Information
A propos Al-Sabil
Numéros en texte
intégral
Numéro 08
La vacherie du Parc de la Tête d’or, 1904
La première construction de l’architecte Tony Garnier
Sana Smadah et Clémentine Enrenaz
2019 | 08
شاهدان قبريّان جديدان حول الطاعون بالقيروان (981 ـ 982/ 1574ـ1575)
لطفي عبد الجواد
الفهرس
الملخّص
شاهدان قبريان جديدتان عثر عليهما بمدينة القيروان يذكران الطاعون سببا في وفاة صاحبيهما خلال سنتي 981 / 1573 و 982 / 1574 ولكنهما يتجاوزان البعد التوثيقي الصرف لإثارة قضايا وتساؤلات تتعلق بحقيقة معنى كلمة الطاعون ومحاولة فهم ظاهرة الإفصاح عنه في النصوص الجنائزية ومرتبة الشهادة التي يستحقّها الميّت بسبب هذا الوباء. وليس أسلوب الكتابة التي تم التوثيق بها في الشاهدين بمعزل عن التحولات التي عرفتها القيروان بعد ميلان الكفة لصالح مدينة تونس العاصمة السياسية والاقتصادية للدولة الحفصية. فهي محرار حقيقي جديد ودليل قاطع على مرحلة الركود التي مرّ بها هذا الفنّ بعد أن كان يطبخ أو يمزج في القيروان قبل أن يشعّ إلى غيرها من المدن.
الكلمات المفاتيح
الطاعون – الاوبئة – النقائش الجنائزية – 981 / 1573 – 982 / 1574- الدهماني اليوسفي – الخط المغربي.
Résumé
Il s’agit de deux stèles funéraires Kairouanaises inédites datant des années 981 H./ 1573 J.C. et 982 H./ 1574 J.C. et mentionnant deux défunts décédés à cause de la peste. Ces deux documents viennent enrichir le corpus des inscriptions évoquant le même sujet et permettent de mieux appréhender les questions soulevées auparavant sur la réalité et l’étendue de ce type d’épidémies. Les irrégularités de leurs styles de graphies confirment les conclusions déjà tirées sur le recul des arts calligraphiques à Kairouan pendant le 16e siècle et la régression de ses ateliers lapidaires contrairement à se qui se produit dans la même période à Tunis.
Mots clés
la peste – inscriptions funéraires – al-Dahmânî al-Yûsufî – le style maghribî – 981 H./ 1573 J.C. – 982 H./ 1574 J.C.
Abstract
These are two unpublished Kairouanese tombstones dating from 981 AH / 1573 J.C. and 982 AH / 1574 J.C. and mentioning two deceased who died because of the plague. These two documents enrich the corpus of inscriptions on the same subject and have enabled a better understanding of the questions previously raised about the reality and extent of this type of epidemic. The irregularities in their styles of writing confirm the conclusions already drawn on the decline of calligraphic arts in Kairouan and the regression of its lapidary workshops, contrary to what is happening in the same period in Tunis.
Keywords
plague – funerary inscriptions – al-Dahmanî al-Yûsufî – the Maghribî style – AH 981 / AD 1573. – AH 982 / AD 1574.
المرجع لذكر المقال
لطفي عبد الجواد، « شاهدان قبريّان جديدان حول الطاعون بالقيروان (981 ـ 982/ 1574ـ1575) »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 08، سنة 2019.
URL : https://al-sabil.tn/?p=11937
نص المقال
نشرنا سنة 2013 عملا حول الطّاعون بإفريقية بالاعتماد على جملة من النقائش الجنائزية القيروانية الجديدة تعرّضنا خلاله بالتفصيل إلى عديد المسائل التّاريخية والفقهية المتعلّقة بهذا الوباء. وقد تمّ فيه رصد ثلاثة تواريخ متباعدة سجّل فيها الطاعون سببا للوفاة: أوّلها سنة 872-873 / 1468-1469 وثانيها سنة 981 / 1573-1574 وثالثها سنة 1199 / 11785. كما نشرنا سنة 2019 نصّا جديدا يرصد طاعونا آخر غير معروف بالمدينة ذاتها يعود إلى سنة 993 / 21583. ومع تقدّم عمليات المسح في أرشيفات الصور التابعة للمعهد الوطني للتراث وبالعودة إلى بعض النقائش التي تعذّر فكّ رموزها بعد أعمال الجرد السّابقة، تمّ رصد شاهدين قبريّين جديدين يخلّدان حالتي وفاة بسبب الطاعون. أما الأوّل فهو مؤرخ بسنة 981 هـ / 1573 م وأمّا الثاني فيعود الى السنة الموالية لها. وبهذا الرصيد الجديد تتدعّم مدونة النقائش المتعلّقة بهذا الوباء من حيث العدد ولكن أيضا من حيث المعلومات التي من شأنها الكشف عن حقائق تتجاوز مجرد التّأريخ لمحطّاته لتستبطن الأفكار والممارسات الاجتماعية.
1. تقديم الوثيقتين
1.1. الشاهد المؤرخ بسنة 981 / 1573
يوجد هذا الشاهد حاليا بمخزن النقائش العربية التابع لمتحف الفنون الإسلامية برقادة وقد تمّ العثور عليه خلال أعمال المسح والجرد التي أطلقها المعهد الوطني للتراث منذ سنة 2005 وأسند له رقم خاص به (INV 754) ولا يزال يظهر في أسفله رقم جرد قديم (الرقم 959) لا يُعلم تاريخ ضبطه ولا مصير السّجلات التي ترصد مصدر الشّاهد. وقد تمّ العثور على صورة لهذه النّص الجنائزي في أرشيف المعهد الوطني للتراث بتونس (دار الصفاقسية) ضمن الدّرج المخصّص لنقائش القيروان. وتحمل البطاقة المصاحبة لها رقم شريحة الفلم (Cl. 430-A) وعبارة « لوحات عدد 3 » والتي يبدو أنها رقم الجرد بما أنّ الرقم ذاته يظهر مكتوبا أسفل الاهد، كما تحتوي هذه البطاقة على اسم المدينة (Kairouan) وتاريخ التصوير (أكتوبر 1951) وعبارة Musée ولعلّ في ذلك إشارة إلى متحف إبراهيم بن الأغلب القديم قبالة الجامع الأعظم (أنظر اللوحة عدد 1-أ). وقد نقش النصّ على لوحة مستطيلة من الرّخام الأبيض يبلغ ارتفاعها 86 صم بينما يبلغ عرضها 32 صم. وقد حظي النّص بإطار زخرفي على شكل مسطرة ملساء تحيط به من الجهات الثّلاث بينما ترك عرضها مفتوحا من الجهة السّفلى بقصد الغرس والتّثبيت في أرضيّة القبر. ويتصدر أعلى مساحة النّص عقد متجاوز يحيط بالأسطر الأربعة الأولى منه. وترسم هذا العقد مسطرة عريضة ملساء على شكل ¾ الدّائرة تؤثّث حشواتها الأربع زخرفة نباتيّة وقد كتب النّص بارزا وفي أسلوب مغربي معجم. والشّاهد حاليّا منقسم إلى نصفين بداية من السّطر الثّامن وبإطاره كسر في مستوى الزّاوية الشّمالية الشّرقية. وتظهر صورة الأرشيف أنّ الشّاهد كان خلال سنة 1951 على درجة عالية من السّلامة من حيث المحمل ومن حيث اكتمال النّص (أنظر اللوحة عدد 1-ب).
النّص:
1. بسم الله الرحمن
2. الرحيم صل الله
3. على سيدنا محمد واله
4. كل نفس ذ
5. ائقة (هكذا)3 الموت وانما توفو
6. ن (هكذا)4 اجوركم يوم القيامة
7. فمن زحزح عن النار وأدخل
8. الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا
9. الا متاع الغرور هاذا (هكذا)5قبر الـشيخ / الامام؟
11. توفي شهيد الطاعون في اواخر ؟محرم
12. من عام احد (هكذا)6 وثمانين وتسعمائة
13. وهو يشهد ان لا اله الا الله وحده
2.1. الشّاهد المؤرّخ بسنة 982 / 1574
يوجد هذا الشّاهد القبري المؤرّخ بسنة 982 / 1574 أيضا بمخزن النّقائش العربيّة التّابع لمتحف الفنون الإسلاميّة برقّادة وقد تمّ العثور عليه خلال أعمال المسح والجرد التي أطلقها المعهد الوطني للتراث منذ سنة 2005 وأسند له رقم خاص به (INV 263). ولكن قراءته ظلّت عسيرة بسبب حالة الكتابة المتردّية وتداخل الحروف والكلمات. ويتخذ هذا الشاهد شكل عمود اسطواني مبتور في أعلاه يبلغ ارتفاع ما تبقّى منه 56 صم بينما يبلغ قطره 66 صم (يبلغ عرض المساحة المكتوبة 20صم). وقد أنجز النّص بارزا وهو يفتقد إلى الأطر الزخرفة فيما عدا المساطر الملساء البارزة الرقيقة التي تفصل بين السطور. وقد كتب النص بخط مغربي معجم يفتقد إلى الاتقان والانتظام.
2. الجوانب التاريخية
تطالعنا للمرّة الثّامنة على التّوالي ضمن مدوّنة الشّواهد القيروانية التي تذكر الطاعون سببا للوفاة شخصيّات مرموقة سواء بانتمائها إلى طبقة الفقهاء والخطباء والقضاة والقرّاء والأدباء أو الوجهاء مع غياب شبه تام لفئة العوامّ من النّاس. ونحن لا نعرف، في الحقيقة، ما إذا كان ذلك من قبيل الصّدفة التي فرضتها معطيات المسح الأثري أو أنّ هناك ما يفسّر هذا الاتجاه الأحادي في مراتب المتوفّين. ويلاحظ المتأمّل في مدوّنة نقائش مدينة تونس تقريبا هذا التوجه نفسه. كما يلاحظ المتأمّل في المجموعة المؤلّفة للمدوّنة القيروانية نقصا من حيث الكمّ في سلسلة إنتاج ورشات صناعة النقائش في هذه الفترات العصيبة بالذّات، وهو ركود يسجّل عموما طوال المدّة الفاصلة بين القرنين التّاسع والحادي عشر للهجرة (31 شاهدا فقط). ولا يمكننا في هذا المضمار سوى تقديم فرضيّات على غرار ظاهرة الدّفن الجماعي في ظروف الهلع أو توسّع دائرة الأوبئة الفتّاكة المنضوية تحت مسمّى الطاعون أو فصل القدرة الشرائية بين من يخلّد الوفاة ومن يدفن دون تخليد.
مدينة القيروان 10
لا تسعفنا المصادر المختلفة بأيّ خبر عن طاعون 981 هـ / 1573 م وربّما يفسّر هذا الصّمت بأسباب ثلاثة أوّلها انشغال هذه المصادر من ناحية بالأحداث الجسيمة آنذاك وما سيؤول إليه الصراالاسباني العثماني من تغيّر في المشهد السّياسي بالبلاد وثانيها الطّابع المحلّي أو المحدوديّة الزّمنية للوباء وثالثها التّغير في النّظرة إلى الطاعون وتوسّع دائرة الأوبئة القاتلة المنضوية تحته حتّى وان لم تكن واسعة الانتشار كما ذكر آنفا.
وإذا ما وضع تاريخ شاهدنا الجديد إلى جانب تاريخ الشاهد المنشور سنة 2013 فإن ذلك قد يشكل مؤشرا على امتداد زمن طاعون سنة 981 هـ / 1573 م فهو يمتد بين اوائل شهر المحرم منها وأواخره بل إنه بناء على تاريخ النص الاوّل الذي يشير إلى مطلع العام 981 هـ / 1573 م (أوائل محرّم)، فإنه يجدر بنا الرجوع بتاريخ هذا الوباء على الأقلّ إلى الشّهر الأخير من السّنة السّابقة له، أي إلى سنة 980 هـ / 1573.م وأمّا الشّاهد المؤرخ بشهر المحرم من سنة 982 فلا يمكن استغلاله مؤشّرا زمنيّا حول امتداد الطاعون لسنة كاملة بقدر ما يمكن استغلاله مؤشّرا على تكرار دورات الطاعون، وقد يكون في الآن ذاته حجّة على توسّع دائرة الأوبئة القاتلة المنضوية تحت مسمّى الطاعون. وتجدر الإشارة إلى أنّ الطاعون الأقرب إلى تاريخ النقيشتين ضرب بقوة مدينة البندقيّة في شهر جوان من سنة 1575 وتواصل بها إلى حدود سنة 1577 وكان مصدره القسطنطينيّة. كما يجدر ربط طاعون 981 هـ / 1573 م بذلك الطاعون الذي حدث بالقيروان سنة 993 / 1583 كما تشير إليه نقيشة الفقيه أبا إسحاق اللّخمي. وإن ثبت أنّ الطاعونين المسجّلين بين سنتي 981 -982 هـ / 1573-1574 م طاعونان حقيقيّان، فإنّ النّقيشتين تمثّلان وثيقتين فريدتين لإدراجهما ضمن الأوبئة المتكررة بإفريقية فيما بين القرنين الثامن والتاسع الهجريين (القرنين 14 و15 ميلاديين).
ومن جهة أخرى تعترضنا صعوبة بالغة في التّعرف على صاحب النص الأوّل المتوفى في أواخر المحرّم من سنة 981 هـ / 1573 م بسبب تداخل الكلمات المكونة لكنيته واسمه وانعدام الوضوح في نهاية السطر العاشر حيث الاشارة الى نسبته القبلية او الجغرافية. ولا تيسّر لنا المصادر الإخباريّة والوثائق المختلفة الأخرى هذه المهمّة لافتقادها أيّ أثر لشخصيّة قارئ يدعى أبا محمد عبد الله أو أبا عبد الله محمد توفّي في التاريخ المذكور. وأمّا صاحب الشاهد الثاني والمتوفى سنة 982 هـ / 1574 م فإن أوّل اسمه يعتريه النقص ولا يمكن التعرّف عليه إلاّ بعد العثور على النصف الأعلى من العمود. ويرجّح أن يقتصر هذا النّقص على صفة أخلاقيّة أو درجة علميّة أو فقهيّة وكنية واسم يليه عبارة « بن » التي تربطه بالنّسب الذي يبدو مكتملا في ما تبقّى من العمود ([بن] »أبي عبد الله محمد بن الشيخ المرابط ابي عبد الله محمد الدهماني اليوسفي »). ومهما يكن من أمر هذا النّقص فإنّ صاحب الشاهد ينتمي إلى سلالة معروفة بالقيروان تنتسب إلى الشيخ الولي الصالح أبي يوسف يعقوب الدّهماني (549 – 606 هـ / 1154 – 1224 م) أحد رموز صوفيّة القرنين السادس والسابع الهجريّين (12 – 13م). وتجدر الإشارة إلى أنّه وردت تراجم لبعض أحفاد هذا الأخير يفهم من خلالها أنّ نسبتي « الدهماني » و »اليوسفي المذكورتين في الشاهد لا تعنيان انتساب أحد المريدين لشيخه أو لطريقته بقدر ما تعنيان انتسابا إلى الجدّ الأعلى أبي يوسف يعقوب الدهماني. ومن بين هؤلاء المترجم لهم الشيخ الإمام الخطيب بالجامع الأعظم بالقيروان أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الدهماني احد تلامذة الفقيه أبي عبد الله الرماح (القرن الثامن هجري / 14 ميلادي) والشيخين أبو الحسن علي بورويس الدهماني وعلي بركات الدهماني والشيخ أبو العباس احمد الدهماني اليوسفي شيخ الطريقة القادرية بالقيروان (توفي في أواسط العشرة الثانية من القرن 13 هجري / بداية القرن 19 م) والشيخ أبي عبد الله محمد المرابط الذي تولى وكالة الزاوية الدهمانية الكائنة قرب البرك الأغلبية على إثر الانشقاق الذي حصل في صلب الطريقة القادرية خلال القرن 13 هجري (القرن 19 م)، والشيخ الصالح المربّي أبو الحسن بن أبي العباس أحمد اليوسفي الدهماني المتوفي عام 1252هـ / 1836-1837 م15. وفي انتظار استكمال العثور على بقية النّص فإنّ النّقيشة تبقى على قد كبير من الأهميّة لكونها تضيف أحد الفروع المفقودة إلى العائلة الدهمانيّة اليوسفيّة لم تذكره المصادر المختلفة وكان حيّا قبل سنة 982 هـ / 1574.
ولا يختلف نصّا النقيشتين عن بقية النصوص القيروانية الأخرى في الإشارة الى مرتبة الشهادة التي ينالها المتوفي بسبب الطاعون (« شهيد الطاعون ») وقد ذكرنا في معرض مقالنا الأول حول هذا الوباء (2013) أن التأكيد على هذه المرتبة كان قائما على مستندات من الأحاديث النبوية ذات الأسانيد على غرار ما ورد في صحيح البخاري من أنّ « الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ » ومن أنّ « الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ » وأنَّه لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ »16.
3. الجوانب الفنية
يشترك الشّاهدان موضوعا الدّرس في نوعية الخط المغربي المعجم وفي الأرضية الغير المحكوكة. وتبدو الكتابة في نص 981 هـ / 1573 م أشدّ نحافة وأكثر وضوحا مقارنة بنقيشة 982 / 1574 حيث الكثافة الشّديدة للكتابة وتلاصق الحروف وتعدّد مستويات قاعدة الكتابة. هذه الاختلافات لا تعكس بالضّرورة تعددا في الورشات ضمن فترة واحدة بل تدخل في إطار عرفت فيه صناعة النقائش بالقيروان تردّدا في الأساليب وتداخلا فيما بينها في النّص الواحد أحيانا. إنّ هذا التردّد وقلّة الانتظام في الكتابة لا يقتصران فقط على هذا التّاريخ الذي قد تؤثّر الأوبئة فيه على نوعية الإنتاج الفني بقدر ما ينضويان في فترة من الركود عرفتها القيروان إلى حدود إلى نهاية القرن العاشر الهجري (القرن 16 ميلادي). وأمام سلسلة الإنتاج الضّعيفة عدديّا تعترض الباحث صعوبة بالغة في التوصل إلى تصنيف يساعد على تحديد رؤية دقيقة ولو نسبّيا حول الورشة أو الورشات المنتصبة بالقيروان طوال هذه المدّة، وحتّى الشّاهد المؤرّخ بسنة 940 ه ـ/1534 م والذي يحتوي على توقيع في خاتمته، لا يساعد على التّقدّم بالبحث. فهو من انجاز شخص مجهول (« عبد الله بن إبراهيم »؟) وهو مكتوب بأسلوبين مختلفين: خطّ كوفي في الأسطر الخمسة الأولى وخط ليّن في البقيّة17.
الخاتمة
تشكّل الوثيقتان دعما حقيقيّا لمدوّنة النّقائش التي تشير إلى طاعون حدث في القيروان على الأقلّ في الفترة الفاصلة بين نهاية سنة 980 وبداية سنة 982 هـ / 1573-1574 م. وتنفرد هذه الوثائق الأثريّة بهذه الإشارة إليه دون غيرها من المصادر الأدبيّة والتّاريخيّة. ولكن تبقى هذه الوثائق عاجزة عن تأكيد التّصنيف الحقيقي لهذا الوباء على غرار ما جرى في طاعون سنة 873 هـ / 1468-1469 م حيث أشارت المصادر إلى مدى عظمته وقسوته وخاصّة بمدينة تونس18. وفي ظلّ النّقص الحادّ في عدد النقائش-وهو معطى متّصل بتقلّص نشاط الورشات وركودها بالقيروان منذ قرنين على الأقل–لا يمكننا المجازفة بالحديث عن طاعون واسع النّطاق ونكتفي بتقديم فرضيّة الطّابع المحلّي أو توسّع دائرة الأوبئة الفتّاكة المنضوية تحت مسمّى الطّاعون. والى جانب هذه القيمة التّوثيقيّة فإنّ النّقيشتان على درجة كبيرة من الأهميّة في جوانب تتعلّق بالحركة العلميّة وبالتّصوّف وبتاريخ الأفكار والمعتقدات سواء بالإشارة إلى أحد كبار القرّاء أو إلى أحد أحفاد الوليّ الصّالح الشهير أبي يوسف يعقوب الدهماني صاحب الزّاوية المشرفة على موقع البرك الأغلبية أو كذلك إلى الموقف المتّخذ تجاه الطاعون كونه منفذا الى مرتبة الشّهادة لمن ابتلي به. وأمّا على صعيد تاريخ الفنون فإنّ الشاهدان يوثّقان بجلاء كبير ما بلغته الكتابة والزخرفة بالقيروان من تردد واضطراب كبيرين في الأساليب والتّقنيات قد يعكسان درجة الهامشيّة الاقتصاديّة والسّياسيّة التي بلغتها هذه المدينة.
الهوامش
1 عبد الجواد، 2013.
2
عبد الجواد، 2019.
3 كلمة مقطوعة موزعة بين سطرين : ذائقة.
4 كلمة مقطوعة موزعة بين سطرين :توفون.
5 رسم عتيق : هذا.
6 خطأ لغوي : عام إحدى وثمانين.
7 كلمة مقطوعة موزعة بين سطرين: الدهماني.
8 خطأ لغوي: وأن محمدا.
9 خطأ لغوي: واو آخر السطر.
11 VIRÉ, 1960, p. 307-308.
12 EL-AOUDI-ADOUNI, 1997, p. 477- 483, n° 447 à 455.
13 المرجع السّابق، ج. 1، ص. 269.
14 المرجع السّابق، ج. 2، ص. 480، النقيشة رقم S-461.
15 الكناني، 1970، ص. 22، 92، 171 و174.
16 البخاري، 2002، ص. 1452 (الأحاديث رقم 5732 و 5733 و 5734).
17 يحمل هذا الشاهد حاليا رقم الجرد عدد 975 بمخازن النقائش العربية التابعة لمتحف فنون الحضارة الإسلامية برقادة.
18 انظر : عبد الجواد، 2013، ص. 90.
المصادر والمراجع
البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل 194-256 هـ / 809-869 م، صحيح البخاري، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، ط. 1، 2001.
الكناني محمد بن صالح بن عيسى القيرواني، تكميل الصلحاء و الأعيان لمعالم الإيمان في أولياء القيروان، تحقيق وتعليق محمد العنابي، المكتبة العتيقة، تونس، 1970.
عبد الجواد لطفي، « الطاعون بإفريقية من خلال شواهد قبور قيروانية جديدة »، في القيروان وجهتها: دراسات جديدة في الآثار والتراث، أعمال الندوة العلمية الدولية الثالثة لقسم علم الآثار (القيروان 1- 4 أفريل 2009)، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان- مركز النشر الجامعي، تونس، 2013، ص. 89-105.
عبد الجواد لطفي، « قبرية أبي إسحاق إبراهيم اللّخمي (993 / 1585): طريقة مبتكرة في التأريخ وقاض وطاعون مجهولين »، السبيل مجلة التاريخ والآثار والعمارة المغاربية (نسخة الكترونية)، عدد 7، سنة 2019.
El-Aoudi Raja, Stèles funéraires tunisoises de l’époque hafside 628-975 / 1230-1574, vol. 2, Tunis, 1997.
Roy Bernard et Poinssot Paule, Inscriptions arabes de Kairouan, 3ème partie, publiée avec le concours de S. M. ZBISS, Notes et Documents, 3ème série, vol. 5, Institut National d’Archéologie et d’Art, Imprimerie al-ASRIA, Tunis, 1983.
Viré Marie-Madeleine, « Inscriptions arabes du Musée Granet à Aix-en-Provence », Arabica, vol. 7, 1960, p. 307-308.
الكاتب
لطفي عبد الجواد
مكلف بالبحوث الأثرية والتاريخية بالمعهد الوطني للتراث.