Al Sabîl

Index

Information

A propos Al-Sabil

Numéros en texte
intégral

Numéro 03

2017 | 03

في العلاقة بين مصر الفاطمية وصقلية النّورماندية وإفريقية الزيرية

فوزي محفوظ

الفهرس

الملخّص

أودُّ أن أعرض في هذه الورقة وثيقة هامّةٌ، لا تزال مجهولة لدى الكثيرين من المؤرخين العرب والمسلمين وخاصة لدى المهتمين منهم بتاريخ الغرب الإسلامي في العصرين الفاطمي والزّيري، وذلك على الرغم من أنّها معروفة نسبيا في الدول الغربية إذ تعرض لها الباحث الفرنسي ماريوس كنار (Marius CANARD) منذ سنة 1955 مترجما ومحللا نصها باللغة الفرنسية وهي منذ ذلك التاريخ لا تزال لأهميتها وتفردها تدرس باستمرار في الجامعات الغربية وخاصة الإيطالية والفرنسية.

الكلمات المفاتيح

الخلافة، مصر، صقلية، إفريقية، بنو زيري، النورمان.

المرجع لذكر المقال

فوزي محفوظ، « في العلاقة بين مصر الفاطمية وصقلية النّورماندية وإفريقية الزيرية »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 03، سنة 2017.

URL : https://al-sabil.tn/?p=11259

نص المقال

المقدمة

أودُّ أن أعرض في هذه الورقة وثيقة هامّةٌ، لا تزال مجهولة لدى الكثيرين من المؤرخين العرب والمسلمين وخاصة لدى المهتمين منهم بتاريخ الغرب الإسلامي في العصرين الفاطمي والزّيري، وذلك على الرغم من أنّها معروفة نسبيا في الدول الغربية إذ تعرض لها الباحث الفرنسي ماريوس كنار (Marius CANARD) منذ سنة 1955 مترجما ومحللا نصها باللغة الفرنسية1 وهي منذ ذلك التاريخ لا تزال لأهميتها وتفردها تدرس باستمرار في الجامعات الغربية وخاصة الإيطالية والفرنسية2.

والوثيقة التي تعنينا أوردها الشيخ أبو العباس أحمد القلقشندي الذّي عاش في العصر المملوكي وهو صاحب الموسوعة الضخمة الموسومة بـ: »صبح الأعشى في صناعة الإنشاء » التّي أُتمّ تأليفها سنة 791/1387، والتّي تندرج فيما كان يسمى: « بآداب الرسوم الملكية وبفن الإنشاء ». وهي تشتمل على نصائح عديدة ومتنوعة للكتبة في كيفية ملازمة الملوك والكتابة إليهم وما هم مطالبون بحذقه ومعرفته من فنون مختلفة في جميع المجالات. وقد أورد القلقشندي في الجزء السّادس من كتابه هذا جملة من الوثائق الأصلية التي يعود البعض منها لعصور متقدمة3.

ومن بين هذه الوثائق التي حفظها القلقشندي ونقلها حرفيًا، نسخة من رسالة كان وجهها الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله (524-543/1130-1149) إلى ملك صقلية روجار الثاني. وقد أدرجها نموذجًا للمراسلات التي تجرى مع ملوك الفرنجة. وهذه الوثيقة الطويلة نسبيا يمكن تأريخها بكل سهولة بسنة 531/ 41137. ويتبين من المقدمة أنها تمثل ردًا على مراسلة سابقة تلقّاها الخليفة من الملك روجار الثاني حيث نقرأ في الدّيباجة بعد البسملة ومجموعة من العبارات الدينية ما يلي: « أما بعد فإنه عرض بحضرة أمير المؤمنين الكتاب الواصل من جهتك فَفُضَّ ختامه واجتلي، وقُرئ مضمونه وتُلي، ووقعت الإصاخة على فصوله وحصلت الإحاطة بجمله وتفاصيله والإجابة تأتي على أجمعه ولا تُخلَ بشيء من مستودعه ». والواضح من هذه الديباجة أن الرّد احترم في ترتيبه احتراما صارما المسائل التي أثارها روجار في رسالته، ولذلك جاء النص مبوبا تبويبا واضحا على النّحو التّالي:

     • موقف الخليفة من احتلال جربة،

     • المشاركة في مدح أمير الأمراء النّورماندي،

     • الثّناء على حسن معاملة مركب مصري أُسّرَ في البحر،

     • الرّدُ بخصوص الثّناء على تحرير بعض الأسرى النّورمان،

     • توضيح موقف الخليفة في خصوص الوزير الأرمني المسيحي بهرام،

     • توضيح بخصوص خطأ ترجمة حصل في رسالة سابقة،

     • الإعلام بالتوصل بالهدايا التّي أرسلت إلى الخليفة من ملك صقلية.

هكذا وكما يتبيّن من العناوين الكبرى، فإن الوثيقة تهم بالأساس العلاقات المصرية الصّقلية، إلا أنها وفي جزء هام منها لها علاقة مباشرة وواضحة بتاريخ إفريقية في العصر الزيري وهي علاقة تتجسّد في نقطتين سوف نكتفي بالوقوف عندهما في هذه الورقة، وهما:

     • موقف الخلافة من احتلال النّورمان لجزيرة جربة،

     • رأي العزيز بالله من أحد قادة النّورمان المشهورين الملقب بـــ « أمير الأمراء ».

أولا: في موقف الخلافة من احتلال النّورمان لجربة

جاء مباشرة بعد الدّيباجة وفي أول نقطة للرد عن رسالة روجار ما يلي: « وأمّا ما ذَكَرتَهُ من افتتاحك الجزيرة المعروفة بجربة لمَا شَرحتَهَ من عدوان أهلها، وعدولهم عن طرق الخيرات وسُبُلهَا، واجترائهم في الطغيان على أسباب لا يجوز التّغافل عن مثلها، واستعمالهم الظلم تمردًا، وتماديهم في الغّي تباهيًا في الباطل وغلوا، يأسًا من الجزاء لمَا استبطنوه، فإن من كانت هذه حالته حقيق أن تكون الرَّحمة عنه نائيةٌ، وخليق أن يأخذه الله من مأمنه أخذة رابية. كما أنه من كان أهل السّلامة، وسالكا سبيل الاستقامة، ومقبلا على صلاح شأنه وغير مُتَعد للواجب في سره وإعلانه، تعين أن نُوفر من الرعاية سهمه، ونُجزل من العناية نصيبه وقسمه، ويُؤمَنَ مما يقلقه ويزعجه، ويُقصَدَ بما يسره ويبهجه ويصان من أن يناله مكروه ويحمى من أذى يلم به ويعروه ».

إن أول ما يشد الانتباه عند قراءة نص الوثيقة فعلا هو عدم اعتراض الخليفة الحافظ لدين الله على احتلال النّورمان لجزيرة جربة. فتتحدث الرّسالة عن « الفتح » . وتستعمل صيغة: « الجزيرة المعروفة بجربة » في أسلوب قد يوحي بشيء من التحقير والتقليل من الشأن والازدراء بها، فعبارة « الجزيرة المعروفة » غالبا ما تستعمل للإشارة للأماكن البعيدة النّكرَة التي ليس لها أهمية. وقد ظهر الخليفة موافقا مؤيدا موقف روجار معتبرا أن كل ما حصل إنما هو نتيجة طبيعية ومرتقبة لـسلوك أهل جربة الخارج عن المألوف. فأهلها « معتدون »، « ابتعدوا عن طريق الخير » وغالوا في « الطغيان والباطل »…وهم لا يستحقون نتيجة ذلك الرّحمة: « من كانت هذه حالته حقيق أن تكون الرحمة عنه نائية »…

ولئن ورد موقف الخليفة في ألفاظ فضفاضة مشحونة بعبارات مستمدة أساسا من المدونة الأخلاقية والدينية العربية الإسلامية إلا أنّه موقف متفهم لاحتلال الجزيرة الإفريقية ومساند لروجار دون أدنى شك. وقد اكتفى الحافظ لدين الله بالمطالبة بأن لا يقع التعرض إلى الأبرياء أولئك « المصلحين » الذين لم « يتعدوا في الواجب » … مما يعني أنه كان يطالب روجار بعدم اتخاذ عقوبات جماعية تسلط على كل السّكان والتحري في معاقبة المخالفين. وهذا ما نفهم من قوله: « كما أنه من كان أهل السلامة، وسالكا سبيل الاستقامة،< ومقبلا على صلاح شأنه وغير متعد للواجب في سره وإعلانه، تعين أن نوفر من الرعاية سهمه، ونجزل من العناية نصيبه وقسمه ».

والواقع أن حسن معاملة الأهالي عامّةً وعدم التعرض إلى من لم يرتكب عَيبًا كانت من السّياسات القارة التي يتباهى بها النورمان في تعاملهم مع المُسلمين كما نرى. هذا الموقف الذي تفصح عنه الرّسالة هو موقف رسمي، بمعنى أن عامة النّاس من المسلمين وغيرهم لم يكونوا على علم به، لأنه غالبا ما يبقى في كواليس البلاط. ويمكن أن نعتقد أيضا أن الصنهاجيين ورغم كل ما بذلوه من محاولات عديدة ومتكررة لتحسين صلاتهم بالخلافة، لم يفلحوا في محو ضغينة الفاطميين ودليلنا في ذلك أن الحافظ لدين الله لم يقف إلى جانبهم وساند عدوهم النصراني دون حرج أو مواراة.

وقد وجد موقف الخلافة، الذي يساند المسيحيين ضد المُسلمين، حملة دعائية غايتها تبرير قرار السلطان، وهو ما نلحظه في بعض الكتابات العربية التي تتبنى رأيه وتبثه، بوعي أو بغير وعي، من ذلك ما عبّر عنه صراحة ابن الأثير (توفي سنة 630/1233) الذي كتب ضمن أحداث سنة 529 /1135 ما يلي : « كانت جزيرة جربة من بلاد أفريقية قد استوت في كثرة عمارتها، غير أن أهلها طغوا فلا يدخلون تحت طاعة سلطان ويعرفون بالفساد وقطع الطريق، فخرج إليها جمع من الفرنج من أهل صقلية في أسطول كثير وجم غفير فيه من مشهوري فرسان الفرنج جماعة، فنزلوا بساحتها و أداروا المركب بجهلتها واجتمع أهلها وقاتلوا قتالا شديدا فوقع بين الفريقين وقعات عظيمة فثبت أهل جربة، فقتل منهم بشر كثير فانهزموا، وملك الفرنج الجزيرة وغنموا أموالها وسبوا حريمها نساءها وأطفالها، وهلك أكثر رجالها ومن بقي منهم أخذوا لأنفسهم أمانا من صاحب صقلية وافتكوا أسراهم وسبيهم5 وحريمهم والله أعلم6 » .

ونفس الرأي يردّدُهُ التّجاني الذي ألف كتاب الرحلة بعد سنة 706/1306 والذي يحمل هو أيضا الأهالي مسؤولية ما حدث لهم فيقول إنهم: « خرجوا عن طاعة بني زيري » . وعَابَ عليهم أن ثاروا على المعز بن باديس سنة 431/1040، وعاب عليهم كذلك أن كرّرُوا الخروج عن الدولة بعد وفاته: « أظهروا العناد والفساد وأنشأوا مراكب يقطعون بها السُّبُلَ في البّحر على سائر السّواحل »7.

ولا شك أن تواصل القرصنة البحرية أقضّ مضجع الدولة الزّيرية التي حاولت دون جدوى أن تخضع قراصنة جربة كما يتبين من نص التّجاني الذي نقله عن أبي الصلت أمية بن عبد العزيز، وهو شاهد عيان معاصر للأحداث، كان في خدمة الأمير تميم بن المعز بالمهدية في منتصف القرن السادس الهجري والذي سجل لنا أَنّهُ : « لما وَليَ أبو الحسن علي بن يحى بن تميم بن المعز، وذلك في آخر سنة تسع وخمسمائة، واستتب له أمره واستوثق ملكه، أمر بإعداد الأساطيل لغزو جزيرة جربة، وحرّكَه في ذلك ما ترادف عليه من قطع أهلها في البحر وإخافتهم المسافرين فيه، فتم ذلك وقدّم على الأسطول قائد الجيش ابراهيم بن عبد الله وأصحابه من أهل الدولة للمشورة فلانا وفلانا، وذلك في سنة عشر وخمسمائة….وكان أمر جربة واستصلاح أهلها قد استعصى على من تقدم من آبائه وأجداده على اتساع ملكهم وكثرة جيوشهم ووفور أموالهم، ثم تغلب النصارى عليها سنة تسع وعشرين وخمسمائة، فَقَتَلُوا من قتلوا وبقي الباقون تحت طاعتهم…8» .

فالمبرر المعلن كما يتجلى من رسالة الحافظ لدين الله وكتابات ابن الأثير والتّجاني أنّ احتلال جربة سببه كثرة القرصنة في الجزيرة وتعدي أهلها على المسافرين في البحر. ورغم كل المحاولات للحد من هذا النّشَاط استعصى أمر الجزيرة على الزيريين حتى عندما كانت دولتهم عتيدة. ولكن هل يفسر هذا موقف الخلافة المُسَاندُ للمسيحيين ضد المسلمين؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن نُذَكّرَ هنا ببعض الحقائق والوقائع التاريخية، والتي منها:

        - أن العلاقات المصرية الصقلية كانت متميزة منذ حكم العائلة الكلبية التي أعلنت الطاعة للخلافة الفاطمية وقد بقي هذا التقارب وهذه العلاقات المتطورة مع قدوم النّورمان واسترجاعهم لأغلب أرجاء صقلية علاقة وطيدة جيدة. وقد كانت بين الدّولتين سفاراتٌ قارةٌ وزياراتٌ متبادلةٌ ومبادلاتٌ تجارية وفنية، حتى أن البعض من الدارسين يرون أن روجار الثاني حظي بمعاملة خاصة تدل عنها الرسالة في قولها « إنه يوجب لك ما لا يوجب لغيرك من ملوك النصرانية »، فكانت طلباته تُلبَّى، وترسل له الهدايا الثمينة وقد يكون ذلك اعترافا له بعدم مشاركته المباشرة في الحروب الصليبية.

        - أنّ الخلافة الفاطمية كانت تنظر بعين الرّضَا إلى معاملة روجار الثاني للمسلمين سواء أولئك الذين بقوا تحت سيطرته في بلرمة وصقلية والذين يحدثنا عنهم بإطناب ابن جبير9 أو الذين خضعوا لسيطرته في غيرها من الأماكن.

        - كذلك لا بد أن نذكر أن الخلافة الفاطمية لم تنس رغم مرور ما يناهز القرن من الزمن ما فعله الزيريون عندما أعلنوا الاستقلال عن الخلافة مما استوجب آنذاك إرسال قبائل الأعراب من بني هلال وسليم، وتوتر العلاقة بين القاهرة وإفريقية بشكل لا مثيل له، وقد تخلى الزيريون عن المذهب الشيعي وعادوا لاعتماد المذهب السني المالكي، ورغم إعلان العودة مجددا للشيعة فإن البلاد تركت واقعيا المذهب الإسماعيلي وأصبحت مالكية قلبا وقالبا.

        - أنّ غاية النّورمان لم تكن في واقع الأمر إخضاع جربة وإنهاء القرصنة بها، بل البحث عن موضع قدم قار يمكنهم من تحقيق هدفهم الأساسي المتمثل في السيطرة الكاملة على إفريقية والتّحَكُم بالخصوص في الطرق البحرية وخاصة في مضيق صقلية الذي يفصل الشّمال التونسي عن أوروبا، وقد كانت رغبتهم تتمثل في جعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة نورماندية. ولذلك لا بد أن نذكر محاولة الاحتلال الفاشلة التي قاموا بها في سنة 517/1123 والتي يحدثنا عنها بإطناب كل من التّجاني وابن الأثير. وكذلك هبتهم في سنة 529/1135، أي قبيل بضعة أشهر من احتلال جربة، لنجدة المهدية عندما تعرضت لهجوم صاحب بجاية يحى بن المعز، حتى تكون الفريسة لهم وليس لسواهم، على ما ذكره ابن الأثير في قوله « …ثم وصلت نجدة من روجار الفرنجي صاحب صقلية في البحر في عشرين قطعة فحصرت شواني صاحب بجاية، فأمرهم الحسن بإطلاقها فأطلقوها…»10. ويعطي التّجاني نصا أكثر تفصيلا عن الوقائع التي حصلت في هذه الحملة وما تلاها من أحداث ذاكرا: « كان بين الحسن وابن عمه يحيى بن المعز بن باديس ابن المنصور بن الناصر بن علناس ابن حماد صاحب بجاية ما أوجب أن بعث يحيى في هذه المدة لمحاصرته بالمهدية أسطولا في البحر وجيشا في البر قائده مطرف بن علي بن حمدون الفقيه. فحصر المهدية برا وبحرا…فاستمد الحسن لجار فأمده بأسطوله…»11. وقد استغل روجار هذه الحملة ليدخل جواسيسه للمهدية حتى تسهل عليه عملية اقتحامها وغزوها بعد ذلك مما يفيد بأن الخطة مرسومة منذ البداية. قال التجاني: « وكانت للوجار جواسيس بالمهدية فكتبوا إليه يعلمونه أن بمرساها مراكب قد استوفت وسقها، فأمر جرجير قائد الأسطول المتوجه للنُّصرة12 بالهجوم عليها وأخذها… ».

        - لقد كان هنالك على ما يبدو نوع من التفاهم وتقاسم الأدوار في الجانب الغربي من البحر الأبيض المتوسط. فالخليفة الفاطمي كان يرى أن من مصلحته حفظ صداقة وودّ تلك الدولة الصاعدة التي كانت تمثل القوة البحرية الفعلية في البحر الأبيض المتوسط والتي توسعت ممتلكاتها بشكل جلي يستشف من الرّسالة التي تخاطب روجار وتصفه بأنه « ملك جزيرة صقلية وأنكورية (لومباردي) وأيطالية13 وقلورية (Calabre) وسترلو (صوابها سلرنو Salerno/) وملف (Amalfi) ». وكان أيضا يأمل في أن يبقي على حياد النّورمان في الحروب الصليبية. أما النّورمان فكانوا يرومون الحصول على حياد الخلافة في صراعهم مع إفريقية حتى لا تفتح أمامهم جبهات متعددة في نفس الوقت.

        - ثم وفي الأخير لا بد أن نشير إلى أن ضعف الدولة الزيرية لم يساهم في بلورة موقف مساند لها، بحيث لم تكن قادرة على حماية حرمة ترابها والتحكم في تصرفات البعض من رعاياها الذين كانوا يمارسون القرصنة خارج نطاق الدولة ودون مراعاة لحاجياتها ومقتضياتها ودون شعور بالخطر الذي يمكن أن يحصل جراء هذا النشاط الذي استغل ذريعة للتدخل المسيحي. وفي الوقت الذي كان أسطول النورمان يدخل المهدية دون صدّ كانت الخلافة في مصر منهكة بالحروب الصليبية ومنشغلة بقضاياها الداخلية التي أفقدتها القدرة على حماية « الأمة الإسلامية ».

غير أن موقف الخليفة هذا المساند لروجار الثاني كان ظرفيا، إذ تبدلت التحالفات بعد أن اتضحت نية النّورمان الحقيقية في الهيمنة على المسالك البحرية بالمتوسط سواء الرابطة بين الشرق والغرب أو الرابطة بين الشمال والجنوب وهو ما أثار حفيظة الخلافة من ناحية والقسطنطينية من ناحية ثانية14. وقد عبر التّجاني عن هذا الوضع بكل صراحة في أكثر من مرة حينما قال إن « لوجار كان يمنع السفر إلى سواحل المسلمين ويحظره ». ولم يعد والحالة ما ذكر يتورع من مهاجمة واعتراض مراكب الخليفة القادمة نحو أفريقية على ما ذكره ابن الأثير الذي يفيدنا: « وفيها، [أي سنة 536/1142]، سير روجار الفرنجي، صاحب صقلية أسطولا إلى أطراف إفريقية، فأخذوا مراكب سيرت من مصر إلى الحسن صاحب إفريقية، وغدر بالحسن، ثم راسله وجدد الهدنة لأجل حمل الغلات من صقلية إلى إفريقية، لأن الغلاء كان فيها شديدا والموت كثير15». كما لم يتورع من التعرض إلى السّفن المرسلة إلى القاهرة على حد قول التّجاني: « وكانت للوجار جواسيس بالمهدية فكتبوا إليه يعلمونه أن بمرساها مراكب قد استوفت وسقها، فأمر جرجير قائد الأسطول المتوجه للنُّصرة بالهجوم عليها وأخذها ففعل ذلك غدرا ثم هجم بعد ذلك على مرسى المهدية فأخذ منه مركبا كان الحسن قد احتفل فيه وشحنه بذخائر ملوكية ليوجه بها إلى الحافظ العبيدي صاحب مصر وكان ذلك المركب يسمى « بنصف الدنيا16» .

هكذا يتضح أن نية روجار كانت جلية وهي السيطرة المطلقة على المسالك البحرية وضرب الحصار الشديد على دولة بني زيري. وكل ذلك مؤشر على تغير ميزان القوى لصالح الدول الغربية، فكان روجار سيّد الموقف وصاحب المبادرة، ولم يعد بمقدور الدول الإسلامية، بما في ذلك الخلافة الفاطمية بمصر، إلا مجاراة الأمر الواقع وانتظار الأيام الحسنة.

ثانيا: في مدح أمير الأمراء

خصصت الفقرة الثانية من الرسالة لمدح أمير الأمراء على هذا النّحو: « وأما شكرك لوزيرك الأمير تأييد الدولة وعضدها عزّ المُلك وفخره نظام الرّئاسة، أمير الأمراء، فإن من تهذب بتهذيبك، وتخلق بأخلاقك وتأدب بأدبك، لا ينكر منه إصابة المرامي، ولا يستغرب عنده نجح المساعي، وواجب عليه ألا يجعل قلبه إلا مثوى للنصائح، وألا يزال عمره بين غاد في المخالصة ورائح ».

ما نلاحظه بادئ ذي بدء أنه لم يرد ذكر أي اسم ووقع الاكتفاء بإيراد سلسلة من ألقاب مثل « الوزير ومؤيد الدولة وعضدها وعز الملك وفخره ونظام الرياسة وأمير الأمراء17 وهي ألقاب كانت تطلق على وزير روجار الثاني المشهور جدا والمعروف بجرجي الأنطاكي، وقد كان يمثل العضد الأول للملك وقائد قواده. ولعل التعرض له مباشرة بعد الخوض في « افتتاح جربة » يفيد بأنه قاد حملة جربة أو ساهم فيها على الأقل مساهمة فعالة، وقد يكون هذا ما قصده ابن الأثير عندما أشار في نصه الذي أوردناه أعلاه إلى « مشهوري فرسان الفرنج » الذين قادوا حملة جربة.

والغالب على الظن أن مجمل الألقاب التي منحها الخليفة لجرجي الأنطاكي، استقاها من الرسالة الواردة إليه من روجار، وهي ألقاب تشبه إلى حدّ كبير ما كان يسري في الدول العربية، وهو أمر مفهوم إذا ما علمنا أن جرجي هذا هو من عَرَّبَ دواليب الدولة والإدارة النورماندية. وقد جاء لدى المقريزي ما يؤيد أن المعني بالمدح والإطراء في رسالة الخليفة الحافظ هو فعلا جرجي الأنطاكي حيث قال: « ونعت جرجي بالسيد الأجل المرتضى، عزّ الملك، فخر الجلال، نظام الرئاسة، زعيم الجيوش، شرف الوزراء، أمير الأمراء ».

وتجمع جل الدراسات أن أول من تلقب بلقب « أمير الأمراء 18» هو جرجي، ولم يسبق أن حمل هذا اللقب غيره من الوزراء19. وكان ذلك سنة 526/ 1132 أي قبل حملة جربة بثلاث سنوات. وهذا اللقب هو المسجل على نقائش الفسيفساء بكنيسة المارتورانا بمدينة بلرمة عاصمة صقلية والتي شيدها جرجي لطائفته الأرثوذكسية بالجزيرة.

كما أن المتأمل في فحوى الرّسالة يلاحظ أن الخليفة لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الماضي الإفريقي لجرجي الأنطاكي وخدمته مدة عشريتين لتميم بن المعز في المهدية لما يمثل ذلك من حرج لروجار والوزير الذي عَــدَّ روجي إدريس رحيله عن المهدية « خسارة لا تعوض بالنسبة لبني زيري20». ولأجل هذا اكتفى الخليفة بعبارات الثناء والمجاملة التي تمدح الملك أكثر مما تمدح خادمه ووزيره. إذ جاء في الرّسالة: « … من تهذب بتهذيبك، وتخلق بأخلاقك وتأدب بتأديبك لا ينكر منه إصابة المرامي، ولا يستغرب عنده نجح المساعي…20» .

ولا يستبعد أن مجاراة الخليفة لمدح أمير الأمراء إنما هو ناجم عن الصورة التي سُوّقَت لجرجي وتناولتها المصادر، إذ كثيرا ما قيل عنه إنه كان يداري المسلمين ويحسن معاملتهم. ويحدثنا التّجاني بكل إعجاب عن سلوكه عند الاستيلاء على مدينة طرابلس الليبية فقال عنه: « فأحسن إلى أهلها لما أضمره من تملك غيرها من البلاد السّاحلية، وأبقى فيها جنده من المسلمين والصقليين وغيرهم وولى البلاد شيخه أبا يحيى بن مطروح التميمي وجعل قاضيهم رجلا منهم يعرف بأبي الحجاج…21 » .
ونفس هذا السلوك المتسامح سلكه في المهدية عندما دخلها وأمّن أهلها بعد ساعتين فقط من استباحتها حتّى أن سُكّانها أسرعوا في العودة إليها دون خوف (انظر ابن الأثير أحداث سنة 543)، ويعطي التّجاني هنا نَصًا مهما فيه تأكيد على « سُمو » هذا النصراني الذي كان يعرف إفريقية وأهلها حقَّ المعرفة، فيقول عن وقائع سنة 543/1148 ما يلي : « وبقي الأسطول على ظاهر البحر لا يمكنه الدخول إلى البلد بسبب الريح إلى الساعة السابعة من حين وصوله ثم لانت له الريح فدخل ووجد المهدية خالية فتملكها من دون مدافع، ووجد جرجير قصر الحسن على حاله لم يحمل الحسن منه إلا ما خف له، فرأى فيه من الذخائر الملوكية ما هاله وحكم على ذلك كله. وأمر أن ينادي في المهديتين بالأمان، وأخرج النصارى من المهديتين فأنزلهم فيما بينهما في مضاربهم وأخبيتهم، فكان من بقي بالمهدية أحسن حالا ممن فر منها فإن الفارين لقوا من المشقة وعدم الماء ما أهلك أكثرهم إلى أن تداركهم جرجير فبعث لهم خيلا يعلمونهم بالأمان فرجعوا إلى بلدهم وفرق عليهم مالا وطعاما أقرضهم إياه فصلحت أحوالهم واغتبط الناس بالمهدية لما رأوا من عدل النصارى فعمرت أحسن عمار22 » .

ولا شك أن الفكرة التي يمكن أن تستخلص من رسالة الحافظ هو أن سلوك جرجي النبيل إنما هو نتيجة طبيعية لتربية سيّده روجار الثاني والاستفادة من نصائحه، وأن حسن معاملة المسلمين تحسب للسّيد أكثر مما تحسب لقائده، وهذا هو المقصود بقوله « من تهذب بتهذيبك، وتخلق بأخلاقك وتأدب بتأديبك لا ينكر منه إصابة المرامي… وواجب عليه ألا يجعل قلبه إلا مثوى للنصائح ».

أما عن جرجي الأنطاكي فهو في مجمله شخصية غامضة إلى حدّ مَا، ويزداد الغموض حوله كلما تعلق الأمر بفترته الأولى23. ويحدثنا التّجاني عنه بقوله : « صراني اسمه جرجير ابن فلان الأنطاكي كان قد هاجر من الشرق إلى تميم، وكان قد عرف لسان العرب وبرع في الحساب وتهذب بالشام بأنطاكية وغيرها، فحكّمه تميم في دخله وخَرجه وجعل مصاريف الأموال لنظره فصارت أموال المسلمين كلها في يده وأيدي أقاربه، وكان الاتساع فيه من الأموال، فلما مات تميم خاف هذا النصراني من يحيى فخاطب لجار صاحب صقلية وأعلمه أنه يحب الانتقال إليه فوجه لجار إليه قطعة أظهرت أنها وصلت في رسالة، فخرج هذا النصراني وأقاربه في يوم الجمعة عند اجتماع الناس للصلاة وتزينوا بزي البحريين فطلعوا إليها وتم لهم أمرهم، فلم يفطن الناس لهم إلا وقد أقلعوا، ولما وصلوا إلى صقلية حكّمهم عبد الرحمان النصراني صاحب أشغالها في الجبايات فنصحوا و أظهروا، واحتاج لجار أن يوجه رسولا إلى مصر فأشار عليه عبد الرحمان بجرجير هذا فأرسله فنصح وأقبل بذخائر ملوكية أحظته عند لجار24 » .

إن هذه الترجمة الموجزة على نقائصها مفيدة إلى أبعد الحدود فهي تحيطنا بشيء من الاضطراب الحاصل في هوية الرجل الذي يسميه صاحب الرحلة تارةً « جرجي » وطورًا « جرجير » ومرة يقول إنه « ابن ميخائيل » ومرة يجعله « ابن فلان »25. والسيرة تعرفنا على الأصول الشامية لجرجي فهو مسيحي عربي من مدينة أنطاكية التي ينتسب إليها، يحذق لغة الضاد حذقا جيدا ولا شك أيضا أنه يتقن اللغات الأخرى مثل الإغريقية واللاتينية التي كانت متداولة في موطنه الأصلي وفي بلاط روجار النّورماندي كما تشهد على ذلك عديد النّقائش التي عثر عليها هنالك. وهو بارع في مسك الحسابات وهو ما يفسر تكليفه ببيت مال تميم بالمهدية وكذلك إدماجه في إدارة « الأشغال » أي الضرائب بصقلية التي كان عليها النصراني عبد الرحمان وهو المعروف في الكتابات المسيحية ب: كرستدولوس26 (Christodulus)، وهو بالإضافة إلى ذلك من أهل السّياسة والدبلوماسية ولذلك اصطفاه روجار ليكون رسوله للخليفة الفاطمي بمصر في أكثر من كرّة حسب المقريزي. ولا يستغرب أن يكون التقى الخليفة الحافظ فيكون ذلك مبررا إضافيا لعبارات الثناء والإطراء التي حظي بها في هذه الرّسالة.

وقد خدم جرجي أول الأمر الأمير الزيري تميم بن المعز بعد أسره وعائلته عند فراره من القسطنطينية في سنة 480/1087، وتولى على ما يبدو أمر سوسة ثم تولى بيت المال بالمهدية، وعندما تولى يحيى المُلكَ فرَّ جرجي من المهدية لاجئا إلى بلاط روجار في صقلية سنة 501/1107، وقد سهل له هذه المهمة الوزير النصراني عبد الرحمان وقد كان هو أيضا متولي الجباية في صقلية.

ويعطي الصفدي المتوفى سنة 764/1363 في كتابه الوافي بالوفيات27، ترجمة موجزة ولكنها في غاية الأهمية تبين خاصة الطور المشرقي لجرجي الإفرنجي وتاريخ وفاته وسببها حيث نقرأ: « الإفرنجي وزير روجار « خرخي الإفرنجي. وزير الملك روجار المتغلب على مملكة صقلية. كان بطلا شجاعا من دهاة النّصارى، سار في البحر وأخذ المهدية من المسلمين. ثم سار في البحر بالجيوش وحاصر القسطنطينية، ودخل فم الميناء وأخذ عدة شواني. ورمى أصحابه بالنّشاب في قصر الملك، وجرت له مع صاحب القسطنطينية عدة حروب ينصر في جميعها على صاحب القسطنطينية. وكان لا يصطلى له بنار، فهلك بالبواسير والحصى28 سنة ست و أربعين وخمسمائة وفرح الناس بموته .

على أن أحسن سيرة وأشملها هي التي سجلها المقريزي (766-845/1365-1442) في كتابه المقفى الكبير وهي تفوق بكثير ما دونه التجاني ةابن خلدون من بعده. وقد ترجم لجرجي باعتباره من الطارئين على مصر ونحن هنا نوردها مقتطفات مطولة من هذه الترجمة نظرا لأهميتها ولكونها تجمل تقريبا كل ما يعرف عن الرّجل، وتفصل ما سجله عنه كل من التّجاني وابن خلدون (ملحق 3) والصّفدي29.

كتب المقريزي: « … جرجي بن ميخائيل الأنطاكي، وزير روجار ملك الإفرنج بجزيرة صقلية. كان من جملة النصارى، وعمل هو وأهل بيته لملك القسطنطينية مدة. ورفع عليه وعلى أهله فأمر الملك بوصولهم إليه بالأهل والولد، فجمعوا في مركب وخرجوا في أربعين نفسا. فلقيهم أسطول السلطان تميم بن المعز بن باديس … وذلك سنة نيف وثمانين وأربعمائة، …فأخذهم… فسألوا الحضور بين يدي تميم فأمر بإحضارهم فذكروا أنهم حسّاب وأن السلطان ينتفع بهم في الخدم… وولى جرجي هذا عاملا على مدينة سوسة. …و مات السلطان تميم وقام من بعده ابنه يحيى بن تميم فخافه جرجي وكتب إلى السلطان عبد الرحمان وزير الملك روجار بن روجار ملك الفرنج … بأمره فيه أن يبعث له شينيا غزوانيا ليهرب فيه. فوصل الشيني إلى المهدية في سنة اثنين وخمسمائة، … فأخذ جرجي وجميع أقاربه وسار بهم بحيث لم يعلم به أحد.

فلما قدموا عليه أحسن إليهم وولاهم الدواوين بصقلية فأظهروا النصح فصار لهم عنده منزلة… فبعث جرجي رسولا إلى مصر كرات متعددة.


… فولى جرجي الوزارة، فجمع الأموال ورتب قواعد الملك وحجب روجار عن الرّعية، وجعل له زيا كزي المسلمين، لا يركب ولا يظهر للرعية إلا في الأعياد، وبين يديه الخيل المسوّمة بسروج الذهب والفضة والأجلة المرصعة بالأحجار، والقباب بالهودج، والبنود المذهبة، والمضلة والتاج على رأسه. ونعت جرجي بالسيد الأجل المرتضى عزّ الملك المظفر فخر الجلال نظام الرئاسة زعيم الجيوش شرف الوزراء أمير الأمراء. وأوقف روجار على سير الملوك، وأمر كتابا من كتابه يعرف بالحنش فجمع له سيرة.

فلما كانت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة عند أخذ المهدية،… واتسعت دولة روجار بتدبير جرجي. فلما وقع الغلاء في المغرب مع الفتن، رحل إليه من المراء والقضاة والفقهاء والأدباء والشعراء عالم كبير، فأوسعهم جرجي و روجار رفدهما وأنزلاهم عندهما. فعمرت الجزيرة أحسن عمارة وقصدها السفارة من كل البلاد بأنواع البضائع وطرف التجارة إلى أن كانت سنة ست وأربعين وخمسمائة مات جرجي الوزير وهو في التسعين فأقر روجار ولده ميخائيل بن جرجي في الوزارة، ثم مات روجار في العشر الأول من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ».

من المفيد أن نقف هنا عند بعض المسائل التي تطرحها ترجمة المقريزي وبقية الكتاب العرب:

        - أولها أن جرجي أُسّر من طرف تميم بن المعز الأمير الزيري سنة 480/1087، وانتقل لصقلية سنة 501/ 1108 وتوفي سنة 546/1151 أي أنه قضى في خدمة تميم 22 سنة و46 سنة في خدمة روجار وهي مدّة طويلة كما نرى تبلغ في مجملها 68 سنة، وإذا ما علمنا أنه تُوفي عن سنّ يناهز « التّسعين سنة » كما قال المقريزي فيعني ذلك أنه خرج من القسطنطينية وعمره 22 سنة. كل هذا يدعو للاستغراب والتساؤل ويجعلنا نشك في التواريخ الواردة في ترجمة المقريزي. وقد حاولت بعض الدراسات الحديثة التّصدي إلى هذا الإشكال واقترحت تعديل الأمر بشكل يجعله أكثر قابلية، من ذلك اعتبار أن من خدم الإمبراطور البيزنطي أليكسيس كومين (Alexis Comène) هو والد جرجي المسمى ميخائيل. فيكون جرجي غادر المشرق وهو صغير صحبة والده. ولكن إذا ما سلمنا بهذا التأويل فكيف نفهم دخوله مباشرة في خدمة تميم وتوليه مناصب عليا منذ أن حلَّ بالمهدية؟

        - المسألة الثانية التي لم تتعرض لها الترجمات العربية هي أسباب هروب جرجي وعائلته من القسطنطينية. فليس لدينا في هذا الصدد سوى جمل غامضة مثل: « كان قد هاجر من الشرق إلى تميم» عند التجاني أو « كان من جملة النصارى، وعمل هو وأهل بيته لملك القسطنطينية مدة. ورفع عليه وعلى أهله فأمر الملك بوصولهم إليه بالأهل والولد، فجمعوا في مركب وخرجوا في أربعين نفسا » عند المقريزي، ولا يمكننا هنا إلا أن نسوق بعض التكهنات منها أن الأمر يتعلق بالتعدي في مسك الحسابات أو بضلوع ميخائيل أو ابنه جرجي في محاولة اغتيال الإمبراطور التي جدت سنة 480/ 1087، مما جعله يقرر استدعاءهما لمعاقبتهما، فخيرا الهرب وعندها تمكن تميم من أسرهما وعائلتهما.

        - المسألة الثالثة هي الوجهة الأصلية لجرجي قبل اعتراضه من قبل أسطول تميم. فإلى أي مكان كان ينوي التوجه؟ من خلال بعض المؤشرات والعلاقات التي كانت لجرجي مع النّورمان يبدو أن وجهته الأصلية كانت بلاط روجار وبالتالي عندما اضطرب الأمر في المهدية بعد موت تميم سيده وحاميه، قرر الفرار نحو وجهة واضحة منذ البداية وهي بلرمة التي بقي على ما يبدو في تواصل مستمر معها. وهذا ما يفسر أنه لم يجد أي صعوبة في الانخراط مباشرة في بلاط الملك روجار وكأنه كان محل انتظار.

        - المسألة الأخيرة هي أن جرجي وعائلته فاق عددهم الأربعين وتدرجوا في المناصب قبل بلوغ المراتب العليا. فكان جرجي والي سوسة وكان شقيقه سمعان معاونا له « من بين يديه » قبل أن ينتقل إلى المهدية ويتحمل مسؤولية بيت المال وجمع الضرائب.

أما عن المعارك العسكرية التي خاضها جرجي في إفريقية فهي الآتية:

        - معركة المهدية سنة 517 / 1123 وهي معركة روى أطوارها كل من ابن الأثير والتّجاني وتم أثناءها دخول حصن الديماس القريب من المهدية ولكن الحملة انتهت بالهزيمة.

        - معركتا سنة 529/1135 وتم خلالهما احتلال جربة كما بينا ومحاولة الهجوم على المهدية،

        - معركة سنة 536/1142 وتمكن خلالها جرجي من دخول ميناء المهدية والاستحواذ على بعض المراكب الجاهزة للوسق وتمت الحملة بإبرام معاهدة صلح وقبول بشروط النّورمان، ويرى هادي روجي إدريس أن سبب هذه الحملة هو عدم إيفاء الأمير الزيري بتعهداته المالية تجاه روجار الثاني30.

        - معركة سنة 543/1148 وتم خلالها دخول المهدية وسوسة وصفاقس وإقليبية وغيرها من المناطق الإفريقية وهذه المعركة تمثل الضربة القاضية لدولة بني زيري.

بموت جرجي فقدت الدولة النّورماندية أحد أبرز قوادها العظام ولئن تم تعويضه بشخصية إفريقية أخرى هي فيليب المهدوي الذي سمي أميرا على البحر إلا أنه لم ينل من الحظوة ما ناله سلفه، فقتل متهما بكونه مسلما بعد أن حوكم من قبل أساقفة ورهبان روجار وأحرق في رمضان من عام 548/1153 31 أي بعد سنتين من موت جرجي وفي سنة وفاة روجار الثاني، وقد عيب عليه تعاطفه مع المسلمين وحسن معاملتهم في حملة بونة خاصة.

الخاتمة

إنّ هذه الرّسالة التي توقفنا عند جانب منها تبين تراجع الدولة الإسلامية مقارنة بالدول الأوربية المسيحية. فلم تكن جيوش إفريقية قادرة على التصدي لهجمات النّورمان، أو قادرة على استقطاب الكفاءات الأجنبية التي خيرت الالتجاء لصقلية وخدمة الدولة المسيحية بكل إخلاص. وفي نفس الفترة عجزت الخلافة الفاطمية عن الدفاع على أرض المسلمين فكانت تخير المجاملات والتعامل السلمي ومجاراة الأمر الواقع دون أخذ القرارات الحاسمة فكان الوهن سببا في الاستسلام وعدم الذود عن الأرض ومجابهة القرصنة البحرية فصارت مراكب المسلمين سواء القادمة من المشرق أو الذاهبة إليه عرضة للاغتصاب والاستيلاء دون أن تجد من يدافع عنها. وكان من مظاهر ضعف الدول العربية الإسلامية، بما في ذلك مركز الخلافة، عدم التصدي ولو شكليا إلى احتلال جربة وعدم القدرة على الحد من القرصنة التي يتعاطاها السّكان في الجزر دون أن تكون دولة بني زيري أو الخلافة قادرة على فرض سلطتها وبسط نفوذها. كل هذا أباح للقوى الغربية الصاعدة التدخل في شؤون إفريقية وشؤون الخلافة. فتجرأ الملك روجار الثاني على التدخل في شأن أحد وزراء الحافظ لدين الله، الوزير الأرمني المسيحي بهرام، الذي ألقي به في السجن بعد اتهامه بمحاولة الخروج عن الحكم. كل هذا ما كان ليحصل لو كانت الدولة عصية. ولكن لا بد أن نقر بأمر ما انفك يتعاظم ويكبر وهو أنه منذ القرن السادس الهجري/12م، وربما قبله، صار للمسيحيين حماتهم على ما نرى ولم يعد للعرب المسلمين من يحميهم أو من يقف إلى جانبهم. وأضحى الأمراء والخلفاء ينتظرون بكل جشع ونهم هدايا ملوك المسيحية وينتظرون موافقتهم حتى تتمكن سفنهم من الوصول إليهم سالمة وكانوا يبذلون كل الجهد لإرضاء ملوك الفرنجة بإرسالهم شتى الهدايا والعطايا.

كل ذلك يترجم عنه أسلوب الترسل الدبلوماسي لدى العرب الذي كان يعتمد في هذا العصر العصيب على الكلام الفضفاض الخفي المعاني والمشحون بالإيحاءات والإيماءات، أسلوب أساسه الأخلاقيات العامّة، التي وإن كان لا خلاف حولها، إلا أنها لا تعدو في النهاية أن تكون ضربا من ضروب اللّغو، كل ذلك خوفا من إثارة الطرف الآخر ومراعاة لمشاعره ومصالحه دون التحسب من ردة فعل عامة المسلمين، هذا من حيث المضمون. أما من حيث الشّكل، فلا بد أن نقر بأن المصادر العربية تبقى مفيدة إلى أبعد حدّ في الإحاطة بفترة مهملة. وهي تنفرد بتزويدنا بوثائق نادرة كهذه الرسالة الفاطمية و بمعلومات مثيرة عن جرجي الأنطاكي وهي شخصية فذة ومتداخلة فهي مشرقية/ شامية / بيزنطية / إفريقية / مسيحية / أرثوذكسية / نورماندية / إيطالية، تتقن العربية واليونانية واللاتينية، خدمت القسطنطينية وانقلبت عليها بضراوة وخدمت المسلمين وحاربتهم بقوة و شدّة، ولكنها نجحت أينما حلت وأبلت البلاء الحسن مع كل من خدمت، فخسرتها بيزنطة و خسرتها دولة بني زيري بعد فرارها نحو صقلية و فقد فيها النورمان بعد وفاتها رجل الدولة الشجاع فكانت وفاته إيذانًا بتراجع دولتهم.

الملاحق

ملحق رقم 1: نص رسالة الخليفة الحافظ لدين الله لروجار صاحب صقلية، صبح الأعشى، ج.6، ص. 458-463، طبع المطبعة الأميرية، القاهرة،1333/1915.

ملحق رقم 2: ترجمة جرجي الأنطاكي كما وردت لدى المقريزي، كتاب المقفى الكبير، تحقيق محمد اليعلاوي، بيروت دار الغرب الإسلامي، ج. 3، ص. 18–20.

« جرجي الأنطاكي وزير روجار. جرجي بن ميخائيل الأنطاكي، وزير روجار ملك الإفرنج بجزيرة صقلية. كان من جملة النصارى، وعمل هو وأهل بيته لملك القسطنطينية مدة. ورفع عليه وعلى أهله فأمر الملك بوصولهم إليه بالأهل والولد، فجمعوا في مركب وخرجوا في أربعين نفسا. فلقيهم أسطول السلطان تميم بن المعز بن باديس صاحب بلاد المغرب، وذلك سنة نيف وثمانين وأربعمائة، وهو راجع من غزو القسطنطينية، فأخذهم و أتي بهم إلى المهدية من أرض إفريقية. فسألوا الحضور بين يدي تميم فأمر بإحضارهم فذكروا أنهم حسّاب وأن السلطان ينتفع بهم في الخدم. فأحسن تميم إليهم وقلدهم الأمور. فظهر نصحهم. وولى جرجي هذا عاملا على مدينة سوسة. وجعل سمعان أخاه بين يديه وكان لم يبلغ الحلم. فجعل يلتقط الأخبار من إخوته ومن غيرها ويوصلها له. فبلغ السلطان يحيى ابن تميم أنه نقل عنه كلاما. فضاق به صدره وثقل على يحيى بن تميم فأمر من خنقه ليلا.

ومات السلطان تميم وقام من بعده ابنه يحيى بن تميم فخافه جرجي وكتب إلى السلطان عبد الرحمان وزير الملك روجار بن روجار ملك الفرنج المعروف بأبي تليس صاحب جزيرة صقلية بأمره فيه أن يبعث له شينيا غزوانيا ليهرب فيه. فوصل الشيني إلى المهدية في سنة اثنين وخمسمائة، وفيه رسول إلى السلطان يحيى بن تميم. فأخذ جرجي وجميع أقاربه وسار بهم بحيث لم يعلم به أحد.

فلما قدموا عليه أحسن إليهم وولاهم الدواوين بصقلية فأظهروا النصح فصار لهم عنده منزلة. وشب الملك روجار وشارك عبد الرحمان الوزير في الأمر والنهي. فتقرب إليه جرجي بكل ما يوافقه. فبعث جرجي رسولا إلى مصر كرات متعددة.

ولم يزل جرجي يسعى بالسلطان عبد الرحمان حتى أخذه روجار وجعله في قفص حديد وقتله. وولى وزارته أبا الضوء كاتب إنشائه، وكان من أهل الأدب، فلم ينهض بالأمر. فولى جرجي الوزارة، فجمع الأموال ورتب قواعد الملك وحجب روجار عن الرعية، وجعل له زيا كزي المسلمين، لا يركب ولا يظهر للرعية إلا في الأعياد، وبين يديه الخيل الموسمة بسروج الذهب والفضة والأجلة المرصعة بالأحجار، والقباب بالهودج، والبنود المذهبة، والمضلة والتاج على رأسه.

ونعت جرجي بالسيد الأجل المرتضى عزّ الملك المظفر فخر الجلال نظام الرئاسة زعيم الجيوش شرف الوزراء أمير الأمراء. وأوقف روجار على سير الملوك، وأمر كتابا من كتابه يعرف بالحنش فجمع له سيرة.

فلما كانت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة عند أخذ المهدية، بلغت شوانيه مائتي شيني ومائة طريدة، غير الحمّالة. فخرج جرجي في الأسطول بنفسه وفتح الجزائر التي بين المهدية وصقلية. ثم صار في ملكه من سواحل إفريقية ما بين أول طرابلس إلى الحمامات بالقرب من تونس، وفي البرّ إلى قرب القيروان. واتسعت دولة روجار بتدبير جرجي. فلما وقع الغلاء في المغرب مع الفتن، رحل إليه من المراء والقضاة والفقهاء والأدباء والشعراء عالم كبير، فأوسعهم جرجي و روجار رفدهما وأنزلاهم عندهما. فعمرت الجزيرة أحسن عمارة وقصدها السفارة من كل البلاد بأنواع البضائع وطرف التجارة إلى أن كانت سنة ست وأربعين وخمسمائة مات جرجي الوزير وهو في التسعين فأقر روجار ولده ميخائيل بن جرجي في الوزارة.

ملحق رقم 3: ابن خلدون، كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ط، دار الفكر بيروت، 2000، ج. 6، ص. 214، فصل دولة الحسن بن علي.

« ولما هلك علي بن يحيى بن تميم ولي بعده ابنه الحسن بن علي غلاما يفعة ابن اثنتي عشرة سنة وقام بأمره مولاه صندل ثم مات صندل وقام بأمره مولاه موفق وكان أبوه أصدر المكاتبة إلى رجار عند الوحشة يهدده بالمرابطين ملوك المغرب ولما كان بينهما وبينهم من المكاتبة واتفق أن غزا أحمد بن ميمون قائد أسطول المرابطين صقلية وافتتح قرية منها فسباها وقتل أهلها سنة ست عشر وخمسمائة فلم يشك رجار أن ذلك باملاء الحسن فنزلت أساطيله إلى المهدية وعليهم عبد الرحمن بن عبد العزيز وجرجي بن مخاييل الأنطاكي وكان جرجي هذا نصرانيا هاجر من المشرق وقد تعلم اللسان وبرع في الحساب وتهذب في الشام بأنطاكية وغيرها فاصطنعه تميم واستولى عليه وكان يحيى يشاوره فلما هلك تميم أعمل جرجي الحيلة في اللحاق برجار فلحق به وحظى عنده واستعمله على أسطوله فلما اعتزم على حصار المهدية بعثه لذلك فزحف في ثلثمائة مركب وبها عدد كثير من النصرانية فيهم ألف فارس وكان الحسن قد استعد لحربهم فافتتح جزيرة قوصرة وقصدوا إلى المهدية ونزلوا إلى الساحل وضربوا الأبنية وملكوا قصر الدهانين وجزيرة الأملس وتكرر القتال فيهم إلى أن غلبهم المسلمون وأقلعوا راجعين إلى صقلية بعد أن استمر القتل فيهم ووصل بأكثر ذلك محمد بن ميمون قائد المرابطين بأسطوله فعاث في نواحي صقلية واعتزم رجار على إعادة الغزو إلى المهدية ثم وصل أسطول يحيى بن العزيز صاحب بجاية لحصار المهدية ووصلت عساكره في البر مع قائده مطرف بن علي بن حمدون الفقيه فصالح الحسن صاحب صقلية ووصل يده به و استمد منه أسطوله واستمد الحسن أسطول رجار فأمده وارتحل مطرف إلى بلده وأقام الحسن ملكا بالمهدية وانتقض عليه رجار وعاد إلى الفتنة معه ولم يزل يردد إليه الغزو إلى أن استولى على المهدية قائد أسطوله جرجي بن مخائييل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ووصلها بأسطوله في ثلاثمائة مركب وخادعهم بأنهم إنما جاؤا مددا له وكان عسكر الحسن قد توجه صريخا لمحرز بن زياد الفادغي صاحب علي ابن خراسان صاحب تونس فلم يجد صريخا فجلا عن المهدية و رحل واتبعه الناس ودخل العدو إلى المدينة و تملكوها دون دفاع ووجد جرجي القصر كما هو لم يرفع منه الحسن إلا ما خف و ترك الذخائر الملوكية فأمن الناس وأبقاهم تحت إيالته ورد الفارين منه إلى أماكنهم و بعث أسطولا إلى صفاقس فملكها و أجاز إلى سوسه فملكها أيضا وأجاز إلى طرابلس كذلك واستولى رجار صاحب صقلية على بلاد الساحل كلها ووضع على أهلها الجزي وولى عليهم كما نذكره إلى أن استنقذهم من ملكة الكفر عبد المؤمن شيخ الموحدين وخليفة إمامهم المهدي. ولحق الحسن بن يحيى بعد استيلاء النصارى على المهدية بالعرب من رياح وكبيرهم محرز بن زياد الفادعي صاحب القلعة فلم يجد لديهم مصرخا وأراد الرحيل إلى مصر للحافظ عبد المجيد فأرصد له جرجي فارتحل إلى المغرب و أجاز إلى بونة و بها الحارث بن منصور و أخوه العزيز ثم توجه إلى قسنطينة و بها سبع بن العزيز أخو يحيى صاحب بجاية فبعث إليه من أجازه إلى الجزائر و نزل على ابن العزيز فأحسن نزله و جاوره إلى أن فتح الموحدون الجزائر سنة سبع و أربعين و خمسمائة بعد تملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فلقاه تكرمة وقبولا ولحق به وصحبه إلى أفريقية في غزاته الأولى ثم الثانية سنة سبع وخمسين و خمسمائة فنازل المهدية وحاصروها أشهرا ثم افتتحها سنة خمس وخمسين وخمسمائة وأسكن بها الحسن وأقطعه رجيش فأقام هنالك سنين ثم استدعاه يوسف بن عبد المؤمن فارتحل بأهله يريد مراكش و هلك بتامسنا في طريقه إلى بابا رولو سنة ست و ثلاثين و الله وارث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين ورب الخلائق أجمعين ».

الهوامش

1 Marius CANARD, 1955, vol. I, p. 125–146.
2 Pierre GUICHARD, 1991.

3 انظر صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، 1915، الجزء السادس، ص. 458-463.
4 تتعرض الوثيقة إلى إقالة الوزير الأرمني بهرام وأسره بصعيد مصر وهو ما تم بالفعل سنة 531/1137.
5 أسرارهم وسببهم في المطبوع، ابن الأثير، 2009، الجزء التاسع، أحداث سنة 529، ص. 286.
6 ابن الأثير، 2009، الجزء التاسع، أحداث سنة 529، ص. 286.
7 التجاني، 1981، ص. 120-121.
8 التجاني، 1981، ص.121-122.
9 انظر رحلة ابن جبير، 1980، ص. 297 وما يليها.
10 ابن الأثير، 2009، أحداث سنة 529.
11 التجاني، 1981، ص.339-340.
12 يقصد بها نصرة الحسن ضد يحيى صاحب بجاية.
13 أنطالية في المطبوع وهو خطأ.
14 انظر في هذا الصدد كتاب المؤرخ الفرنسي: .Ferdinand CHALANDON, 1907
15 ابن الأثير، 2009، أحداث سنة 536.
16 التجاني، 1981، ص. 340.
17 Amiratus amiratorum
18 المقريزي، 1991، ج.3، ص.18-20.
19 كثيرة هي الدراسات الغربية عن جرجي ويمكن أن نحيل هنا على العمل القيم والمفيد الذي أنجزه الباحث: Prigent VIVIEN, 2001, p. 193-207.
20 الهادي روجي إدريس، 1992، ج. 1 ص. 299.
21 التجاني، 1981، ص.241.
22 التجاني، 1981، ص. 341-342.
23 يبدو أن المصادر المسيحية لم تترجم لجرجي ولذلك اعتمدت جل الدراسات بما في ذلك الغربية على ما دونته المصادر العربية أنظر مثلا ما كتب عنه كتابي:
         - John-Julius NORWICH,1967. et 1970.
وخاصة كتابات الباحثة الفرنسية أنيلياس ناف وهي كثيرة وقيمة جدا، مثل:
         - Annliese NEF, 2011 ; 2010 ; 2015.
24 التجاني،1981، ص.333. في سرده لأحداث دولة الحسن بن علي ذكر ابن خلدون، 2000، ج 6، ص. 214، ما يلي: « وكان جرجي هذا نصرانيا هاجر من المشرق وقد تعلم اللسان وبرع في الحساب وتهذب في الشام بأنطاكية وغيرها فاصطنعه تميم واستولى عليه وكان يحيى يشاوره فلما هلك تميم أعمل جرجي الحيلة في اللحاق برجار فلحق به وحظى عنده واستعمله على أسطوله فلما اعتزم على حصار المهدية بعثه لذلك فزحف في ثلثمائة مركب وبها عدد كثير من النصرانية فيهم ألف فارس … ».
25 التجاني، 1981، ص. 214-333-335-340.
26 نظر هادي روجي إدريس، 1992، ج.1، ص.361، وهناك جدل حول أصوله بين من يراه يوناني الأصل وبين من يراه عربي نصراني، وهو أول من تقلد لقب « الأمير » وقاد حملة المهدية سنة 1123/517.
27 الصفدي، 2000، ج. 13، ص. 187.
28 مرض البواسير هو الذي يعرف بالفرنسية بالـ hémorroïdes و hemorrhoid بالإنجليزية، أما مرض الحصي فقد يكون إشارة إلى مرض الكلى.
29 المقريزي، 1991، ج. 3، ص.18 وما يليها.
30 الهادي روجي إدريس، 1992، ج.1، ص. 407.
31 الهادي روجي إدريس، 1992، ج.1، ص. 422.

المصادر والمراجع

ابن الأثير،2009، الكامل في التاريخ، ط.دار الكتب العلمية، بيروت.

ابن جبير، 1980، رحلة ابن جبير، دار صادر، بيروت.

ابن خلدون، 2000، كتاب العبر، ج. 6، طبعة دار الفكر، بيروت.

التجاني، 1981، رحلة التجاني، تحقيق وتقديم حسن حسني عبد الوهاب، الدار العربية للكتاب، ليبيا-تونس.

الصفدي، 2000، الوافي بالوفيات، ج.13، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت.

القلقشندي، 1915، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء ، الجزء السادس، المطبعة الأميرية، القاهرة.

المقريزي، 1991، كتاب المقفى الكبير ـ تحقيق محمد اليعلاوي، ج.3، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

الهادي روجي إدريس، 1992، الدولة الصنهاجية ، تاريخ إفريقية في عهد بني زيري من 10 إلى القرن 12 م، تعريب حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

CANARD Marius, 1955, « Une lettre du calife fāṭimide al-Ḥāfiẓ (524-544/1130-1149) à Roger II », Atti del Convegno Internazionale di Studi Ruggeriani, Palerme, vol. I, p. 125–146.

CHALANDON Ferdinand, 1907, Histoire de la domination normande en Italie et en Sicile, 2 vol., Paris.

GUICHARD Pierre, 1991, L’Espagne et la Sicile musulmanes aux XIe et XIIe siècles, PUL, 240 pages.

NEF Annlies, 2010, La Sicile de Byzance à l’Islam, Paris.

NEF Annliese, 2015, « Dire la conquête et la souveraineté des Hauteville en arabe (avant le milieu du XIIIe siècle)», Tabularia. Etudes, n°. 15, p. 1‑15.

NEF Annliese, 2011, Conquérir et gouverner la Sicile islamique aux XIe et XIIe siècles (B.E.F.A.R.), Rome.

NORWICH John-Julius, 1970, The Kingdom in the Sun, 1130-1194, Longman : Londres.

NORWICH John-Julius, 1967, The Normans in the South, 1016-1130, Longman : Londres.

VIVIEN Prigent, 2001, « L’archonte Georges, prôtos ou émir ? », Revue des études byzantines, tome 59, p. 193-207.

الكاتب

فوزي محفوظ

أستاذ تعليم عال، مخبر الآثار والعمارة المغاربية – جامعة منوبة.

Retour en haut