Al Sabîl

Index

Information

A propos Al-Sabil

Numéros en texte
intégral

Numéro 08

2019 | 08

قراءة في كتاب الساعات المزولية بعروض المملكة المغربية, قيمتها التاريخية ودلالتها الفلكية لعبد العزيز خربوش الإفراني

فتحـــــي الجــــرّاي

المرجع لذكر المقال

فتحـــــي الجــــرّاي « قراءة في كتاب الساعات المزولية بعروض المملكة المغربية, قيمتها التاريخية ودلالتها الفلكية لعبد العزيز خربوش الإفراني »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 08، سنة 2019.

URL : https://al-sabil.tn/?p=12027

تحميل

نص المقال

صدر هذا المؤلف في طبعته الأولى في سنة 2019 من نشر الكاتب وعلى نفقته وهو من الحجم المتوسط (17×24سم) ويضم في الجملة 192 صفحة واعتمد فيه على الألوان سواء بالنسبة إلى الصور أو الرسوم أو عناوين الفصول والمباحث. ويعدُّ هذا المؤلف الرابع الذي يهتم بجرد مزاول إحدى البلدان الإسلامية وتوثيقها بعد مدونات كل من مصر1 وتركيا2 وتونس3 وهو بذلك يكتسي أهمية بالغةويعدُّ حلقة مهمة في مسار جرد التراث الفلكي بالبلدان الإسلامية وهذا الصنف من الأدوات على وجه الخصوص باعتباره ظلَّ الأكثر رواجا واستعمالا إلى منتصف القرن الماضي تقريبا.

وبعد التقديم المقتضب للإمام الخطيب علي حسو الإمجاطي تحت إشراف الموقت الفلكي السيد السعيد بورزة اليعقوبي (ص 7)،أدرج الكاتب مقدمة في أربع صفحات (ص 9-12) أعلن فيها على دوافعه وأهدافه من هذا العمل والمنهج الذي اتبعه وختمها بتقديم الفصول الثلاثة التي تؤثثه بداية من التعريف بالمزاول وأماكن وجودها، وتاريخها، وترجمة مخططيها، مرورا بكيفية تخطيطها واستعراضلمؤلفات بعض الموقتين المغاربة، وصولا إلى الخلاصة والتوصيات بشأن هذا الصنف من التراث.

استهل الفصل الأول بمحاولة لشرح أهم المصطلحات المتعلقة بالرموز والإشارات الأكثر تداولا والماثلة أساسا على الصنف المدروس من الآلات الفلكية مثل خط الزوال وأقواس الصلوات وبعض المنحنيات الأخرى ذات العلاقة ببعض الظواهر الفلكية والسماوية (ص15-17).

وعلى الرغم من الاقتصار على التقديم الوصفي لمختلف تلك الرموز والتعريف بها دون الإشارة إلى كيفية رسمها وعلاقتها بطول ظل الشاخص المعدني إلا أن ذلك يعد مهما جدا ويساعد القارئ على تتبع تقديم المزاول لاحقا وخاصة متابعة الفصل المتعلق بتخطيطها ورسم مختلف تلك الرموز والمنحنيات عليها.

أما بالنسبة إلى مدونة المزاول والتي تمثل القسم الأهم في هذا العمل فقد تم تبويبها حسب المُدن وحسب المعالم التي تنتمي إليها. وعلى الرغم من عدم احترام الترتيب الكرونولوجي في تقديمها وفقدانها لأرقام جرد متسلسلة يمكن أن تسهل الإحالات وتتبع المدونة فقد حظيت كل آلة بتقديم مقتضب لمعلمها وموضعها داخله ووصف لمحملها وقياساته ومحاولة لقراءة النصوص النقائشية التي تحتويها ورصد للوقت إبان معاينتها وتعريف بمنجزها كلما توفر ذلك.

هذا وقد تضمنت المدونة عدد هام من الصور بالألوان وحظيت كل أداة بأكثر من صورة سواء في موضعها الأصلي أو لمحملها على أنه كان من الممكن القيام بتنظيف الحقل الكتابي ومعالجته لبيان مخططات المزاول وقراءة نصوصها النقائشية. من جهة أخرى كان من الممكن إسناد عنوانين وأرقام تسلسلية لهذه الصور وإدراجها في قائمة نهائية وذلك لتسهيل استعمالها من طرف القُرّاء والاستدلال بها كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

وقد تم في الجملة تقديم 127ساعة شمسية؛ منها 115 لازالت في مواضعها الأصلية أو محفوظة أو معروضة في بعض المتاحف و12 ساعة مفقودة وقد توفّر للمؤلف ما يفي بالغرض لإدراجها ضمن المُدونة، على أنه أشار في نهاية العمل أنه قام بمراسلة بعض المؤسسات الرسمية لمعاينة بعض المزاول التي تأويها مبانيها غير أنه لم يتحصل بعد على الترخيص لذلك.

هذا وقد فضل المؤلف أن يكون عمله شاملا لكل الأدوات الفلكية من هذا الصنف بما في ذلك الساعات الشمسيةحديثة الصنع والتي لا تدخل ضمن خانة عناصر التراث على غرار التسع ساعات التي قام بانجازها هو نفسه في بعض المدن المغربية.

ويبدو أن عنصر النقيشة التخليدية لم يكن من أولويات الفلكيين المغاربة في تخليد أعمالهم حيث لم تشمل هذه العملية سوى رُبع الساعات الشمسية المدروسة فقط واقتصر الأمر في عديد الأحيان على التاريخ دون سواه مع سبقٍ تاريخي كبير في استعمال الأرقام العربية مُقارنة ببقية العالم الإسلامي سواء في التاريخ أو في الإشارة إلى مختلف وحدات قياس الوقت الماثلة على الأداة.

تاريخيًّا، تنقسم المجموعة المدروسة حسب التحقيب المعتمد في تطور هذا الصنف من الأدوات الفلكية إلىساعتين من الفترة القديمة وتحديدا من الموقع الأثري ويليلي Volubilis، و7 مزاول من العهد الوسيط، و14 من العهد الحديث و70 من العهد المعاصر و10 لم يتم تأريخها، في حين تعتبر البقية من الزمن الراهن يعود آخرها إلى أربع سنوات خلت وأن البعض من مُنجزيها مازالوا على قيد الحياة بيننا.

أما من حيث التصنيف الشكلي فتضمُّ المدونة في الجملة بما في ذلك الأدوات الحديثة جدا27 ساعة منحرفة، و29 قائمة لا انحراف فيها، و60 من الصنف الأفقي أو منبسطة وساعة وحيدة منكوسة و6 ساعات جانبية وساعة وحيدة مائلة هذا طبعا بالإضافة إلى ساعتي موقع ويليلي من النوع المُقعّر Scaphé المعروف خلال العهد القديم وكذلك الساعات المفقودة التي لم يتوفر بشأنها ما يفيد حول شكلها. ويدل هذا التنوع على ثراء المدونة المغربية وتفتح الفلكيين المغاربة على كل أصناف الأدوات على عكس بعض المناطق الأخرى حيث نلاحظ غالبا هيمنة لصنف وحيد مقابل بقية الأصناف. وقد كان من المفيد جدا لو خصص المؤلف قسما للتعريف بكل نوع من الأصناف واستعراض خاصياته ومقارنته بنظرائه في بقية العالم الإسلامي.

وعلى الرغم من المجهود الكبير من طرف المؤلف للإلمام بكل خصائص هذه الأدوات عند تقديمها إلا أنه كان من الأفضل الاعتماد على الجذاذات البيانية التي عادة ما تستعمل في أعمال الجرد وتحول دون إغفال أي خاصية متعلقة بالعنصر المدروس مثلما حدث هنا عند التغافل على ذكر أحد الأصناف الواردة في المجموعة ضمن الإحصائيات النهائيّة وهو صنف الساعات المعدِّلية الذي تمثله المزولة الثانية بسطح جامع ابن يوسف بمراكش.

من جهة أخرى لم يتم ذكر صنف الأداة في عدة مناسبات مثل مزولتي متحف دار بالغازي بسلا، والمزولتان الثالثة والرابعة في جامع بن يوسف بمراكش، والمزولة الأولى بالجامع الكبير بتازة، والمزولة الثانية بالجامع الكبير بتطوان، ومزولة رابطة علماء المغرب بالرباط… أو كذلك الخلط بين بعض الأصناف مثل ساعتي سطح الجامع الكبير بتطوان واللتان هما من صنف الساعات الزوالية méridiennes أو كذلك بخصوص الساعة الثانية للجامع الكبير بآسفي والتي تحاكي بشكل كبير ساعتي جامع الأندلس بفاس وجامع المواسين بمراكش اللتان تعودان إلى العصر الوسيط ومن المرجح أنها أيضا كذلك.

خصص المؤلف قسما كبيرا من عمله للتعريف بصانعي هذه الساعات الشمسية وبالفلكيين المغاربة عامة سواء في إطار تقديم كل أداة والتعريف بصانعها أو من خلال التعريف بمؤلفات هؤلاء العلماء وأعمالهم الفلكية مستعينا في ذلك بتوفر المعطيات التاريخية حولهم نظرا لقربهم في الزمن ومستفيدا من العلاقات الكبيرة التي تربطه بكبار علماء التوقيت بالمغرب الأقصى في الوقت الحالي.

وفي الجملة تُعرّفنا المدونة على 28 موقت مغربي منذ العصر الوسيط وإلى عصرنا الحالي بما في ذلك المؤلف نفسه، أكثرهم إنتاجا ونشاطا الموقت محمد اللخمي الذي تُنسب إليه ثلاث مزاول من القرن الثامن هجري/الرابع عشر ميلادي والموقت الجيلاني الرحالي الأكثر نشاطا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشروالموقت محمد العلمي الفاسي خلال النصف الأول من القرن العشرين. على أن نسبة بعض الساعات المفقودة إلى موقتين معينين كان يقتضي مزيدا من الدقة والصرامة العلمية من ذلك مثلا مزولة السطح بالجامع الكبير بطنجة والتي فقدت تماما ولم يبق منها سوى الهيكل الذي كانت مثبتة عليه ليتم تقديم فرضيتين بشأنها ونسبتها إلى موقتين والتعريف بهما في حين أننا لا نعلم شيئا حول خصائص هذه المزولة.وكذا الشأن بالنسبة إلى غياب بعض الدقة في تأريخ هذه الأدوات على غرار مزاول الجامع الكبير بتازة أو عدم تقديم تاريخ لها بالمرة مثل مزولة قصبة أمريديل أو كذلك نسبتها لغير فترتها مثل المزولة الثانية بالجامع الكبير بآسفي.

يتميز المغرب الأقصى دون سائر بلدان العالم الإسلامي بوجود أكثر من ساعة شمسية بالجامع الواحد، ويُميز المختصون بين الساعات الموجهة للاستعمال اليومي من طرف عُموم المصلين والتي عادة ما تثبتُ في صحن الجامع وبين الأدوات الأكثر تعقيدا والمستعملة من طرف الموقتين المختصين وهي في الغالب الأعم توجد على سطح المعلم غير بعيدة عن المنارة وغرفة الموقت. وتدعّمُ دراسة الأستاذ عبد العزيز خربوش الإفراني هذه الفرضية، إذ وباستثناء الساعات الشمسية المفقودة والمحفوظة في بعض المتاحف والمخازن وتلك التي تُعتبر حديثة الصنع والأدوات الموجهة إلى الساحات العامة، تضم المجموعة المتبقية 50أداة مثبتة في صحون الجوامع وهي في أغلبها من الصنف القائم إذ عادة ما يقع تثبيتها على أحد دعامات الأروقة الموجهة إلى أشعة الشمس، و41 مزولة موجودة فوق سطوح الجوامع قبالة غرف الموقتين وهي في الغالب الأعم من الصنف المنبسط وعادة ما تكون ضمن مُجمّعات لأداتين أو أكثر مثل ما هو الشأن بالنسبة إلى الجامع الكبير بشفشاون أو الجامع الكبير بمكناس والمسجد الأعظم بتطوان.

بعد المدونة والتي ختمها بالأدوات المفقودة تماما خصص المؤلف الفصل الثاني (ص 143-173) لتخطيط المزاول ومؤلفات الموقتين المغاربة وكان من الأجدر أن يتم وسمهُ بخلاف ذلك أي تخطيط المزاول من خلال مؤلفات المغاربة باعتبار التمشّي الذي اتبعه في ذلك. فبعد استعراض أهم 19 مؤلف مغربي في علم التوقيت انطلاقا من جامع المبادئ والغايات لأبي علي الحسن المراكشي (ق7/13) وصولا إلى الأعمال المعاصرة،تم شرح كيفية رسم كل صنف من المزاول ومختلف الخطوط والرموز الماثلة عليها على ضوء مقتطفات مما كتبه هؤلاء الموقتين مثل الشيخ الأعزاوي والشيخ محمد العلمي وخاصة الشيخ محمد البوجرفاوي وهو الذي تتلمذ عنه صاحب الكتاب نفسه وخصّهُ في نهاية هذا الفصل بترجمة مفصلة حول حياته ومؤلفاته وأعماله.

هذه الشروح تعتبر هامة جدا وهي تمثل الحلقة المفقودة في التعامل مع التراث المخطوط المتعلق بعلم الميقات إذ عادة ما يقفُ المحققون عند الوصف ونقل المحتوى دون المرور إلى عملية تطبيق تلك المعادلات في رسم الساعات الشمسية على أن القارئ يشعر بتأثير كبير للتقنيات الحديثة في تمشي المؤلف كما أنه كان من الأفضل الاعتماد على مؤلفات أكثر أصالة وقِدمًا في التاريخ عوض الأعمال المعاصرة وذلك لفهم الأساليب المعتمدة في رسم هذه الآلات خلال العصرين والوسيط والحديث.

أما بالنسبة إلى الفصل الثالث (ص 177-183) والذي نعته الأستاذ خربوش بخلاصة وتوصية فهو لا يتجاوز ست صفحات وذكّر فيه بمزاول القصور السلطانية والتي تعذر عليه معاينتها وقدم فيه توصيتان تضمنت الأولى مُقدمة تاريخية لكننا لم نتعرف على محتواها بسبب الانقطاعالمفاجئ للنص في الصفحة 179 وتغيّرِ سياقه كليا، بينما دعا في التوصية الثانية إلى ضرورة الاعتناء بهذا التراث وإدراجه ضمن برامج البحث والتعليم وهو مُبتغى نشاركه فيه جميعا ونأمل تحقيقه في كل أرجاء العالم الإسلامي.

خُتم هذا الفصل بتقديم بعض الإحصائيات حول توزع المزاول في المدن والمعالم والمتاحف وأصناف هذه الآلات على أن بعض المعطيات المقدمة لا تتطابق مع محتوى المدونة وذلك نظرا للتداخل بين الساعات المفقودة والموجودة من جهة، والآلات القديمة وحديثة الصنع من جهة ثانية، إذ كان من الأجدر تجميع الساعات لكل مدينة مفقودة وموجودة وترتيبها تاريخيا أو اعتماد جرد منهجي متسلسل لكل المدونة انطلاقا من أقدم مزولة وصولا إلى أحدثها.

وفي المُحصّلة، ورغم غياب المنهج التاريخي والأثري الصارم في عديد الأحيان وطُغيان الصبغة الدينية واعتماد الأسلوب الأدبي، تُعتبر هذه الدراسة أكبر عمل تجميعي استهدف التراث الفلكي بالمغرب الأقصى وتحمّل مؤلفه متاعب كبيرة لزيارة كاملا لمملكة تقريبا وتوثيق هذه الأدوات واختبارها في 28 مدينة من شمال المغرب إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ووظف فيه ثقافته الواسعة في مجال علم التوقيت والمجالات المتصلة به وجمعه بين المعارف النظرية والتطبيقية في هذا الميدان.

ونأمل أن يكون هذا العمل التجميعي وكذا الشأن بالنسبة إلى بعض الأنشطة الفلكية الهامة التي يقوم بها بعض الفلكيين المغاربة عل غرار الدكتور حسن الطالبي والمهندس عبد الحفيظ باني وغيرهما، مرحلة أولى في مسار دراسة هذا الإرث ومقارنته بنظيره ببقية بلدان العالم الإسلامي ورصد مواطن التأثير والتأثر خاصة بالنظر إلى الموقع الجغرافي للمغرب الأقصى بين إفريقية والمغرب الأوسط شرقا والأندلس غربا. من جهة أخرى، توفرُ المادة المدروسة معطيات هامة حول مسألة التفاوت بين الفترات التاريخية في خصوص عدد المزاول وعدد الفلكيين وخاصة بالنسبة إلى العهد الحديث الذي يعتبر الأقل إنتاجا لهذا الصنف من الأدوات وهل يؤشر ذلك على تراجع لعلم الفلك خلال هذه الفترة مقابل ازدهار كبير منذ منتصف القرن التاسع عشر وإلى اليوم على عكس بقية البلدان الإسلامية التي فقدت الكثير من علاقتها بإرثها الفلكي وانساقت وراء التقنيات الحديثة ولا أدل على ذلك من تواصل وجود الموقتين بأغلب المدن المغربية إلى وقتنا الراهن.

الهوامش

1 عبد العاطي عبد السلام خير الله (جمال)، 1995، الساعات الشمسية في مصر الإسلامية، أطروحة دكتوراه، تحت إشراف الأستاذ الدكتور حسن الباشا، كلية الىداب، جامعة طنطا، مصر.

2 Çam N., 1990, Osmanlıgünessaatleri, KültürBakanlıgı edition, Ankara.
3 Jarray F., 2015, Mesurer le temps en Tunisie à travers l’histoire, Publications de la Cité des Sciences, Tunis.

الكاتب

فتحـــــي الجــــرّاي

مخبر الآثار والعمارة المغاربية – جامعة تونس.

Retour en haut