Al Sabîl

Index

Information

A propos Al-Sabil

2024 | 17

عنف المقدّس في المصادر التاريخية والذاكرة الشعبية بالبلاد التونسية خلال العهد الحديث: دراسة لبعض النماذج المنتقاة

ماهر عافي

الفهرس

الملخّص

تطرح هذه المداخلة إشكالية عنف المقدّس أو "عنف الأولياء والصالحين" في إطار مقاربة تاريخية وأنتربولوجية خلال العهد الحديث بالبلاد التونسية وذلك من خلال نماذج من سير بعض الأولياء والصلحاء الذين تأكد حضورهم خلال الفترة المدروسة. ونعتقد أن هذه المسألة جديرة بالاهتمام لاعتبارات عديدة يتعلق بعضها بما لاحظناه من هيمنة هذا المعتقد في الممارسات الإجتماعية لدى الجماعات المحلية موضوع الدراسة. إلى جانب ذلك يبدو أن عنف المقدّس المتجسد في إطار غضب الأولياء وسخطهم أو ما تعبر عنه المصادر التاريخية بـ "كرامات الانتقام والسخط" يعدّ من الظواهر المجتمعية التي ظلت محمّلة برموز مختلفة تعكس خصوصية علاقة الإنسان بالدين. والسؤال المطروح كيف يمكننا تفسير سخط الوليّ الذي يمثل في المقابل مجال البركة والحماية والإغاثة على الأقل من منظور مجتمعيّ؟ ثم كيف تمثلت الجماعات المحلية هذا العقاب الولائي الذي رسم تاريخ علاقة المجتمع بطقوسه وتأويلاته المغايرة للدين والمقدّس؟ سنحاول من خلال ما توفر لدينا من مصادر تاريخية أصيلة ومن أدبيات اخبارية ومناقبية، فضلا عن المأثورات الشفوية، تحليل هذه الظاهرة وفهم مضامينها .

الكلمات المفاتيح

مقدس، سخط ، كرامة ، ولي، سلطة سياسية.

Résumé

À travers ce papier, nous comptons étudier la violence saint, c’est-à-dire la violence attribuée aux saints dans le cadre d’une approche historique et anthropologique durant l’époque moderne en Tunisie à travers des exemples bien précis. Nous estimons que cette question mérite l’attention pour de nombreuses considérations, parmi les quelles la prédominance de cette croyance jusqu’aujourd’hui dans les pratiques sociales des groupes locaux étudiés. Comment donc interpréter le mécontentement du saint symbole de bénédiction, la protection et le soulagement? À travers les sources historiques, littéraires, ainsi que des traditions orales que nous disposons, nous essayons d’analyser les différentes formes de ce phénomène.

Mots clés

sacré, mécontentement, dignité, châtiment, pouvoir politique.

Abstract

In this paper, we intend to study saintly violence, the violence attributed to saints, within the framework of a historical and anthropological approach during the modern era in Tunisia, using specific examples. We believe that this issue merits attention for a number of reasons, not least of which is the predominance of this belief to this day in the social practices of the local groups studied. So how should we interpret: the displeasure of the holy symbol of blessing, protection and relief? Using historical and literary sources, as well as the oral traditions available to us, we attempt to analyses different forms of this phenomenon.

Keywords

sacred, dignity, punishment, community, political power.

المرجع لذكر المقال

ماهر عافي، « عنف المقدّس في المصادر التاريخية والذاكرة الشعبية بالبلاد التونسية خلال العهد الحديث: دراسة لبعض النماذج المنتقاة »، السبيل : مجلة التّاريخ والآثار والعمارة المغاربية [نسخة الكترونية]، عدد 17، سنة 2024.

URL : https://al-sabil.tn/?p=10674

نص المقال

المقدمة

لئن أثارت دراسة العنف والمقدّس اهتمام عديد الدارسين من اختصاصات مختلفة1، فإنّ الدراسات التاريخية حول عنف المقدّس أو ما تسميه المصادر المنقبية بـ "كرامات السخط والانتقام"2 ظلت قليلة رغم ما تكتسيه هذه الظاهرة من أهمية لافتة للأنظار ومن حضور متميز سواء من خلال هذه الممارسات الدينية والطقوسية التي تتخلل الحياة اليومية، أو من خلال الذاكرة الجماعية والشعبية وفي أدبيات المناقب والنصوص الإخبارية. ويفسّر بعض الباحثين قلة الدراسات التاريخية إلى فكرة درجت في أوساط الباحثين مفادها أنّ مثل هذا الأدب مرتبط بالمشغلين بالعقائد والأديان والمباحث الفقهية والأدب وغيره نظرا لكثافة حضور العجيب والأسطوري فيه3. ونعتقد أن علاقة العنف بالمقدّس من الظواهر المجتمعية التي ظلت محملة بالدلالات والرموز الاجتماعية والدينية ذلك أن التاريخ لا تحركه الوقائع المادية التي حدثت بالفعل وإنما تصنعه أيضا الطقوس والشعائر الدينية وغيرها من منتجات المخيال الجمعي4 خوفا أو أملا، هروبا أو إقداما، قنوطا أو رجاء5. وقد سبق للباحث الأنتربولوجي "جلبير دوران" (Gilbert Durant) في أطروحته "بُنى الخيال الرمزية" أن بيًن مدى أهمية المخيال باعتباره "أداة مفهوميّة تعتمد في تحليل الظواهر العجائبية والغريبة في الظاهرة الدينية وتأويلها من وجهة نظر منهجية"6.

لذلك من المفيد دراسة موضوع عنف المقدّس أو "سُخط الوليّ" خلال العهد الحديث بالبلاد التونسية في إطار مقاربة تاريخية وأنتربولوجية حيث لعب العنف دورا أساسيا في صنع الولاية الصوفية وترسيخ كرامات الوليّ وتأكيد عملية الاعتقاد فيه بالحواضر والأرياف على حد سواء. وذلك من خلال نماذج من سير بعض الأولياء والصلحاء الذين تأكد حضورهم خلال الفترة المدروسة. ولئن اعتبر البعض أنّ عنف الأولياء موجه أساسا ضد السلطة وأعوانها وضد بعض الشرائح الاجتماعية العنيفة مثل الأعراب حيث مثل شكلا من أشكال انتقام المجتمع بواسطة الأولياء من العنف المسلط عليه7، فإنّ البعض الآخر يرى أنّ عنف المقدّس تراوح بين الدفاع عن المشروع الصوفي برمّته من جهة وبين خدمة مصالح الوليّ المادية والرمزية خاصة بعد القرن السادس عشر8.

ولعل اختلاف الآراء بشأن مقاربة هذه الظاهرة يعكس صعوبة ضبطها منهجيا ومعرفيا من جهة والحاجة إلى إعادة النظر في الأسس التي تقوم عليها والأسباب الحقيقية التي تقف وراء ديمومتها واختراقها لجل مجالات الحياة اليومية ببلاد المغرب عامة والبلاد التونسية بصفة خاصة طيلة العهد الحديث من جهة ثانية حتى أن خطابنا اليومي ظل محملا بمصطلحات تعكس علاقة المقدّس بالعنف من ذلك"دقو" و"طاح فيه" وغيرها من المصطلحات التي تؤكد قوة غضب الوليّ من جهة وأهميه هذا المعتقد لدى الجماعات المحلية. والسؤال المطروح هو كيف يمكننا فهم سخط الوليّ الذي تعتبره الجماعة المحلية مجال البركة والحماية والإغاثة؟ ثمّ كيف تمثلت الجماعات المحلية هذا العقاب الولائي الذي رسم تاريخ علاقة المجتمع بمقدساته؟

ولئن تعدّدت مجالات عنف المقدّس واختراقه لكل مجالات الحياة اليومية، فإنّ الحدود المنهجية والمعرفية لهذه الدراسة اقتضت منا تتبع خصائص هذه الظاهرة وتحديد أبرز تحولاتها في بعديهَا السياسي والاجتماعي خلال العهد الحديث من خلال بعض النماذج المنتقاة.

عنف المقدّس وعنف السياسي

في دلالات مفاهيم العنف وسخط الوليّ: إرث قديم متجدد

رغم اختلاف آراء الباحثين حول تعريف مفهوم العنف فإنّ ارتباطه بالمقدّس يزيد الأمر تعقيدا ويطرح أسئلة عديدة، إذ كيف يمكن للمقدس أو الديني الذي يدعو إلى إشاعة قيم الطهارة والمحبّة والبركة أن يكون متصفا بالشدة والإكراه والقوة ؟ فقد جاء في مناقب السيدة عائشة المنوبية وهي وليّة عاشت حوالي القرن 13م بالحاضرة التونسية أنه "... إذا أراد الله هلاك إنسان عرضه الله تعالى لأوليائه. يا إخواني لا تتعرضوا للأولياء فتتعرضون لسخط الله. إنهم قوم رضي الله في رضاهم ومقرون حبه بحبهم. وقد أوصت رابعة العدوية رضي الله عنها فقالت تأدبوا في حق أولياء الله تعالى ..."10. ورغم أنّ هذه المناقب تقيم مقابلة بين السخط والمعارضة من جهة والرضا والمحبة من جهة ثانية. فإنها تربط عمدا بين سخط الأولياء بسخط الذات الإلهية لذلك حظيت كرامات الانتقام والسخط باهتمام كبير في المدونات المناقبية بالنسبة للولي سيدي أحمد بن عروس ولي الحاضرة حتى أنّ المناقب تصنفه من بين الأولياء المستورين بستر السخط والانتقام إلى جانب السيدة المنوبية التي تحل بكرامات العنف في المرتبة الثانية بعد كرامات المكاشفة11.

والملاحظ من خلال ما تقدمه هذه السير المناقبية أنّ عنف المقدّس يظل في النهاية تعبيرا عن عملية معقدة يحاول الوليّ من خلالها تأكيد ذاته وتحقيق الإعتراف ببركته وتأصيل حقوقه المختلفة في علاقته بالمجتمع وبالسلطة السياسية. إلى جانب ذلك يبدو العنف المقدّس آلية مقاومة لأشكال مختلفة من الإكراه المادي والرمزي الذي يتعرّض له الوليّ والمنتسبين له واللاجئين إليه. لذلك يبدو أن مقاربته التاريخية تستدعي منا الوقوف عند مستويَيْنِ وهما:

        • المستوى الأول يتصل بمقدس عنيف ببعديه المادي والرمزي حيث تشير أدبيات المناقب إلى أنّ السلوك الطرقي يقتضي خيارات قاسية يخوضها الوليّ تجاه نفسه مثل العزلة والانقطاع عن الناس أو أو تجاه مريديه ومرضاه من خلال ضربهم وتعنيفهم. وهو أمر يذعن له المعنف بل يعتبره من أسباب الفتح12 أو العلاج والخلاص13. أمّا العنف الرمزي الذي يكون المقدّس فاعله، فيتخذ شكل الدعاء بتسليط الأذى والعقاب بالمرض والموت أوالبَرَدْ والجراد وغيرها من وسائل الانتقام التي يتدخل في تحديد مساراها الوليّ أو المقدّس بصفة عامة. وهو عنف في غالبيته رمزي ومتخيل، لاسيما أنه ورد في سياق سرد إخباري غلب عليه الطابع الكرامي الخارق للعادة14.

        • المستوى الثاني وهو أن يتحوّل المقدّس إلى موضوع عنف من قبل أطراف سياسية أو اجتماعية صاحبة سلطة مادية ومعنوية حيث يتعرض المقدّس أو الوليّ إلى أنواع شتى من العنف المادي والرمزي مثل السجن والنفي أو القتل إلى جانب السخرية والتهكم والاستهزاء من لباس الولي وسلوكه. وفي كلتا الحالتين يحتفظ الولي أو المقدس بصفة عامة في الذاكرة الجمعية وفي الأدبيات المنقبية بصورة "السلطان الساخط" على كل أشكال الانتهاك والعنف التي تحاول أن تنال منه ومن صورته "الخارقة للعادة". ويبدو أنه نتيجة هذا التمثل الرهيب لسخط الوليّ يشير الباحث الأنتربولوجي "إدموند دوتي" (Edmond Doutté) إلى أن بعض الجماعات المحلية ببلاد المغرب كثيرا ما كانت تفضل اللجوء لحل نزاعاتها إلى ولي صالح بدل اللجوء إلى قاضي شرعي ويفسر ذلك بسرعة نجاعة تدخّل الوليّ في ردّ المظالم مع ما يرافق ذلك من "قهر للخصوم وهتك لشرورهم"15.

ونتيجة هذه المعتقدات تأسّست من خلال سخط الوليّ ضرورة تمييز أبناء الزاوية، أي أصحاب البركة والكرامات بحيث لا يجب التشكيك في قدراتهم العقابية بل يجب تجنب لعنتهم وسخطهم .وقد لقي أحفاد زاوية سيدي عبيد وزاوية سيدي تليل مثلا حظوة متميزة في الذاكرة الجمعية للجماعات المحلية بالوسط والجنوب الغربيين حتى أنّ العلاقات الروحية بين مختلف هذه الأطراف ظلت تحكمها التزامات اتخذت أشكالا مختلفة كالنذور والفتوحات التي يفرض عدم الإيفاء بها حالة من الخوف والرعب من سخط المقدّس وانتقامه. فماهي اذا أهم مجالات سخط المقدّس من خلال النماذج الولائية التي حاولنا مقاربة تجربتها؟

عنف الوليّ: تأكيد حرمة المؤسسة الدينية واللاجئين إليها

إلى جانب تخصيص أخبار المناقب معطيات تاريخية مختلفة عن علاقات التقارب بين الوليّ والأمير فإنّ الأدبيات المناقبية والمأثورات الشفوية تزخر بالحديث عن أخبار العنف المادي والرمزي الذي يتعرض له المقدّس. ولعل من أهمها التعدي على حرمة الوليّ الجسدية من ذلك مثلا "الإلقاء في النار أو في قفص به أسد" من قبل رموز السلطة السياسية، خاصة خلال مرحلة تشكل السلطة السياسية. والسؤال المطروح لماذا راهنت سيرة الوليّ على هذا التصادم بالسياسي؟

جاء في سيرة الوليّ سيدي خليف مؤسّس زاويته ببلاد قمودة منذ بداية العهد الحديث أنّ " أحد البايات المراديّين لما كان متجها في محلّة إلى الجنوب لجمع الضرائب التقى بالوليّ سيدي خليف بسفح جبل قطرانة حيث زاويته. وفي ظروف غامضة تضيف الرواية أن الباي أمر جنده بإلقاء الوليّ في حفرة بها نار. لكن الوليّ تمكن من النجاة بنفسه وسرعان ما تحول ظلم الباي له إلى لعنة صاحبت الباي الذي لم يستطع بعد ذلك عبور الوادي الذي تحول ماءه إلى دم ..."16. فكانت هذه الواقعة وراء اعتراف الباي بكرامات الوليّ ومنحه أرضا تمتد على حوالي 36 هكتار. ونتيجة هذا الاعتراف السياسي تمكن الوليّمن تحييز مجالات زراعية شاسعة نجح في فترة لاحقة من تحبيسها لفائدة مؤسسته وأبنائه وذلك بمساعدة السلطة الحسينية17.

في نفس السياق تقريبا وغير بعيد عن زاوية سيدي خليف تردّد ذاكرة سيدي علي بن عون التي تأسست في حدود القرن الثامن عشر قريبا من مدينة قفصة أخبارا عن صراع الوليّ مع حسين بن علي مؤسس السلطة الحسينية الذي رفض حسب الذاكرة إعفاء الوليّ من الجباية باعتبار عدم اعترافه بكرامات الوليّ وصلاحه. حيث تشير الذاكرة إلى الوقائع التالية: "...طلب الوليّ من الباي إعفاء عشيرته من الجباية المفروضة عليهم حتى يستطيع تمويل زاويته. لكن الباي رفض ذلك ولما تحول الولي إلى قصر باردو أمر الباي برمي الوليّ في قفص حتى يكون طعاما للأسد...لكن الوليّ تمكن من إخضاع الأسد وترويضه وخلاص نفسه منه. وهو أمر زاد في دهشة الباي الذي سارع إلى تحقيق مطالب الوليّ .."18.

ولعل نجاح الولي في انتزاع إعتراف السلطة السياسية بكرامته ومعجزاته تزامن مع تأكيد قوة المقدس في قهر سلطة الأسد. هذا الحيوان القوي والمفترس الذي ظل يحتل مكانة بارزة في مناقب الولي باعتبار ما يمثله حضوره من رمزية كبيرة تحيل على معاني حكمة الولي وقدراته الكبيرة على حماية جماعته وغيرها من الدلالات التي أنتجها المتخيل الديني بهدف تأكيد الرصيد الرمزي للولي19.

والثابت أن هذه المواقف الساخطة للمقدس تجاه السلطة السياسية نجد صداها أيضا بمناقب الوليّ أحمد التليلي مؤسس زاويته بفريانة بالوسط الغربي التونسي أواسط القرن الثامن عشر وغير بعيد عن زاوية علي بن عون حيث تنقل لنا هذه المناقب أخبار سخط الوليّ تجاه الباي حسين بن علي الذي عمد إلى انتهاك حرمة أحد أبناء الوليّ سيدي بوعلي السني سلطان الجريد بعد أن أمر بسجنه. يقول الشيخ مستنكرا هذا السلوك ومعبرا عن تضامنه مع أبناء شيخه لرد الاعتداء وضمان حرمتهم الجسدية: "... قرر الله عليه بزوال ذلك النعيم الدنيوي والبطش القوي على يد ولي الله البالغ القطب سلطان الجريد شيخنا سيدي بوعلي...وشرعت في ذلك الحين في الدعاء عليه بعد صلاة العصر ونحن جلوس مع بعض الإخوان وبالغت في الدعاء عليه ..."20.

توحي كل هذه الوقائع أن العنف السياسي الذي تجسد في "رمي الولي في النار أو في قفص به أسد" قد واجهته قوة ولائية خارقة للعادة وأشد عنفا وإبهارا. وهي قوة نجحت في تأكيد اعتراف صاحب السيف بكرامات صاحب الولاية والبركة. والثابت أنّ هذا الاعتراف شمل حرمة الوليّ الجسدية أولا ثم حرمة مؤسسته الدينية ثانيا من خلال مراعاة حرمة اللاجئين إليه هروبا من العنف السياسي.

والثابت أن اعتراف السلطة السياسية بهذه الحرمات من شأنه تقويض نزوعها إلى مركزة نفوذها السياسي. ففي هذا السياق ينقل لنا صاحب مدوّنة تكميل الصلحاء والأعيان لمعالم الايمان في أولياء القيروان حول ما تعرّض له الوليّ سيدي أحمد بوتليس بمدينة القيروان21 : " إنّ قائدا كان بالقيروان جاءته شكاية برجل. فأرسل له خداما ليأتوا به إليه فذهبوا إليه. ففر منهم وتحصن بضريح سيدي أحمد بوتليس. فرجعوا إلى القائد وأخبروه... فقال لهم على طريق الاستهزاء حتى بوتليس تعملوا له حرمة. ارجعوا إليه وأخرجوه كرها ولو من تحت التابوت. فرجعت إليه الخدام وأخرجوه كرها. فحل به في الحين داء في مخرجه وصار يصيح...ولازال يصيح حتى مات..."22. والملاحظ أنّ هذه الرواية تتضمن عددا هاما من الاعتداءات التي قام بها القايد أو حاكم مدينة القيروان تجاه الوليّ من بينها التهكم والسخرية رافق هذه الأعمال تدخلا عنيفا تم بمقتضاه انتهاك حرمة ضريح الوليّ وقضى بإخراج أحد المتحصنين به بواسطة القوة والعنف. أما عقاب الوليّ وسخطه فقد تجسد من خلال مرض مفاجئ وألام حادة ألمت بحاكم المدينة مما أدى إلى وفاته في الحال.

إنّ اعتراف السلطة السياسية بـ "حرم المقدّس" قد تمّ تدريجيا من خلال سيرورة تاريخية طويلة تراوحت بين التصادم أحيانا والتحالف أحيانا أخرى. ذلك أنّ السلطة السياسية خلال العهد العثماني قد تفطنت إلى أنه لا يمكنها فرض مركزة سياسية قوية على مجالها إلا من خلال تحالفها مع المقدّس. ففي هذا الإطار يمكننا فهم الحظوة المتميزة التي حظي بها المقدّس من خلال مراعاة حرمة الوليّ وحفظ جنابه وعدم الاعتداء على زاويته إلى جانب الاعتراف بحق حماية اللاجئين إليها والمستغيثين بها وتقديم الامتيازات الجبائية المختلفة لها23 مقابل مساهمة المقدّس في تأكيد المشروع السياسي برمّته وإسباغ الشرعية المطلقة لصاحب السيادة السياسية وتبرير سلطته المطلقة.

عنف الوليّ تأكيد لشرف الجماعة المحليّة وعرضها

إلى جانب محاولة الوليّ تأكيد حرمته الجسدية وحرمة مؤسّسته الدينية تجاه الاختراقات السياسية التي كانت تحاول مركزة نفوذها والحد من تصلب النفوذ المحلي وخاصة نفوذ المقدّس. فإنّ حاجة المقدّس إلى حماية اللاجئين إليه والمستغيثين به بدت ضرورية لعدة عوامل ذاتية وموضوعية. ففي هذا السياق يشير صاحب تكميل الصلحاء إلى واقعة: "... حدثني ثقة أنه كان أحد حكام المدينة سجن رجلا وراود زوجته على نفسها فإمتنعت. ومكث في السجن نكالا فيها حتى تمكنه من نفسها. فلما اشتد يأسها من سراح زوجها ذهبت إلى ضريح الشيخ (سيدي أحمد) وشكت له بذلك الحاكم وبكت وتضرعت. فما كان إلا يومين ومات ذلك الحاكم وسرح زوجها ..."24.

والملاحظ في هذا الإطار أن الوليّ قد تدخّل بعد ثلاثة أعمال قامت بها هذه المٍرأة الضحية وهي الشكوى من ظلم الحاكم فالبكاء نتيجة الإحساس بالقهر والعجز ثم التضرع بالدعاء طلبا لرد الاعتداء. والمثير للانتباه أن تدخل الوليّ كان سريعا وحاسما حيث أنه وبعد يومين من الشكوى تميز تدخله لا فقط بعقاب المعتدي، بل أيضا بتسريح زوج الشاكية من سجنه. ولعل هذه المدة الزمنية القياسية تؤكد حسب المدونة المناقبية دائما تفوّق سخط الوليّ على كل أشكال التعدّي السياسي. والمهم أنّ العقاب المقدّس المسلّط هو الموت والفناء، وهو النتيجة النهاية التي كانت تنتظرها الجماعات المحلية على إثر تدخل وليها.

في نفس الإطار أيضا يمكننا تنزيل استجابة الوليّ علي بن عون لطلب نساء قبيلته بهدف خلاص أزواجهن من سجون الباي25. وتصور المأثورات الشفوية حرص الوليّ على ضرورة وضع حد لظلم الباي الذي نكل بالقبيلة وهتك عرضها وشرفها. انطلق الوليّ في رحلته إلى الحاضرة بهدف لقاء الباي غير مُبال بالعراقيل والمخاطر الكبيرة التي تعرض لها نتيجة رحلته الطويلة والشاقة من بلاد قمودة إلى قصر باردو. ورغم أن الباي لم يكن يرغب في ملاقاة الوليّ ولا في شفاعته فإن الوليّ كان مصرا على ضرورة وقف تعديه ورد الاعتبار لوجهاء قبيلته. ورد مأثور الوليّ الساخط طويلا لذلك اخترنا منه هذا المقطع لدلالته 26

أنا ناديتك وتوكّلت على مولايا *** ربي الخالق العالم الرزّاق

فيهم سيدي عبيد بودربالة *** ما تسرّح المربوط

ثار اللغم وهربت البناية *** وما يبقى في الأسوار كان أعواد

والملاحظ أنّ دعاء الوليّ برفع الظلم وتحقيق مراده تبعته بسرعة عملية "تفجر أبواب السجن وسقوط الأسوار وهروب البنائين". ولعل عودة الوليّ مصحوبا بالمساجين من الأعيان المحليين إلى مضارب قبيلته سوف يكون متبوعا بالاحتفال. هذا الاحتفال الذي يؤكد جدارة الوليّ المخلص بالفتوحات والهدايا نظير ما ألحقه بالسلطة السياسية أي سلطة الباي من هزيمة وسخط وانتقام. لذلك حرصت الذاكرة على تنزيل الوليّ في دائرة المتفوق على إرادة السياسي. في نفس السياق سيعبر أحمد التليلي أيضا عن غضبه وسخطه تجاه عنف علي باشا الذي تقول المناقب أيضا أنه عمد إلى هتك حرمة الزاوية من خلال أخذه ممتلكات فاعلين من عائلة الوليّ. تقول مناقب الوليّ " فخرج الشيخ بنفسه وردها من علي باشا"27. ولعل المصير المأسوي الذي لقيه علي باشا على يد المحلة الجزائرية من شأنه تدعيم كرامة الوليّ العقابية وسخطه في نظر الجماعات المحلية. والملفّت للانتباه انسجام الموروث الشفوي لسير الأولياء وسخطهم تجاه السياسي مع ما تورده المدونات المناقبية المكتوبة28.

لقد ثبت جليا أن عنف المقدّس تجاه العنف السياسي قد كان ينتهي دائما لصالح المقدّس متخذا مستويات عديدة كما شمل البايات والأمراء والقياد وجل الرموز المخزنية. لذلك يمكننا اعتبار هذا العنف المقدس انعكاسا لرغبة الجماعة المحلية في التصدي لعنف البايات وممثليهم باعتبار ما يمثله المقدّس من حماية لها ولمصالحها. فكيف يمكن فهم عنف المقدّس تجاه هذه الجماعة المحلية نفسها وتجاه نوع من الممارسات الاجتماعية التي ظلت مجال سخط الوليّ وانتقامه ؟ فقد شمل عنف المقدّس سلوكات تميزت بانحرافها عن السلوك الذي ينشده المقدّس لكن شملت كذلك سلوكات أبدت الجماعة خلالها دفاعا عن مصالحها ؟

سخط المقدّس تجاه عنف المجتمع

الملفت للانتباه هو تعدد مجالات سخط المقدّس تجاه العنف الاجتماعي. تشير جل المصادر الإخبارية وحتى سير الأولياء ومناقبهم إلى تعدد مظاهر عنف الجماعات المحلية من حرابة وغارات قبلية ومبادلات عنف ونزاعات عشائرية عنيفة ودموية لأسباب مختلفة حتى أن المؤسسات الدينية المقدّسة نفسها أصبحت أحيانا كثيرة وخلال الأزمات السياسية مجالا للعنف الاجتماعي والحرابة القبلية. وهو ما يطرح عديد الأسئلة بشأن عنف الوليّ وسخطه تجاه المجتمع التي يستمد منه نفوذه المادي والرمزي ؟ ألا يعود ذلك إلى نجاح السلطة السياسية في استقطاب المقدّس والتحالف معه وهو ما حفزه على مزيد الانخراط في مشروع تحييز المجالات القبلية وفي تأكيد توبة الجماعة المحلية وتثبيت الطاعة والولاء . ففي هذا الاطار يمكننا فهم هذه التبعية المتبادلة بين الديني والسياسي وهو ما يفسر إلى حد ما سخط المقدّس على عديد الممارسات اجتماعية مثل أحداث العنف المتبادل والغارات والحرابة وغيرها. فماهي تجليات ذلك؟

سخط الوليّ تجاه السرقات الفردية والجماعية

مثلت السرقة احدى أهم الممارسات الاجتماعية التي ميزت واقع الحياة اليومية للجماعات المحلية منذ القدم. وهي تعكس إلى حد ما التفاوت الاجتماعي وعجز عدد هام من الشرائح الاجتماعية عن تلبية حاجياتها الذاتية من الغذاء وغيره خاصة خلال المجاعات وما يرافقها من أزمات صحية واجتماعية. هذه الأزمات التي تضرب بحدة المجالات القبلية. والثابت أن مجمل هذه الأزمات المختلفة قد تؤدي إلى عجز هذه الجماعات المحلية عن إيجاد بدائل خارج دائرة السرقة والنهب لأملاك الغير. ولعل المثير للإنتباه أن هذا العنف الاجتماعي بدأ يستهدف المقدّس أحيانا كثيرة حيث أصبحت فوائض الثروات المجمعة بفضاء عدد من المؤسسات الدينية والزوايا نتيجة الهدايا والفتوحات المختلفة محل استنكار واعتداء على حد السواء من قبل الجماعات المحلية. فكيف يمكن تفسير إقدام الجماعات المحلية على انتهاك حرمة مقدسها؟ وكيف تقبل المقدّس عنف جماعاته المحلية ؟

تحتفظ مأثورات الوليّ علي بن عون بأخبار تفيد حدة سخطه تجاه أجواره من الفرق القبلية الذين عمدوا إلى انتهاك حرمة وليهم بعد أن عمدوا إلى "ذبح عجل" على ملكه مدعين أن العجل اعتدى على مراعيهم29. وتشير المأثورات إلى أن رد الوليّ سيدي علي بن عون كان عنيفا ومنددا بذبح عجله داعيا شيخه سيدي عبيد إلى رد هذا الإعتداء والانتقام له في إطار مقطوعة دعائية طويلة اخترنا منها هذا الجزء المعبر عن نقمة الوليّ وسخطه30.

سيدي عبيد يا بوزرة *** أنا فلاح وأنت شديد

يجعلهم رشي بين الخيام *** والتسقديد (التسول)

كان حرثوا ما تجيهم صابة *** وكان لعبوا ما يجيبوا سيق (نتيجة)

وقبل التطرق إلى مسألة غضب الوليّ تشير الحادثة إلى اعتداء الوليّ على مراعي جيرانه، فكيف يمكن فهم إقدام الوليّ على هذا "العنف المدنّس" وهو الذي يمثل نموذجا سلوكيا محرضا على السلم وحفظ حرمات جماعته المحلية ؟ ثم كيف يمكننا فهم حادثة إنتهاك الجماعة المحلية حرمة وليها بما يحمله المقدّس من دلالات عقابية ؟ قد يبدو أن هذه الرواية تتضمن تناقضات عديدة. لكن اذا سلمنا بالواقع القبلي القائم على توسع الحركة الانتجاعية وغموض الحدود المجالية بين المجالات القبلية فإنّ كل ذلك من شأنه أن يعيد تقييمنا لسلوك الجماعة المعتدية والوليّ الساخط. كما يمكننا تنزيل هذه الرواية في إطار استحضار محبري سيرة الوليّ لقصص الأنبياء وخاصة ما حصل لناقة النبي صالح مع قومه مع ما يرافق ذلك من محاولة لتعظيم سخط الوليّ علي بن عون تجاه منتهكي حرمة عجله. وهو سخط قد يؤدي إلى بور أراضيهم وتحولهم من حالة الغنى والثراء إلى التسول والفقر.

تتكرّر هذه الأدعية ذات اللهجة الشديدة والساخطة تجاه السرقات الفردية والجماعية في سيرة الأولياء من ذلك ما تردده الذاكرة الجمعية لزاوية سيدي علي السايح ببلاد قمودة والتي تم تأسيسها أواخر القرن التاسع عشر31. تشير الذاكرة المحلية إلى إعتداء فصيل أولاد نصر من أولاد عزيز على ناقة الشيخ الوليّ وقطيع أغنامه بالسرقة. تضيف نفس الرواية أن الوليّ توجه بالدعاء والسخط مستهدفا من خلاله جميع المشاركين في سرقة ناقته قائلا:

"اللي (الذي) شمّ واللي لــمّ *** واللي كلى (أكل) لحم وعظم"

يبدو أنّ سخط الوليّ شمل جل المشاركين في الاعتداء سواء بالسرقة أو أولئك الذين أقاموا وليمة وأكلوا من ناقته المسروقة.والجدير بالملاحظة أنّ هذه الرواية لا تذكر معطيات إضافية حول إمكانية قيام فصيل أولاد نصر بطلب العفو والاعتذار من الوليّ؟ وهل قبل الوليّ اعتذارهم أو الصفح عنهم؟ لا تذكر الرواية من ذلك شيئا. ومن المؤكد أنّ الجماعات المحلية كانت تسارع غالبا إلى طلب الاعتذار مخافة العقاب وتجنّب سخط الوليّ. لكن الثابت أن هذه الرواية قد كانت غايتها الأساسية تأكيد كرامات الولي خاصة كلما نزلت مصيبة بالفاعلين سواء أفراد أو جماعات حيث يتم إرجاع تلك المصيبة أو الحادثة مباشرة إلى تحقق سخط الوليّ. كما تتحدد علاقاتهم بجماعاتهم المحلية في هذا الاطار ليصبحوا تدريجيا"مساخيط سيدي فلان".

النزاعات العشائرية مجال سخط وغضب أو الوليّ المنحاز؟

تعدّ النزاعات العشائرية واقعا تاريخيا ميز الحياة البدوية طيلة العهد الحديث بالبلاد التونسية بصفة عامة وهي نزاعات ترجع عواملها الأساسية إلى الصراع حول المراعي والمياه وقطعان الماشية خاصة . وتعد النزاعات بمنطقة السباسب العليا الأشد ضراوة. والثابت أن مناقب الأولياء أشادت بدور هؤلاء في ما تسميه ب"توبة الأعراب" وهي توبة متبوعة بعمل ولائي شاق بهدف الصلح والحد من تبادل العنف. ففي هذا السياق تشير مناقب سيدي عبيد أيضا إلى "السخط الذي سلطه على قبيلة بني يزيد بمنطقة الأعراض بسبب نزاعهم قبيلة الهمامة حلفاء سيدي عبيد ومريديه. تشير الرواية إلى أنه وعلى إثر استغاثة الهمامّة بالوليّ سيدي عبيد انفجرت "زاوية سيدي قناو"32 ودمّرت بالكامل مما دفع بسيدي قناو إلى التوجه مسرعا صحبة وجهاء بني يزيد إلى زاوية سيدي عبيد بالشرق الجزائري لطلب العفو ..33. فكيف يمكن تفسير هذه الواقعة وما مدى مصداقيتها التاريخية؟ وكيف يمكن فهم هذا الصراع بين الأولياء؟ وما علاقة سيدي عبيد الموجود بالشرق الجزائري بقبيلة الهمامة الواقعة بمنطقة السباسب العليا التونسية؟

تقدم المأثورات الشفوية الوليّ سيدي عبيد باعتباره "المثال الولائي الأعلى" بقبيلة الهمامّة إلى جانب رابطة "القرابة الدموية" المزعومة34. ويبدو أن زاويته أشرفت على تكوين عدد هام من الشيوخ والمريدين. لكل ذلك تبدو هذه الرواية حول تعلق القبيلة بالوليّ مقبولة. لكن كيف يمكن تفسير هذه المفارقة حول سخط سيدي عبيد تجاه ولي مثله وهو سيدي قناو ؟ وكيف حولت الذاكرة المنقبية حرب القبائل إلى حرب بين الأولياء؟

الثابت أنّ هذه الراوية تتميز بالغموض الذي يصل إلى حد التناقض مما يدعو إلى الارتياب حول مدى انسجامها مع الوقائع التاريخية، ذلك أنّ سيدي قناو وحسب ذاكرة قبيلة الهمامة هو في الأصل سيدي علي المقاني الجد الثالث لسيدي عمر بن عبد الجواد مؤسس زاوية العكارمة بقصر قفصة إحدى أهم زوايا قبيلة الهمامة35. إلى جانب ذلك هل انتهت النزاعات القبلية بين الطرفين؟ وهل مثل سخط الوليّ علامة نهاية لهذا النزاع؟

إلا أنّ تأكيد المناقب والسير على سخط الأولياء تجاه النزاعات القبلية تبدو جلية للعيان محاولة بذلك التأكيد على أهمية أدوار الوساطة والتحكيم بين المتنازعين من ذلك مثلا ما نقله لنا الباحث ادموند دوتي في مدونته الصلحاء من أخبار طريفة حول تنوع وسائل سخط الأولياء لإرساء السلم والصلح بين الأطراف المتنازعة ببلاد المغرب. فقد جاء في أخبار الوليّ سيدي عبد الرحمان اليعقوبي وهو من أبرز أولياء الغرب الجزائري الذين برزوا خلال القرن 16 أنه "... لما وصل نواحي تلمسان ليصلح بين عشائر تلك المنطقة حتى صاح أحدهم في وجه الوليّ رافضا الصلح. فأجابه الولي: الله يحرقك بالنار؟ وفجأة أصيب الطرف الرافض بحروق بليغة توفي على إثرها ..."36.

أمّا مناقب الوليّ سيدي محمد بن علية الذي عاش في القرن 16 وأسس زاويته بمنطقة تمقاد الجزائرية فتشير بدورها إلى أنه "... لما علم بأنّ فصيلين من صحاري أولاد إبراهيم وأولاد ثابت يتصارعان...حمل صخرة من الجبل يعجز مائة رجل على حملها وهدد بأن يهشم بها رؤوس المتنازعين إن لم يتوقفوا. فتوقفوا. وكان من نتائج ذلك أيضا أن ترك القسم الأكبر من الجبل ينهار. وقال لهم إن خيركم اندثر وسأقوم بردمه تحت هذا الركام. ومنذ تلك الواقعة وهم يعيشون حياة بائسة..."37.

تتشابه جل هذه الروايات المنقبية في مستوى وسائل سخط الأولياء وهي النار والحجارة مع ما يرافقهما من دخان وانفجارات. لكن يبدو أن الرواية الثالثة تضيف أشياء أخرى عقابية وهي الإمساك أي إمساك النعمة والخير عن المتنازعين. ولعل نزوع الوليّ لوقف النزاعات العشائرية مثل احدى أهم ثوابت حضور المقدّس بهدف تأكيد "توبة الأعراب" التي أشادت بها المدونات الإخبارية والمنقبية على حد سواء. والملاحظ أنّ تنوع وسائل السخط والعقاب مرده بالأساس الأخطار الجسيمة التي تمثلها النزاعات العشائرية على واقع الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى على مصالح المقدّس في حد ذاته. هذه المصالح التي قد تتصل أحيانا كثيرة برغبات شخصية قد تكون محل رفض من قبل الجماعة المحلية. فكيف ذلك ؟

عنف المقدّس تحقيق لرغبات المقدّس الذاتية

تكرّرت في أدبيات المناقب وسير الأولياء موضوع الدراسة خلال العهد الحديث هذه الروايات حول سيرة بعض أوليائها ومواقفهم تجاه سلوكات رفض بعض العائلات ذات الحظوة الاجتماعية مصاهرة الوليّ. وهي مواقف تبدو غريبة ولا تتفق مع سياق الأعراف المحلية التي تراعي أنظمة الزواج القائمة على حرية العائلة في قبول عروض الزواج والمصاهرة أو الرفض تقديرا لالتزاماتها المادية والرمزية. لكن يبدو أن غضب الأولياء تجاه هذه السلوكات قد اتسم بالغرابة أيضا ؟ اذ كيف يمكننا فهم غضب الوليّ وسخطه تجاه رفض الارتباط به والزاوج منه ؟ هل تدخلت الذاكرة المناقبية في تخليد صورة الوليّ الخارق للعادة والذي يجب إخضاع الأعراف له؟ ونظرا لتعدد هذه السلوكات سوف نحاول تحليل بعض هذه المواقف التي تحافظ عليها الجماعات المحلية رغم تعرضها لسخط الوليّ؟

جاء في مناقب الوليّ سيدي يونس حفيد الولي أحمد التليلي وكان قد ولد حوالي سنة 1846 ببلدة فريانة أنه "...لما ذهب إلى بلد تمغزة...يطلب منهم إمرأة يقال لها حفصة...لم يعطوها له...سلط الله عليهم البرد حجرا من السماء فأهلك أشجارهم وثمارهم. ثم سلط على بقية ذلك الجراد فأهلكها." 38

تجسّد سخط الوليّ في تسليط البَرَدْ والحجر ثم الجراد على كامل القرية دون استثناء ثم هلاك البساتين والثمار. وكل هذه الأشياء حدثت حسب كرامات الوليّ نتيجة رفض الارتباط به وتحقيق رغباته. والسؤال المطروح كيف يمكن فهم هذا السخط الذي سلطه الوليّ على قرية بأكملها ؟ ألا يتناقض غضبه وبركته العقابية مع جوهر "المحبة الصوفية "خاصة وأن عوامل رفض الارتباط به قد تستجيب إلى منطق المعقولية الاجتماعية والعرفية التي قد لا تتعارض مع قيم التي يدافع عنها الوليّ ويحميها نظريا على الأقل؟

وتتكرر هذه الحادثة التي نجد صدى لها في أدبيات مناقب سيدي عبيد أيضا وهو الوليّ الذي عاش في القرن الخامس عشر ومؤسس زاويته بالشرق الجزائري ولها حضور متميز واشعاع كبير بجهات الوسط والجنوب الغربيين من الايالة التونسية حيث تشير أخبار مناقب الشيخ عبيد وسيره إلى أنه " لما تقدم لإحدى العائلات الثرية المقيمة ب"قرية واشكون الجبلية" لطلب يد إحدى بناتها لشقيقه تم رفض طلبه. فما كان من الوليّ إلا أن صعد الجبل رافعا عصاه إلى السماء. فإرتج الجبل وانفصلت الصخرة التي شيدت فوقها القرية فمالت بسكانها مهددة بالسقوط . لذلك أسرع السكان إلى طلب الصفح عارضين بناتهم عليه..."39.

والملاحظ منذ البداية هذا التشابه الكبير بين الرواية الأولى والرواية الثانية. إلى جانب ذلك حافظت الرواية-الذاكرة على جانب كبير من الغموض حول الأسباب الفعلية التي تقف وراء رفض الارتباط بالوليّ رغم مكانته الاعتبارية ؟ثم من يقف وراء الرفض ؟ هل هي الفتاة نفسها موضوع رغبة الوليّ ؟ أم عائلتها؟ أم الجماعة برمتها ؟ ذلك أن عملية زواج البنت تظل عرفيا عملية معقدة وتخضع لاعتبارات مادية ورمزية لا يتسع المجال للخوض فيها. وهي اعتبارات يجب على الأطراف الأخرى التقيد بها والخضوع إليها؟

ولئن اعتبر بعض الباحثين أن هذا العنف الذي سلطه الوليّ على العائلة والقرية بأكملها يمثل تعبيرا عن وقوف المقدّس في صف الضعفاء باعتباره يجسم قيم التواضع والعدل ونصرة المظلوم والحد من سلوكات بعض العائلات الثرية التي تدعي التفوق الاجتماعي40. فإننا نعتقد أن هذا السخط الولائي تجاه رفض تزويج الوليّ من إمرأة يطلبها لنفسه أو لأحد أفراد عائلته قد يعكس أيضا من منظورنا خصوصية نظرة المتصوفة للمرأة بصفة عامة. فالمرأة من منظور بعض المتصوفة أو مُدعي التصوف تظل من أتباع الوليّ "ومريديه إن لم نقل إحدى فتوحاته"لذلك تحرص المناقب غالبا على إدراج عملية عرض القبيلة لكل بناتها على الوليّ. وهو أمر يتكرر في جل السير الولائية ويصبح الهدف الأساسي حتى تتفادى القبيلة سخط الوليّ هو الاستجابة المطلقة لكل طلباته ونزواته الشخصية وإشباع لذائذه.بالإضافة إلى ذلك لا يمكن أن يؤسس سخط الوليّ الملاحظ في علاقته بالمرأة حاجة اجتماعية إلى التوازن والرفض للمراتب والكبر والتعالي دائما لكن قد يغذي أيضا جوانب ذاتية تهم الوليّ ومحبري سيرته بالأساس.

وقد نقلت لنا المدونات المناقبية بعض سلوكات مدعي الولاية في تأسيس علاقات"محرمة"مع نساء وفتيات41مراعاة لحالة الجذب والتصوف التي قد تنتاب هؤلاء "المتصوفة" من حين لآخر. وهو وضع قد لا ينسجم مع الأعراف الاجتماعية والقيم الدينية ولا يراعي مشاعر بعض العائلات والجماعات المحلية التي قد لا تستطيع التعبير عن رفضها لمثل هذه الممارسات التي يقوم بها الوليّ خوفا من سخطه وانتقامه.

الخاتمة

إجمالا يبدو جليا أنّ المادة المصدرية حول عنف المقدّس سواء في مستوى المأثورات الشفوية أو السير المناقبية المدونة تبدو هامة ويصعب حصرها. ولعل هذا الكمّ الهائل يعكس بدوره احتفاء صناع الكرامات من كتاب السيرة الولائية المأثورة والمنقولة بعنف الوليّ. هذا العنف الرمزي والمادي الذي يكشف اختراقه لكل أشكال الإكراه وهو في نفس الوقت يعيد إنتاج المنظومة القيميّة والعرفيّة والأخلاقيّة باعتباره أحد رموزها. والثابت أن شغف الناس بكرامات أوليائها ساهم مساهمة فاعلة في انتشار هذه المعتقدات والطقوس والممارسات فضلا عن حاجتهم إلى المقدّس الحامي لهم والمدافع عن حرمات المحلي في زمن أزمة سياسية واجتماعية يزداد وقعها يوما بعد يوم .هذا المقدّس الذي لا يمكن أن يكون دائما علويا بل هو مخلوق منتج من واقع عاداتنا اليومية واعتقاداتنا ومن صراعاتنا وحاجتنا الاجتماعية وهو جزء من علاقات تبادل مادية ورمزية بين الناس42.

والجدير بالملاحظة في معظم الحكايات المنقبية أنّ عنف المقدّس يشكل بنية الملحمة، أي ملحمة الوليّ في بناء كراماته الخارقة للعادة43. لذلك تظلّ اختيارات الوليّ وصولاته وجولاته الاجتماعية والسياسية غنية بالرموز والمعاني والدلالات ويتحول الحدث التاريخي إلى حدث أسطوري مقدس ومؤسس لنظام طقوسي محكم البناء يتمازج داخلة ثنائيات الخير بالشر والسعادة بالحزن والخوف بالطمأنينة والموت بالحياة والسلم بالعنف وغيرها.ولعل هيمنة هذه الثنائات والتناقضات يفسر إلى حد ما ديمومته واستمراريته التي تخترق الزمان والمكان.

الهوامش

1 لا تزال دراسة رينيه جيرار حول العنف الذي يعتبره "قلب المقدّس الحقيقي وروحه الخفية" تثير جدلا كبيرا بين الباحثين باعتبار أهمية المفاهيم التي وضعها لشرح الظاهرة وتحليلها. للمزيد حول هذه الدراسة انظر

René Girard, 1972,La violence et le sacré, édition Bernard Grasset Paris.

وقد ترجم الكتاب إلى العربية من قبل سميرة ريشا،2009،العنف والمقدّس، مراجعة جورج سليمان المنظمة العربية للترجمة، بيروت الطبعة 1، ص 67.
2 نللي سلامة العامري، 2006،الولاية والمجتمع مساهمة في التاريخ الاجتماعي والديني لافريقية في العهد الحفصي، بيروت، ج1، ص383 وما يليها.
3 نصابر السويسي، تقديم كتاب بن يوسف (زهير)، الصوفية بافريقية سيًر الرجال وسير الأفكار، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس طبعة 1 سنة 2018انظر الموقع الرقمي التالي:
https://www.mominoun.com
4 مراد الضويوي،2014،أنثربولوجيا الإسلام، التفكير السحري في الثقافة العربية الإسلامية في القرنين 7 و 8 الهجريين ابن عربي وابن خلدون نموذجا، سحر للنشر، ص 283.
5 مصباح الصمد، 2006، مقدمة ترجمة كتاب جلبير جوران الأنتروبولوجيا رموزها أساطيرها وأنساقها، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص 8.
6 مراد الضويوي، 2014، ص 284.
7 نللي سلامة العامري، 2006، ج1، ص 526.
8 محمد أسموني، 2018، العنف الصوفي المقدّس نماذج من المدونات المنقبية بالمغرب ق6 -13 هـ 13 -19 م،ورد بكتاب التصوف والعنف، إشراف صابر السويسي، نشر مؤمنون بلا حدود والمركز الثقافي للكتاب الدار البيضاء، ص73.
9 شادلية العبيدلي، 2008- 2009،العنف المقدّس في عرائس المجالس للنيسابوري قصة صالح ولوط وداود نموذجا، ماجستير حضارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة ،ص7 وما يليها
10 أبو العباس أحمد التادلي المغربي،2011، مناقب السيدة عائشة المنوبية، تحقيق ودراسة محمد الكحلاوي، منشورات كارم الشريف. ط1، ص 137.
11 تشير الباحثة إلى أن كرامات السخط والانتقام لدى الولي بن عروس بلغت حوالي 29 كرامة من أصل 204 كرامة نسبت إليه. للمزيد انظر نللي العامري سلامة، 2006 ، ص 319 و 384.
12 محمد أسموني، 2018، ص 73.
13 تتمثل الممارسة العنفية أيضا من خلال الممارسة العلاجية حيث يتحول بعض الأولياء إلى سلاطين جان يضربون المرضى لإخراج الجان وهو أيضا عنف تتقبله الجماعات المحلية وتعتبره أساس العلاقات العلاجية.
14 محمد أسموني، 2018 ، ص 116.
15 انظر ادموند دوتي،2014،الصلحاء مدونات عن الإسلام المغاربي خلال القرن التاسع عشر، ترجمة محمد ناجي بن عمر، إفريقيا الشرق .الدار البيضاء ، ص127 وما يليها.
16 انظر حول هذه المسألة محمد حامدي، نسب سيدي خليف النسب التاريخ الأرض (د. ت).يتضمن الكتاب وثائق ومراسلات هامة تعكس تطور علاقة الزاوية بالسلطة الحسينية.
17 انظر حول هذه المسألة محمد حامدي، المرجع نفسه.
18 فريد الصغيري، 2012، المأثورات القولية للشيخ علي بن عون، مجلة الثقافة الشعبية عدد 19، ص39 وما يليها.
19 للمزيد حول رمزية حضور الأسد في سير الأولياء انظر محسن التليلي، 2020،سيدي تليل في التاريخ والسيرة والرمز: قراءة أنتروبولوجيّة في سيرة الأب المؤسّس لأولاد تليل، تصدير عادل بن يوسف، دار الطباعة للنشر تونس، ص ص124 -139.
20 انظر محسن التليلي، 1998، زاوية الشيخ أحمد التليلي بفريانة قراءة في أصول أولاد سيدي تليل وتاريخ مؤسستهم الدينية، مطبعة العلم سوسة، ص 83.
21 تشير بعض المعطيات إلى أنه يمثل أحد مشايخ الطريقة العروسية استقر بالقيروان بعد رحلة علمية وطرقية طويلة بالمشرق لا نعلم تاريخها حيث درس بالجامع الأزهر. يوجد ضريحه الذي بنيت حول قبة ضخمة بربض أولاد غيث بمدينة القيروان وقد مثل مزارا لمريديه من العروش القريبة... انظر محمد بن صالح عيسى الكناني القيرواني ، 1970، تكميل الصلحاء والأعيان لمعالم الإيمان في أولياء القيروان، تحقيق وتعليق محمد العنابي، نشر المكتبة العتيقة الطبعة 1، ص41 وما يليها.
22 نفسه، 1970، ص41.
23 يحتفظ وكلاء الزوايا والعائلات المنتسبة لها بوثائق رسمية تؤكد تمتّع مؤسّسيها بإمتيازات عديدة تدعو إلى احترام شخص الولي وزاويته بحيث أن أبناء الولي لا تهتك لهم حرمة ولا يهضم لهم جناب ولا يلزمهم ما يلزم غيرهم من المكوس والخطايا والغرامات وغيرها. وهي إمتيازات يتم تجديدها بصفة دورية من قبل السلطة السياسية طيلة العهد الحديث.
24 محمد بن صالح عيسى الكناني القيرواني، 1970، ص 41 وما يليها.
25 فريد الصغيري، 2012، ص 44.
26 المرجع نفسه.
27 محسن التليلي، 1998، ص 84.
28 أورد صاحب مناقب أبي الغيث القشاش مؤسس زاويته بالحاضرة في حدود القرن السادس عشر بعض ملامح هذا العنف السياسي الذي ميز سلوك البايات من ذلك أن رمضان باي لما قرر انتهاك حرمات أهل سدادة بالجريد أصابه مرض ومات نتيجة سخط الولي سيدي أبي هلال السدادي... للمزيد انظر لطفي عيسى، 1993، أخبار المناقب في المعجزة والكرامة والتاريخ، دار سراس للنشر، تونس ، ص 73.
29 فريد الصغيري، 2012، ص 47 وما يليها.
30 نفسه.
31 ينتمي الولي علي السايح إلى عرش أولاد مسعود من قبيلة الهمامة. ولد بقمودة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أسّس زاوية منذ أواخر القرن التاسع عشر قريبا من زاوية سيدي بوزيد على الطريق الرابطة بين مدينة سيدي بوزيد ومدينة سيدي علي بن عون.
32 ليس لدينا مصادر دقيقة حول تاريخ بروز الولي سيدي قناو ولا تاريخ استقراره بجبل مطماطة بالجنوب الشرقي التونسي. بعض المصادر تشير إلى قبر سيدي قناو وإلى أعمال الصيانة والترميم التي قام بها مراد باي للمسجد خلال القرن 17 م. وقد مثلت زاويته تدريجيا محطة على الطريق الرابطة بين قفصة وجبل مطماطة مرورا بالحامة. للمزيد انظر بوخشيم (النوري)، 2016، زاوية سيدي قناو محطة في ملتقى الطرق القوافلية بين قابس ونفزاوة، ورد بشبكات الطرقات والمسالك ببلاد المغرب القديم والوسيط أعمال الندوة الدولية الثانية، أفريل 2015 جامعة سوسة.
33 مزيد انظر الأزهر الماجري، 2013، القبيلة الولائية والاستعمار الفرنسي أولاد سيدي عبيد في الجزائر وتونس مسار التفكيك واليات المقاومة 1830- 1890، المغاربية للطباعة والنشر، تونس ، ص 79 وما يليها. انظر أيضا

Trumelet (C.),1892,L’Algérie légendaire en pèlerinage ca et la aux tombeaux des principaux thaumaturges de l’islam tell et Sahara, Augustin Challamel Editeur, Alger, pp. 236 – 251.

34 الأزهر الماجري، 2013 ، ص 49.
35 انظر ماهر عافي، 2023، أحباس الزياتين والبركة بواحة القصر من خلال زاوية عمر بن عبد الجواد في العهد الحديث،ورد بجماعي، الزيتونة تراث ثقافي، طبع السنباكت، تونس ، ص141-159.
36 انظر ادموند دوتي ، 2014، ص 134 وما يليها.
37 نفسه.
38 محمد الأزهر باي ، 2005، مناقب أولاد تليل يونس بن عبد الرحيم، المطبعة المغاربية للنشر طبعة 1، ص 37.
39 أورد هذه الرواية الأزهر الماجري، 2013 ، ص 62 وما يليها.
40 نفسه، 2013، ص 62.
41 للمزيد انظر لطفي عيسى، 1994، مدخل لدراسة مميّزات الذهنية المغربية خلال القرن السابع عشر، دار سراس للنشر، تونس، ص 127.
42 ميرال الطحاوي، 2008، محرمات قبلية: المقدّس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائيا، المركز الثقافي العربي، بيروت، ص 93.
43 تركي علي الربيعو، 1995،العنف والمقدّس والجنس في الميثولوجيا الاسلامية، المركز الثقافي العربي، بيروت ، ص 14.

المصادر والمراجع

المنتصر ابن أبي لحية القفصي، 1998، نور الأرماش في مناقب أبي الغيث القشاش، تحقيق لطفي عيسى وحسين بوجرّة، المكتبة العتيقة تونس، ط1.

محمد الأزهر باي، 2005، مناقب أولاد تليل يونس بن عبد الرحيم، المطبعة المغاربية للطباعة والنشر طبعة أولى.

أبو العباس أحمد التادلي المغربي،2011، مناقب السيدة عائشة المنوبية، تحقيق ودراسة محمد الكحلاوي، منشورات كارم الشريف، الطبعة الأولى، تونس.

عبد الكريم الفكون، 1987، منشور الهداية في كشف حل من ادعى العلم والولاية، تحقيق وتقديم وتعليق أبو القاسم سعد الله دار الغرب الاسلامي.

محمد بن صالح عيسى القيرواني الكناني، 1970، تكميل الصلحاء والأعيان لمعالم الإيمان في أولياء القيروان، تحقيق وتعليق محمد العنابي، نشر المكتبة العتيقة، الطبعة 1، تونس.

محسن التليلي، 1998، زاوية الشيخ أحمد التليلي بفريانة، قراءة في أصول أولاد سيدي تليل وتاريخ مؤسستهم الدينية، مطبعة العلم سوسة .

محسن التليلي، 2020، سيدي تليل في التاريخ والسيرة والرمز، قراءة أنتروبولوجيّة في سيرة الأب المؤسّس لأولاد تليل، تصدير عادل بن يوسف، دار الطباعة للنشر، تونس.

تركي علي الربيعو، 1995، العنف والمقدّس والجنس في الميثولوجيا الاسلامية، المركز الثقافي العربي بيروت الطبعة الثانية.

مراد الضويوي، 2014، أنثربولوجيا الإسلام، التفكير السحري في الثقافة العربية الإسلامية في القرنين 7 و8 الهجريين ابن عربي وابن خلدون نموذجا، دار سحر للنشر.

ميرال الطحاوي، 2008، محرمات قبلية المقدّس وتخيلاته في المجتمع الرعوي روائيا، المركز الثقافي العربي، بيروت.

نللي سلامة العامري، 2006، الولاية والمجتمع مساهمة في التاريخ الاجتماعي والديني لافريقية في العهد الحفصي، بيروت لبنان.

شاذلية العبيدلي، 2008-2009،العنف المقدّس في عرائس المجالس للنيسابوري قصة صالح ولوط وداود نموذجا، ماجستير حضارة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، السنة الجامعية.

الأزهر الماجري، 2013،القبيلة الولائية والاستعمار الفرنسي أولاد سيدي عبيد في الجزائر وتونس مسار التفكيك واليات المقاومة 1830 1890، المغاربية للطباعة والنشر، تونس.

ابراهيم القادري بوتشيش، 2014، خطاب العدالة في كتب الآداب السلطانية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة1.

محمد الحامدي، نسب سيدي خليف: النسب، التاريخ، الأرض (د.ت).

فريد الصغيري،2012، "المأثورات القولية للشيخ علي بن عون"، مجلّة الثقافة الشعبية، عدد 19.

R. Girard, 1972,La violence et le sacré, Edition Bernard Grasset .

C.Trumelet, 1892, L’Algérie légendaire en pèlerinage ça et là aux tombeaux des principaux thaumaturges de l’islam tell et Sahara, Augustin Challamel Editeur, Alger.

M. Kilani, 1992, La construction de la mémoire, le lignage et la sainteté dans l’oasis d’Elksar, Labor et Fides.

الكاتب

ماهر عافي

باحث، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة

Retour en haut