Information
A propos Al-Sabil
Numéros en texte
intégral
Numéro 08
La vacherie du Parc de la Tête d’or, 1904
La première construction de l’architecte Tony Garnier
Sana Smadah et Clémentine Enrenaz
2019 | 08
دراسة حول صنفين من النسبة: "المنسوبين على خلاف الظاهر" و"المنسوبين إلى غير آبائهم" من خلال تراجم مستخرجة من مدونة أسماء القيروانيين*
صحبيّـة سليـم
الفهرس
الملخّص
تهدفُ هذه الورقة إلى إثارة صنفين مميّزين من النسبة ضمن منظومة الإسم العربي الوسيط تبيّن تراجع نسق حضورهما في القيروان بين القرنين الرابع والتاسع هجري، وقد تسبب وجود هذا النمط من النسب في جدل كبير بين علماء التراجم والحديث حول تحديد العنصر الأكثر تأثيرا في تحديد الانتماء إلى مجتمع ما أو فضاء جغرافي معيّن بالاعتماد حصريّا على عنصر النسبة.
ومن خلال بعض الأمثلة لشخصيات قيروانية معروفة تدعو المقاربة المعتمدة إلى التحرّي في ملابسات اكتساب النسبتين المذكورتين ورصد إطار ظهورهما رفعًا لكل لُبسٍ وتجنّبًا لكل خلط والتنبيه إلى ما يمكن أن يتسبب فيه ذلك من تأثير على نتائج الدراسات التاريخية على اختلاف أصنافها.
الكلمات المفاتيح
علم أسماء الأعلام، النسبة، تراجم، القيروان،الفترة الوسيطة، مجتمع.
Résumé
Cette recherche a pour objectif de soulever l’existence de deux types de nisba du nom arabe et dont la présence a relativement diminué à Kairouan entre le quatrième et le neuvième siècle de l’hégire et fut à l’origine d’une grande controverse chez les biographes de l’époque à propos de l’élément qui détermine l’appartenance à une société ou un espace géographique donné en se basant exclusivement sur la nisba.
A partir de quelques exemples des personnages historiques célèbres, notre approche fait appel à une vérification des conditions de l’acquisition de ces deux types de nisba-s et de suivre le contexte de leur apparition dans l’objectif d’éviter toute confusion et d’attirer l’attention sur ses résultats dans les différents genres des études historiques.
Mots clés
Onomastique, Nisba, Biographies, Kairouan, Moyen-âge, Société.
Abstract
The aim of this research is to raise the existence of two types of nisba in the Arabic ism or name that had known a decrease in Kairouan between the fourth and ninth centuries of the Hegira and were the origin of a great controversy between biographers of this period about the element that determines the belonging to a society or a given geographical space according exclusively to the nisba.
Starting with a few examples of famous historical cases, our approach asks for a verification of the conditions of the acquisition of these two types of nisba-s and to follow the context of their appearance for avoiding any confusion and drawing attention to its results in the different genres of historical studies.
Keywords
Onomastic, Nisba, Biographies, Kairouan, Middle-Age, Society.
المرجع لذكر المقال
صحبيّـة سليـم، « دراسة حول صنفين من النسبة: "المنسوبين على خلاف الظاهر" و"المنسوبين إلى غير آبائهم" من خلال تراجم مستخرجة من مدونة أسماء القيروانيين »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 08، سنة 2019.
URL : https://al-sabil.tn/?p=11977
نص المقال
مثّلت المقاربة الأنوماستيكية1، بفرعيهاالمتلازمان والمتكاملان وهما علم أسماء الأماكن (الطوبونوميا) وعلم أسماء الأشخاص (الأنطونوميا)، بداية من النصف الثاني من القرن العشرين، رافدا هاما من روافد الدراسات التاريخية كما شكّلت مخرجاتها وثيقة بحث ثمينة في مجال التاريخ الاجتماعي، رغم صعوبات استقرائها، وذلك لما توفره من مادة معرفية دقيقة على شُحّها وقيّمة على ندرتها.
ولئن كان اهتمامنا العام موجّها نحو مجال البحث في فرعها المتصل بعلم أسماء الأشخاص، وتحديدا في دراسة الإسم العربي الوسيط، الذي يتميّز بتعدّد عناصره وتكامل مكوّناته بما سمح بتشكّل منظومة إسميّة عربيّة وسيطة مميّزة2، فإنّنا سنقتصر في هذه الورقة على استقراء ما سيقدّمه لنا أحد عناصر المنظومة الاسمية للأفراد،وهو عنصر النسبة3 وتحديدا نوع مميّز من النِسَب.
لقد أثار اهتمامنا بهذا النمط من النِسَب، ووجّه انتباهنا نحوه صنف محدّد من المصادر يُعرف بكتب رجال الحديث، مثّلت إحدى مصادرنا الأوليّة، وقد تناولتهضمن نمط من الأنساب يُعرف بـــ« النِسَبِ التي على خلاف الظاهر »4، مميّزة إياه عن الصنف الثاني، وهو « معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم »، ويندرج كلا الصنفين في باب « معرفة الأنساب »، التي تتّصل خاصة بتراجم رواة الحديث، لأهميتها في معرفة الرواة وصِلتها القويّة بعلم الرجال، فهو علم قائم على التعريف بهم5.
وفي هذا الإطار مثّل البحث في « المنسوبين على خلاف الظاهر » و »المنسوبين إلى غير آبائهم »، بالنسبة إلينا مجالا بِكرا عملنا على استكشافه في دراستنا هذه من خلال رصد حضوره وتتبّع آثاره وتوضيح ملابساته ثم بيان إمكانية الوقوع جرّاءه في اللبس وسوء الفهم، والكشف لاحقا عمّا سينجرّ عن ذلك من استتباعات، لاسيما بالنسبة إلى الباحثين المهتمين بالمجال الأنوماستيكي خصوصا وبالدراسات ذات الطابع التاريخي-الاجتماعي عموما. وبالنظر إلى طرافة هذا المبحث ودقّته في طرح بعض الإشكاليات التي واجهتنا خلال دراسة عنصر النسبة ، فقد سعينا في هذه الدراسة إلى معالجة إشكالية مدى الوثوق في عنصر النسبة والاطمئنان إليه لتحديد الانتماء إلى فضاء جغرافي معيّن في أرض الإسلام وذلك على ضوء حضور هذين الصنفين من النسب؟
ومن هذا المنطلق سنعمل في عنصر أوّل على إثارة مسألة حضور هذين الشكلين من النِسَب، على ضوء بعض التراجم القيروانية على امتداد الست قرون الأولى للهجرة، ثم سنستعرض في عنصر لاحق أسباب ظهوره والصعوبات التي يمكن أن تعترض الباحث في هذا المجال نظرا للإشكاليات التي يطرحها، واللبس الذي يكشفه وجود هذا الصنف من النِّسَب.
1. في « المنسوبين على خلاف الظاهر » و « المنسوبين
إلى غير آبائهم »: في تحديد المفاهيم ورصد الحضور
1.1. في مفهـوم النسبــة وأصنافهــا
جاء في لسان العرب لابنمنظور: « النسب بمعنى القرابة، وهو واحد الأنساب وعن ابن سيده الأندلسي، النِّسبة والنُسبة والنّسب هي القرابة وقيل هو في الآباء خاصة، وقيل النسبة مصدر الانتساب. والنسب يكون بالآباء ويكون إلى البلاد ويكون في الصناعة وغير ذلك »6. كما ورد على لسان الصفدي أنّ النسب هو الإضافة لأن النسب هو إضافة شيء إلى بلد أو قرية أو صناعة أو مذهب أو عقيدة أو علم أو قبيلة أو والد7. أمّا النسب اصطلاحا، فهو علم يتعرف منه أنساب الناس وقواعده الكليّة والجزئية والغرض منه الاحتراز عن الخطأ في نسب الشخص.
يُحيلنا هذين التعريفين اللغوي والاصطلاحي إلى وجود عدّة أصناف من النِسب كما يبدو من ظاهرها ومنها النسبة إلى الأصول والفروع في النسب عن طريق الآباء والأجداد8؛ وهو النسَب المنضوي تحت مؤشّر »أهل »، ضمن المبحث الأنوماستيكي9 مثال نسب الهاشمي والسُفياني والمرواني والأموي…، ومنها أيضا النسبة إلى القبيلة بمختلف طبقاتها10، والنسبة إلى المناطق الجغرافيّة سواء كانت بلد الأصول أو الإقامة أو الوفاة وتكون إلى البلد أو تتفرّع نحو المدينة أو القرية أو الحيّ…، ونستحضر أيضا تلك النسبة التي تكون إلى الصنعة أو المهنة أو الوظيفة ومن ضمنها أيضا النسبة إلى النشاط العلمي والنشاط الفكري والانتماء المذهبي… ونضيف إلى مختلف هذه الأصناف ما نحن بصدد طرحه في مبحثنا هذا وهو الأقّل حضورا والأكثر غموضا ودفعا نحو الوقوع في اللبس والخطأ.
2.1. فما هي دلالات هذا التعدّد في الأصناف؟
يعكس تعدّد الأصناف، أهميّة النسبة في المنظومة الاسمية للأشخاص ، فهي عنصر يحتل مكانة متميزة ضمن سلسة العناصر المكوّنة للاسم، وهو ما نلمسه من خلال المعطيات التي توفرت لنا، فمن جملة 1270 جذاذة أحصيناها، نسجّل عدد 1244 جذاذة يحمل أصحابها نسبة بمختلف أصنافها، وهو ما يمثّل نسبة مئوية تقدّر بـحوالي 98% من المجموع العام. كما يكشف تعدّد النسبة لدى الشخصيّة الواحدة عدّة وقائع وأحداث تعرّضت لها في مسيرتها، ويرصد مجموعة من المحطّات في حياة الشخص بصفة خاصة، والمجتمع بصفة عامة، فالنسبة يمكن أن تختزل « السيرة الذاتيّة » لصاحب الترجمة، وذلكبالإشارة إلى جذوره القبليّة وأصوله الجغرافيّة، أو نشاطه المهني والفكري والديني، أو إلى الجنس الذي ينحدر منه. فضلا عن ذلك، تسمح لنا النسبة بتقصّي وتتبّع « مسار حياة » الشخص المُترجم له،من خلالرصد بلد أسلافه، أو محلّ ولادته أو نشأته أو وفاته، وبتتبّع رحلاته وتنقلاته… كما يمكن للنسبة، لاسيما الجغرافية منها، أن تعكس دائرة استقطاب المدينة لسكان المناطق القريبة أو البعيدة، والكشف عن علاقتها بمحيطها. ويُعدّ غياب النسبة بمختلف أصنافها، عائقا حقيقيّا في عمليّة البحث ممّا يُحيلنا إلى عدّة احتمالات ويوقع بنا في اللبس والغموض.
3.1. في « معرفــة المنسوبيـن على خـلاف الظاهــر »
يُفيد مصطلح « المنسوبين على خلاف الظاهر » أن يُنسب الشخص إلى غير قبيلته، أو بلدته، أو غير صنعته، أو غير ولائه، لأن الأصل في النسبة أن يُنسب الإنسان إلى قبيلته، أو بلده، أو صنعته أو ولائه.
هذا ويجب التنصيص منذ البداية على أن النماذج التي عملنا عليها في بحثنا هذا هي مرتبطة أساسا بما توفر لنا من معطيات، وهي محدودة في العدد، مقارنة بالعدد الجملي للجذاذات ورغم ذلك فهي حالات جدّ معبّرة.
المثــال الأوّل: محمّد بن عبـدون السُوسـي الـورّاق11:
ينتمي صاحب الترجمة إلى صنف الشعراء المعروفين بالقيروان خلال القرن الخامس هجري، وهو يحمل نسبة « السُوسي » فهو ينتمي حسب ظاهر النسبة الجغرافيّة التي عُرف بها، إلى مدينة سوسة، وذلكإمّا لولادته أو نشأته أو مقامه بها حتى وفاته أو دفنه في مقابرها. والواقع أنّه كما يتبيّن لنا من ثنايا ترجمته، أنّه ولد ونشأ ثم مات بمدينة القيروان، وقد أوضح مؤلّف الأنموذج، أنّه « ليس سُوسيّا على الحقيقة، بل هو من أكابر القيروان وبها مقامه الآن، لكن أباه هو من سكن سوسة، فعُرف بذلك ». فنسبة السوسي هنا هي نسبة موروثة عن والده الذي أقام بمدينة سوسة مدّة معيّنة وليست نسبة مُتّصلة بالأصول الجغرافية أو بالولادة أو بإقامته هو بها ولا بوفاته، لكن هل تكفي الإقامة بمنطقة ما، مدّة معيّنة، ليصبح المُقيم بها معدودا من أهلها فينسب إليها؟ خاصة أن النسبة تأخذ معناها أكثر خارج محيط الانتماء، إذا كان ذلك كذلك فلم لا تُطبّق القاعدة على الجميع؟12
المثــال الثاني: أبو عبـد الله محمّد بـن بسطـام الضبّـي السُوسـي13:
يشير المالكي، في مؤلفه « رياض النفوس » إلى أن صاحب الترجمة هو من فقهاء القيروان، ويقال إن أصله من البصرة، سكن القيروان، ثم انتقل إلى سوسة. وكما يبدو من ظاهر النسبة، فالشخص المترجم له، ينتسب جغرافيا إلى مدينة سوسة بحكم إقامته بها آخرا، والسؤال المطروح هنا، لماذا نُسب إلى مدينة سوسة مكان إقامته الأخيرة، ولم ينسب إلى البصرة بلد أصوله ومحلّ أجداده؟ على غرار « مُواطنه » أبو العبّاس محمّد بن طيّب البصري المتعبّد14، وهو أيضا من القرويين، سكن سوسة وأوطنها، وتوفي بها حسب ابن ناجي ودفن بالقيروان. ولماذا لم ينسب إلى القيروان، محل إقامته الأولى قبل انتقاله إلى سوسة آخرا. فهل هو بصري أم قيرواني أم سوسي؟ وما هو العنصر الأكثر تأثيرا في تحديد الانتماء؟
المثــال الثالث: أبو الحسـن علـي بن محمّد المَعَافـري القابسـي أو المعـروف بابن القابسـي15:
عُرف أبو الحسن علي بن محمد المعافري القابسي بكونه من مبرّزي علماء المالكية بإفريقية في عصره، ومن فقهائها العارفين بالحديث وعِلله ورجاله، فضلا عن كونه أصوليا. ويعدّ أبو الحسن القابسي من أهل القيروان، ويبدو، حسب ظاهر النسبة، أن صاحب الترجمة قابُسيّا، أي أن مدينة قابس، هي بلد أسلافه أو محلّ إقامته، أو موطن استقراره آخرا، لكننا نجد أن القاضي عياض في مداركه16 يبيّن خلاف ذلك إذ يقول: « لم يكن أبو الحسن قابُسيّا، وإنّما كان له عمّ يشدّ عمامته مثل القابسيين فسُمي بذلك »، وهو قيرواني الأصل والنشأة والوفاة »، ونشير أن هذه النسبة التي لا يمكننا الجزم في حيثيات اكتسابها، قد تحوّلت إلى شهرة ورثها ابنه عبد الواحد.
أمّا ابن ناجي في معالمه17 فيبدو غير مقتنع برأي القاضي عياض، إذ يستدرك قائلا: « وهذا فيه نظر وظاهر قولهم المعروف بابن القابسي يقتضي أن والده كان من أهل قابس، فإمّا أن يكون أتى إلى القيروان وتزوّج بها وتزايد له بها، وإمّا أن يكون أتى به صغيرا ». لكن يظهر أن طرح المؤلّف، لا يستند إلى معطيات ثابتة في ترجيح نسبته إلى مدينة قابس، وتحديدا إلى بلد المعافريين التي اكتسب منها نسبته الأولى، كما يشير إلى ذلك كاتب الترجمة، وهنا يطرح أمامنا إشكال آخر، فهل نسبة المعافري التي ينسب لها هذا الفقيه، هي نسبة قبلية إلى قبيلة معافر اليمنية18 أو هل هي نسبة جغرافية إلى بلد المعافريين19 ؟ وهل تعكس النسبة دائما الأصول سواء كانت قبليّة أو جغرافيّة؟
المثــال الرابع: أبو محمّد عبـد الحميـد بن محمّد المغربـي المعـروف بابن الصائـغ20:
يعتبر أبو محمد عبد الحميد بن محمد المعروف بابن الصائغ من الفقهاء والمحدثين ومن الزهاد المتعبدين العالمين بالأصول، ويبدو أن نسبة المغربي هنا هي نسبة إلى بلاد المغرب، وهي نسبة ترتبط بأهل المغرب أثناء رحلاتهم إلى المشرق لطلب العلم والحج، وقد عُرف بها عدّة شخصيات، مثل أسد بن الفرات21 أثناء زيارته إلى مالك، وأيضا أبو محمد عبد الله بن فروخ الفارسي22 لكننا هنا أمام حالة مغايرة، فابن الصائغ هذا يعتبره القاضي عياض في « مداركه » من أهل القيروان، انتقل إلى الإقامة إلى سوسة، ثم المهدية، ثم عاد إلى سوسة وتوفي ودُفن بها. لكن لماذا لم ينسب إلى سوسة كسابقه؟ أو إلى المهدية مكان رحلته ثانيا ومن أين اكتسب نسبة المغربي؟ فهل يكون ذلك مرتبط ربّما بوجود سَمِّيٌ23 له في مجالات جغرافية أخرى.
 المثــال الخامس: الشيخ أبو القاسـم عبـد الرحمـان بـن محمّد بن عبـد الله البكـري الصقلّـي24 :
يُعدّ الشيخ أبو القاسم عبد الرحمان بن محمّد بن عبد الله البكري الصقلّي من كبار الفقهاء والمحدثين ومن أهل الزهد والتصوّف والصلاح وهو قروي ينسب إلى صقليّة، إذ يقول حسن حسني عبد الوهاب في كتاب العمر؛ « لا ندري إن كان ولد بصقليّة كما تقتضيه نسبته »، وهو ما يُجيز لنا التساؤل ما إذا كانت النسبة تُكتسب بالولادة دون غيرها؟
المثــال السادس: أبو زيـد عبد الرحمـان بن محمد بـن علي الأنصـاري الأسيـدي الدبّـاغ المـؤرخ25:
كان أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن علي الأنصاري الأسيدي الدبّاغ المؤرخ، معتنيا بالآثار جامعا لها26 وكان يقول الشعر. ورد في معالم الإيمان لابن ناجي الجزء الرابع؛ « …وسبب تسمية جدّه الكبير بـ "الدبّـاغ" هو أنه قدّمه قاضي الجماعة والسلطان، وكتب له الظهير بقضاء بلده القيروان، وبعث له به، فلمّا عرف أن الظهير يرد عليه في وقت الضحى، بكّر… إلى دار الدبّاغ وعرّى حوائجه وتحزّم، ثمّ أخذ يملأ بالدلو ويفرغ على الجلود… فلمّا عرف من ذكر قالوا: نعرف أن ما صناعته دبغ الجلود… وإنما فعل ذلك بقصد الهروب من القضاء والنجاة بنفسه وقدّموا غيره… ».
يبدو من خلال ما تقدّم، أن نسبة الدبّاغ هي نسبة موروثة عن الجدّ الأكبر لصاحب الترجمة، وهو أبو محمد عبد الله بن محمد الأنصاري الصوفي المشهور بالدبّاغ27 وقد أصبحت هذه « الشهرة » بمثابة « نسبة موروثة » للعائلة التي تعتبر من الأُسر العريقة بالقيروان، جمع أفرادها بين العلم والعمل والورع ونسب الأنصار، ولهم مسجد بالقيروان يعرف بمسجد الدبّاغ28. وحسب ما ورد في سياق الترجمة فإن شهرة الدبّاغ لا علاقة لها بالواقع، ذلك أنّ صاحب الشهرة التي تحوّلت إلى نسبة ورثها خلفه من بعده، هي « نسبة على خلاف الظاهر » فالمُنتسب إليها، لم يكن يوما دبّاغا ولم يمارس هذه المهنة في حياته قطّ، وقد أحاطت باكتسابه لهذه النسبة أحداث طارئة، تتمثّل أساسا في رغبته في التملّص والتخلّص من تكليفه بوظيفة القضاء في القيروان.
4.1. فـي « معرفـة المنسوبيـن إلى غيـر آبائهــم »
 المثال الأوّل: أبو عمرو البهلول بن عمر بن صالح بن عُبيدة بن حبيب بن صالح التُجيبي ثم الفردَمي شهر ابن عبيدة التجيبي31:
هو فقيه ومحدّث قيرواني ويعتبر من العلماء المجتهدين، ولد ومات بالقيروان سنة 233-234هـ/847-848م، وكما يبدو فان صاحب الترجمة يُنسب إلى جده الأكبر، عُبيدة بن حبيب بن صالح التجيبي وقد تحوّل هذا النسب إلى إسم شهرة عرف بها حفيده.
  المثال الثاني: أبو مالـك أمان بـن الصمصامـة بن الطرمـاح بن حكيـم الطائـي شهـر أبو مالـك الطرماح32:
يُعدّ أبو مالك الطرماح، من الشعراء المتميزين، ومن علماء اللغة بالقيروان، وجدّه هو الطرماح الشاعر الأموي المشهور، ويبدو أن هذا الشاعر قد ورث صنعة جدّه في الشعر، كما أصبح ينسب به واشتهر بذلك.
 المثال الثالث: أبو عثمـان سعيـد بن محمّد بن صبيـح شهـر ابن الحـدّاد الغسّـاني33:
ابن الحدّاد الغسّاني هو من علماء القيروان المبرزين، عالم بالكلام والفقه واللغة والجدل والعربية، عارف بالشعر، ولد بالقيروان سنة 219هـ/834م وتوفي بها في 302هـ/915م. وقد جاء في المعالم لابن ناجي؛ « والحدّاد جدّه لأمّه وعوام القيروان عندنا، يقولون سعيد الحدّاد، وإنّما سُمي الحدّاد لحدّة ذهنه وهو وهمٌ، وإنّما هو ابن الحدّاد والمراد ما تقدّم »34، إذا يبدو من رواية ابن ناجي أن ابن الحدّاد القيرواني، ينسب بجدّه لأمه وقد اشتهر بذلك.
 المثال الرابع: أبو بكر أحمد بن إبراهيم ابن أبي عاصـم بن إبراهيم اللؤلؤي النحوي القيـرواني شهـر ابن أبي عاصـم اللؤلـؤي35:
يعتبر ابن أبي عاصم اللؤلؤي من علماء القيروان البارزين فقد جمع بين فنون شتى من العلوم، منها الفقه والحديث، إضافة إلى الأدب والشعر واللغة، فضلا عن وظيفته في كتابة الدواوين في ظل حكم الدولة الفاطمية. ولد اللؤلؤي بالقيروان بين 274 و277هـ/887 و890م، وتوفي بها سنة 318هـ/930-931م. ينسب صاحب الترجمة بجدّه أبو عاصم، وقد اشتهر بذلك حتى طغى على نسبه الأبوي.
  المثال الخامس: أبو بكـر محمد بن محمد بن وشـاح اللبّـاد الفقيـه شهـر ابن اللبّـاد36:
أبو بكر ابن اللبّاد هو من الفقهاء المبرزين والحُفّاظ المعدودين في القيروان، ولد بالقيروان سنة 250هـ/864م وتوفي بها سنة 333هـ/944م. حمل نسبة اللبّاد وهي نسبة لجدّه وشاح الذي كان حائكا من موالي الأقرع مولى موسى بن نصير. وقد اشتهر صاحب الترجمة بنسبته لجدّه وشاح اللبّاد وعرف بها.
 المثال السادس: أبو القاسـم سلمـان بن محمّد بن الأبـزاري شهـر ابن الأبـزاري37:
يعدّ ابن الأبزاري من شعراء الدولة الصنهاجية، عاش بالقيروان وتوفي بها سنة 410هـ/1020م، ينسب ابن الأبزاري بجدّه لأمه وقد كان أبزاريا واشتهر بنسبته هذه لمهنة جدّه وليس لأبيه.
2. دلالات وجود هذا الصنف من النِسَب واستتباعاته
1.2. الــدلالات
لقد بدا لنا انطلاقا من مجموع النماذج المقدّمة إمكانية أن تتحوّل النسبة إلى شهرة يتوارثها الأبناء على الآباء، والآباء على الأجداد، وبالتالي فإنّ حضورها في آخر سلسلة الإسم، لا يعني بالضرورة أنها تتصل اتصالا مباشرا بصاحب الترجمة، مثال نسبة الدباغ ونسبة القابسي بالنسبة إلى صنف المنسوبين إلى خلاف الظاهر (انظر النموذج الثالث والنموذج السادس) وبالتالي لا يمكننا أن نكتفي فقط بهذه النسبة الظاهرة لتحديد الانتماء. إضافة إلى ذلك نسجّل بروز عامل لا يُستهان بمدى تأثيره في صحّة مؤشّر النسبة، وهو عامل « اختلاط الأنساب » وهو ما يجعل النسبة سواء كانت « ثابتة » أو على « خلاف الظاهر » محلّ شك، يستوجب العمل على نفيه أو تدعيمه، وذلك أن جمع التراجم وتدوينها هو جُهد بشري لا بدّ أن يلحقه القصور الإنساني، وفي هذا السياق يقدّم ابن خلدون في مقدّمته38 بعض أسباب وقوع الاختلاط واللبس خاصة في مجال الأنساب القبليّة فينسب الشخص إلى غير قبيلته وأصوله نذكر منها مثلا تأثير الأحلاف بين القبائل الذي يؤدي إلى انصهار بين عناصر القبيلتين فتنسب القبيلة الأضعف إلى الأقوى وبمرور الزمن تتلاشى الفوارق ويصبح النسب الجديد واقعا يجهله النسّابة. هذا فضلا عن دور نظام الولاء، وخاصة ولاء الحلف حيث يتحوّل الحليف بمرور الزمن إلى عنصر أصلي في القبيلة بالرغم من حرص واضعي التراجم على الإشارة إلى ذلك بعبارة « مولاهم » لكن يصبح من الصعب على العلماء تحديد الفوارق بينهما. ثمّ إن طول سكن الحواضر يُفقد العرب اهتمامهم بأنسابهم فيميلون نحو الانتساب إلى قراهم وأمصارهم وتتوسّع الظاهرة كلّما نما العمران وازدهر.
كما يمكننا أيضا أن نستحضر بعض الأسباب الأخرى لوقوع الخلط في الأنساب منها طول الفترة الزمنيّة التي تفصل بين زمن تدوين الأنساب وفترة حفظها في الذاكرة39. فضلا عن تشابك القبائل بأسمائها وتشابهها40 وإمكانية الخلط بين إسم القبيلة وإسم المكان مثال الخلط بين (صدف القبيلة41 وصدف القرية42/ الأنصاري نسبة إلى مدينة الأنصارين43 والأنصاري نسبة إلى قبيلة الأنصار44) ومنها أيضا صعوبة تحديد آليات اكتساب النسبة الجغرافية من شخص إلى آخر واختلاف العلماء والمؤرخين حولها.
وفي المحصّلة فإنّ العمل على هذا النمط من النِسَب كشف لنا عن تطوّر علم التراجم في إفريقية تطوّرا بارزا من عهد أبي العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمّام التميمي، في كتابه حول أعلام القيروان وتونس الحامل لعنوان « طبقات علماء إفريقية وتونس » ويعتبر مؤلفنا من علماء القيروان البارزين في علوم شتى منها معرفته بالسند والرجال كما اشتهر بكونه رافع لواء علم التاريخ بإفريقية عاش بين منتصف القرن الثالث هجري (250- 260هـ/ 864-873م) وتوفي حوالي (333هـ/944م) إلى عهد ابن ناجي التنوخي الذي أكمل مؤلّف الدبّاغ وعلّق عليه وهو الكتاب الموسوم « معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان » ، أي من القرن الرابع وهي الفترة التي عاش فيها أبو العرب إلى التاسع هجري زمن حياة ابن ناجي. فبينما يكثر عند أبي العرب حضور هذين الصنفين من النسبة (في المنسوبين إلى خلاف الظاهر والمنسوبين إلى غير آبائهم)، وهما صنفان يطغى عليهما الغموض، وتكثر فيهما إمكانية الخلط والوقوع في اللُبس، كما بيّنا سابقا، يبدو أن علم كتابة التراجم وتدوينها قد إستوى وأصبح أكثر نضجا في الفترات اللاحقة، وتبلور بأكثر وضوح خلال القرن التاسع هجري/الخامس عشر ميلادي، حيث ظهر التدقيق والتمحيص عند مؤّلفي التراجم ومنهم الدبّاغ وابن ناجي، اللذان عملا على تفصيل النسبة وتصنيفها، تجنّبا للخلط والارتباك ودرء للتأويلات. فضلا عن ذلك فإنه ورغم هيمنة النسب الأبوي في المجتمعات العربية الإسلامية -ومن ضمنها المجتمع القيرواني- وهو ما يعكس سيطرة الطابع الذكوري لهذه المجتمعات، فإن ذلك لم يحل دون انتشار أشكال أخرى من الأنساب على غرار المنسوبين إلى أمهاتهم أو إلى أحد أقاربهم وخاصة إلى أجدادهم وهو ما بيّنه صنف المنسوبين لغير آبائهم.
2.2. استتباعــات ومحاذير وجود هذا النمط/الصنف من النِسَب
يشترك كلا الصنفان موضوع الدراسة في إمكانية الخلط واللٌبس إذا لم تتوفر المعطيات والمعلومات الكافية حول المترجم له، فقد يعتقد أن النسب أبوي، كما يبدو من ظاهر النسب بالنسبة إلى صنف « المنسوبين إلى غير آبائهم »، بينما تفيد المعطيات الواردة في الترجمة أن النسب مُتّصل في الحقيقة بأحد الأجداد أو أحد الأقارب. لذلك فإنّ حضور هذا النمط من النِسَب يدفعنا إلى الإقرار بتعقيد وتشعبّ حيثيات تشكّل عنصر النسبة ضمن المنظومة الإسمية للأفراد، نظرا لصعوبة تحديد العامل الأكثر تأثيرا في اكتساب أو ظهور نسبة ما، حتى تتحوّل إلى العنصر البارز/الصريح في سلسلة إسم صاحب الترجمة أو أحيانا في شكل إسم شُهرة يحجُب بقية العناصر فهل هو عامل الأصول (قبليّة كانت أو جغرافية)؟ أو هو عامل الولادة أو النشأة؟ أو هو عامل الإقامة أو الوفاة…؟ مع التأكيد على اختلاف العلماء والمؤرخين السابقين واللاحقين حول تحديد هذا العامل. ومن هذا المنطلق يجوز لنا أن نتساءل عن مدى جدوى وتأثير الارتكاز على عنصر النسبة بمفرده، على الرغم من كونها عنصر شديد التأثّر بالمحيط الخارجي (المكان)، وغير ثابتة في الزمن (الزمان)، كمؤشّر رئيسي في تحديد انتماء شخص ما إلى مجال جغرافي معيّن، وبالتالي ضبط هويّة المجتمع الذي ينتمي إليه؟
لكلّ هذه الأسباب مجتمعة فإنّ الوقوع في اللُبس، والاشتباه في النِّسب، والخلط فيه، وسوء فهمه، أمر وارد جدّا، وقد اعتبره المعتنون بعلم رجال الحديث « ضررا ليس بالهيّن »، يجب الأخذ بأسبابه والتحرّي فيه، وعدم الاستهانة بأخطائه التي ستكون لها عدّة إرهاصات على مجمل المعارف المتّصلة به، والتي لا يمكن تجاهلها. أمّا فيما يتّصل بمجال اهتمامنا، فلا شكّ أنّه سيكون لوجود هذا الصنف من النسب استتباعات جمّة، قد تؤثّر على دقّة الكتابة التاريخية والبحوث المرتبطة بها، ولاسيما تلك التي ترتكز على المنهج الكميّ45، ويبرز هذا الأثر واضحا خاصة في المرحلة الإحصائية حيث يمكن أن ينسب أفراد إلى غير آبائهم وغير قبائلهم وغير أصولهم الجغرافيّة وحتى إلى غير مهنهم ووظائفهم ومعتقداتهم… بما سينعكس لاحقا على قراءة المعطيات، وضبط الخلاصات، فتتعدّد نتيجة لذلك إمكانات الخلط وتتّسع حلقات سوء الفهم، وهو ما سيؤثّر بالضرورة على النتائج المستخرجة والاستنتاجات المقدّمة التي ستمتّد إلى مجال أشمل، يتّجه نحو تحديد مسألة الانتماء الإقليمي والمجتمعي والاقتصادي والسياسي والفكري…46.
وعليـــه، لابدّ للباحث في المجال التاريخي عموما وذو المنحى الاجتماعي خصوصا، حيث تُطرح مسألة التصنيف وتحديد الانتماء إلى الفضاء/المجال، جغرافيا كان أو قبليا أو اقتصاديا ومجتمعيا عموما، أن يتبيّن وجود هذا الصنف من النسب وأن يكون واعيا بما يطرحه من لُبس وما يُقرّه في النهاية من وجوب تنسيب مجمل الاستقراءات المقدّمة وهو ما يفيد آخرا ترك نوافذ البحث مفتوحة لنتائج أكثر وثوقا ودقة في المستقبل.
الخاتمة
لقد رصدنا من خلال عملنا على كتب الأنساب والتراجم والطبقات والنقائش، وجود عدد من النسب- وإن كان قليلا من حيث الحضور والانتشار- تندرج ضمن « صنف النسب إلى خلاف الظاهر » و « صنف المنسوبين إلى غير آبائهم » ، وهو ما دفعنا إلى التحرّي والبحث عن حيثيات اكتسابها – ما أمكن لنا ذلك- باعتماد عدّة مصادر ومقارنتها ومقارعتها. وقد بدا الإشكال أكثر تعقيدا وغموضا لاسيما بالنسبة إلى التراجم المستخرجة من النقائش، نظرا لما يحتويه هذا الصنف من المصادر من مادة مقتضبة بحكم طبيعتها (تخليدية أو جنائزية…)، خاصة إذا ما انعدمت إمكانية التثبّت من دقّة المعطيات الواردة بالنقيشة في مصادر أخرى مكتوبة، تهتم بهذا الصنف من التراجم، وهو ما يمكن أن يقدّم قراءات تفتقر إلى الدقّة وتحتاج إلى مزيد من التعمّق والبحث عند استخراج المعلومات وضبط النتائج واستقراء المعطيات. كما بدا لنا أنّ حدوث الالتباس في النسب حاصل لا بل هو مؤكّد، خاصة النسب الجغرافية والقبليّة، لكنه لُبس يصعب ضبطه بسبب غياب قواعد ثابتة ومقاييس واضحة تفسّر هيمنة عامل على آخر في بروز النسب الصريحة دون غيرها، وقد تفطّن مؤلفو التراجم ولاسيما العاملين في هذا المجال والمهتمين بدراسة الأنساب إلى إمكانية تجنّب الخلط والغموض والاضطراب في النسبة ففصّلوا فيها وصنّفوها فمنها نسبة الولادة، ومنها تلك المرتبطة بالنشأة، ومنها ما اتصل بالإقامة والهجرة آخرا، وهو ما أدى إلى وضع أصناف للمنتسبين إلى منطقة ما ومنها القيروان47 تختلف باختلاف مراحل الاتصال والالتحاق والانتماء إلى المدينة، لكن يبقى الإقرار بالعامل الأكثر تأثيرا في تحديد الانتماء، عملا يصعب الجزم فيه نهائيا نظرا لتداخل العوامل المؤثّرة في تحديد مسألة الانتماء إلى مجال شاسع يمتد من بلاد ما وراء النهر إلى البحر المحيط وهو مجال « أرض الإسلام ».
وبالنظر إلى ما تقدّم، لمنتمكن من التفطّنفي دراستنا هذه، التي اعتمدنا فيها على مدوّنة أسماء القيروانيين،إلاّ إلى عدد محدود من التراجم، بما توفر لنا من معطيات، لا تتجاوز نسبة الواحد بالمائة من المجموع العام،لكن لايعني ذلك عدم وجودها، بل قد تكشف بحوث أخرى،تتوفّر لها مصادر جديدة، ماعجزنا عنه نحن إلى حدّ الآن.
الهوامش
* « مدوّنة أسماء القيروانيين » ، هي مدوّنة تطلب إعدادها عدّة مراحل: مرحلة أولى لتجميع المادة الأوليّة وهي أسماء الأعلام انطلاقا من مصادر متنوّعة (كتب تراجم وأنساب وطبقات ونقائش وعُملة…)، تضمنت تراجم لشخصيات وأعلام قيروانية أينما وجدت (في المغرب والأندلس والمشرق) وهو ما سمح لنا بتجميع حوالي 1270 إسم، لأشخاص عاشوا بالقيروان خلال الست قرون الأولى للهجرة، ثم قمنا في مرحلة لاحقة بمعالجتها إعلاميا باعتماد قاعدة البيانات ONOMASTICON-ARABICUM التي مكّنتنا من استغلال كل المعلومات الواردة في ترجمة الشخصيات وبالتالي تم تجاوز البيانات الواردة في سلسة الإسم نحو معلومات تهم مثلا الوظيفة والمهنة ومحلّ الإقامة والولادة والنسب والإقليم والولاء والمذهب الديني وغيرها… وقد تمكّنا في النهاية من تكوين جذاذات ثريّة ومتكاملة لكل شخصية مترجم لها، كانت حصيلة تراكم عدّة معطيات معرفية مستقاة من مصادر متنوّعة تمّ استغلالها في دراسة تاريخية ذات طابع اجتماعي مستغلّة مجمل المادّة المجمّعة ذات الاهتمامات المتنوعة على غرار الديمغرافيا التاريخية ومكانة المرأة في المجتمع إضافة إلى تسليط الضوء على بعض الفئات الاجتماعية المهمّشة مثل فئة العامة. لكن رغم أهمية المادة المعرفية الواردة في مصادر المدوّنة إلا أن العمل في هذا المجال يصطدم بجملة من العراقيل التي تستوجب الحذر في التعاطي معها نذكر منها كثرة الأخطاء والتحريف في كتابة الأسماء إلى حدّ التضارب وشح المادة بالنسبة إلى بعض الشخصيات بصفة متعمّدة أو عفوية بما يعكس غلبة الجانب الذاتي لمؤلفي التراجم وهو ما يجعلها تفتقر أحيانا للدقة ويجعل الوقوع في الخاطئ وارد جدّا لاسيما في ما يخص العنصر الأكثر غموضا وهو عنصر النسبة لذلك نرّجح أن عددا لا يُستهان به من المنسوبين قد يكون من المنضوين ضمن الصنفين الذين تناولهما في دراستنا هذه ما لم نقف على معطيا ت جديدة ذلك.
انظر سليم (صحبية)، المجتمع القيرواني إلى حدود منتصف القرن السادس هجري، الثاني عشر ميلادي: دراسة في علم الأسماء «Onomastique»، أطروحة دكتورا، تحت إشراف الأستاذة منيرة شابوتو-رمادي، جامعة تونس، 2017، الجزء الثاني: الدراسة التأليفية.
1 اشتقت كلمة أنوماستك: Onomastique (علم الأسماء) من اللفظ اليوناني Onoma التي تعني إسم وتتفرّع إلى كلمتين anthropos وتعني الإنسان أو علم أسماء الأشخاص وToponymos وهو علم أسماء الأماكن وهو ما يبيّن اهتمام هذا العلم بالصنفين معا. أما مسار البحث في هذا المجال فقد انطلق مبكّرا منذ القرن الثامن عشر بسبق أوروبي واضح مقابل اهتمام عربي محتشم يعود إلى بداية التسعينات من القرن العشرين. أما في ما يتصل بالإسم العربي الوسيط فقد بدأ العمل عليه منذ مطلع القرن التاسع عشر مع المستشرقين الإيطاليين ثم سيشهد العمل انطلاقة جديدة بداية من النصف الثاني من القرن العشرين بالتعاون بين الباحثين الفرنسيين وعلى رأسهم الباحثة جاكلين سوبليه وأكاديمية روما وتوّج العمل بإصدار قاعدة المعلومات ONOMASTICON-ARABICUM بالاستناد إلى التطبيقة الإعلاميّة Acess 2003.
2 تتكون المنظومة الاسمية للأشخاص عند العرب المسلمين من مجموعة من العناصر منها إسم العلم وسلسلة النسب والكنية واللقب والشهرة، انظر سليم (صحبية)، المرجع السابق، الدراسة التأليفية، ج 2 ص48 -53.
3 في مفهوم النسبة وأصنافها ووظائفها، انظر:
Sublet J., 1991, p. 95-113.
4 وتعرف أيضا عند علماء رجال الحديث بمعرفة « النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها » انظر ابن صلاح، علوم الحديث، 2007، النوع الثامن والخمسون ص 373-375، تحقيق وشرح نور الدين عتر.
5 سيّد عبد الماجد الغوري ، علم الرجال، تعريفه وكتبه، دار ابن كثير، دمشق-بيروت 2007، ص 405- 428.
6 ابن منظور، دت، ج 14، ص 118-119.
7 الصفدي، 2000، ص 40-46.
8 نميّز هنا بين النسبة إلى الأصول أو الفروع والنسَب بمعنى سلسلة النسب التي تكون في الغالب أبويّة، في مفهوم النسب انظر:
Rosenthal F., 1993, « Nasab », EI2, VII, p. 967-969.
9 يختلف هذا المؤشرحسب المقاربة الأنوماستيكية الواردة بقاعدة البيانات Onomasticon Arabicum عن سلسلة النسب، فهو مؤشر يتسّع نحو الأصل البشري والأسلاف الأوائل وبلد الأصول.
10 حول التقسيمات القبلية وأصنافها انظر القلقشندي، قلائد الجُمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، الفصل الثالث، في معرفة طبقات الأنساب وما يلحق بذلك، تحقيق وتقديم إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، ط2، 1982، ص 14-16. والثعالبي، فقه اللغة وأسرار العربية، في تدريج القبيلة من الكثرة إلى القلّة، تحقيق ياسين الأيوبي، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 2000، ص 251-252.
11 ابن رشيق القيرواني، 1986، ص390 -395.
12 أثارت مسألة النسبة جدلا بين العلماء والمؤرخين، حول آليات اكتساب النسبة فابن حزم يرى: » ينسب الرجل إلى مكان هجرته الذي استقرّ به، ولم يخرج عنه رحيلا إلى أن مات » ورد بالفاسي عبد الرحمان، « طنجة وآثارها »، مجلّة رسالة المغرب، عدد 04، 1954. والنووي، تهذيب الأسماء واللغات، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، دت، ص 14، قال عبد الله بن المبارك وغيره: « من أقام في بلدة أربع سنين نسب إليها ».
13 أبو بكر عبد الله بن محمدالمالكي، 1994.
14 المالكي، 1994، ج 2، ص 136-137 وابن ناجي، 1978 ج2، ص 340.
15 القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض السبتي، د ت، ج 2 ص 616-621، وأبو الفضل بن عيسى بن ناجي التنّوخي، والأسيدي الدبّاغ أبوزيد عبد الرحمان بن محمّد الأنصاري، المصدر السابق، ج 3، ص 134-143 ومنيرةشابوتو-رمادي، « القابسي »، 2009، ص 246-247.
16 عياض القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض السبتي،د ت، ج 2، ص 616-621.
17 الدبّاغ وابن ناجي، المصدر السابق، ج 3، ص 134.
18 قبيلة معافر هي قبيلة يمنية قحطانية وهم بنو المعافر بن يعفر بن مالك، أخي عمرو بن مالك، بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ. انظر أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب، تحقيق وتعليق، عبد السلام محمد هارون، ط5، دار المعارف القاهرة، 1985، ص 418-419 وص 485.
19 بلد المعافريين من قرى مدينة قابس خُليت قبل القرن التاسع هجري، ورد بالدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج 3، ص 134.
20 عياض، دت، ج2، ص 794- 796 والدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج3، ص 200-201.
21 ترجم له محمدأبو العرب ، نفس المصدر، ص163-166، ومحمد المالكي، 1994، ج1، ص 245-273 وعياض، د ت، ج 2، ص 465-470.
22 ترجم له محمد أبو العرب، نفس المصدر، ط2، ص107-111، ومحمد المالكي، 1994، ج1، ص176-187 وابن ناجي، نفس المصدر، ج 1، ص 238- 248.
23 ورد بلسان العرب، ج6، ص 382، سَمِيُّك المسمَّى باسمك، تقول هو سَمِيُّ فلان إذا وافق اسمه كما تقول هو كنَنِيُّه. لكن المقصود بالسَمِي "l’homonyme" في إطار المقاربة الأنوماستيكية لا يقتصر فقط على من يحمل نفس إسم العلم بل يتعداه إلى غيره من مكوّنات الإسم العربي من (سلسلة النسب والكنية والنسبة) ولنا في ذلك أمثلة كثيرة في كتب التراجم ولعلّ أكثرها تعبيرا عن المدى الذي يمكن أن يبلغه التطابق والتوافق في سلسلة الإسم نذكر الرواية الواردة على لسان الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات،ج1، الفصل الخامس من المقدمة، تحقيق واعتناء أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ط1، 2000، ص 48-49.
24 وردت ترجمته بالدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج3، ص 144-146 وحسن حسني عبد الوهاب،2001، ج 1، ص 455-456.
25 أبوزيد عبد الرحمان بن محمّد الأنصاري أكمله وعلّق عليه، أبو الفضل بن عيسى بن ناجي التنّوخي، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، تحقيق وتعليق الأخوان الشيخ محمد المجدوب والدكتور عبد العزيز المجدوب، المكتبة العتيقة تونس، ج 4، ص88-91.
26 من أشهر مؤلفاته كتاب « معالم الأيمان في مناقب المشهورين من علماء القيروان » الذي أكمله وعلّق عليه ابن ناجي وكتاب « تاريخ ملوك الإسلام » وكتاب « جلاء الأفكار في مناقب الأنصار ». لمزيد الاطلاع على الشخصية ومؤلفاتها انظر محمد حسن، « الدباغ »، موسوعة القيروان، الدار العربية للكتاب، تونس 2009، ص150-151.
27 الدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج 4، ص.20.
28 ابن ناجي، نفس المصدر، ج 4، ص91 و142-144.
29 ابن صلاح، نفس المصدر، ص 370 والسيوطي، تدريب الراوي في تقريب شرح النواوي، النوع السابع والخمسون والنوع الثامن والخمسون تحقيق مازن بن محمد السرساوي، دارابن الجوزي، القاهرة، 2009، ج2 ص 964- 970.
30 الغوري، نفس المرجع، ط1، 2007، ص 421.
31 أبو العرب التميمي القيرواني، نفس المصدر، ص 175 ومحمد المالكي ، 1994، ج1، ص 281- 282 والدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج 2، ص 66-68.
32 أبو بكر بن محمد بن الحسن الزبيدي، 1984، ص 225.
33 أبوعبد الله محمد بن الحارث الخشني، د ت، ص 148-151 والمالكي، 1994، ج2، ص 57-115.
34 الدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج2، ص، 295-315.
35 الزبيدي، المصدر السابق، ص 243 وعبد الوهاب حسن حسني، نفس المرجع، ج 3، ص 42-43.
36 المالكي، المصدر ذاته، ج 2، ص 283-292 وعياض، المصدر ذاته، ج 2، ص 304 -311 والدبّاغ وابن ناجي، نفس المصدر، ج 2، ص 21-27.
37 ابن رشيق القيرواني، نفس المصدر، ص 109.
38 أبوزيد ولي الدين عبد الرحمان بن محمد ابن خلدون ،2006، ج 1، ص 230-232.
39 كانت الأنساب عند العرب في البداية ترسخ في الذاكرة الجماعية ويتناقلها النسّابة عن طريق الحفظ والرواية الشفوية على غرار بقية الآداب والفنون ثم مع بداية التدوين التي انطلقت في نهاية العهد الأموي وازدهرت خلال العهد العبّاسي الأوّل وبدأ تجميع الأنساب وضبطها فنزعت من الصدور إلى السطور، كما دونت بقية الأخبار والآثار، ولاشكّ أن هذا الأمر سيلحقه بعض اللبس والخلط والتصحيف فهو جهد بشري محدود الدقّة.
40 ظهرت عدّة مصنّفات لرفع اللبس في النسب على والتنبيه لوجوده على غرار « مختلف القبائل ومؤتلفها » لابن حبيب (أبو جعفر محمد)، تحقيق إبراهيم الإبياري، دار الكتاب المصري، القاهرة، 1979 والأزدي، « مشتبه النسبة في الخط واختلافها في المعنى واللفظ » ، دراسة وتحقيق واثق وليد العميري، دار الكتب العلمية، بيروت، 1971.
41 حول قبيلة صدف انظر ابن حزم الأندلسي، المصدر ذاته، ص 461 و471 والسمعاني أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي، الأنساب، تحقيق عبد الرحمان بن يحي اليماني، القاهرة، 1980، ج8، ص43-46.
42 قرية صدف هي قرية تبعد عن القيروان بنحو خمسة فراسخ (سبعة عشر كيلومتر على طريق سيدي الهاني) نزلت بها قبيلة صدف اليمنية وردت ابن رشيق، نفس المصدر، ص 189، ونقلها عنه ياقوت الحموي ، معجم البلدان، ج3، ص 344.
43 حول موقع الأنصارين انظر الباهي أحمد، سوسة والساحل في العهد الوسيط، محاولة في الجغرافيا التاريخية، مركز النشر الجامعي، تونس، 2004، ص 454-455.
44 حول نسب الأنصار، انظر ابن حزم الأندلسي، 1982، ص 332-366.
45 هو منهج يقوم على استخدام التقنيات الحديثة مثل الحاسوب وقواعد البيانات والإحصائيات وقد كان للمؤرخين الفرنسيين السبق في الإفادة من الوسائل الكمية في الدراسات الاجتماعية والتاريخية ثم توسعت الأعمال لاحقا نحو المجال الأوروبي والأمريكي.انظــر مثلا أعمــال شارل بيــلا Charles Pellat وريتشارد بوليت Richard Bulliet.
46 مثال دراسة Dagorn حول النقائش الجنائزية القيروانية والتي نرجح أنها تمت في مجملها على النسب الظاهرة الواردة في النصوص النقائشية انظر:
Dagorn R., 1973, p. 239-258.
47 لقد حاولت من خلال هذا المعطى تصنيف أهل القيروان إلى أربعة أصناف استنادا إلى عدّة معطيات منها (الولادة والنشأة والإقامة والوفاة والهجرة وتواصل العقب ووجود مسكن بالمدينة ومسجد وغيره، انظر صحبيةسليم ، نفس المرجع، الجزء الثاني: الدراسة التأليفية، ص 283-301.
المصادر والمراجع
ابن حزم الأندلسي أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد، 1982، جمهرة أنساب العرب، تحقيق وتعليق، عبد السلام محمد هارون، ط5، دار المعارف القاهرة.
ابن خلدون أبو زيد ولي الدين عبد الرحمان بن محمد،2006، المقدمة، ج1، تحقيق إبراهيم شبوح وإحسان عبّاس، تونس.
ابن صلاح، الشهرزوري، 2007، علوم الحديث، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق.
ابن منظور، لسان العرب، دت، ج 14، باب النون، دار إحياء التراث، بيروت، ط3.
الثعالبي، 2000، فقه اللغة وأسرار العربية، تحقيق ياسين الأيوبي، المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الثانية.
الصفدي، 2000، الوافي بالوفيات، ج1، تحقيق واعتناء أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ط1.
سليم صحبية، 2016-2017، المجتمع القيرواني إلى حدود منتصف القرن السادس هجري، الثاني عشر ميلادي: دراسة في علم الأسماء « Onomastique » ، أطروحة دكتورا، تونس.
عبد الوهاب حسن حسني، 2001، كتاب العمر في المصنّفات والمؤلفين التونسيين، تحقيق محمد العروسي المطوي وبشير البكوش، أربعة أجزاء، الدار العربية للكتاب، تونس.
الغوري سيّد عبد الماجد، 2007، علم الرجال، تعريفه وكتبه، دار ابن كثير، دمشق-بيروت.
موسوعة القيروان، 2009، الدار العربية للكتاب، تونس.
Dagorn R., 1973, « Quelques réflexions sur les inscriptions arabes des nécropoles kairouanaises», R.O.M.M., N° 13-14, 1er semestre, p. 239-258.
Rosenthal F., 1993, «Nasab», EI², VII, p. 967-969.
Sublet J.,1991, Le Voile du nom. Essai sur le nom propre arabe, Paris, PUF .
الكاتب
صحبيّـة سليـم
مخبــر العالــم العربــي الإسلامــي الوسيــط ـ جامعــة تونــس