Information
A propos Al-Sabil
Numéros en texte
intégral
2022 | 13
حدائق على طرف الصحراء
ملامح المشهد الواحي في بلاد الجريد خلال العصرين الوسيط والحديث
ذاكر سيله
الفهرس
الملخّص
في مقابل ما يحيط بها من صحراء قاحلة وخالية، تبرز الواحة في بلاد الجريد من خلال مصادر العصرين الوسيط والحديث كجزيرة خضراء عامرة بالسكان والنخيل وعيون الماء. وقد لعبت الغابة في هذه المنطقة دورا مركزيا وتعددت وظائفها. فقد كانت المصدر الرئيسي لاقتصاد سكان الجريد بما وفرته من منتوجات زراعية متنوعة، منها ما « كان يحمل إلى جميع الأقطار » مثل التمور ومنها ما كان يستهلك محليا مثل الزياتين والحمضيات والعنب. كما مثّلت الغابة بحدائقها وأنهارها مجالا استغلّه السكان والزائرون للتنزه والترفيه. وقد احتل الماء ضمن هذا المشهد الواحي مكانة كبيرة، حيث استفادت الغابة من كثرة العيون ووفرة مياهها لتحقق خصوبة تواصلت طوال العصرين الوسيط والحديث، فكانت تسقى وفق نظام اتسم بالدقة والصرامة وحظي بعناية فائقة وذلك لضمان حقوق المستفيدين وتفادي حدوث الخلافات بينهم. كما ارتبط العمران بالغابة في هذه المراكز الواحية ارتباطا عضويا، فالمدينة كانت محاطة بـحزام من النخيل دعّم حمايتها ووفّر لها مناخا محليا. وقد مثل وجود الغابة وأهمية دورها الاقتصادي الضامن لتواصل التعمير وتجذيره في هذه المراكز الطرفيّة المطلة على الصحراء.
الكلمات المفاتيح
بلاد الجريد، الواحة، غابة نخيل، الحدائق، الماء.
Résumé
Contrairement au désert aride et inhabité qui l’entoure, l’oasis au pays du Jérid apparait à travers les sources médiévale et moderne telle une île verte peuplée, occupée de palmiers et alimentée de sources d’eau. La forêt, dont les fonctions étaient nombreuses, a joué un rôle primordial dans cette région. Par ses différents produits agricoles, elle était la principale source économique des habitants du Jérid. Les dattes étaient exportées vers toutes les contrées. D’autres produits, à l’instar des olives, des agrumes et des raisins, étaient consommés à l’échelle locale. De par ses jardins et ses cours d’eau, la forêt était pour les habitants un espace de promenade et de loisirs. L’eau a occupé dans ce paysage oasien une place importante et la forêt a profité de l’abondance des sources pour assurer une fertilité qui s’est perpétuée du moyen-âge à l’époque moderne. Cette forêt était irriguée selon un système minutieux et rigoureux qui était d’un grand intérêt afin de garantir les droits des bénéficiaires et éviter les conflits qui peuvent surgir entre eux. Dans ces centres oasiens, le peuplement s’est fortement lié à la forêt. Ainsi, la ville était-elle entourée d’une ceinture de palmiers qui a renforcé sa protection et lui a offert un microclimat. L’existence de cette forêt et l’importance de son rôle économique étaient les garants de la continuité du peuplement et de son enracinement dans ces centres limitrophes situés au bord du désert.
Mots clés
Le Jérid, Oasis, Forêt de palmiers, Jardins, Eau.
Abstract
Versus the arid and uninhabited desert that surrounds the area, the oasis in the Jerid country, revealed through medieval and modern historical sources as a green island well populated and highly occupied by palm trees and supplied with water springs. So that, the forest functions were numerous, it played a primordial role in this region. Through its various agricultural products, it was the main economic resource for the dwellers of the Jerid country. Dates were oriented to exportation to all countries, rather than other products, such as olives, citrus fruits and grapes were locally consumed. Therefore, the gardens and rivers were used by the inhabitants as a space for to walk and leisure. Water has occupied an important element in this oasian landscape and the forest has taken advantage of the springs abundance to ensure a fertility that has been perpetuated from the Middle Ages to modern epoch. This forest was irrigated using a meticulous and rigorous system which was of great interest to guarantee the rights of the beneficiaries and to avoid any disputes that may arise between them. In these oasian cores, the settlement is strongly linked to the forest. Thus, the cities were surrounded by a belt of palm trees which reinforced their protection and offered them a microclimate. The existence of this forest and the importance of its economic role were the guarantors of the continuity of the settlement and its sustainability in these boundary centers located at the edge of the desert.
Keywords
The Jerid, Oasis, Palm Forest, Gardens, Water.
المرجع لذكر المقال
ذاكر سيله، « حدائق على طرف الصحراء.
ملامح المشهد الواحي في بلاد الجريد خلال العصرين الوسيط والحديث »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 13، سنة 2022.
URL : https://al-sabil.tn/?p=11544
نص المقال
رغم وجودها على طرف الصحراء، تقدّم بلاد الجريد1 مشهدا شديد التعارض مع محيطها الطبيعي. ففي مقابل قحط الصحراء وفقرها، ومخاطر السباخ وامتدادها، تبرز الواحة كالجزيرة الخضراء تتوسّطها نواة عمرانية تحف بها غابة كثيرة النخيل والأشجار المثمرة ووافرة المياه. وقد لعبت الغابة طوال العصرين الوسيط والحديث دورا مركزيا في الحياة الواحية بالجريد، كما مثلت محل إشادة لدى العديد من المؤلفين الذين أثنوا على خصوبتها وتنوع مكوناتها من نخل وفاكهة وزهر وطير، حتى أنهم أطلقوا على سوانيها تسميات عديدة مثل البساتين والحدائق والجنان والرياض. وتهتم هذه الورقة بإبراز مكانة الغابة ودورها في تشكيل المشهد الواحي في بلاد الجريد من خلال دراسة مختلف وظائفها كمجال للإنتاج الزراعي وفضاء للتنزه والترويح عن النفس، إضافة إلى تبيان مساهمتها في تجذّر العمران في هذه المراكز الطرفيّة المطلّة على الصحراء.
1. الأسماء والمعاني الدالة على الواحة في مصادر العصرين الوسيط الحديث
تعرّف الواحة في المعاجم اللغوية المعاصرة بأنها « بقعة خضراء في الصحراء أو في أرض قاحلة، وأصبحت كذلك بسبب وجود الماء والأشجار المعمّرة كالنخيل »2. وكما أشارت عدّة دراسات فإن هذه الكلمة تجد أصولها في اللغة المصرية القديمة حيث ذكرت في صيغة « واحات » ومنها اشتق لفظ « واح » القبطي. ثم استعملتها المصادر الإغريقية في صيغة « أواسيس »ὄασις 3 كاسم موضع أطلق في البداية على قرية بلاط الحالية في بلاد الدّاخلة في الصحراء المصرية، قبل أن يتطور استعماله ليفيد مجالا أوسع ثم ليتحول عند بعض الجغرافيين القدامى إلى مفهوم شامل ويطلق على مجموع المراكز المأهولة المنتشرة في الصحراء المصرية الليبية4. في العصرين الوسيط والحديث، أين لا نجد لمصطلح الواحة حضورا في المعاجم اللغوية، تواصل استعمال هذه الكلمة في المصادر التاريخية والجغرافية كطوبونيم أطلق على مواضع ومجالات جغرافية متفرّقة في الصحراء المصرية، حيث ميّز المؤلفون بين بلاد الواحات الداخلة وبلاد الواحات الخارجة5. وقد ترافق ذكر الواحات في بعض المصادر مع اسم موضع مثل واح صبروا وأريس الواح وتنيس الواح6 مما يشير إلى تطوّر في استعمال الكلمة لتفيد مفهوما أو شكلا من المواضع، ولكن في إطار جغرافي محدد وهو الصحراء المصرية. ويجب انتظار القرن 19 لينتشر استعمال كلمة واحة بصيغتيها العربية واللاتينية (oasis) كمفهوم يطلق على مجموع المراكز الصحراوية المحفوفة بغابات النخيل. وإن لم تستعمل المصادر الوسيطة والحديثة كلمة الواحة عند تعرّضها لبلاد الجريد فإنها بالمقابل التجأت إلى مصطلحات أخرى دالة على نفس المفهوم. فخلال العصر الوسيط، استعمل المؤلفون مثلا مصطلح الجزيرة، فكما للبحر جزره فإن للصحراء أيضا جزرها. فالزهري يذكر أن هذه المنطقة تعرف بـ »جزائر التمر » وأرجع سبب التسمية لأن فيها نخلا كثيرا وتمرا غزيرا7. كما عرّف ابن سعيد المغربي قسطيلية بأنها « جزائر في وسط رمال »، وهو نفس التعبير الذي استعمله الوطواط عندما وصفها بـ »جزائر نخل في الرمل تحيط بها الصحاري »8. وتجدر الإشارة إلى أن عبارة الجزيرة استعملت في مصادر العصر الوسيط للدلالة على عدّة واحات أخرى في مصر وبلاد المغرب مثل ودّان وفزّان وسنتريّة وأوجله9. وتشترك هذه المواضع في عناصر أساسية وهي انتشارها في الصحراء أو على أطرافها ووفرة المياه بها واحتواؤها على مراكز عمرانية محاطة بغابات النخيل. ويبدو أن استعمال مصطلح الجزيرة للدلالة على الواحة يعود إلى التشابه بين المفهومين وكذلك بين البحر والصحراء. فكما أن جزيرة البحر هي الأرض التي يحيط بها الماء، فإن الواحة أو جزيرة الصحراء هي أيضا الأرض التي تحف بها الرمال. كما تشترك الواحة مع جزيرة البحر فيما تمثلانه من محطّة وملاذ للمسافرين وملجئ من الأخطار والأهوال. استعملت المصادر أيضا في تعريفها بالمنطقة عبارات أخرى دالة على مفهوم الواحة حيث ربطت فيها عمرانها بغابتها، من ذلك مثلا بلاد النخيل وبلاد التمر وكذلك بلاد الجريد10. وتعكس هذه التسميات التداخل والترابط بين المجال العمراني والمجال الغابي في هذه المراكز الواحية. وقد انتبهت المصادر إلى هذه الخاصية بتأكيدها على هذا التلازم عند تعريفها بالعديد من الواحات الأخرى. فابن حوقل مثلا يصف واحة سنترية بأنها « جزيرة فيها نخيل وسكان من البربر »، أما ابن سعيد فإنه يعرّف واحة أوجلة بأنها « جزيرة في تلك الرمال وعمارة في تلك الصحاري فيها ماء ونخل »11. وقد تواصل هذا الجمع بين المجالين في المصادر الحديثة، حيث يعرّف القادري قرية قصير الرمان في بلاد نفزاوة بأنها « عمارة ونخل »12. فيما يخص الحزام الزراعي للواحة، والمتكوّن أساسا من النخيل إضافة لأصناف عديدة ومتنوعة من الأشجار والنباتات، استعملت المصادر طوال العصرين الوسيط والحديث عبارات عديدة أهمّها « الغابة »13. حيث وصفت غابة توزر بأنها كبيرة، وغابة نفطة بأنها كثيرة النخل والبساتين وجميع الفواكه، أما غابات تقيوس فعرفت خاصة بكثرة الزياتين بها. كما استعمل الجغرافيون والرحالة خلال هذه الفترة عبارات النخل والنخيل للتعبير عن الحزام الزراعي الذي يحف بالمدن والقرى الواحية. فوفقا لابن حوقل فإن نفطة لها « نخيل واسعة »، أما العيني فإنه يذكر أن مدينة توزر الحديثة بنيت « خارج النخيل »، كما يذكر ابن عبد السلام الناصري أن آثار مدينة كبّة توجد « داخل النخل »14. ولا غرابة في ذلك، فالنخلة مثلت العمود الفقري للغابة وللمشهد الزراعي في هذه المراكز الصحراوية، بل والرمز الأساسي للحياة الواحية. وإضافة إلى هذه العبارات، انتشرت منذ العصر الحديث في وثائق الأوقاف وعقود البيع والشراء كلمة « جر » للتعبير عن قسم من الغابة في الجريد، مثل « جر عباس » في غابة توزر، و »جر فطناسة » في غابة نفطة و »جر تامسنة » في غابة دقاش و »جر العرق » في غابة الحامة15. ويتكّون هذا الحزام الغابي من مجموعة من القطع المزروعة والمرويّة حملت في المصادر تسميات عديدة مثل البستان والسانية والجنة والجنان والحديقة والروضة وكذلك الغابة، واتخذت كل واحدة منها اسما خاصا بها16.
2. الغابة في الجريد بين الترفيه والوظيفة الزراعية
توجد بلاد الجريد، كما وصفتها المصادر، على طرف الصحراء17، وتحيط بها السباخ والرمال مما يجعل الوصول إليها رحلة من العناء والمكابدة. فعبور سبخة التاكمرت مثلا كان مغامرة كبرى غير محمودة العواقب، فحسب البكري فإن فيها « تضل الرجال وتسيخ بها الجمال سيما زمن الأمطار »18. أما اليوسي، فمن شدة ما عاناه منها مع ركب الحج في أواخر القرن 17، فقد قال عنها أنها « تعمي البصر وتفسد العقول والفكر »19. ولذلك فقد مثّل الوصول إلى واحات الجريد بعد هذه الرحلة الشاقة بمثابة النجاة من الموت، وقد عبّر الشاعر أبو إبراهيم بن حسينة عن الرحلة بين نفزاوة والجريد بقصيدة نظمها في وصف أهوال السبخة وفرحة الوصول إلى واحة توزر نذكر منها الأبيات التالية20 :
ومـا زلنـــا نكابد في سـرانـا مهالك لا تقابل بالمحــال
إلى أن لاحت الغابات ظهرا بظاهر توزر مثل الخيال
فهنأ بعضنا بعضا ســــرورا ونلنا راحة بعد الكـــلال
وبالإضافة إلى هذه السباخ، تحيط ببلاد الجريد صحراء شاسعة عرفت بقحطها وقفرها21. في المقابل تبرز الواحة في عيون ناظريها بحدائقها ونخلها وفاكهتها وأنهارها بمثابة الجنّة على الأرض، وهو الوصف الذي استعمله محمد بن عبد العزيز بن حماد في القرن 13م، من خلال قصيدة نظمها في وصف غابة توزر حيث قال في مطلعها:
زر توزر إن شئت رؤية جنة تجري بها من تحتك الأنهار22
وقد تعددت الإشارات في المصادر التاريخية حول الإعجاب بالغابة في الجريد والإشادة بحسنها، فقد ذكر ابن شباط مثلا أن حدائق توزر « تسبي النّهى »23. ومن أجل الاستمتاع بمنظر عام للغابة صعد الفقيه أبو الحسن بن التقيوسي إلى صومعة المدينة مصحوبا بالفقيه القاضي أبي محمد عبد الله بن عبد العزيز البسكري، فانبهرا بحسنها وقالا في جنانها ونخيلها:
كأنما ألبست من سندس حللا وقلّد الله في أجيادها ذهبا24
لقد تميّز المشهد الذي تمثّله المؤلفون حول الغابة بتعدد صوره وألوانه وتنوع مكوناته من ماء ونخل وزهر وطير، ولم تتغير هذه الصورة كثيرا بين العصر الوسيط والفترة المعاصرة25. وتحتل النخلة ضمن هذا المشهد الحيز الأكبر من أوصاف المؤلفين، فقد تغنى بها الشعراء وأطنب الكتاب في ذكر فضلها وتعدّدت الصور التي رسموها حولها. كما مثلت وفرة المياه وعذوبتها إحدى العناصر الأساسية التي استرعت انتباه الملاحظين وأثارت إعجابهم. وقد تضمّنت بعض النصوص صورا لهذا المشهد المائي بتفاصيله الدقيقة أحيانا كما تمثّلها مؤلّفوها. فالبكري مثلا يشبّه الرمال التي تنبع منها العيون التي تسقي واحة توزر بالتراب الناعم والدقيق، حيث يصفها بالدّرمك في رقتها وبياضها26. أما أبو علي بن إبراهيم فقد رسم لنا بشعره صورة دقيقة للماء المنساب في الجداول، فأبدى انبهاره بصفائه، حتى تراءت له الحصى في قعرها فشبّهها بالجوهر. كما تعمّق الشاعر في لوحته، فوصف لنا السمك الذي يعيش في هذه الجداول وشبّهه بالخنجر في شكله وبالفضة في لونه27.
لقد كانت الغابة، كما صورتها لنا المصادر، جديرة بأن توفّر للسكان والزائرين فضاء للراحة والنزهة والترفيه. ويذكر التجاني أنه عند حلوله مع جيش أبي زكرياء اللحياني إلى توزر في مطلع القرن 8هـ/14م لجمع جبايتها، أقام مع الأمير الحفصي مدّة خمسة عشر يوما في بستان على ملك رئيس البلد أبي العباس بن يملول، وصفه بأنه « من أجمل روضة هنالك وأحسنه »28. ويبدو أن الحفصيين كانوا يفضّلون الراحة والإقامة في البساتين عند قدومهم إلى واحات إفريقية، مثلما فعل جيش السلطان الحفصي أبي عمرو عثمان عند حلوله بقفصة سنة 857هـ/1453م، حيث كان ذلك مناسبة للراحة والتنزه، ويذكر الزركشي أن ذلك اليوم « كان يوما عظيما راحة وهناء، وكل أمير في بستان متنزها، وكذلك القواد وغيرهم كل منهم في مكان على قدره »29. وتجدر الإشارة أيضا أن أبا عمرو عثمان كان يملك سانية في واحة توزر انتقل إليها عندما بدأ الوباء في مدينة تونس خلال تلك السنة30.
كما احتوت واحات الجريد عدّة مواضع لعبت دور المتنزّهات. ففي توزر مثّل « باب المنشر »، وهو أحد المداخل المؤدّية لمدينة العصر الوسيط وغابتها، أجمل المواضع بها وكان متنزّها للسكان و »متفرّجهم ». وقد ارتبطت مكانة هذا الموضع عند أهل المدينة بوجود أهم الموزّعات المائية به، حيث تجتمع مياه العيون في واد رئيسي ثم يتفرع عبر مجموعة من المقاسم إلى سواقي ثانوية توصل الماء إلى مختلف أجزاء الغابة. وقد زادت جاذبية هذا الموضع باجتماع القصّارين به ونشرهم « للثياب الملوّنة والأمتعة الموشّية » حتى « يخيّل للناظر أنه روض تفتحت أزهاره واطردت أنهاره »31. أما في نفطة التي اشتهرت خلال العصر الوسيط بأنها أكثر واحات الجريد وفرة في المياه، فقد كانت تمارس في غابتها بعض الأنشطة الترفيهية مثل الصيد. حيث كانت توجد بها بركة كبيرة تشكّلت بفعل ما يفضل من مياه ري بساتينها وكان يصطاد فيها أنواع الطير32.
خلال الفترة الحديثة مثلت الغابة مجالا مفضلا للحجاج المغاربة للاستراحة من عناء الطريق، حيث يذكر العياشي أنهم بعد عبورهم للسبخة قادمين من نفزاوة استراحوا في غابة سدادة33. أما القادري فيشير إلى أن غابة توزر كانت بمناخها الرطب ملجأ للحجاج من الحرارة الشديدة التي كانت تميّز المنطقة عند حلولهم بها سنة
341690.
وقد لخّص السجلماسي ارتياح الركب وبهجته بالوصول إلى واحات الجريد من خلال ما قاله عن توزر بأنها « للحجاج مراح ومحل انبساط وانشراح »35. كما لم تشذ المصادر الأوروبية عن الإشادة بالغابة في الجريد ودورها كفضاء راحة ونزهة وملجئ لسكانها من الحرارة الشديدة، حيث يذكر ديفنتان في نهاية القرن 18 أن سكان الجريد كانوا يتركون منازلهم في فصل الصيف ويلتجئون إلى بساتينهم للاستمتاع بهوائها المنعش36.
وبالإضافة إلى وظيفتها الترفيهية، مثلت الغابة طوال العصرين الوسيط والحديث أساس الاقتصاد في بلاد الجريد لما وفرته من منتوجات زراعية متنوعة. فرغم هيمنة النخيل على مشهدها الزراعي فإن ذلك لا ينفي وجود عدد هام ومتنوع من الأشجار المثمرة إضافة إلى الخضر والبقول. وتجتمع كل هذه المنتوجات في نفس البستان حسب ترتيب طبقي وصف مثيله بلين الأكبر في واحة قابس منذ القرن الأول للميلاد37. وقد أدّت وفرة إنتاج التمور وجودتها ورخص ثمنها بواحات الجريد إلى تنشيط الحركة التجارية بها، حيث يذكر البكري أنه كان « يخرج منها في أكثر الأيام ألف بعير موقورة تمرا وأزيد »، كما يشير الحسن الوزان أن هذه المنطقة « تنتج كميات وافرة من التمر الجيد الممتاز الذي يحمل إلى شاطئ تونس بكامله »38. وقد تواصلت هذه الحركية إلى الفترة الحديثة كما يشهد على ذلك عديد الرحالة مثل الدرعي الذي يشير إلى أنه كان يرد على توزر « من الأعراب الآلاف المتألفة ويملأ كل واحد إبله بما شاء من الثمار »39.
كما أشادت عديد المصادر خلال هذه الفترة بتعدّد أصناف التمور بالجريد، فقد لاحظ الزهري وجود « أكثر من عشرة أجناس لا يشبه بعضه بعضا لا في النعت ولا في الطعام »، وهو ما أكّده الوطواط من بعده عندما أشار إلى أن أصناف النخل بالجريد تفوق ما هو موجود بالبصرة، أما الوزير السراج فقد ذكر أن « من أهل الجريد من أحصى مائة اسم في مجلس واحد »40. وقد فرّق ابن حوقل بين التمور الطرية والتمور اليابسة أو القسب، وهو نفس التمييز الذي ذكره الدرعي بين الرطب والزهو41. أما بالنسبة لأسماء التمور فقد اكتفت المصادر الوسيطة بذكر اسمين هما « الخنفس » الذي كان معروفا بواحة الحامة والذي وصف بأنه « أسود شديد الحلاوة كبير الجرم »، ثم « الشدّاخ » الذي عرف خاصة بتوزر وقنطرارة42. أما مصادر الفترة الحديثة فقد عدّدت أصنافا كثيرة من التمور مثل بيض حمام، بوفقّوس، عليق، عمّاري، حرّة، كنتيشي، دقلة بيضاء، دقلة حسن ودقلة نور المشهورة بجودتها والتي يبدو أن زراعتها في غابات الجريد تعود إلى بداية الفترة الحديثة43.
وبالإضافة إلى النخيل، عرفت غابات الجريد أصنافا عديدة من الأشجار المثمرة التي كان إنتاجها موجها أساسا للاستهلاك المحلي. وتأتي الزياتين في طليعة هذه الأشجار، ويبدو أن غراستها كانت شائعة في المنطقة منذ العصر القديم، وقد أكدت المصادر على تميّز غابات تقيوس بهذه الغراسة إلى الفترة المعاصرة44. كما عرفت واحات الجريد أيضا أنواعا أخرى من الأشجار المثمرة تميّز منها خاصة الأترج الذي وصف بالحسن والطيب والزكي. كما عرف أيضا بكبر حجمه وكثرة مائه، وقد قال البكري عن قسطيلية إنه « لا يعلم في بلد مثل أترجها جلالة وحلاوة »45. كما تواصلت الإشادة بحمضيات الجريد إلى الفترة الحديثة حيث أثار البرتقال اهتمام وإعجاب العديد من الرحالة مثل ديفنتان وبليسيي46.
أما غابة الحامة فقد اشتهرت خاصة بعنبها الذي تميز بكثرته ولذّته، وكان يستخرج منه شراب وصف بالطيّب والعطر. ومن شدة تميّزه « زعم أهلها أنه يسرج به السراج كما يسرج بالزيت »47. وفي تعداده للمزايا التي انفردت بها بلاد الجريد، يشير ابن شباط إلى أن « العنب إذا احتيط عليه بقي في أشجاره طريا إلى كمال العام »48. وقد مثل العنب أحد المنتوجات الزراعية التي تميزت بوفرتها والتي كان يتسوّقها الحجاج من سكان الجريد خلال الفترة الحديثة49. كما انتشرت في غابات الجريد أيضا عدّة أشجار أخرى مثل الرمان والسدر والخوخ وعديد المنتوجات الزراعية الأخرى مثل الكتان والحناء والكمون والكروياء، إضافة إلى البقول التي عرفت بكثرتها وجودتها50.
3. المشهد المائي في غابات الجريد
يمثّل الماء مكوّنا رئيسيا في المشهد الواحي لبلاد الجريد، إذ مثلت كثرة العيون وكثافة الجداول والسواقي إحدى أهم الخصائص المميزة لهذه المنطقة. ونظرا لوجودها في وسط طبيعي قاحل ولحاجة النخيل الكبيرة للمياه فقد مثل التصرّف في الماء محور اهتمام المجتمع الواحي، حيث تم منذ القديم استنباط طرق مختلفة لضمان توزيع يحقق رضاء المستفيدين ويضمن تحقيق السلم الاجتماعي بينهم. وتشترك كل واحات الجريد في اعتماد توزيع الماء داخل غاباتها على مستويين؛ كمي وزمني، حيث تجتمع مياه العيون في ساقية رئيسية واحدة مثلما هو الأمر في توزر ونفطة، أو أكثر كما في واحات تقيوس والحامة. ثم تنقسم مياه هذه السواقي بواسطة مصارف أو موزّعات إلى شبكة كثيفة من الجداول الثانوية على مختلف أقسام أو « جرور » الغابة إلى أن تصل إلى كل بستان حصته المقدّرة حسب الأعراف الجاري بها العمل.
ففي توزر تنبع مياه عيونها من جهتها الغربية، في الموضع الذي كان يسمّى بلسان أهل المدينة « سرش »51، ثم تجتمع مياه هذه العيون في ساقية رئيسية وصفتها المصادر بالوادي المتسع والكبير والنهر العظيم52. ثم تنقسم مياه هذا النهر عبر مقاسم حجرية إلى ثلاثة فروع كبيرة يسيل كل فرع في قسم من أقسام الواحة، ثم ينقسم كل واحد منها إلى مجموعة من الجداول الثانوية تطوّر عددها بين العصرين الوسيط والحديث من ستة إلى سبعة لتتفرع بدورها إلى شبكة من السواقي الصغيرة التي تحمل الماء إلى مختلف بساتين الواحة. أما في غابة نفطة فإن عيونها تنبع من جهتها الشمالية وتجتمع مياهها في « واد نفطة » أو « واد البورة » أو « الواد الكبير » الذي يمثل المجرى المائي الرئيسي والذي يتخذ مسارا انحداريا في اتجاه الغابة جنوبا إلى أن ينقسم عند « سد الرحى » إلى قسمي الغابة الكبيرين وهما « جر رمادة » و »الجر الغربي ». في الحامة تجتمع مياه العيون في ساقيتين كبيرتين هما « ساقية عين النشوع » و »الواد الضايع » اللتان تقومان بإيصال الماء إلى أقسام الغابة الثلاثة أي « جر العرق »، « جر النملات » و »جر محارب ». أما في تقيوس أو الوديان، وخلافا لبقية واحات الجريد فإن عيونها تنبع بصفة متوازية من قدم الجبل الذي يوجد شمالي الغابة، ثم تسيل مياه كل عين في ساقية رئيسية لتقوم بسقي مجموعة محدّدة من البساتين بواسطة مصارف تتفرّع منها عديد الجداول الثانوية. وتعتبر عين « سبعة آبار » أهم عيون الوديان وأقدمها، وتتوزع مياهها بين ثلاثة جرور هي « جر كريز » و »جر الزرقان » و »جر أولاد ماجد ».
بعد تقسيم المياه على مختلف أجزاء الغابة اعتمادا على المقياس الكمي، يتم احتساب زمن استفادة كل بستان من هذه المياه المعبّر عنه محليا بـ « الشرب المعلوم »، وذلك من خلال تقسيم زمني لليوم وفق « حساب لهم في ذلك معروف وأمر مقرّر مألوف »53. وقد اعتمد الواحيون في الجريد لاحتساب زمن السقي عدة معايير مثل مواقيت الصلاة وما بينها من تقسيمات فرعية، وطول الظل وكذلك القادوس الذي اختلفت قيمته من واحة إلى أخرى، وتطورت من فترة زمنية إلى أخرى. وتتمّ عملية سقي كل بستان حسب نظام الدورة المائية وفق ما تقرر في الأعراف والتقاليد الجاري بها العمل. وعند احتسابها يتم الأخذ بعين الإعتبار الإختلاف الحاصل في طول النهار والليل حسب الفصول الأربعة، إضافة إلى أهمية مستوى تبخّر المياه في الأشهر الحارة. ونتيجة لذلك ولضمان توزيع عادل للنوبات فقد كانت الدورة المائية تتحقّق « تارة بالليل وتارة بالنهار وتارة أولا وتارة آخرا »54.
أولى الواحيون لعملية توزيع الماء داخل الغابة عناية فائقة، ويتجلى ذلك خاصة في الاهتمام بتهيئة الوديان والسواقي من خلال استعمال الحجارة المهندمة، من ذلك مثلا « واد قبة » في تقيوس الذي من المرجح أنه يعود إلى الفترة القديمة وتواصل استعماله أيضا خلال الفترتين الوسيطة والحديثة55. وقد ذكر البكري كذلك استعمال الحجارة في بناء سواقي الغابة في توزر حيث يقول: « تتشعّب من تلك الجداول سواق لا تحصى كثرة تجري في قنوات مبنيّة بالحجر على قسمة عدل لا يزيد بعضها على بعض شيئا »56. وتجدر الإشارة أن « واد الوسط » بتوزر لا زال إلى اليوم محاطا في جزء منه بالحجارة المهندمة كبيرة الحجم (انظر صورة عدد 1).
وبالإضافة إلى السواقي استعملت الحجارة المهندمة أيضا في بناء وتهيئة السدود والمصارف. والسدود عبارة عن حواجز من الحجارة تقوم بسد مياه السواقي والرفع من مستواها من أجل تقوية منسوبها والتسريع في تدفقها، مثل « سد الرحى » في نفطة و »سد واد الصابون » في توزر. أما المصارف فهي عبارة عن موزّعات متكونة من قطع من الحجارة أو الخشب مهيئة وموضوعة بطريقة متعامدة مع مجرى المياه التي تسيل عبر الفتحات الموجودة بينها. وتخضع هذه الفتحات إلى حساب مضبوط مرتبط بكمية المياه المراد توجيهها إلى أقسام الغابة المختلفة. كما تعتبر الخنادق من أهم المنشآت المائية التي توجد في الغابة، وهي عبارة عن قنوات يتم حفرها داخل البساتين وعلى حدودها ويتمثل دورها في استقبال المياه المستعملة بعد سقي الأرض والتي تسمى محليا بـ »النزّ ». وتصب مياه الخنادق في قناة أكبر تسمى « الخندق الكبير » أو « الفحل » الذي يقوم بدوره بإفراغ مياهه في الشطوط المحاذية للواحات مثل شط الجريد بالنسبة لغابات توزر ونفطة والوديان، وشط الغرسة بالنسبة لغابة الحامة. ولهذه المنشآت دور حيوي في إتمام عملية السقي والمحافظة على خصوبة الأراضي بغابات الجريد، فتصريف المياه يساعد على تهوئة الأرض ويسمح لعروق الأشجار والنخيل والنباتات بالإمتداد في أعماقها، ولذلك فقد ترسّخ في الأعراف الجاري بها العمل في الجريد أن « الخنادق هي سبب عمارة الغابة »57. كما استعملت هذه المنشآت لحماية الغابة من المعتدين مثل الخندق الكبير الذي كان يحيط بغابة توزر والذي يبلغ عرضه 4م وعمقه 5م، وقد مثّل عند امتلائه بالماء حاجزا يصعب اختراقه، ولذلك فقد تم اعتماده للإحتماء من الغارات المتكرّرة للأعراب خاصة بعد نضج التمور58.
لقد مثل وجود هذا النظام المائي الشرط الرئيسي في تواصل مكانة الغابة ومحوريتها في مجتمع الجريد واقتصاده، ولذلك فقد ارتكز على مؤسسات رافقته وأشرفت على حسن سيره. وقد أشير منذ العصر الوسيط مثلا إلى دور الأمناء في الإشراف على توزيع الماء، وتواصل ذكرهم إلى الفترة المعاصرة59. وكان الشرط في اختيارهم، إضافة إلى الخبرة، أن يكونوا « من ذوي الصلاح » لعظمة المسؤولية وارتباط السلم داخل المجتمع الواحي بضمان حقوق أصحاب البساتين60. كما اكتمل المشهد المائي في الغابة بانتصاب أهم أضرحة الأولياء والصالحين على ضفاف السواقي وأمام أهم المصارف التي تتوزع عندها المياه (انظر صورة عدد 2)، ولعلّ في هذا الارتباط بين الماء والمقدس محليا أبرز تعبير عن محورية الماء والغابة في المجتمع الواحي61.
4. الغابة حاضنة الـعمران
ترتبط المدينة أو القرية بغابتها في المجالات الواحية ارتباطا عضويا، فلا معنى للحياة الحضرية المستقرة في هذه المناطق المتواجدة في الصحراء أو على أطرافها دون ارتباط بحزام من النخيل يوفّر الحماية ويحقق أسباب العيش. وتشترك في هذه الخاصية كل واحات إفريقية وبلاد المغرب ومصر وتمثل أحد العناصر الأساسية المميزة للعمران الواحي62. استفادت المراكز العمرانية في الجريد من التحامها بغابتها من خلال تقاسم استغلال مياه السواقي، فالمياه التي تسقي البساتين هي نفسها التي تزوّد السكان بحاجياتهم. ففي العصر الوسيط كانت إحدى السواقي الثلاث التي تسقي غابة توزر تشق مدينتها فتدخل قصبتها وبعضا من دورها، وأقيمت على هذه الساقية في مواضع عديدة سقايات للرجال وأخرى للنساء63. ويعترضنا هذا المشهد كذلك في تقيوس وتحديدا في مدينة كبة أين كان الماء يشقّها ويدخل جامعها64. كما تواصل اعتماد هذا المبدأ خلال العصر الحديث، ففي « ربط فطناسة » أو حي أولاد الهادف في توزر الذي تشكّل على الحدود الشمالية للغابة، كان أحد فروع « واد الربط » يمر بجانب عدّة مساجد مثل سيدي ثامر وسيدي بن غلاب، حيث بنيت عليه مجموعة من الغرف التي استغلت في الوضوء والاستحمام، قبل أن يواصل مساره ليدخل عددا من منازل الحي المطلة على الغابة ثم لينتهي في البساتين (انظر صورة عدد 3).
استفادت مدن الجريد وقراه من حزامها الغابي بما كان يوفره لها من حماية مناخية، فالغابة كانت تمثل حاجزا أما الرياح القوية التي كانت تتعرض لها هذه المنطقة. كما أن كثافة النخيل والأشجار المثمرة والنباتات المختلفة ووجود شبكة من الجداول والسواقي يساهم في تلطيف الجو الصحراوي وخلق مناخ محلي رطب يصبح بفضله الاستقرار في هذه المراكز الصحراوية ممكنا بل ومحفّزا للعمران والتمدّن. وبالإضافة إلى ما وفّرته من رفاهة مناخية، ساهمت الغابة في حصانة مدن الجريد وقراه، فبفضلها كان يصعب على المعتدين الوصول إلى أبوابها واختراق أسوارها، ويشير التجاني إلى ذلك عند حديثه عن توزر فيقول: « والغابة ملاصقة لسور المدينة، فهي بذلك تمت حصانتها »65. وبقدر ما وفرته الغابة للسكان من تدعيم لأمنهم، فإنها مثلت في نفس الوقت المصدر الأساسي لاقتصادهم وثروتهم بل والضامن لحياتهم. ولذلك فقد كان تواصل تعمير الغابة والحفاظ عليها من أهم أولوياتهم، فكان تهديدها من قبل المعتدين أشد ما يمكن أن يتعرّض إليه الواحيّون. وقد أشارت بعض الروايات إلى أن فتح مدينة توزر كان صلحا واحتمت بحسان بن النعمان « حين خاف أهلها من الكاهنة أن تفسد جناتهم »66. كما أن بني غانية بعد محاصرتهم للمدينة في نهاية القرن 6هـ/12م بادروا بقطع نخيلها فما كان من أهلها إلّا الاستسلام وفتح الأبواب لهم67. وقد تعرضت نفطة في العهد الحفصي لنفس المحنة، حيث حوصرت من قبل جيش السلطان أبي العباس فلما قطع نخلها « لاذ أهلها بالطاعة »68. ويذكّرنا التهديد بقطع النخيل في الجريد بما وقع في مدن واحية أخرى مثل قفصة التي بادر السلطان الموحدي المنصور أثناء حصاره لها بقطع ألف نخلة من غابتها يوميا « إلى أن خرج إليه أهلها راغبين في العفو »69. وهو نفس ما قام به السلطان الحفصي أبو عمرو عثمان عند محاصرته لتوقرت سنة 853هـ حيث أمعن في قطع نخيلها إلى أن فتحت أبواب المدينة أمام جيوشه70.
ورغم التحولات العمرانية العميقة التي عرفتها بلدان الجريد في العصرين الوسيط والحديث71 إلا أن علاقتها بالغابة بقيت وثيقة. فمدينة توزر الوسيطة التي ورثت مجال الفترة القديمة كانت محاطة بـ »سواد عظيم من النخل »72. ونتيجة لتطور التعمير بها وتوافد مجموعات بشرية كثيرة عليها خلال العهد الحفصي، مثلت الغابة مجالا استوعب هذه الوفود فتشكلت داخلها نواتات عمرانية جديدة. وقد كان التجاني الذي زار المنطقة في مطلع القرن 14م شاهدا على هذه التحولات حيث يذكر أن الكثير من أهل توزر يسكنون بغابتها، ويقارن بين مساكن الغابة ومساكن المدينة فيشير إلى أن « مباني الغابة أضخم وأحسن »73. وفي القرن 15 تشكلت أولى النواتات العمرانية خارج الغابة وهو « ربط فطناسة » الذي تأسس على حدودها الشمالية، أي أنه لم ينفصل عنها بل بقي مستفيدا من قربه لها وخاصة من السواقي التي كانت تمر حذوه (انظر صورة عدد 4).
وتشترك الحامة مع توزر في عمق التحولات العمرانية التي عرفتها خلال العهد الحفصي، حيث تفتتت المدينة التي كانت توجد داخل الغابة بفعل تعدد موجات الهجرة إليها وتنوع أصول سكانها الوافدين، وتحولت إلى مجموعة من النواتات المتفرقة والمتباعدة، غير أنها بقيت محافظة على موقعها داخل النخيل. وفي نفطة، وإن اندثرت بعض نواتاتها العمرانية التي كانت توجد داخل الغابة، فإن المدينة بقيت محافظة على تقسيمها الثنائي، حيث يفصل « واد البورة » بين قسمين عمرانيين كبيرين يحفّ بهما النخيل. أما تقيوس أوالوديان فقد تواصل فيها التعمير أيضا داخل الغابة أو على ضفافها، فقد حافظت قراها على مواضعها الموروثة من الفترة القديمة مثل كبة ودقاش وأولاد ماجد (انظر صورة عدد 5)، كما اتخذت القرى التي تأسست خلال الفترة الحديثة مثل زاوية العرب موضعا تحيط به النخيل من جميع جهاته.
سمح وجود الغابة بما وفرته من ظروف ملائمة لحياة مستقرة ومن اقتصاد منتج للثروة من ترسيخ ظاهرة التمدن في هذه المراكز الصحراوية، وقد أكد ابن خلدون على تجذر هذه الظاهرة وارتباط العمران بخصوبة الغابة ووفرة المياه بقوله: « بلاد قسطيلية مستبحرة العمران مستحكمة الحضارة مشتملة على النخل والأنهار »74. كما أثّر وجود الغابة ونخيلها في الصورة التي حملتها المصادر للمدينة الواحية، فوصفت مدينة توزر مثلا بالخضراء وبأنها « من أحسن البلاد منظرا » ووسمت بالشريفة75، حيث يذكر ابن شباط، مستحضرا مثال المدينة، أن « كل بلد اشتمل على نخل فله شرف، فشبه المدينة بشرف لا ينكر وفخر لا يزال على الأيام ينشر ويذكر »76.
وقد تعددت الإشارات في المصادر المختلفة حول أهمية مدن الجريد وتجذر عمرانها، فمدينة نفطة وصفت في العصر الوسيط بالمتحضرة والعامرة77، ورغم ما خلّفته الحملات العسكرية الحفصية المتعددة عليها من تراجع عمراني حاد، إلا أنها استعادت مكانتها في العصر الحديث أين شهدت عملية تعمير واسعة78. أما مدينة توزر الوسيطة التي عرّفها ابن شباط بأنها من أقدم البلاد حضرا
79، فقد وصفت بالكبيرة والواسعة والآهلة80 وتميزت بمعالمها وعمارتها. فجامعها وصف بأنه محكم البناء وبأنه من أحسن الجوامع واشتهر خاصة بصومعته ذات القباب الأربع « التي لم ير مثلها في الصوامع »، وكذلك منازلها التي تميزت بالحسن والضخامة81. ورغم ما لحق النواة الوسيطة من تدمير وإخلاء نتيجة الحملة العسكرية العثمانية عليها في بداية القرن 17 82، إلا أن المدينة أعيد تعميرها وتشكل فيها مجال جديد عرف بـ »توزر الجديدة » أكدت المصادر على أهمية عمرانها وتميز عمارتها83. إن إعادة التعمير التي عرفتها بلاد الجريد خلال الفترة الحديثة لم تكن ممكنة لولا وجود الغابة وتواصل دورها في توفير مداخيل اقتصادية كبيرة وقدرتها على استقطاب مجموعات بشرية ذات أصول متنوعة للاستقرار بها.
وبقدر ما مثلته الغابة من مصدر أساسي للثروة استفادت منه المدينة لتنشط فيها الحياة الإقتصادية والعمرانية، فإنها بالمقابل وجهت إليها أطماع السلطة المركزية من خلال الجباية الكبيرة التي سلطتها عليها، والتي احتدت بتعدد غارات الأعراب على النخيل في نهاية الفترة الحديثة. وقد شهد بعض الرحالة على هذه التحولات مثل الدرعي وكذلك السجلماسي الذي قال عن توزر أثناء زيارته لها سنة 1737 ما يلي: » فيها آثار العمارة العظيمة والمباني الجسيمة، إلا أن الضعف الآن قد أعمل فيها أسنانه وغربه ولم يألها طعنه وضربه، فهي كالغادة الحسناء محا آي حسنها الهرم وأودى بها الذي أودى بعاد وإرم »84. وقد أكد ديفنتان هذه الشهادة حيث أشار في نهاية القرن 18 إلى أن سكان الجريد كان من المفترض أن يكونوا أغنياء لولا غارات الأعراب ونهب قادتهم لهم85.
الخاتمة
ارتكز المشهد الواحي في بلاد الجريد على ثالوث الماء والنخل والسكن. وقد ارتبطت هذه العناصر فيما بينها وتفاعلت لتنتج مجالا له شخصيته وخصوصياته التي تميزه عن الإطار الطبيعي المحيط به. لقد مثلت الواحة شكلا من أشكال التعمير في الأوساط الصحراوية، بفضلها تحوّل القحط إلى خصب والخلاء إلى عمران. وتحتل الغابة ضمن هذا المشهد مكانة محورية، فهي الضامنة لقوت سكان الواحة وثروتهم، وهي كذلك متنزههم والحاضنة لسكنهم. ولذلك فلا غرابة أن تمثّل محلّ إشادة وأن تخصص لها المصادر التاريخية المختلفة طوال العصرين الوسيط والحديث حيّزا مهما عند تعرّضها لبلاد الجريد. لقد كانت الغابة نتاجا للتفاعل بين الإنسان والطبيعة، حيث عكست بخصوبتها وتواصلها عبر العصور العنوان الأبرز لمجهود الواحيين ومحاولتهم الطويلة والمستمرّة في التدبّر والتأقلم مع بيئة قاسية وذلك بفضل استنباط التقنيات الزراعية الملائمة والتصرف في الموارد المائية. وداخل هذه الغابة أو على حدودها تشكلّت مدن وقرى عامرة بالسكان وشهدت ظهور أشكال معمارية متميزة. ولم يكن من الممكن لهذه الحياة العمرانية أن تتجذّر وأن تستمرّ طوال هذه المراحل التاريخية الطويلة دون وجود هذا الحزام الغابي وما وفره من إمكانيات كبيرة وظروف ملائمة.
الهوامش
1 نقصد ببلاد الجريد المجال الواقع بين شط الغرسة شمالا وشط الجريد جنوبا والذي يظم كلا من مدينتي توزر ونفطة وقرى الوديان (أو تقيوس) والحامة، أي المجال الذي يتوافق مع كورة قسطيلية كما حدّدها اليعقوبي منذ القرن 9م (اليعقوبي، 1860، ص 139). وحول تطور مفهوم بلاد الجريد انظر: ذاكر سيله، 2013، ص 23-35.
2
أحمد مختار عمر، 2008، ج3، ص 2391.
3 « أواسيس » هو الاسم الذي استعمله الهمداني، متأثرا في ذلك بالجغرافيين اليونانيين، ليطلقه على بلاد الواحات: الهمداني، 1990، ص 78.
4 Christian Décobert, 1982, p. 97; Romain Garcier et Jean-Paul Bravard, 2014, p. 305.
5 إسلام عاصم عبد الكريم، 2018، ص 1-18؛ Christian Décobert, 1982, p. 95-114
6 البكري، 2003، ج2، ص 187، الإستبصار، 1985، ص 147-148.
7 الزهري، د.ت.، ص 107.
8 ابن سعيد المغربي، 1970، ص 127، Gamāl al-Dīn al-Waṭwāṭ, 1979, T2, p. 365
9 ابن سعيد المغربي، 1970، ص 127-128؛ ابن حوقل، 1992، ص 70؛ الإدريسي، 2002، ج1، ص 115.
10 المقدسي، 1906، ص 230؛ المراكشي، 1949، ص230 و355، ابن سعيد المغربي، 1970، ص 126-127؛ ابن خلدون، 1983، ج6، ص 199؛ الاستبصار، 1985، ص 150؛ مارمول كربخال، 1989، ج3، ص 170.
11 ابن حوقل، 1992، ص 146؛ ابن سعيد المغربي، 1970، ص 128.
12 أحمد الباهي، 2017، ص 74.
13 لتجاني، 1981، ص 157؛ الاستبصار، 1985، ص 155-156؛ ص 238؛ أحمد السعداوي، 2011، ص 329-334؛ أحمد السعداوي، 2015، ص 406-409.
14 ابن حوقل، 1992، ص 92؛ العيني، 1963، ص 292؛ ابن عبد السلام الناصري، 2013، ج1، ص 264.
15 أحمد السعداوي، 2011، ص 334؛ أحمد السعداوي، 2015، ص 408؛ ذاكر سيله، 2013، ص 370.
16 ذاكر سيله، 2013، ص 445-480.
17 الاستبصار، 1985، ص 150.
18 البكري، 2003، ج2، ص 225.
19 اليوسي، 2018، ص 87.
20 التجاني، 1981، ص 156-157.
21 الاستبصار، 1985، ص 155؛ البكري، 2003، ج2، ص 226.
22 التجاني، 1981، ص 158؛ الوزير السراج، 1985، ج1، ص 377-378.
23 ابن شباط، مخ رقم 5605، و. 17 ب.
24 ابن شباط، مخ رقم 5606، و. 105 أ.
25 التجاني، 1981، ص 158-159؛ الوزير السراج، 1984، ج1، ص 418-419؛
Du Paty De Clam, 1893, p. 333-336
26 البكري، 2003، ج2، ص 225.
27 الوزير السراج، 1984، ج1، ص 419. ويبدو أن هذا النوع من السمك الذي وصفه أبو علي بن إبراهيم في القرن 13م هو نفسه الذي لا يزال موجودا في أودية واحات الجريد والمعروف باسم Astatotilapia desfontainesi. انظر: Kraiem, 1983, p. 122
28 التجاني، 1981، ص 163.
29 الزركشي، 1966، ص 154.
30 الزركشي، 1966، ص 147.
31 التجاني، 1981، ص 158.
32 Gamāl al-Dīn al-Waṭwāṭ, 1979, T2, p. 365.
33 العياشي، 2006، ج2، ص 533.
34 أحمد الباهي، 2017، ص 78.
35 السجلماسي، 2012، ص 226.
36 Peyssonnel et Desfontaines, 1838, T2, p. 73.
37 Pol Trousset, 1986, p. 174.
38 البكري، 2003، ج2، ص 225؛ الحسن بن محمد الوزان الفاسي، 1983، ج2، ص 142.
39 الدرعي، 2011، ص 160.
40 الزهري، د.ت.، ص107؛ الوزير السراج، 1984، ج1، ص 222؛
Gamāl al-Dīn al-Waṭwāṭ, 1979, T2, p. 365
41 ابن حوقل، 1992، ص 92؛ الدرعي، 2011، ص 701.
42 الإستبصار، 1985، ص 157؛ ابن تميم القيرواني، 1986، ص 138.
43 ذاكر سيله، 2013، ص 397-398؛
Giovanni Pagni, 1829, p149-152 ; Du Paty De Clam, 1893, p. 337
44 الإستبصار، 1985، ص 156.
Peyssonnel et Desfontaines, 1838, T2, p. 71. ; Pellissier, 1980, p. 144
45 ابن حوقل، 1992، ص 92؛ الإدريسي، 2002، ج1، ص 277؛ البكري، 2003، ج2، ص 226.
46 Peyssonnel et Desfontaines, 1838, T2, p. 70 ; Pellissier, 1980, p. 152.
47 الإستبصار، 1985، ص 157.
48 ابن شباط، مخ 5606، و. 105 أ.
49 الدرعي، 2011، ص 701.
50 ابن سعيد المغربي، 1970، ص 127؛ التجاني، 1981، ص 127؛ الإدريسي، 2002، ج1، ص 277؛ الدرعي، 2011، ص 701.
51 البكري، 2003، ج2، ص 225.
52 المقدسي، 1906، ص 230؛ التجاني، 1981، ص 157؛ العياشي، 2006، ج2، ص 535.
53 التجاني، 1981، ص 157.
54 أحمد السعداوي، 2011، ص 330.
55 ذاكر سيله، 2005، ص 38-39.
56 البكري، 2003، ج2، ص 226.
57 ذاكر سيله، 2013، ص 388.
59 التجاني، 1981، ص 157؛ Daumas, 1845, p. 95 ; Payre, 1942, p. 335-339
60 يقول مؤلّف الاستبصار نقلا عن أهل قفصة: « إذا رأيت قوما يتخاصمون وقد علا بينهم الكلام فتعلم أنهم في أمر الماء ». الاستبصار، 1985، ص 152-153.
61 في الوديان ينتصب « سيدي لخريصاني » أمام أهم عين بها وهي عين سبعة أبار، أما في نفطة فإن سواقيها المتعدّدة تحتل ضفافها أضرحة الأولياء مثل « سيدي محمود » و »سيدي علي ريوة » و »سيدي زمرتل ». ويتكرّر نفس المشهد في واحة توزر أين أطلق على أوليائها المنتصبين على ضفاف السواقي تسمية « رجال خط الواد » نذكر من بينهم سيدي أحمد الغوث، سيدي ابرهيم الريغي وسيدي العقيلي.
62 يقول الإدريسي عن قابس أنها « حفت بها من نواحيها غابات جنات ملتفة وحدائق مصطفة »، أما صاحب الاستبصار فيذكر أن قفصة لها « غابة كبيرة قد أحاطت بها من كل ناحية مثل الإكليل ». وينطبق هذا الوصف كذلك على مدينة ورقلة التي يعرّفها العياشي بأنها توجد في « وسط خطّ من النخل ». انظر: الاستبصار، 1985، ص 153؛ الإدريسي، 2002، ج1، ص 279؛ العياشي، 2006، ج1، ص 115.
63 ابن شباط، مخ رقم 16638، و. 221.
64 ابن شباط، مخ رقم 16638، و. 222.
65 التجاني، 1981، 158.
66 ابن شباط، مخ رقم 5605، و. 18 أ.
67 التجاني، 1981، ص 162.
68 ابن خلدون، 1983، ج6، ص 934.
69 التجاني، 1981، ص 138-139.
70 الزركشي، 1966، ص 143-144.
71 حول هذه التحولات انظر: ذاكر سيله، 2013، ص 302-319.
72 البكري، 2003، ج2، ص 225.
73 التجاني، 1981، ص 158.
74 ابن خلدون، 1983، ج6، ص 199.
75 الزهري، د.ت.، ص 107؛ ابن شباط، مخ رقم 5605، و. 17 ب-18 أ.
76 ابن شباط، مخ رقم 5606، و. 105 أ.
77 الإدريسي، 2002، ج1، ص 278.
78 ذاكر سيله، 2013، ص 309-315.
79 ابن شباط، مخ رقم 5605، و. 17 ب.
80 البكري، 2003، ج2، ص 225؛ الاستبصار، 1985، ص 155؛ Gamāl al-Dīn al-Waṭwāṭ, 1979, T2, p. 365
81 التجاني، 1981، ص 158؛ البكري، 2003، ج2، ص 225؛ ابن شباط، مخ رقم 5605، و. 17 ب.
82 ذاكر سيله، 2013، ص 303-304.
83 الشرقي الفاسي، مخطوط، و. 37 أ-38 ب؛ الورثلاني، 2008، ج1، ص 156؛ الدرعي، 2011، ص 160؛ الحضيكي السوسي، 2011، ص86-87؛ اليوسي، 2018، ص 86؛ ابن عبد السلام الناصري، 2013، ج1، ص 252.
84 الدرعي، 2011، ص 160؛ السجلماسي، 2012، ص 226.
المصادر والمراجع
ابن تميم القيرواني أبو العرب محمد، 1986، طبقات علماء إفريقية وتونس، تحقيق علي الشابي ونعيم حسن الباقي، الدار التونسية للنشر، تونس.
ابن حوقل، 1992، صورة الأرض، دار مكتبة الحياة، بيروت.
ابن خلدون عبد الرحمان، 1983، كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، 7ج، دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، بيروت.
ابن سعيد المغربي، 1970، كتاب الجغرافيا، تحقيق اسماعيل العربي، بيروت.
ابن شباط، صلة السمط وسمت المرط في الفخر المحمدي، مخطوط بدار الكتب الوطنية بتونس، عدد 5605، 5606، 16638.
ابن عبد السلام الناصري أبو عبد الله محمد، 2013، الرحلة الناصرية الكبرى، 2ج، تحقيق المهدي الغالي، المملكة المغربية.
الإدريسي، 2002، كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، 2ج، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة.
الباهي أحمد، 2017، « جنوب الإيالة التونسية في رحلة القادري الموسومة بنسمة الآس في حجة سيدنا أبي العباس (1100-1101هـ/ 1689-1690م) »، في الأرياف والآثار الريفية ببلاد المغرب والمتوسط، أعمال الندوة الدولية السادسة لقسم علم الآثار بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان (14-15 و16 أفريل 2016)، نصوص جمعها وأعدها للنشر جعفر بن نصر والنوري بوخشيم، تونس.
البكري أبو عبيد الله، 2003، المسالك والممالك، 2ج، تحقيق جمال طلبة، دار الكتب العلمية، بيروت.
التجاني عبد الله، 1981، الرحلة، الدار العربية للكتاب، ليبيا- تونس.
الحضيكي السوسي أبو عبد الله محمد بن أحمد، 2011، الرحلة الحجازية، تحقيق عبد العالي المدبر، الرباط.
الدرعي أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر، 2011، الرحلة الناصرية، أبو ظبي.
الزركشي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، 1966،
تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية، تحقيق محمد ماضور، المكتبة العتيقة، تونس.
الزهري، د، ت، كتاب الجغرافية، تحقيق محمد حاج صادق، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة.
السجلماسي أحمد بن عبد العزيز بن الرشيد الهلالي، 2012، التوجه لحج بيت الله الحرام وزيارة قبره عليه الصلاة والسلام، قطعة من رحلة أبي العباس الهلالي السجلماسي، تحقيق محمد بوزيان بنعلي، وجدة، مطبعة الجسور، سلسلة تراث فجيج 10.
السعداوي أحمد، 2011، تونس في القرن السابع عشر: وثائق الأوقاف في عهد الدايات والبايات المراديين، كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
السعداوي أحمد، 2015، تونس زمن حسين بن علي وعلى باشا (1705-1756): وثائق أوقاف من العهد الحسيني، كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة ومخبر الآثار والعمارة المغاربية، تونس.
سيله ذاكر، 2005، بلاد تقيوس في العصر الوسيط: دراسة تاريخية أثرية، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة، كلية الآداب منوبة.
سيله ذاكر، 2013، المعمار والتعمير ببلاد الجريد من القرن 16 إلى القرن 19، أطروحة لنيل شهادة الدكتورا في علوم التراث، كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، تونس.
الشرقي الفاسي أبو عبد الله محمد بن الطيب، الرحلة الحجازية، مخطوط، نسخة الكترونية، مكتبة ليبزج، موقع شبكة الألوكه
URL : https://www.alukah.net/library/0/124958
عاصم عبد الكريم إسلام، 2018، « بلاد الواحات في كتابات المستكشفين والرحالة الأجانب في عصر محمد علي باشا »، مجلة اتحاد الجامعات العربية للسياحة والضيافة، المجلد 15، العدد الأول، يونيو 2018، ص 1-18.
عمر أحمد مختار، 2008، معجم اللغة العربية المعاصرة، 4ج، عالم الكتاب، القاهرة.
العياشي أبو سالم عبد الله بن محمد، 2006، الرحلة العياشية، تحقيق سعيد الفاضلي وسليمان القرشي، 2ج، أبو ظبي.
العيني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التوماناري المسكدادي السوسي (توفي حوالي 1199هـ/1785م)، 1963، « رحلة لحج بيت الله الحرام »، لخّصها محمد بن مسعود المعدري البونعامي، أثبت الملخص محمد المختار السوسي، في المعسول، الدار البيضاء، مطبعة النجاح، ج13، ص 283-300.
الفاسي الحسن بن محمد الوزان، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، 2ج، بيروت، 1983.
كربخال مارمول، 1988-1989، إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد زنيبر ومحمد الأخضر وأحمد التوفيق وأحمد بنجلّون، 3ج، الرباط.
مجهول، 1985، الاستبصار في عجائب الأمصار، تحقيق سعد زغلول عبد الحميد، الدار البيضاء.
المراكشي عبد الواحد، 1949، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي، القاهرة.
المقدسي شمس الدين أبو عبد الله محمد، 1906، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ليدن.
الهمداني الحسن بن أحمد بن يعقوب، 1990، صف جزيرة العرب، تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي، مكتبة الإرشاد، صنعاء.
الورثيلاني الحسين بن محمد، 2008، نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار، 2ج، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة.
الوزير السراج محمد بن محمد الأندلسي، 1984، 3ج، الحلل السندسية في الأخبار التونسية، دار الغرب الإسلامي، تونس.
اليعقوبي، 1860، كتاب البلدان، ليدن.
اليوسي محمد العياشي بن الحسن، رحلة اليوسي (1101-1102هـ/ 1690-1691م)، 2018، تحقيق أحمد الباهي، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون « بيت الحكمة »، تونس.
AL-WATWAT Gamāl al-Dīn, 1979, Mabāhij al-fikar wa-manāhij al-‘ibar, 2T, texte établi et annoté par Roger Maury, Thèse de Doctorat de 3ème cycle, Université de Paris 1.
DAUMAS de M., 1845, Le Sahara algérien : études géographique, statistiques et historiques sur la région au sud des établissements français en Algérie, Paris.
DE CLAM du Paty, 1893, « Etude sur le Djérid », Bulletin de géographie historique et descriptive, p. 283-338.
DECOBERT Christian, 1982, “Un espace-prétexte : les oasis d’Egypte vues par les géographes arabes”, Studia Islamica, n° 55, p. 95-114.
GARCIER Romain, BRAVAR Jean-Paul, 2014, « Qu’est-ce qu’une oasis ? Réflexions géographiques sur un objet-limite ». G. Tallet, Zivie-Coche. Le Mythe et la Rose. Mélanges offerts à Françoise Dunand, Presses Universitaires de Montpellier, p.305-323.
KRAIEM Mohamed Mejdeddine, 1983, « Les poissons d’eau douce de Tunisie : inventaire commenté et répartition géographique », Bulletin de l’institut national scientifique et technique d’océanographie et de pêche de Salammbo, vol 10, p. 107-124.
PAGNI Giovanni, 1829, Lettere di Giovanni Pagni, medico ed archeologico Pisano a Francesco Redi in ragguaglio di quato egli vidde, ed opero in Tunisi, Firenze.
PAYRE Gabriel, 1942, «Amines d’oasis au Djérid », Revue Tunisienne, n°52, p. 335-339.
PELLISSIER de Reynaud, 1980, Description de la Régence de Tunis, Tunis.
PEYSSONNEL et DEFONTAINES, 1838, Voyages dans les Régences de Tunis et d’Alger, 2T, Paris.
TROUSSET Pol, 1986, « Les oasis présahariennes dans l’antiquité : partage de l’eau et division du temps », Antiquités africaines, t.22, p. 163-193.
الكاتب
ذاكر سيله
أستاذ مساعد، المعهد العالي للعلوم الاجتماعية والتربية بقفصة، مخبر الآثار والعمارة المغاربية.