتلك المدارس43.

تداول على مدرسة بيشون عدد محدود جدا من المدرسين ولم يتجاوز العدد مدرسين اثنين في السنة الواحدة، وكانت أغلب الأعوام الدراسية بمدرس تونسي فقط وفي بعض السنوات كان يدعّم طاقم التدريس بمعلم فرنسي. وشغل خطة المؤدب في السنوات الثلاث الأولى شخص يدعى « الفضيلي » وقد عوضه سنة 1910 مؤدب آخر يدعى علي بن عبد الله بن ابراهيم الذي كان مرتبه الشهري يقدر ب 45 فرنك44. وبسبب عدم انتظام الدراسة في مدرسة بيشون فقد تمت نقلته إلى عديد المدراس الأخرى في أرياف القيروان أو إلى جهات البلاد مثل فريانة والمتلوي، وقد أحيل على التقاعد سنة 451936.

        4.2.2. صومعة حبوب

كان السكان في منطقة بيشون وغيرها من الأرياف رحلا في أغلبهم، وفي أحسن الأحوال فلاحين بسطاء، فعملوا على تخزين المحاصيل الزراعية خاصة الحبوب في « المطامير »، وهي على شكل حفر عميقة بما يكفي محفورة في الأماكن المرتفعة بحيث تكون في مأمن من الفيضانات. ولتجاوز هذه الأساليب القديمة في الخزن، عمل المعمرون الذين يمتلكون أراضي شاسعة بالدفع نحو تشييد صومعة لخزن الحبوب في مركز بيشون بطاقة استيعاب قدرت ب 05 آلاف قنطار. وقد تم في الثلاثينات فتح الترشحات للمقاولين للفوز بصفقة تشييد الصومعة في مكان على الطريق الرابط بين بيشون والوسلاتية (قطعة عدد 29 على المخطط). حيث تقدم خمسة منهم، إلا أن أفضل عرض كان من طرف « إيمانويال غالنط » Emmanuelle Galente الذي قدر قيمة الصفقة بـ 106 ألف فرنك أي حوالي 12 فرنك لكل متر مربع. مع العلم أن هذا المقاول قد فاز أيضا بتشييد الصوامع في كل من القيروان وحاجب العيون والسبيخة46.

3.2. تهيئة المركز الحضري الريفي

لم يتجاوز مركز بيشون إلى حدود السنوات الأخيرة من الاستعمار، حدوده التي يرجع تاريخها إلى أيام تخطيطه الأول، وظل لعشرات السنين متكونا من نفس النسيج العمراني واحتفظ بلقب المركز الحضري ولم يرق لأن يكون بلدية، على الرغم من وجود مقر للقيادة وعلى الرغم من اعتبارها أهم مركز استعماري في أرياف القيروان.

صورة 3. برنامج تهيئة مركز بيشون.
المصدر: أ.و.ت السلسلة E، صندوق 198، ملف 19، وثيقة 03.

ولقد تمّ في بداية الخمسينات إعداد برنامج شامل لتهيئة المراكز الحضرية في ريف القيروان مثل « سيدي سعد » والوسلاتية والسبيخة وكذلك بيشون وفق قانون 02 جويلية 1952، من أجل تهذيب المراكز الحضرية الاستعمارية. وكانت لمنطقة التدخل في بيشون الحدود التالية: من الشمال زاوية « سيدي لسود » ومن الشمال الشرقي ضيعة المعمر « فيدال » Vidal ومن الجنوب الشرقي آبار موجودة بين خطي 266 و282 أما في الشرق فيحدها ضيعة قريبة من خط 47295. شهدت منطقة سيدي محمد بن علي تركيز مركز حضري صغير أطلق عليه اسم بيشون، وقد مثل تجمعا صغيرا احتوى على الحد الأدنى من شروط استقرار المعمرين، كما شهد المركز الحضري وجِهَتُه نشاطا أثريا مكّن من اكتشاف عديد المواقع الأثرية التي تعود للفترة الرومانية.

3. منطقة بيشون حقل للأنشطة الأثرية

1.3. ترتيب المواقع الأثرية

كان النظام الأثري الذي وضعه الفرنسيون في تونس مختلفا عن النظام المعمول به في الجزائر، حيث لعب مهندسو الآثار التاريخية الدور الحاسم، كونهم مسؤولين عن الحفريات والآثار. وقد تميز بمشاركة ثلاث جهات: رجال الدين والعسكريين وأعضاء مصلحة الآثار والفنون48. وتركزت أنشطة رجال الدين من الكنيسة الكاثوليكية بشكل أساسي على موقع قرطاج وإنشاء وتطوير متحف قرطاج الذي استقبل الاكتشافات التي قام بها « ألفريد لويس دلاتر » Alfred Louis Delattre والذي يعرف اختصارا بالأب دلاتر، في الحفريات في الموقع. ومثّل العسكريون الجهة الثانية التي كان لها دور مهم في وصف الطوبوغرافيا، حيث كانت تقارير الضباط المكتوبة لوصف المجال جزء من أنشطتهم العسكرية. والجدير بالذكر، أن أول من أهتم بمعمار مدينة القيروان بعد وصول القوات الفرنسية إلى المدينة هم ضباط الجيش، فقد انكب في هذا الإطار أحدهم يدعى «دومنيك لوكيني » Dominique Lucchini على دراسة المسجد ومكوناته وأنجز خريطة للقيروان وفيها تبيان عديد المؤشرات مثل السكان والمباني الدينية والعامة والمجاري والمياه والتحصينات49.

أما الجهة الثالثة والأهم فهي مصلحة الآثار والفنون، التي تأسست في 06 مارس 1885، وكان لها الدور المحوري، فقد طورت الأدوات التشريعية لضمان الحفاظ على التراث العمراني المتضرر والآثار القديمة وكانت هذه الخطوة استكمالا للتوجه الذي بدأته السلطات الاستعمارية للاهتمام بالثروة الفنية والأثرية وحمايتها متمثلا في أول أمر في هذا المجال مؤرخ في 07 نوفمبر 1882. ويحيلنا هذا الاجراء إلى خطاب عالم الآثار الفرنسي ومدير مصلحة الآثار في تونس بين سنتي 1896 و1906 « بول غوكلار » Paul Gauckler: « علم الآثار في تونس هو علم له فائدة عملية، في هذا البلد الجديد جدا والقديم جدا، والذي خضع لفترات من الرخاء غير المألوف والبؤس الشديد، فإن معرفة الماضي هي تعليم للحاضر وضمان للمستقبل. العمل الذي نحاول القيام به هناك هو مجرد اعتراف بأسلافنا القرطاجيين وخاصة الرومان، الذين كانوا قادرين على جعل بلد كان قبلهم بائسا إلى واحد من أغنى دول العالم. نحن ورثتهم وبقايا حضارتهم هي تراثنا. النتائج الرائعة التي حصلوا عليها وكذلك الكوارث التي أعقبت سقوطهم، تثبت تفوق أسلوبهم في الاستعمار »50.

وتدعيما لهذه الرؤية الحازمة التي تقوم على ضرورة اكتشاف الآثار التونسية تم ايفاد بعثات علمية مختصة للتنقيب والحفريات، وركزت على الآثار القديمة المسيحية اللاتينية باعتبارها ذات أولوية51. ونحن سنكتفي بتحديد خيارات الجهات الأثرية في تونس والمتمثلة في التركيز على الآثار الرومانية وفي منطقة بيشون.

فلقد وقع ترتيب 42 موقعا أثريا باعتبارها تراثا في جهة القيروان تعود كلها إلى الفترة الرومانية والبيزنطية وذلك وفق الأوامر التالية: (26 جانفي 1893- 08 ماي 1895- 06 جانفي 1901- 12 ماي 1901- 03 مارس 1915- 16 نوفمبر 1928). وقد حظيت منطقة بيشون بثلاث مواقع أثرية رتبت كمعالم محمية وهي:

      - 08 ماي 1895: قنطرة « وادي الشريشيرة » والحنايا ب »الشريشيرة ».

      - أمر 03 مارس 1915: المعبد الروماني ببير الأذين قرب بيشون.

      - أمر 16 نوفمبر 1928: الحصن البيزنطي بعين غراب.

وكانت عمليات الترتيب نتيجة لعديد المراسيم التي سنت من أجل حماية الآثار في الإيالة، ويبقى أهمها الأمر العليّ في 07 مارس 1886 الذي يعتبر الأمر المؤسس لحماية الآثار. وقد ارتكزت فلسفته على ضمان حقوق الملكية والحفاظ على الآثار والمنقولات الفنية في تونس، وتقوم مصلحة الآثار والفنون بموجبه بمجموعة من المهام منها ترتيب المعالم والمواقع ذات القيمة الفنية أو التاريخية على لائحة المباني المحمية. وإلى جانب عديد الحفريات التي تمت في الجهة التي أفضت إلى العثور على مواقع أثرية تعود إلى الحقبة الرومانية خاصة القناطر والحنايا والحمامات والفسقيات.

صورة 4. حنايا الشريشيرة.
المصدر: Paul Gauckler, 1900, p 177 .

2.3. تعدد الحفريات في بيشون

تمت بعض الحفريات بعد ترتيب بعض المعالم في جهة بيشون خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وأفضت إلى اكتشاف بعض المواقع الأثرية مثل فسقية مربعة الشكل (صورة عدد 05) أبعادها 16/16م وحمام كانت أبعاده 8/4 متر. وكانت جنوب ضيعة المعمر « فيدال » Vidal بقرابة 1100 متر بالإضافة إلى حمّام (صورة عدد 06) قريب من الفسقية وذلك في الحفريات التي تمت في نوفمبر 521941:

5

صورة 5. الفسقية.
المصدر: أرشيف المعهد.

6

صورة 6. الحمّام.
المصدر: أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 78، ملف 04، Pichon، غير مرقم.

image 7

صورة 4. فسقية في جهة بيشون قرب ضيعة عين زينة.
المصدر: أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 78، ملف 04، Pichon، غير مرقم.

8

صورة 8. موقع حمامات في منطقة سيدي الحامي بن علي.
المصدر: أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 78، ملف 04، Pichon، غير مرقم .

وإلى جانب الحفريات التي يقوم بها المختصون، قد تُكتشف بعض المواقع أو القطع الفنية صدفة. ففي الأيام الأولى من شهر أفريل سنة 1934، عثر مزارع أثناء حرث الأرض على قطع أثرية وقد اتصل بشخص آخر يدعى « ساسي بن فراض بن محمد » ويكنى « القرقاب »، ليستشيره إذا كان يعرف أي أوروبي مهتم بالآثار. وقابل ساسي مدرسا فرنسيا يدعى « بيرتان » Bertin يعمل مدرسا في مدينة القيروان وكذلك مراسل محلي لصحيفة « لاديباش تونيزيان » La Dépêche tunisienne الذي رفض على الفور اقتراح شراء القطعة الأثرية.

وقد تحدث المدرس « بيرتران » Bertrand أمام ابنه، وهو تلميذ في معهد سوسة عن الاقتراح الذي تم تقديمه له والذي بدوره نقل القصة إلى مدرس يدعى « فورنيي » Fourier في المعهد الذي يدرس فيه، والذي كان أيضا مساعد رئيس « الجمعية الأثرية بسوسة »53 La Société Archéologique de Sousse . فقام المدرس مباشرة بمراسلة الكاتب العام للحكومة التونسية يعلمه فيها أن هناك من يتاجر بالآثار في تلك المنطقة. وقد نبه مدير مصلحة الآثار والفنون أن أمر 08 جانفي 1920 المتعلق بالآثار ما قبل الإسلامية يحدد في مادتيه 31 و 32 أنه « من اكتشف قطعة أثرية قديمة ولم يعلم مدير مصلحة الآثار مجبر على دفع غرامة تتراوح بين خمسين إلى ألف فرنك ». وتدفع هذه الغرامة مقابل القطعة الأثرية المكتشفة عن طريق الخطأ والتي لم يبلغ عنها وبعد مصادرتها ترسل إلى مقر مصلحة الآثار والفنون54. لكن وبعد تثبت مفوض الشرطة في الأمر تبين أن سرد القصة من قبل التلميذ لمدرسه قد شوهت الحقائق، إذ أن تلك الشواهد الجنائزية منتشرة في تلك المنطقة وليست تماثيل كما ادعى الشاب55.

وعُثِر على نقيشة في مركز بيشون بجانب الكنيسة وكانت بطول 51 سم وبعرض 33 سم وبسمك 2.25 سم. وقد تكونت من سبعة أسطر وكانت الأحرف بارتفاع 04 سم، وعثر على النقيشة منقسمة إلى أربعة قطع.

صورة 9. نقيشة.
المصدر: أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 91، ملف 04 ، Pichon à pont du Fahs، غير مرقم

وكان النصب المعني قبرا رومانيا مستطيل الشكل تبلغ أبعاده 09/12 م، وهو من الجانب الأيسر وعلى بعد حوالي ستين مترا من الطريق الرابط بين القيروان وبيشون، على بعد ثمانية كيلومترات من الأخيرة. وهو مشيد من أحجار كبيرة نسبيا يبلغ الطول ما بين 0.6 م و 1.2 م وبعرض 0.4 م، قد استعملها الأهالي في بناءاتهم56. لقد عمل الفرنسيون ممثلين في مصلحة الآثار والفنون من أجل استكشاف آثار « أسلافهم » وتراثه، فركزوا اهتمامهم على الفترة المسيحية والرومانية باعتبارها ترجمة للتقدم الغربي منذ القِدم ووسيلة للسيادة على دول شمال افريقيا ووسيلة لبناء سردية من أجل تبرير الاستيطان57. ثم عملت السلطات الفرنسية على تخليد وجودها ووضع بصمتها في منطقة بيشون، من خلال تدشين نصب لأحد قادتها العسكريين.

3.3. تعدد الحفريات في بيشون

منحت السلطات الاستعمارية هذه المراكز الجديدة ذاكرة جديدة للتأكيد على حضورها العملي والرمزي، أولا بإعطاء اسم المقيم العام بيشون على هذا المركز، ومن ثم إعطاء الشوارع أسماء السياسيين والعسكريين الفرنسيين الذين لعبوا دورا في غزو تونس أو الذين كانوا معاصرين للحقبة الاستعمارية. فقامت بتكريم الشخصيات من خلال أسماء الشوارع والنصب والساحات والتجمعات السكانية الجديدة ومعالم الموتى ومن خلال تركيز النصب التذكارية وإحياء المناسبات وإقامة التظاهرات فهي تعمل بذلك على إدامة وتنشيط الذاكرة58.

صورة 10. نصب تذكاري للجنرال الفرنسي ولفرت WELVERT.
المصدر: http://adept-tunisie.com/camp_06.jpg

وتم في منطقة بيشون تشييد نصب تذكاري لجنرال فرنسي يدعى « ولفرت » Welvert قتل في المنطقة يوم 10 أفريل سنة 1943 أثناء التنسيق مع قوات الحلفاء في معارك ضد قوات المحور قرب جبل وسلات. وقام الجنرال الفرنسي « هنري جيرو » Henri Giraud بتكريمه في اليوم الموالي لمقتله: « لقد عانى الجيش الفرنسي لتوه من خسارة فادحة بمقتل أحد أبرز قادته. لقد سقط ويلفيرت على رأس رجاله في فجر الانتصار بعد تحرير أولى الأراضي الفرنسية الأولى، وكان من المقرر أن يعود إلى موطنه الأصلي لورين 59Lorraine.

الخاتمة

خضع القطاع الزراعي لتحوّل جذري مع ظهور أساليب الزراعة الحديثة، وترافقت هذه التغيّرات مع سياسة الاستيطان التي أدت إلى تطوير العديد من مراكز الاستعمار. ومثّل وصول المعمرين الفرنسيين القوة الدافعة الرئيسية وراء تحويل منطقة سيدي محمد بن علي إلى مركز حضري ريفي يدعى بيشون، ولقد اعتمد تطور المركز بصورة بطيئة حصريا على وجود المعمرين، وتبين التركيبة العمرانية المتواضعة لمركز بيشون أنها نتيجة النشاط الفلاحي للمعمرين. وكان الفضل لهذا المركز الحضري، الذي سمح للمعمرين بوصول أيسر إلى الأراضي الزراعية. ورغم أن حركة التعمير فيه كانت متواضعة، فلم تكن المباني في منطقة بيشون تركز على النمط المعماري بل كان مبان بسيطة ذات أسطح منحدرة وأسقف قرميدية.

أما بعد الاستقلال، وإثر تحول المنطقة إلى الاسم المتعارف عليه اليوم « حفوز »، تأسست البلدية سنة 1957. وبالرغم من العمل على تطويرها إلا أن أبرز ما يلاحظ هو العدد الكبير من النازحين نحو مركز مدينة القيروان. فمنطقة حفوز تعتبر أكبر منطقة مُنفّرة للسكان خاصة خلال الستينات والسبعينات رغم اشتمالها على مناطق مواتية للزراعة. ومن المؤكد أن العوامل الأساسية المسببة لهذا النزوح هو فشل سياسة التعاضد وفيضانات عام 1969، وهذا الذي حوّل مدينة القيروان إلى « ملجأ للمنكوبين »60.

الهوامش

1 جون ديبوا ، 2017، ص 606.
2 نجون ديبوا ، 2017، ص 529.

3 Bernard Agustín, 1924, p. 06.

4 خالد رمضاني، 2020، ص 55.

5 Bernard Agustín, 1924, p. 85.

6 الهادي التيمومي، 1999، ص 183.
7 لطفي عيسى، 1987، ص 79.
8 جون ديبوا، 2017، مصدر سابق، ص 367.
9 كان الغرض من قانون 01 جولية 1885 المتعلق بملكية الاراضي، إعطاء الضمانات للأجانب للاستثمار في الأراضي. تمت استعارة أحكام هذا القانون من حيث المبدأ من قانون تورينس Acte Torrens. تكون هذا القانون التشريعي من 381 فصلا وسعى إلى دمج مبادئ القانون الأسترالي مع الحفاظ على المؤسسات المحلية لجعله قانونا متزنا، فبالرغم أنه مستمد من الخارج إلا أنه يراعي القوانين والأعراف المحلية.
10 لزهر الصخراوي، 2014، ص 105.

11 Abdelmadjid Kraiem, 1983, p. 167.

12 مروان العجيلي، 2009، ص 340.
13 جون ديبوا، 2017، ص 233.

14 Journal de Fourmies et des arrondissement d’Avesnes et de Vervins, littéraire, scientifique, industriel et commercia 26 ème année, n 2420, 1902-03-06.
15 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1899, p. 25.

16 أرشيف الإقامة العامة، بكرة R 483، صندوق، 2240، ملف 01.
17 جون ديبوا، 2017، ص 275-276.
18 علي اللطيف، 2009، ص 202.
19 جون ديبوا، 2017، ص 301.
20 الهادي التيمومي، 1999، ص 35.

21 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1918, p. 127.
22 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1911, p. 23.
23 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1911, p. 23.
24 Procès-verbaux de la conférence consultative,1900, p. 203.
25 H. De Montety, 1941, p.04.

26 أ.و.ت السلسلة E، صندوق 621، ملف 44، وثيقة 01.

27 Béchir Yazidi, 2008, p. 76.
28 C’est un projet financé par l’Institut de Recherche pour le Développement IRD, voir : Faouzi Mahfoudh, Samir Baccouch, Béchir Yazidi, 2004, p. 70.
29 Procès-verbaux de la conférence consultative 1901-1902, 1901, p. 93.
30 Bulletin de la Société Archéologique de Sousse, 1905, p. 151.

31 أ.و.ت، السلسلة E، الصندوق ، ملف 16، وثيقة 01.
32 أ.و.ت، السلسلة E، الصندوق ، ملف 16، وثيقة 05.

33 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1914, p. 181.

34 أ.و.ت، السلسلة E الصندوق 350 ملف 02 وثيقة 16.
35 جون ديبوا، 2017، ص 61.
36 أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M5، الصندوق 25، الملف 166، وثيقة 04.
37 أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M5، الصندوق 25، الملف 166، وثيقة 05.
38 خالد رمضاني، 2015، ص 35.

39 François Dornier, 2000, p. 374.

40 أ.و.ت السلسلة E، صندوق 278، ملف 01، وثيقة 03.

41 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1911, p. 144.

42 أ.و.ت السلسلة E صندوق 278 ملف 01 وثيقة 01.

43 Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1925, p. 123.

44 أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M6، الصندوق 01 ، الملف 751، الوثيقة 103.
45 أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M6، الصندوق 01 ، الملف 751، الوثيقة 103.
46 أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية 3M، الصندوق 17، الملف 54، الوثيقة 01.
47 أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية 3M، الصندوق 17، الملف 54، الوثيقة 04.

48 Sadok Ben Baaziz, 2013, p. 59.

49 خالد رمضاني، 2020، ص 178.

50 Paul Gauckler, 1899, p. 473.
51 Cléntine Gutron, 2000, p. 26.

52 أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 78، ملف 04، Pichon، غير مرقم.
53 أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 34، ملف 16، Pichon، وثيقة 03.
54 أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 34، ملف 16، Pichon، وثيقة 04.
55 أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 34، ملف 16، Pichon، وثيقة 07.
56 أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 91، ملف 04، Pichon à pont du Fahs،1898-1954 ، غير مرقم.

57 Margarita Diaz-andreu, 2007, p. 264.

58 خالد رمضاني، 2015، ص 119.

59 Le courrier de l’air, 1943, p. 55.
60 Mohsen Trabelsi, 1976, p. 157.

المصادر والمراجع

        الأرشيف الوطني التونسي

أ.و.ت السلسلة E، صندوق 198، ملف 19:

Ministère de l’urbanisme et de l’habitat, délégation régionale de Sousse, Pichon, dates 1952-1956, nombre de pièces 15.

أ.و.ت السلسلة E، صندوق 278، ملف 01:

Enseignement public Kairouan école franco-arabe Pichon dates, 1906-1915.

أ.و.ت، السلسلة E، الصندوق 350، ملف 16:

Alimentation hydraulique, Kairouan, Pichon, dates 1912-1920, nombres des pièces 07.

أ.و.ت، السلسلة E، الصندوق 350، ملف 02:

Travaux publics, alimentation hydraulique, puits artésien de Kairouan, dates 1899-1955, nombres des pièces 27.

أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M3، الصندوق17 ، الملف41 :

Correspondances, textes réglementaires procès-verbaux et plan concernant les travaux de construction d’une maison cotonnière à Pihon et El Oueslatia, dates 1910-1945, nombres de pièces 154.

أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية 3M، الصندوق 17، الملف 54:

Correspondances, procès-verbaux, textes règlementaires, et plans concernant les travaux de construction des Silos des grains à Kairouan, Sbikha, Pichon, et Hajeb El Ayoun, dates 1935-1937, nombre des pièces 330

أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M5، الصندوق 25، الملف 166:

Correspondances, textes réglementaires et plan concernant la création d’un cimetière européen à Pichon, dates 1908-1910, nombres de pièces 18.

أ.و.ت، السلسلة M، السلسلة الفرعية M6، الصندوق01 ، الملف 751:

Dossier administratif Ben Abdallah Ali Moueddeb à l’école franco-arabe de Pichon, dates 1910-1936, nombre de pièces 117.

        أرشيف المعهد الوطني للتراث

أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 78، ملف 04، Pichon، غير مرقم.

أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 78، ملف 05، Pichon، غير مرقم.

أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 34، ملف 16، Pichon.

أرشيف المعهد الوطني للتراث، صندوق 91، ملف 04، Pichon à pont du Fahs،1898-1954، غير مرقم.

        المصادر والمراجع

التيمومي الهادي، 1999، الاستعمار الرأسمالي والتشكيلات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية الكادحون الخماسة في الأرياف التونسية 1861-1943، دار محمد علي الحامي.

ديبوا جون، 2017، تونس الشرقية الساحل والسباسب السفلى، ترجمة علي التومي، مراجعة عبد الكريم سالم، دار نشر سيانترا، معهد تونس للترجمة، تونس.

رمضاني خالد، 2015، المنشآت المعمارية في القيروان خلال الحقبة الاستعمارية: دراسة تاريخية معمارية، بحث لنيل شهادة الماجستير في علوم التراث، اشراف بشير اليزيدي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس.

رمضاني خالد، 2020، السياسة العمرانية والمعمارية الفرنسية والتراث المحلي في مدينة القيروان بين 1881 و1956، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علوم التراث، إشراف أحمد الباهي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس.

الصخراوي لزهر، 2014، مخططو السياسة الاستعمارية الفرنسية بتونس من برنار روا الى شارل سومانيه 1881-1956، أطروحة دكتوراه، تحت اشراف الهادي التيمومي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس.

الصفدي مطاع، 1990، نقد العقل الغربي: الحداثة ما بعد الحداثة، الطبعة الأولى، معهد الانماء القومي، لبنان.

العجيلي مروان، 2009، « السياسة الاستعمارية والآراضي الجماعية: جهة القيروان نموذجا »، روافد، العدد 14، 225-342.

عيسى لطفي، 1987، عروش جلاص عبر مراسلات العمال والدفاتر الجبائية والمصنفات التاريخية في عهد محمد الصادق باي (1859-1882)، شهادة الكفاءة في البحث، اشراف علي المحجوبي، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس.

اللطيف علي، 2009، « الاستعمار الاستيطاني بريف القيروان وتأثيره في الحياة العامة للمجتمع المحلي من 1905 إلى 1956″، روافد، العدد 14، 2009، 184-218.

AGUSTIN Bernard, 1924, Enquête sur l’habitation rurale des indigènes en Tunisie, Tunis imprimerie J. Barlier, 4, rue Annibal 1924, p. 06.

BEN BAAZIZ sadok, 2013, « Historique de la recherche archéologique en Tunisie », in Hommes, Cultures Et Paysages De L’antiquité à La Période Moderne, Isabelle Pimouguet-Pédarros, Monique Clavel-Levêque, Fatima Ouachour, Presses universitaires de Rennes, p. 57-78.

DE MONTETY Henri, 1941, La décentralisation régionale et communale en Tunisie, CHEAM.

DIAZ-ANDREU Margarit, 2007, A world history of nineteenth-century Archaeology nationalism, colonialism, and the past, Oxford university press, first published.

DORNIER François, 2000, la vie catholique en Tunisie au fil des ans, Tunis.

GAUCKLER Paul, 1899, « service des antiquités », Conférences sur les administrations tunisiennes, 1899, Sousse Imprimerie française, rue Jules Ferry, 1899, p. 465-495.

GAUCKLER Paul, 1900, Enquête Sur Les Installations Hydrauliques Romaines en Tunisie, Tunis, Imprimerie Rapide, Rue d’Alger.

GUTRON Cléntine, 2000, L’archéologie en Tunisie (XIXe-XXe siècles), Jeux généalogiques sur l’antiquité, Paris, IRMC-Karthala.

Journal de Fourmies et des arrondissement d’Avesnes et de Vervins, littéraire, scientifique, industriel et commercial, 26ème année, n° 2420, 1902-03-06.

KRAIEM Abdelmadjid, 1983, Politique de lotissement et paysannerie tunisienne dans la kairouanais 1923-1939, diplôme de recherche approfondit, sous la direction de Béchir Tlili, faculté des Sciences Humaines et Sociales, Tunis.

Le courrier de l’air, Londres le 15 avril 1943.
https://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k1187526r.r=WELVERT%20WELVERT?rk=21459;2 , consulté le 02/11/2020.

MAHFOUDH Faouzi, Baccouch Samir, Yazidi Béchir, 2004, «l’histoire de l’eau et des installations hydrauliques dans le bassin de Kairouan»,
http://www.iwmi.cgiar.org/assessment/files/word/ProjectDocuments/Merguellil/Histoire
%20eau%20Kairouan.pdf, consulté le 11/11/2020.

Procès-verbaux de la conférence consultative 1899-1900, 16ème à 19ème session, 18éme session Avril 1900, Tunis, Imprimerie rapide, rue d’Alger, vis-à-vis la résidence générale, 1900.
https://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb45223757j, consulté le 08/11/2020.

Procès-verbaux de la conférence consultative 1901-1902, 20ème à 23ème session, 20éme session Avril 1901, Tunis, Imprimerie Rapide, rue d’Alger, vis-à-vis la résidence générale, 1900.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb45223751g, consulté le 08/11/2020.

Rapport au président de la république sur la situation de la Tunisie, 1899, imprimerie national, Paris, 1900.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb32848249p, consulté le 08/11/2020.

Rapport du président de la République sur da situation de la Tunisie, 1910 Tunis, Société Anonyme de L’imprimerie Rapide 5, Rue Saint-Charles, 1911.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb32848249p, consulté le 08/11/2020.

Rapport du président de la République sur da situation de la Tunisie, 1911, Tunis, Société Anonyme de L’imprimerie Rapide 5, Rue saint-Charles, 1912.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb32848249p, consulté le 08/11/2020.

Rapport du président de la République sur da situation de la Tunisie, 1913, Tunis société anonyme de l’imprimerie rapide 5, rue Saint-Charles, 1914.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb32848249p, consulté le 08/11/2020.

Rapport du président de la République sur da situation de la Tunisie, 1918, Tunis, société anonyme de l’imprimerie rapide 5, Rue Saint-Charles et avenue de Paris, 4, 1919.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb32848249p, consulté le 08/11/2020.

Rapport du président de la République sur da situation de la Tunisie, 1924, Tunis, Imprimerie Albert Guenard 84, Rue Du Pacha, 1925.
http://catalogue.bnf.fr/ark:/12148/cb32848249p, consulté le 08/11/2020.

TRABELSI Mohsen, 1976, « L’exode rurale et son impact sur le développement des villes régionales : l’exemple de Kairouan », Revue Tunisienne des Sciences Sociales, n° 44, p. 147-171.

YAZIDI Béchir, 2008, « La politique hydraulique de la France dans la Kairouanais à l’époque coloniale », Rawafid, n°13, p 71-95.

        المواقع الالكترونية

http://adept-tunisie.com/

https://gallica.bnf.fr/

https://www.iwmi.cgiar.org/

الكاتب

خالد رمضاني

طالب دكتوراه في طور المناقشة، اختصاص علوم التراث بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس وعضو مخبر دراسات مغاربية.

Retour en haut